أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - حديث عن عائشة: بقية الفصل الخامس















المزيد.....

حديث عن عائشة: بقية الفصل الخامس


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6483 - 2020 / 2 / 5 - 20:43
المحور: الادب والفن
    


3
حصلت خاني على مسكن خاص، ولو أنه مؤلفٌ من حجرةٍ بلا نافذة وحمّام لا يقل ارتجالاً. كانت تقضي الوقتَ في شغل الصوف، لتحصّل من خلاله بعضَ المال يعينها على مصروفها. مع أن طعامها كان يأتيها من منزل الأسرة المحسنة، من خلال باب داخليّ. عدا ذلك، كانت تبقى منسية من لدُنهم. تولت مرةً كنّتهم، عيشو، مدّها بقصعة الغداء، وكان بالعادة يُترك قسماً منه للعشاء. أطلت إذاً على خاني سحنةٌ تنطق بالفضول، لكنها لم تخلُ من ملامح الشفقة والعطف. كانتا على معرفة ببعض منذ أعوام، عن طريق زيارات الأهل، المتباعدة. غير أن خاني كانت آنذاك تعيش مع شقيقتها الكبيرة في منزل الخال، في البدء بسبب مغامرة أبيها التي مضت به إلى موطن آبائه، ومن ثم سوقه تالياً بالقوة إلى جبهة الحرب.
منزل الخال، كان يقع بمقابل حجرة خاني. منذ حلولها هنا، صارت تتعمد الإطلالة عليه نهاراً في كلّ مرةٍ تسمع فيها البائعَ الجوّال على الدابّة يجادل امرأة خالها بشأن سعر الخضار أو الفاكهة. بدَورها، كانت هذه الأخيرة تروّح عن نفسها برؤية حركة الجادة؛ هيَ مَن كانت أرضُ أبيها تمدها بالغلال. لما تلتقي نظرات المرأتين اللدودتين، كانت مشاعر الكراهية والبغض تفيض منها. امرأة ثالثة، دأبت على مراقبة ذلك الحوار الحاقد من وراء باب بيتها، الموارب: إنها " حَنِي "، وكانت متزوجة من أحد أقاربها من آل " سنجو "، المنتمين للعشيرة الآله رشية. مع أنها في السابعة عشرة ورشيقة الجسم، تبدو أكبر من سنّها؛ بملامح قاسية ونظرة سوداء. لكنها كانت تُظهر الكثيرَ من الرقة، لما يتعيّن عليها لعبَ دورٍ متفقٍ مع خطة برأسها أو مجرد نزوة عنّت لها.

***
في الفترة نفسها، التي ظهرت فيها ابنة آل سنجو على باب بيتها كي تراقب الجارة الجديدة، كانت شقيقتها الوحيدة تعيش في زقاق الحاج حسين. كانت تُدعى " هَدِي "، تكبر الأخرى بنحو سبعة أعوام؛ أكثر سمرة وسمنة وأقصر قامة. في عينيها نظرة ثابتة، كابية، لكن لسانها ينفث السم لو أثيرت أعصابها. وهذا كان حالُ لسان الأفعى، أثناء عراكها مع الحماة العجوز. الزوج، " مَمّو "، وكان من أبناء عمومة امرأته، كان يترك هذه في وصاية الأم ويمضي إلى قرية برزة كي يحرس إحدى المزارع. ما أن تطمئن المرأة لاستغراق الحماة في النوم عن طريق سماع شخيرها الصاخب، إلا وتقف وراء باب البيت منتظرةً حضورَ الحبيب من عمله في البستان. لم يكن الزوجُ هوَ المعنيّ بالانتظار، بل أحد أبناء زعيم الحي وكان من أكثرهم وسامة ورشاقة وظرفاً: سلو، كان قبلة أنظار النساء في الأعراس، يتابعن من أعلى الأسطح رقصه الرائع في هذه الساحة أو ذلك الحوش. كان يُجيد أيضاً الرقصَ الشرقيّ، منذ أن انتشرت أمكنة اللهو في المدينة بأواخر العهد العثماني وقبيل نشوب الحرب العظمى.
من ناحيتها، انتبهت خاني إلى كثرة وقوف الجارة حَني وراء باب بيتها، والمتفقة أحياناً مع أوان إطلالتها على الجادة. مع مرور الأيام، أدركت أن الأمرَ ليسَ مصادفة. قالت في نفسها: " يبدو أنها مثلي، امرأة تشكو الوحدة ". كانت ملمة بوضع الجارة، وكيفَ تبقى بلا أنيس في البيت بسبب خدمة زوجها في سلاح الدرك؛ وكانا أيضاً بلا أولاد بعدُ. هكذا انفتحَ قلبُ خاني للمرأة الملولة، وراحت تحييها من بعيد في كل مرة. لما تلقت منها ذات صباح دعوةً لشرب القهوة، لبّتها بكل سرور. ثم توثقت علاقتهما، لدرجة أن خاني قبلت أكثر من مرة ثوباً مستعملاً، ولكن يبدو على شيءٍ من الجدّة، عرضته عليها مَن صارت صديقتها الوحيدة في الحارة. إلى أن كان يوماً، تناهى إلى سمعها نغمُ آلة موسيقية شجية، آتية من الجوار.
" إنه ابن عمي، ‘ نورو ‘، يعزف على الطنبور "، قالتها حَني ثم أضافت متكلفة لهجة ملغزة: " إنه مثل كل أعزب، يُعبّر في موسيقاه عن آمال جميلة "
" وهل الرجل يكفّ عن ذلك بزواجه؟ "، تساءلت خاني بشيء من السذاجة. ضحكت الأخرى، وعلّقت باقتضاب: " أنتِ أدرى! ". لم تأخذ الضيفة على خاطرها؛ فهيَ تعلم أن ماضيها معروفٌ في الحارة. مع التزام خاني الصمت، مكتفية بالابتسام، عادت حَني لتقول ممعنةً بالعبث: " الرجلُ همٌّ لا بد منه، سواءً بالزواج أو خلافه "
" من جانبي، لا أرغبُ بتكرار تجربة الزواج حتى لو كان العريسُ جمال باشا "
" يروقني جهلك، يا صديقتي "، عقّبت المضيفة وقد تعالت قهقهتها. تابعت القول، " جمال باشا هربَ إلى بلاده منذ شهور وانتهى حكم الأتراك ". ثم آبت إلى الضحك، متسائلة: " هل صحيح أن محسنتكِ لديها كلباً أحمر الشعر، أسمته جمال باشا؟ "
" نعم، وما تنفك محتفظة به "
" لعلك تعرفين القصة المتداولة في الحارة، عن نيّة ذلك الحاكم إعدامَ ابنها حسّو، وذلك انتقاماً من أمه بسبب كلبها! "
" بلى، مع أن حسّو بقيَ حراً في خلال الحرب "
" ربما ألقوا القبض عليه ثم أفلتَ من سجنه بسبب الفوضى، التي أعقبت دخول العرب للشام "، ردت حَني. ثم ما لبثت أن عبّرت عن ضجرها من الحديث، وقامت تفتح باب الحجرة: " الأجدى أن ننصت لهذه الموسيقى الجميلة، ولو كنتُ أجيد الرقصَ لأخذت بهز وسطي حتى أهوي متعبةً! "، قالت ذلك وهيَ تنظر بإغراء في عينيّ صديقتها.

4
في الأيام الدافئة والمشمسة، كانت حماة عيشو معتادة على الجلوس عند عتبة باب المنزل، واضعةً على جانب إبريقَ الشاي. أحياناً، كانت الكنّة تظهر من خلفها كي توصيها بشراء شيء معيّن من الباعة الجوالين على دوابهم. منذ استهلال خلّو عمله كملاحظ لنواطير البستان، لم تعُد امرأته بحاجة لدفع المال مقابل الحصول على الخضار أو الفاكهة. حتى كانت ظهيرة أحد أيام الربيع، لما أطل رأسُ عيشو خِلَل الباب لتكلم حماتها. إنهما كذلك، حينَ خرجت خاني من منزل آل سنجو لتقطع هرولةً المسافة القصيرة إلى مسكنها. برغم الملاءة السوداء، فإن جانباً من وجهها ظهرَ وكان مصبوغاً بزينةٍ فاقعة. ثم ما عتمَ رأسُ حَني أن بانَ بدَوره من وراء باب البيت، الموارب
" يا لها من صُحبة جميلة! "، غمغمت الحماة العجوز بنبرة ازدراء. سمعتها عيشو، فعلّقت بالقول: " ما لها تلقي إلى ناحيتنا نظراتٍ مختلسة، تلك المرأة؟ ". كانت تعني حَني، التي لم تبادرها مرةً قط بالسلام. ردت الحماة، رافعة رأسها باتجاه امرأة الابن: " كذلك حاله، مَن يعتقد أن الناسَ على معرفة بأفعاله القبيحة ". إذن، العجوز كانت تلاحظ ما يريب وهيَ في جلستها اليومية عند عتبة باب المنزل. لكنها فضّلت الآنَ ألا تفاتح امرأة ابنها بما تعرفه، وذلك بناءً على حكمةٍ نبوية توصي بالتستر على المعاصي. غيّرت هكذا الموضوعَ، بالاستطراد طالبة من كنّتها أن تأتيها بالطفلة غوليستان ذات الثلاثة أعوام.

***
مساءً، لدى زيارتها منزل أبويها، كان بانتظار عيشو خبرٌ صاعق يتعلق بالشقيقة الكبيرة لتلك المرأة صاحبة النظرات المختلسة. وجدت الوالدةَ، وعلى غير العادة، خارجة عن طورها. لم تتأخر هذه في بث الخبر على مسمع من الابنة: " شقيقك سلو، يتسلى بأعصابي. تصوري أنه يريد تطليق زوجته، الجميلة وابنة الحسب والنسب، من أجل امرأة قبيحة نبت شاربها كالرجال! "
" من هيَ، أماه؟ "
" إنها هَدي، ابنة جيرانك آل سنجو "
" ولكنها امرأة متزوجة؟ أم أنها في سبيلها للطلاق؟ "
" ستطلّق نفسها في سبيل شقيقك الأحمق، المغفل! "، هتفت الأم بصوتٍ كالعويل. فكّرت عيشو قليلاً، قبل أن تدلي برأيها: " سلو ليسَ بالأحمق ولا بالمغفل؛ بل هيَ داهيةٌ ماكرة، تلك المرأة ". ثم أردفت على الفور، وقد لاحَ رجلٌ آخر لخيالها: " وماذا عن أبي، هل يمكن أن يوافق على هكذا أمر شائن؟ ". واصلت الأم هز رأسها، لترد بأسى: " لم يعُد أحد من الأبناء يحسب حساب أبيك؛ لا هوَ ولا شقيقه حسينو، الذي ارتضى على نفسه العمل كناطور عند المزارعين الصوالحة. حتى شقيقك الكبير، موسي، ما زال آخذاً على خاطره من أبيه لأنه اشترى منزلاً لزَري أكبر من منزلنا ".

***
رجعت عيشو من منزل أبيها، وكان ذلك الخبر المقيت يصدى في رأسها. الوالدة، شددت عليها ألا تخبر أحداً بالموضوع، لأنه من الممكن أن يُطوى بطريقةٍ ما. وكانت قد أسمت عليكي آغا الكبير، كونه معلمَ سلو وفي وسعه التأثير عليه لتغيير رأيه. لذلك تكلفت الابتسام حينَ سألتها حماتها عن أحوال العائلة، وأجابتها: " إنهم بخير، ويرغبون برؤيتك لديهم ". فردت العجوز يديها، بحركة المحتار في أمره ثم قالت: " أنا مقصّرة فعلاً بزيارتهم، لكنهم لم يشرفونني ولا مرة واحدة "
" الشباب كبروا، وأولادهم أيضاً، ما يفرض على الأم واجبات كثيرة. هذا عدا مهنتها، المتطلبة أحياناً السهر حتى الصباح "
" نعم، أعانها الله ووفقها. أمك جوهرة، يا ابنتي، أصيلة ولا مثيل لها "، قالت العجوز. تنهدت المرأة الصغيرة، وأسرّت لنفسها: " لكنها تعيسة الحظ بأولادها الكبار، وا أسفاه! ". ثم عادت الهواجس تتناهبها، مفكّرةً بذلك الخبر وأنه لن يبقى سراً في الغد إذا لم يتعقّل المعنيّ به. آبت إلى مخاطبة داخلها، نافخةً يقنوط: " حماتي استنكرت أن يكون لامرأة مشبوهة، مثل خاني، علاقة بابنة آل سنجو. فكيفَ لو عرفت أن ابن زعيم الحي سيطلق زوجته، من أجل أن يقترن بشقيقتها الكبيرة؟ ".

5
منزل زوج هَدي، كأنما هوَ مرآةٌ لأعماقها، الشبيهة بالمتاهة. لكن الرجل كان بسيطاً، ولعلّه ساذجاً أيضاً. المنزل يقع في صدر الدخلة، التي كانت تشكّل ممراً إلى الزقاق المنعوت باسم عشيرتهم، قبل أن تُسَدّ بذلك البناء، المباع لاحقاً لشقيقة الزعيم. في حقيقة الحال، أنه منزلٌ مقسوم على عدد من الأخوة، تنفتح أبواب مساكنهم على دهليز طويل، متصل بدَوره بين الزقاقين. لكنه وحده، مَمّو، مَن فتحَ بابَ مسكنه على زقاق الحاج حسين. لو كان الرجلُ على درايةٍ بدخيلة امرأته، للعنها تلك الفكرة، الموحية له بفتح الباب: كان آنذاك على خصام مع كبيرة العشيرة، علي بطة، ما جعله يفضّل أن يستقل تماماً بمسكنه. وإنها امرأته، هَدي، مَن كانت سببَ الخصام، بلسانها المقطّر سم النميمة والشتيمة.
ربما كانت امرأة مَمّو لم تنم بعدُ، ككل ليلةٍ انتظرت فيها مرورَ سلو من قدّام عينيها، عندما كانت والدة هذا الأخير في طريقها إلى الزقاق المجاور. استعملت الأمُ سلّماً خشبياً، دلفت إليه من فتحة بجدار أرض الديار، المطل على جيرانها من آل "سلطانة عرب "، أقارب زوجها، ومن ثم وجدت نفسها في ذلك الزقاق. لكنها حيّت أولاً جارتها الطيبة، واعدة إياها بزيارة قريبة. ثم تابعت سيرها إلى منزل المرحوم أوسمان، غبَّ اجتيازها لدخلةٍ يقوم فيها منزل المرأة المعروفة باسمها الغريب، " هُوري "، وكانت على قرابة بها من ناحية الأم. الشقيق الوحيد لهذه المرأة، " عبده كَوشي "، كان بيته يقع مقابل منزل الحاج حسن، بجوار مسكن آل كرّي عيشة. هوري، كانت امرأة مسكينة وتحب العشرة. بينما شقيقها عُرف بلؤمه وشحّه، كما أنه لم يكن يحفظ حق الجيرة والقرابة.

***
قانطةً من حيلةٍ تجعل الابن سلو يتخلى عن فكرته الجنونية، المعلومة، اتجهت سارة إلى صديقتها القديمة، شملكان، كي تخفف عنها همومها. وكانت في الحقيقة معوّلة على شيء آخر، وهوَ سؤال الصديقة الخبيرة عما شكّت أنه سحرٌ، قيّد إرادة الابن وجعله لا يرى في الدنيا غير تلك المرأة. لم يكن ذلك استدلالاً مبالغاً فيه، طالما أنّ كلتا ابنتيّ سنجو عُرفتا بأنهما زبونتان لامرأة عليكي آغا الكبير. لكن سارة لم تشأ مفاتحة هذه الأخيرة بالأمر، برغم أنهما صديقتان، كيلا يصل الموضوع لسمع المعنيّة به. أرملة أوسمان، في المقابل، كان يؤمل منها معرفة طريقة القضاء على مفعول السحر، أو بالقليل التأكد مما لو كان ثمة سحرٌ أساساً. مثلما ذكرت ذات مرة للصديقة نورا، أنها خجلة من شملكان كونها لم تزرها في خلال عام كامل. وقد كررت هذه الجملة أمام المرأة المقصودة، متذرعةً بمشاغل الأولاد والأحفاد وسط ظروف الحرب.
" بل عليّ أنا الاعتذار منك، لأن حملي أهون من حملك "، ردت شملكان مبتسمة في تسامح. كانت ما تفتأ محتفظة بملامح من جمالها، ولو أنها لم تعُد تهتم، كما في السابق، بالفنون المأثورة عنها؛ أي وصفات الأعشاب ومطيّبات الطعام وأسرار العطارة الأخرى. يُقال أنها ورجل سارة من سنّ واحدة، أي تجاوزت الستين منذ ثلاث سنين. بالنظر إلى أنّ قابلة الحارة رأت بالأمس حلماً، وضعها في مواجهة امرأة ذات بطن متكّور بالحمل، فإنها خشيت من إضاعة الوقت بالثرثرة في وقتٍ يتجه أحدهم إلى عنوان بيتها للاستجارة بها. ساعتان على الأثر، حينَ لم يأتِ أحدٌ خلفها، أخبرت شملكان بحكاية الحلم. فانفجرت المضيفة بالضحك، قبل أن تعلّق بالقول: " ربما قابلة غيرك رأت نفسَ الحلم! ". شاركتها سارة بشعور المرح، وكانت مطمئنة من ناحية أخرى إلى أن موضوع الابن لا علاقة له بالسحر. المضيفة، الحصيفة الرأي، كانت قد قالت بهذا الخصوص: " بعد إعادة التفكير بما ذكرته أنتِ عن اندفاعه وراء الغانيات والراقصات، ثمة في مركز المدينة، يُمكن الافتراض أنه طرأ تغيّرٌ على ميله للنساء. أي أنها حالة طارئة، في الوسع تجاوزها إذا تمكنت زوجة سلو من الاعتناء بنفسها بحيث لا يجد متعته إلا في فراشها ".

***
سارة، في أثناء زيارتها لشملكان، كانت إذاً تنتظرُ أن يأتي أحدهم في طلبها من أجل ولادة. لكن أحدهم كان قادماً بالفعل إلى منزل المرحوم أوسمان، وكان قد غادره منذ ثلاثة عشرة عاماً مع أسرته وبطريقةٍ أقرب للنفي: إنه آكو، ابن عليكي آغا الصغير وليلى، مَن مر في ذلك اليوم ببعض أولاد الحارة دونَ أن يتعرفوا عليه. بل إنهم دهشوا لملابسه العسكرية، الموحية بانتسابه للجيش العثمانيّ، المدحور على أبواب الشام. عندما صارَ أمام الباب المطلوب، استعاد الشاب المقترب من حلقة عمره الثالثة ما لقنته إياه شقيقته، ريما، الوحيدة الباقية له من أسرته: " إياك أن تفاجئ امرأة عمنا بحديث فاجعة الوباء، ومع مرور الوقت يمكنك فعل ذلك وبالتلميح أولاً ".
هكذا استُقبلَ آكو بالأحضان والدموع والقبلات، وقالت امرأة العم أنها لكانت قد زغردت لولا أنها تعاني من ألم في حنجرتها. على أثر استراحة الشاب القريب، مالت عليه شملكان تسأله عن أحوال الأسرة وكيفَ قضى أفرادها فترة الحرب وما لو دهمت المجاعة وطن الأسلاف. خلافاً لإرادته، غمغم آكو وقد امتلأت عينيه بالعبرات المكبوحة: " لا، لم يكن ثمة مجاعة. بل هوَ وباءُ الريح الأسود مَن اجتاحَ منطقتنا في آخر أشهر الحرب، فلم يترك أحداً حياً ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حديث عن عائشة: الفصل الخامس/ 2
- حديث عن عائشة: الفصل الخامس/ 1
- حديث عن عائشة: الفصل الرابع/ 5
- حديث عن عائشة: الفصل الرابع/ 4
- حديث عن عائشة: مستهل الفصل الرابع
- حديث عن عائشة: بقية الفصل الثالث
- حديث عن عائشة: مستهل الفصل الثالث
- حديث عن عائشة: بقية الفصل الثاني
- حديث عن عائشة: مستهل الفصل الثاني
- حديث عن عائشة: بقية الفصل الأول
- حديث عن عائشة: مستهل الفصل الأول
- سارة في توراة السفح: الخاتمة
- سارة في توراة السفح: الفصل الرابع عشر/ 5
- سارة في توراة السفح: الفصل الرابع عشر/ 4
- سارة في توراة السفح: الفصل الرابع عشر/ 3
- سارة في توراة السفح: مستهل الفصل الرابع عشر
- سارة في توراة السفح: بقية الفصل الثالث عشر
- سارة في توراة السفح: مستهل الفصل الثالث عشر
- سارة في توراة السفح: الفصل الثاني عشر/ 5
- سارة في توراة السفح: الفصل الثاني عشر/ 4


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - حديث عن عائشة: بقية الفصل الخامس