أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سارة في توراة السفح: الخاتمة














المزيد.....

سارة في توراة السفح: الخاتمة


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6471 - 2020 / 1 / 22 - 21:57
المحور: الادب والفن
    


جد جدتي من ناحية الأب، جاء إلى الزبداني عام 1860 إبّان الحادثة الدموية، المشهورة على لسان العامة والمدوّنين ب " طوشة الشام ". عندما توفيَ بعد نحو ثمانية أعوام، لم تكن حفيدته سارة قد ولدت بعدُ. أمها، السيدة أديبة، عليها كان أن تعيش في تلك البلدة الجبلية خمسة وخمسين عاماً قبل أن تجبرها ظروف الحرب العظمى على العودة إلى دمشق. ذلك كان في العام الثاني للحرب، حينَ انفلتت الجندرمة من أي رقابة في بر الشام، فراحت بحجة مراقبة المحاصيل والغلال تعتدي على المزارعين؛ فتغتصب نساءهم وتعتقل شبابهم وتقتل من يُبدي أقل مقاومة أو حتى اعتراضاً. الجدة سارة، من ناحيتها، عاشت في الحي الكرديّ خمسة وستين عاماً، وهناك كادت أن تنسى لسانها الأم. قبل أن ترحل عن الدنيا، بمستهل خمسينات القرن العشرين، عانت من فقدان الذاكرة. شهدت آنذاك ولادة شقيقتنا البكر، وما لبثت أن أخذت تنقلها بين بيوت الأقارب، متوهمة أنها بحاجة للغذاء: كونها شكت في صباها من شح حليب صدرها، فإن ذلك عكسته على والدتنا!
بدَوره، هاجر جد جدّي لأبي إلى الشام في عشرينات القرن التاسع عشر، وعلى الأرجح على خلفية ثورات وحروب أنهكت مسقط رأسه في ولاية ماردين، المعدّة من أعرق حاضرات كردستان العثمانية. ولا يجب أن يغيب أيضاً عن ذهننا حقيقة مهمة، تتمثل في اعتبار أسلافنا لدمشق مدينة مقدسة، وأنها تجلب الحظ لكل من سكن فيها حياً وميتاً. السفر إلى الشام الشريف، بغض الطرف عن أسبابه، كان مغامرةَ العُمر؛ فتحاً جديداً للحياة على آفاقٍ لم يكن قد ألفها أولئك الأسلافُ في أصقاعهم الجبلية النائية. إذ قبلَ المغامرُ التحدي، فإنه في المقابل صُدمَ بأنّ الحي الكرديّ، المتكئ على قاسيون، لم يكن أقل عزلة ووحدة من جبله الأول. في آخر المطاف، أنّ مَن ينكص عن المضيّ في المغامرة، لن يجد لدى إيابه لموطنه سوى الغمز واللمز، المفعمين بالسخرية والرثاء.
الحالة الأخيرة، تفرّد بها جد والدتي لأمها، عليكي آغا الصغير. لكن الرجل لم يرجع لموطن الأسلاف نتيجة الفشل، وقد علمنا مدى نجاح تجارته مع أخيه غير الشقيق. في حقيقة الحال، أنه مضى في مغامرةٍ عكسية، طالما أنّ ذلك الموطن كان جديداً تماماً عليه؛ هوَ المولود في دمشق، وكذلك امرأته ليلى. هذا الجد، من ناحية أخرى، اكتسبَ الوعي السياسيّ في خلال وجوده في الحي الدمشقيّ وربما أكثر من جميع أفراد جيله. ومن اللائق بسيرته الافتراض، أنه واصل نشاطه القوميّ بشكل من الأشكال أثناء تواجده في الوطن. لقد سلك طريقَ الهجرة قبيل ثورة الدستور، وكانت السلطنة تعج بالتنظيمات السرية ومنشوراتها المناهضة للاستبداد، علاوة على التطاحن العرقيّ وبالأخص على واقع احتدام المسألة الأرمنية.
سيرتنا، ركزت في هذا الكتاب على الحاج حسن، جدّي لأبي، وكان مثلما قرأنا من وجوه الحي البارزين، بصفته الزعيم وعالم الدين وكبير العشيرة. أعانَ الرجلُ حفيده الكاتب، المتقصي أحوال ذلك الزمن، هوَ مَن ولد بعد وفاته بنحو ثلث قرن. لقد ترك الجدّ مجلداً ضخماً ضمّ فضلاً عن الحكم والأشعار، نتفاً من التواريخ ولمحاتٍ من السيرة الذاتية والعائلية. لم يكن لي حظ الاحتفاظ بالمجلد، لكن الذاكرة أسعفتني في استعادة بعض الصفحات المهمة من حياة هذا وذاك من أبطال قصتنا.
على المنقلب الآخر، كانت ذاكرة جدتي لأمي ما تنفك في عافيتها وحيويتها في أوان مراهقتي. كنت آنذاك أعيش لديها نتيجة ظرفٍ عائليّ طارئ، حيث دأبتُ على الاستماع لحكاياتها عن الأسلاف وعما مر معها شخصياً بشكل خاص في رحلة حياتها الحافلة، التي وصفتُها في سيرة ذاتية منشورة بأنها أقرب إلى الملحمة الأسطورية. مجيء والدتي إلى شمال العالم، أينَ أعيش هناك منذ ثلاثة عقود، أنعشَ ما حفظته من ذكريات أمها؛ كما وزادت هيَ عليه من حافظةٍ مكينة، لا تقل غنىً وأهمية.
ما سلف، لعلني ذكرت بعضه فيما مضى من صفحات السيرة، بيد أنّ تكرارَهُ ضروريٌّ، وأنا أقود القارئ إلى أعتاب كتابها الرابع. لأنني أدرك ما يشكله ازدحام الشخصيات من عبء على ذهن القارئ، وفي التالي، أسهّلُ عليه تحديدَ موقع كل منهم في السيرة بناءً على درجة القرابة من مؤلفها بدرجة أساسية. فإنها، بالمحصلة، سيرة سلالية صيغت بشكلٍ روائيّ.
أخيراً، كان علينا أن نستهل الكتاب الجديد من حيث انتهى سابقه. أي على غير شيمة هذا الأخير، الذي شكّل استمراراً زمنياً للكتاب الثاني. لقد تركنا الأبطال في العام الثاني من الحرب العظمى، أو " السفر برلك " بالتعبير المحليّ، وكانوا يغفون مع بقية أهالي بلاد الشام على وقع ويلات الحصار والمجاعة والتجنيد والتعسف.
سنبعثهم من رقادهم مجدداً، كي نمضي معاً لسبر المراحل التالية من هذه السيرة.

* يليه الكتاب الرابع من سيرة " أسكي شام "، وهوَ بعنوان " حديث عن عائشة "



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سارة في توراة السفح: الفصل الرابع عشر/ 5
- سارة في توراة السفح: الفصل الرابع عشر/ 4
- سارة في توراة السفح: الفصل الرابع عشر/ 3
- سارة في توراة السفح: مستهل الفصل الرابع عشر
- سارة في توراة السفح: بقية الفصل الثالث عشر
- سارة في توراة السفح: مستهل الفصل الثالث عشر
- سارة في توراة السفح: الفصل الثاني عشر/ 5
- سارة في توراة السفح: الفصل الثاني عشر/ 4
- سارة في توراة السفح: الفصل الثاني عشر/ الحلقة 3
- سارة في توراة السفح: الفصل الثاني عشر/ 2
- سارة في توراة السفح: الفصل الثاني عشر/ 1
- سارة في توراة السفح: الفصل الحادي عشر/ 5
- سارة في توراة السفح: الفصل الحادي عشر/ 4
- سارة في توراة السفح: الفصل الحادي عشر/ 3
- سارة في توراة السفح: الفصل الحادي عشر/ 2
- سارة في توراة السفح: الفصل الحادي عشر/ 1
- سارة في توراة السفح: بقية الفصل العاشر
- سارة في توراة السفح: الفصل العاشر/ 3
- سارة في توراة السفح: الفصل العاشر/ 2
- سارة في توراة السفح: الفصل العاشر/ 1


المزيد.....




- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سارة في توراة السفح: الخاتمة