أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سارة في توراة السفح: الفصل الرابع عشر/ 4














المزيد.....

سارة في توراة السفح: الفصل الرابع عشر/ 4


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6469 - 2020 / 1 / 19 - 19:48
المحور: الادب والفن
    


الليل المدلهم، المثخن بالسحب الثقيلة، كان يغطي على حضور ثلة من الشباب إلى منزل الزعيم في ساعة متأخرة. لكن عائشة برغم السجف، الحبلى بالمطر، كان في وسعها تمييز أحدهم ولا تخلد للنوم إلا عقبَ إمتاع عينيها الجميلتين بملامحه المتناسقة والمزينة بشارب أشقر معقوف. بينما كانت تعود إلى فراشها ذات ليلة، مترنحة من النعاس وثمالة الحضور الحبيب، إذا أمها تعترض طريقها: " تقضين كل هذا الوقت في خارج الحجرة، ألا تشفقين على نفسك من البرد؟ "، سألتها بلهجة حزينة ومبطّنة في آنٍ معاً. ردت الفتاة الجسورة الطبع، دونَ أن تكترث لكونها ضُبطت متلبّسة تقريباً: " كنتُ أستيقظ من حلمٍ جميل، أماه ".
ذلك كان في العام الأول من الحرب، أخذ فيه " خالد " على عاتقه مهمة تهريب الشباب المطلوبين للجندية إلى جهة الجبل. على رغم ضيق الحال في الحارة بسبب الحرب، كان يهرّب أيضاً معونات غذائية لأولئك الشباب من بيت مئونة الزعيم، الذي كان بمثابة المخزن تحفظ فيه مساعدات الموسرين وصدقاتهم. الحاج حسن، كان هوَ من يبلّغ الشاب الشجاع بأسماء المطلوبين للتجنيد، وذلك قبل حضور الجندرمة لاعتقالهم ومن ثم سوقهم للجبهات. كيلا تثير حركة نقل المؤن للهاربين ريبة أحد، كانت تتم نهاراً كالمعتاد. ففي تلك السنة، لم تكن السلطات قد تشددت بعدُ في أمر مصادرة المواد الغذائية لصالح جيشها وحلفائها. على ذلك، كانت سارة تشرف على نقل المواد من المخزن يُساعدها أحياناً رجلها وأولادها الكبار. كون خلق الزعيم أضحى رقيقاً مع توغله في العُمر، تشجعت ذات يوم للقول وهيَ تومئ إلى ناحية الشاب: " يا له من رجل، خالد هذا. إنه يتيم الأب منذ الصغر، أعال والدته وشقيقه الوحيد. مثله تتشرف به أيّ عائلة، صهراً "
" إذاً دعي مهنة التوليد، واعملي خاطبة! "، رد عليها بشيء من النزق. ثم أردف متسائلاً بنبرة مرة: " أم أنك دبّرت الأمرَ مع ابنتك سراً، وعليّ مهمة القبول والإذعان؟ ". لم ينتظر جوابها، بل سارَ بخطى متوترة إلى جهة المخزن وكما لو شاء إخفاء نفسه. فيما بعد، أثبت الزعيم أنه أبٌ لديه من الحنان ما يضاهي القسوة، التي اتصف بها مع شقيقته في أوان خطبتها الأولى.

***
السنة الأولى من الحرب، أدبرت بكل بلاياها وأهوالها، حينَ ظهرت علامات الحبل على عائشة. كانت تقيم آنذاك في دار والدها، بسبب انكشاف أمر زوجها من لدُن السلطات. اضطر الزعيم لإيواء ابنته، حفاظاً على وظيفته وكيلا يتهم بالتواطؤ مع الصهر المتهم، المُطارَد. من ناحية أخرى، اهتم بوالدة الشاب وكان يمدها بالطعام عن طريق امرأته. لقد كادت الأم أن تموت كمداً على أثر انكشاف خالد، وذلك لأن الابن الآخر كان مطلوباً من الدولة بصفة المجرم الخطير. هذا الأخير، لم يكن مثل شقيقه لناحية الاستعداد لبذل الروح في سبيل الآخرين من أبناء جلدته؛ فلم يبرهن سوى على صفة قاطع الطريق، المجرد من الرحمة والمتعطش لسفك الدم. كذلك لم يكن " حسين " نموذجاً فريداً، إذ مر على الحي أجيال من أمثاله والكثير منهم انتهوا قتلاً أو على أعواد المشانق.
لأول مرة، تداهم الوساوس والهواجس داخل سارة مع قرب ولادة ابنتها. حقاً إنها أخرجت بمهارتها عدداً كبيراً من الأولاد إلى نور الحياة، لكن الأمر يتعلق الآنَ بالحبيبة عائشة مع طفلها البكر. تذكّرت تجاربها مع نساء كنّ قريبات إلى قلبها، وقد قضينَ على أثر الولادة أو مات الطفل في خلالها أو بعدها بقليل. وفق خبرتها، كانت تعلم يقيناً صعوبة الولادة الأولى، وما يحيق بها من مخاطر على الأم بالدرجة الأولى. فكّرت مشفقةً لو أن ابنتها تحظى بالعناية الطبية في مستشفى الطليان، مع علمها بأن الحاج حسن سيعتبرها فكرة مجنونة غير قابلة للنقاش. ولو أنها وضعت بنفسها الموضوعَ في نصابه الصحيح، لتأكدت بأن خشيتها لا أساس لها: براعتها لا يرقى إليها الشك، ولن يتجاوزها أي طبيب مهما امتلك من أدوات جراحية.

***
" لِمَ الجراحة أصلاً، وعائشة لا يظهر عليها أي عارض صحيّ؟ إنها تتمتع، في المقابل، بجسد قويّ ومعنويات عالية جديرة بطبعها الشجاع "، قالت لها شملكان بخصوص تلك المخاوف. في حقيقة الحال، أن سارة فتحت الموضوع مع قريبة زوجها كي تحظى بالتشجيع. كذلك ثمة دافع آخر، ترددت في التصريح به إلا بعدما استعاذت بالله أكثر من مرة: " يا أختي، هل نسيتِ ما جرى للمرحومة نازو في خلال ولادتها؟ أخشى أن تحمل ابنتي خطية ابنة ليلى، وذلك نتيجة فعلة الزعيم بأسرتها "
" عليك أيضاً أن تستغفري الله، يا امرأة! فهل رب العالمين، الرحمن الرحيم، سيحل نقمته على نفس بريئة بجريرة تصرف طائش من قبل شخص آخر ولو كان والدها؟ "، تساءلت أرملة العم أوسمان قاطعة حديثَ الأم الملولة. تمتمت هذه الاستغفار من بين شفتيها، ولم تشأ التمادي في إظهار مخاوفها: " آه، كلا لا يمكن ذلك بالطبع. لكنني قلت ما قلته، لأنّ نواميس الخير لا تتغلب دائماً على نواميس الشر؛ كالحقد والحسد والسحر "
" بل تتغلب عليها، لأن الخالق العظيم وجد لكل داء دواء. المرحوم زوجي، ذكر لي أنهم في مستشفى الطليان قالوا له أن أدويتهم مستخرجة من نفس الأعشاب، التي نستعملها نحن من آلاف السنين. قالوا أنه كل ما في الأمر، هوَ معرفة العشب اللازم وكم يحتاج المريض منه على وجه الدقة "، نطقتها بنبرة اليقين مَن كانت تُعد الطبيبة الشعبية للحارة.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سارة في توراة السفح: الفصل الرابع عشر/ 3
- سارة في توراة السفح: مستهل الفصل الرابع عشر
- سارة في توراة السفح: بقية الفصل الثالث عشر
- سارة في توراة السفح: مستهل الفصل الثالث عشر
- سارة في توراة السفح: الفصل الثاني عشر/ 5
- سارة في توراة السفح: الفصل الثاني عشر/ 4
- سارة في توراة السفح: الفصل الثاني عشر/ الحلقة 3
- سارة في توراة السفح: الفصل الثاني عشر/ 2
- سارة في توراة السفح: الفصل الثاني عشر/ 1
- سارة في توراة السفح: الفصل الحادي عشر/ 5
- سارة في توراة السفح: الفصل الحادي عشر/ 4
- سارة في توراة السفح: الفصل الحادي عشر/ 3
- سارة في توراة السفح: الفصل الحادي عشر/ 2
- سارة في توراة السفح: الفصل الحادي عشر/ 1
- سارة في توراة السفح: بقية الفصل العاشر
- سارة في توراة السفح: الفصل العاشر/ 3
- سارة في توراة السفح: الفصل العاشر/ 2
- سارة في توراة السفح: الفصل العاشر/ 1
- سارة في توراة السفح: بقية الفصل التاسع
- سارة في توراة السفح: الفصل التاسع/ 2


المزيد.....




- الإعلان الأول حصري.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 159 على قصة عش ...
- أكشاك بيع الصحف زيّنت الشوارع لعقود وقد تختفي أمام الصحافة ا ...
- الكويت.. تاريخ حضاري عريق كشفته حفريات علم الآثار في العقود ...
- “نزلها لعيالك هيزقططوا” .. تردد قناة وناسة 2024 لمتابعة الأغ ...
- تونس.. مهرجان الحصان البربري بتالة يعود بعد توقف دام 19 عاما ...
- مصر.. القضاء يحدد موعد الاستئناف في قضية فنانة سورية شهيرة ب ...
- المغربية اليافعة نوار أكنيس تصدر روايتها الاولى -أحاسيس ملتب ...
- هنيدي ومنى زكي وتامر حسني وأحمد عز.. نجوم أفلام صيف 2024
- “نزلها حالًا للأولاد وابسطهم” .. تردد قناة ميكي الجديد الناق ...
- مهرجان شيفيلد للأفلام الوثائقية بإنجلترا يطالب بوقف الحرب عل ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سارة في توراة السفح: الفصل الرابع عشر/ 4