أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سارة في توراة السفح: الفصل الثاني عشر/ 4














المزيد.....

سارة في توراة السفح: الفصل الثاني عشر/ 4


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6464 - 2020 / 1 / 13 - 11:41
المحور: الادب والفن
    


عقبَ سماع موسي قرارَ الأب بالموافقة على زواج العمة، كان قد فكّرَ بالسيد نيّو وأن والده تصالح معه؛ ما يعني منطقياً أن يكون دافع الانتقام غير وارد. في خلال العرس، وكنا علمنا أن حفل الرجال أقيم بمنزل عليكي آغا الكبير، انتبه موسي لغياب والد هذا الأخير وربما كذلك كان حالُ الحضور الآخرين. في حقيقة الحال، أنّ السيد نيّو أخفى نفسه في حجرته، تلك الليلة، لسببٍ واضح: العريس، كان أرمل حفيدته، نازو، ولم يكن مر عامٌ واحد بعدُ على وفاتها.
آخر مرة التقى فيها الزعيمُ قريبَهُ العجوز، حينَ رافقه يوماً إلى منزل ابنه الكبير بناءً على دعوة السيدة شملكان، التي استنجدت بهما كي يحاولا منع شيخي من ارتكاب حماقة جديدة على أثر خروجه من السجن. وإذا بالشاب المنحرف يُضحي صهره هوَ، زعيم الحي، وكان في السابق يعيب على عليكي آغا الصغير تفضيله على موسي في موضوع الزواج بابنته نازو. ثم توالت الأيام، وبقيَ الرجل العجوز، نيّو، في لجة النسيان ـ كما لو أنه غير موجود في هذا العالم.

***
عليكي آغا الكبير، كان دائم الاهتمام بوالده ويحاول أن يجعلها أقل مرارة، أيامَ إقامته في الدنيا، المقدّر أنها باتت معدودة. امرأة الابن، بدَورها، كانت تواصل رعاية حميها حدّ أن تحمله إلى المرحاض بعدما أضحى من العجز ألا يستطيع الوقوف على قدميه لأداء الصلاة، على الأقل. فيما زوجها أخذ على عاتقه أمر الحمّام، وكان يتم في حجرة نوم العجوز المريض. في المقابل، كان العجوز شأن أقرانه لناحية الشكوى والتذمر لأقل سبب. كذلك كانت تنتابه أحياناً أفكارٌ، يبغي تحويلها إلى رغباتٍ مستحيلة. كأن يطلب من ابنه التهيؤ للسفر، بغيَة زيارة مازيداغ لتفقد أحوال الأهل هناك وبالأخص أسرة ابنه الآخر. لكن كان في الوسع النزول عند رغبة الأب، لو أنّ الأمر في حدود المعقول. هكذا أرفقه الابن فوق ظهره يوماً، مرتقياً وإياه الدرجَ إلى عليّة الحمام. ثمة، تخيّل العجوز أن أحدهم يسرق البيض: " إنه حمّوكي، وقد ضبطّته ذات يوم يفعل ذلك! ". مع إشفاقه على العجوز من مغبّة الذكرى الأليمة، لم يجد بداً من تذكيره بأن اللص المزعوم سبقَ أن قاد عربة عليكي آغا الصغير في الطريق إلى موطن الأسلاف ولم يرجع إلى أسرته حتى الآن.
قبل وفاته بزمن يسير، دخل السيد نيّو في نفق الذاكرة وكان بالكاد يخرج منه. عندما يُضحي بعيداً عن نوبات الشيخوخة، كان من الوعي أن يشحن ذاكرته بمشاهد من الزمن الآفل. غير أن ذلك لم يكن يتم دون مضاعفات؛ كأن يفيقَ من استعادة أيام العامّية، وما تلاها، كي يتصوّر أنه محاصرٌ مع أبناء الحي من لدُن قوى غاشمة كالإنكشارية أو المصريين. هكذا تصوّرات، أقرب للهذيان، كان ينقلها إلى ابنه أو كنته مع تفاصيل دقيقة. فيما أن ذاكرته كانت تعجز عن حفظ أشياء حصلت قبل ساعة واحدة، ناهيك عن إعادته القصة عدة مرات لجلّيسه دونما أن ينتبه لحقيقة ما في تكرارها من بث للضجر والسأم. كذا الأمر في تناقض موقفه من الأحداث أو أبطالها، كأن يُشيد بالمصريين وأن حكمهم كان أفضل ما شهده أهل الشام، لينقلب عليهم بعد وهلة قصيرة ويصفهم بأسوأ النعوت. بينما كان يترنح تحت وطأة الذكريات، صار من العبث مناقشته وأخذ كلامه وآرائه على محمل الجد. لو طرحنا نزوات الرجل العجوز جانباً، لأمكن القول أن هذه السيرة تدين له بالعديد من تفاصيلها: الحفيد معمو، كان أثناء طفولتنا وصبانا يشعل السهرات بقصص سمعها على لسان والده، بالأخص حصار الحي في فترة العامّية عام 1830 وطوشة الشام عام 1860.

***
إلى الأخير، حمل الحاج حسن نفسه على التفكير بأحوال الرجل العجوز. عاده في منزله، وكان ذلك على أثر لقائه عليكي آغا الكبير في منزل حمّاد. وكانا قد قدما بالأمس لتعزية الرجل بوفاة شقيقته؛ امرأة حمّوكي، التي زارها ملاك الموت في أوان النوم ولم تكن تشكو من أيّ مرض. في مساء اليوم التالي، دخل الزعيم إلى حجرة قريبه العجوز، وكان هذا راقداً في سريره النحاسيّ. على ضوء مصباح الزيت الشاحب، لاحَ العجوز لعينيّ قريبه إنساناً آخر وكما لو أنه لم يره منذ حقبة بعيدة. لكن السيد نيّو عرفَ القادم للفور، وتلقاه في سعادة واضحة. قال يومئ إلى ابنه: " لقد كنتُ أحدثه عن المرحوم والدك، وأنه يزورني في الحلم كل ليلة تقريباً. أحياناً، أشعر بوجوده في الحجرة بل وأسمع صوته وهوَ يُقاطع أفكاري في سبيل تصويب معلومة معينة أو تفنيد رأي ما. أليسَ كذلك يا عليكي؟ ". جفل ابنه من السؤال، وما لبث أن أجاب بصوت خافت: " أجل يا أبي ". على حين فجأة، أطلق العجوز ضحكة مكتومة الرنين، أتبعها بالإشارة هذه المرة إلى نافذة الحجرة: " كان يحدثني ذات مرة، لما قفز مرعوباً لدى سماعه ما يشبه صوتاً آتٍ من مملكة الجن. طمأنته عندئذٍ أنها مجرد حمامة، كانت أثيرة لدى المرحومة سلمى، تقف كل مرة وراء زجاج النافذة لتطلق هديلها الأقرب إلى الأنين ".
قال الزعيم بنبرة حزينة: " ليرحمهما الله، وليعطك الصحة وطول العمر ". بقيَ العجوز ساكتاً لحظات، قبل أن يمد يده باتجاه جرة فخارية موضوعة في كوة بالجدار. لكن يد الزعيم كانت أسرع، حيث راح من ثم يسقي قريبه ماء الشرب. طبطب العجوز على يد قريبه شاكراً، وكان يلهث بصوتٍ مسموع. استمر محتفظاً بالصمت فترة أخرى، وما عتم أن عاد وأمسك بيد الزعيم: " أنا أموت، يا حاج. عدني أن تحقق لي هذه الرغبة، كي أرحل عن الدنيا في سعادة وطمأنينة "، قالها ثم تابع بسرعة وكأنما خشيَ أن يداهمه الملاك قبل بث طلبه: " عدني أن ترسل إلى مازيداغ من يخبر عليكي الصغير بضرورة العودة إلى الشام مع أسرته، وأكون لك من الشاكرين. هل تفعل ذلك، يا ابن أخي وصديقي؟ ". في الأثناء كان الحاج حسن يمسك بيد الرجل العجوز، وقد بدا عليه التأثر الشديد. رد بصوت مخنوق من الانفعال، " أجل، وأشهد الله على ذلك ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سارة في توراة السفح: الفصل الثاني عشر/ الحلقة 3
- سارة في توراة السفح: الفصل الثاني عشر/ 2
- سارة في توراة السفح: الفصل الثاني عشر/ 1
- سارة في توراة السفح: الفصل الحادي عشر/ 5
- سارة في توراة السفح: الفصل الحادي عشر/ 4
- سارة في توراة السفح: الفصل الحادي عشر/ 3
- سارة في توراة السفح: الفصل الحادي عشر/ 2
- سارة في توراة السفح: الفصل الحادي عشر/ 1
- سارة في توراة السفح: بقية الفصل العاشر
- سارة في توراة السفح: الفصل العاشر/ 3
- سارة في توراة السفح: الفصل العاشر/ 2
- سارة في توراة السفح: الفصل العاشر/ 1
- سارة في توراة السفح: بقية الفصل التاسع
- سارة في توراة السفح: الفصل التاسع/ 2
- سارة في توراة السفح: الفصل التاسع/ 1
- سارة في توراة السفح: بقية الفصل الثامن
- سارة في توراة السفح: الفصل الثامن/ 2
- سارة في توراة السفح: الفصل الثامن/ 1
- سارة في توراة السفح: بقية الفصل السابع
- سارة في توراة السفح: الفصل السابع/ 2


المزيد.....




- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سارة في توراة السفح: الفصل الثاني عشر/ 4