أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سارة في توراة السفح: مستهل الفصل الثالث عشر















المزيد.....

سارة في توراة السفح: مستهل الفصل الثالث عشر


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6465 - 2020 / 1 / 15 - 22:00
المحور: الادب والفن
    


1
الحاج المنتَظَر، غادر مازيداغ في مستهل الصيف وكان يأمل بلحاق المحمل الشريف، المفترض أن يبقى فترة في دمشق قبل توجهه إلى أرض الحرمين. شأن غالبية أهل قريته، كان لديه قطعة أرض مزدهرة بشتى الأشجار المثمرة، يعيش وعائلته على عائدات محاصيلها. فكرة الحج، ألحت عليه عقبَ حصوله على زوجة، لكنه كان يؤجل ذلك طالما أن الأولاد هم محصولٌ أيضاً، ينبغي الاهتمام به عاماً وراء الآخر. وعلينا أن نكشفَ اسمه، " بكر "، بما أن القدرَ أخبأ له مصيراً في الشام الشريف، لم يتوقعه قط. كذلك من المهم أن نضيفَ، بأن هذا الرجل الأربعينيّ كان ينتمي لفرع صغير من العشيرة، لم يسبق لأحد من أفراده أن هاجر إلى المدينة المقدسة. لعله آخر مهاجرين عشيرتنا، ما لو استبقنا الأحداث، كالعادة، للتذكير بعائلته والتي ستنضم إليه في وقتٍ لاحق.
اتصاله مع الحجاج الآخرين، جدَّ أولاً في مدينة ماردين، في خانٍ مُبهج قضى فيه بضعة أيام لحين تجهيز القافلة، المتوقع أن تنطلق إلى حلب دون تأخير. أسعده أنه لن يجد نفسه غريباً، هوَ مَن يسافر لأول مرة في حياته إلى خارج الولاية. كان على ثقة تامة من عودته إلى أسرته، بحيث لم يفكر لحظة في أن يوكل أحد أخوته بهم. إنه بصحة جيدة، ورحلة الحج أضحت أقصر وأقل خطراً بما لا يقاس مع دخول القطار على خط الشام ـ الحجاز. فعلامَ، إذاً، الخوف والقلق؟ ربما هكذا جال في خاطر الرجل قبيل الانطلاق إلى ما وراء الجبل، المغطى بأشجار العفص الغابيّ، وقد استمد الإقليم اسمه منها، ( مازي داغ )، المركب، مثلما ذكرنا في مكان آخر، من كلمتين؛ إحداهما كردية الأخرى تركية.
وصل بكر مع القافلة إلى حلب، وهناك نزل في خانٍ عتيق لكنه معروفٌ بعراقته في استقبال الحجاج بشكل خاص. توسعت معارفه بانفتاحه على أحد أجراء الخان، وكان أصيلَ منطقة كرداغ في شمال غربي المدينة. من خلال الدردشة مع هذا المدعو، " رشيد "، أمكنه معرفة قصة قديمة جرت أحداثها قبل قرابة ربع قرن وكان بعض أبطالها، للمصادفة، من مازيداغ نفسها: إنه العم أوسمان، مَن مر أولاً على الخان ليعقد صداقة مع والد رشيد، وكان آنذاك في سبيله للهجرة إلى الشام مع امرأته. بعد زمن مديد، حضر من المدينة خطيبُ ربيبة الزوجين، وكان في طريقه إلى موطن الأسلاف. بصعوبة تعرّف بكر إلى اسم قريبه، العم أوسمان؛ ولا كذلك بالنسبة للآخر.
" آه، أنت تتكلم عن عليكي آغا! هوَ من أبناء عمومتنا، عاد منذ بضعة أعوام إلى القرية مع أسرته. أثار دهشة أقاربه، كونه أول شخص يترك الشام ويأتي للاستقرار بين ظهرانيهم؛ هذا برغم أنه لم يلد في القرية ولا أيضاً زوجته "، علّق بكر على القصة.
عليّ الاعتذار من القارئ، لأنني سأستبق أحداث السيرة مرة أخرى، للتعقيب على قصة تعارف بكر مع خادم الخان: ابن هذا الأخير، الذي سيلد بعد نحو ست سنوات، لن يعدم مستقبلاً مصادفةً تجمعه بأحد أفراد آل حاج حسين، ليخطب بعدئذٍ ابنته. إنها الابنة البكر لموسي من زوجته الثانية، وكانت مطلقة بسبب عدم قدرتها على الإنجاب. أما طالب القرب، الذي سنعرفه بلقبه، " أبي رشيد "، فقد كان آنذاك أرملَ ولديه عدة أولاد.

***
لاحت الشام لعينيّ بكر بسحرها الخلاب، الذي أبهرَ من سبقوه من رجال العشيرة. بقي يطوف مع القافلة في شوارع مكتظة بالبشر، حتى حطت عند أعتاب خانٍ كبير ضمن أسوار المدينة. هناك اتفق مع شخصين من ماردين على استئجار حجرة، ثم تناول معهما الطعام المحسوب ثمنه ضمن الإيجار. كون الوقت أضحى على مشارف الغروب، رأى أن يبيت ليلته في الخان وفي الغد يذهب للبحث عن عنوان أقاربه. صباحاً، قبل أن يفارق رفيقيّ الحجرة، أوصلاه إلى ساحة مترامية الأطراف، يركن في مركزها عدد كبير من العربات المشدودة بالخيل: " في وسعك أن تركب عربة كي تنقلك إلى مقصدك "، قالا له ثم ذكّراه بضرورة العودة للخان في الغد. كرر بكر على مسمع الحوذي اسمَ الحي، ولم يكن يعرف من العربية سوى بعض سوَر الصلاة. هز الرجل رأسه علامة على الفهم، وما لبث أن حث الخيل على السير خبباً.
حين ابتعدت العربة عن العمران، لتتوغل في درب محفوف بالأشجار، فكّر بكر بدهشة ما لو كان أقاربه يعيشون في قريةٍ خارج الشام. لكن حي الصالحية بدد فكرته، وكانت العربة قد أخذت تسير في دربه السويّ بعدما أُنهك خيلها من ارتقاء الدرب الأول، المتصل بمركز المدينة. على أثر اجتياز العربة لسوق الجمعة إلى آخره، توقفت على طرف ساحة صغيرة عند جدار مقام مهيب ذي قبتين. أشار الحوذيّ بيده نحو منزل منيف، وهوَ يحدق بعينين حائلتين اللون: " اسأل أولئك الحراس عن عنوان أقاربك "، قالها ثم ما عتم أن عاد بالعربة أوباً عقبَ نزول الزبون. هذا الأخير، بما أنه التبست عليه إشارة الحوذيّ، ظنّ أن المنزل المقصود يعود لأقاربه. مع ذلك، استغرب من هيئة الشباب القائمين على حراسة المنزل، سواءً لأناقة ملابسهم أو ما يحملونه من بنادق. ازدادت دهشته، لما ظهرَ عليهم عدم فهم ما يقوله وردهم باللغة العربية. حين ردد الرجلُ الغريب أكثر من مرة اسمَ قريته، إذا بأحدهم يضع يده على كتفه في إشارة كي يقف بمكانه وينتظر. دخل الشاب إلى الدار عبرَ بوابتها السامقة، ثم غاب لعدة دقائق. في الأثناء، بادر بكر لمخاطبة أحد المارة وكان مكتسٍ نفسَ لباسه الكرديّ. بعدئذٍ، بدا أن الإشكال انتهى وكان الرجل الغريب أقرب إلى الهذيان بسبب معاناته من الضياع في تلك الظهيرة الحارة.

2
في أوان وصول بكر إلى الشام، كان في الوسع القول أن الحارة أخذت تقريباً شكلها النهائيّ، والذي ستحافظ عليه طوال ثمانين عاماً قادمة. الجادة الرئيسة، المخترقة الحي من ساحته الرئيسة عند مقام ركن الدين وإلى مشارف البدوي وراء مسجد سعيد باشا، كانت المحلات والدكاكين تتسلسل على جانبيها، موحيةً بالوفرة والسِعة. ما لم يكن موجوداً هنا، اعتاد الأهالي أن يعثروا عليه في سوق الجمعة، القريب، أو في أسواق المدينة الأبعد. لكن الآية لا يمكن أن تنعكس، وفي التالي، كان محالاً أن ترى غريباً يتسوق في الحي، ناهيك أن يقيم فيه. بكر، ليسَ محسوباً على الغرباء، بالطبع، مع أنهم تعاملوا معه على هذا الأساس في القسم الغربيّ من الحي، وذلك في اليوم التالي لحلوله في المدينة. على أيّ حال، تم حل سوء الفهم بفضل بعض أولاد الحارة، وما لبثوا أن قادوه إلى مضافة زعيم الحي. فرحة بكر كانت بقدر زهوه، لما علم بأنّ الزعيم من أقاربه؛ ما دل على مدى توفق أبناء العشيرة في الشام الشريف. استضافه الرجل من ثم في إيوان منزله، فيما كانت امرأته منهمكة في إعداد الغداء. حضر بعد قليل عليكي آغا الكبير، وكان الحاج حسن قد أرسل إليه خبراً.
" هيه، إنك تحمل نفسَ اسم أخيك؟ "، توجه الضيفُ بسؤاله للقريب القادم تواً. ابتسم هذا الأخير، وما عتمَ أن أوضح له خلفيّة الأمر. تعالت عندئذٍ ضحكة بكر، وكان شأن القرويين يتصرف على سجيّته. لم تتعد المحادثة معه حدودَ المجاملات، لحين أن مدت سفرة الغداء في الإيوان. في حقيقة الحال، أنّ كلا الطرفين في الوطن والمغترب كانا على تواصل في المعلومات عن طريق الحجاج. وها هوَ أحدهم هنا، سيُحمّل هذه المرة رسالةً إلى عليكي آغا الصغير بمجرد إيابه من رحلة الحج. كونه سيمكث في منزل الزعيم إلى الغد، ما عتمَ أن توافد أفراد العشيرة للسلام عليه. كذلك حضرَ بعض المنتمين لآل لحّو، الذين لهم قرابة بالضيف من ناحية الأم. هذه، كانت أيضاً مناسبة فريدة لتواصل أبناء الموطن الواحد: ثمة تفسير لاسم العشيرة، دوملّان، الذي يعني بالكردية " الكتفين "؛ وهوَ أنه يمثل الديانة المزدوجة لأفرادها، الإسلام والمسيحية.

***
شهرٌ على الأثر، وظهر بكر من جديد في عرين أقاربه، متوّجاً بلقب الحاج، الجليل. من عباءته النجدية، كانت تفوح رائحة النبيّ، وقد قبّل أطرافها، تبرّكاً، بعضُ أفراد العشيرة ممن حضروا استقباله في إيوان الزعيم. في الأيام التالية، كان يُدعى للغداء في منازل الأقارب، وفي هكذا حالة كان يحمل هدية لكل منهم أتى بها من الحجاز؛ ماء زمزم أو مسبحة أو بخور أو حتى أحجار ملونة، بيعت له على أنها عقيق وزمرد ولازورد مع تخفيض كبير في الثمن! جولاته تلك، جعلته يعرف طريقه إلى الأزقة المجاورة دونَ مساعدة من أحد. بعد مضي نحو عشرة أيام، تساءل الزعيم في نفسه قلقاً ما لو طابت الإقامة للحاج في الحارة. كان الرجلُ ما ينفك ضيفاً على بيته، وقد تعففَ من تذكيره بالرسالة المزمع حملها معه إلى يد عليكي آغا الصغير. بحَسَب اتفاق الزعيم مع عليكي آغا الكبير، تقرر أن تذيّل الرسالة بالختم الخاص لكل منهما، وذلك كي يتأكد المرسل إليه من عمق صداقتهما.
لاحَ بالفعل أن الحاج بكر من السعادة في محل إقامته، حداً جعله ينسى نفسه تماماً. بل إنه صار يطرح أفكاراً غريبة، مثيرة لغمز من سمعها؛ كأن يسخر من تفاهة الحياة في القرية، مؤكداً على أنها ليست قَدَراً يجب الامتثال له: " وإلا فما معنى قول الرسول، بأن القيامة ستكون في الشام وإليها يُجتبى الخلق؟ "، وعلى هذا المنوال من الحديث. لو كان السيد نيّو حياً بعدُ، لأنعش ذلك ذاكرته، المتخمة بصور العامّية قبل حوالي ثمانين عاماً، حينَ انتشرت الأقاويل بين أهالي الشام عن قرب انتهاء العالم على أثر تحدي إرادة خليفة رسول الله وقتل وزيره: اتفاقاً، كان بكر يتحرك في المسجد الأمويّ حينَ تم تداول خبر صاعق، مفاده أن عصياناً عسكرياً جرى في حاضرة الخلافة، وقفَ خلفه عددٌ من كبار القادة والحاشية.
كان الضيف عندئذٍ بصُحبة موسي، الذي رافقه للتعرف على معالم المدينة بناءً على رغبة أبيه، وكان سكراناً بمشاهد المسجد، واجهته ومناراته وأعمدته، وأيضاً لوحة الفسيفساء العملاقة، المنقوشة على الجدار المشرف على الصحن الفسيح، التي تشي بمناظر جنّة الله. تخيل نفسه هناك، مكافأً بلقب الحاج، متنعماً بكل ما وعد به الله المؤمنين الصالحين. ثم إذا بفكرة تقفز إلى ذهنه: " الشامُ قرينة الجنّة السماوية، لا يحتاج الداخل إليها سوى للعزم والتصميم والإرادة! ". كانا كذلك، لما شاهدا تجمهرَ عددٍ من المتواجدين حول شيخ ذي لحية بيضاء مسترسلة، يصرخ بصوت عالٍ أن على أمة الإسلام الدفاع عن خليفتها بوجه المارقين، الماسونيين. ثم ضاع صوت الرجل نتيجة الضجة المصمّة، المعبّرة عن ردة فعل الجمهور.

3
خمّنَ الزعيمُ ما يجول من أفكارٍ طائشةٍ في رأس ضيفه، زائر بيت الله الحرام، خاضعةٍ لأهواء عصية على الترويض، ولم يرَ حيلة في صرفه عنها. قال لعليكي آغا الكبير، ملوّحاً برسالتهما الموجّهة لأخيه: " سننتظر على الأرجح حاجاً آخر في العام القادم، وعلى الله ألا يُصاب بحُمّى الشام هوَ الآخر! ". كان الزعيمُ قد سبقَ وأُخبرَ من بكر بتأجّل سيره لبلده، متحججاً بالأحداث الأخيرة، المستطيرة، التي أعقبت الحركة العسكرية ضد السلطان. حينئذٍ، بدا أنه مستمتعٌ بمزيد من الإقامة في حديقة الله الأرضية. مع مضي الأيام، تمكن الرجلُ من ترسيخ حضوره في هذه الحديقة، الحافلة فوق ذلك بأقارب على استعداد لمساعدته في لاستقرار وليسَ الضيافة، حَسْب.
أحد أولئك الأقارب، كان معروفاً بلقبه، " هِرّك "ـ أي الدقيق القوام، يعيشُ في بيت منعزل تقريباً عن الحارة، يقبع في الطلعة المؤدية إلى وادي صفيرة. لم يكن تزوج بعدُ، مع أنه تجاوز الثلاثين. والدة الرجل، هي شقيقة العم أوسمان، وكانت قد توفيت في الوطن قبل هجرة هذا الأخير إلى الشام. أختها غير الشقيقة، كانت أم بكر، رحلت بدَورها عن الدنيا منذ أمد بعيد. مع حصوله على حجرةٍ في بيت ابن خالته، تنفس الحاجُ هواءَ الجبل، لأول مرةٍ، نقياً ومفعماً أيضاً ببشارة الحظ السعيد: قرر بشكلٍ قطعيّ الإقامة في الشام، معولاً على العمل فيها بالزراعة كي يتمكن من جلب أسرته من الوطن. لكن قريبه لم يكن بذلك التفاؤل، لناحية العمل على الأقل: " لا توجد بوصة واحدة من الأرض إلا ولها صاحبها، ولم يكن عبثاً أن نقنعَ بالشغل كنواطير "، قالها لابن خالته. ثم أردفَ، مقترحاً عليه العملَ معه في نوبات الليل بالبستان.

***
الرسالة المعلومة، كان محتواها مطابقاً تماماً لحقيقة الوئام بين الزعيم وعليكي آغا الكبير، وكانت قد نامت في درج المضافة ممضيّةً ومختومة لكن خالية من التاريخ. بينما انتظرا موسمَ الحج القادم، الذي سيحل في ظرف أشهر، كانت الأحداث تتسارع على خلفية ما جرى في عاصمة الخلافة بعد نجاح ثورة الدستور. إذ انتشرت للمرة الأولى في تاريخ الخلافة الصحفُ والجمعيات العلنية، سواءً في العاصمة أو مراكز الولايات، كذلك تعددت مناسبات التجمع والتظاهر بما فيها اشتراك النساء النشيط. هكذا تطورات، وفق العقل المحافظ للحاج حسن، كانت تعد تحدٍ لحصن الإسلام الحصين وتنذر بتداعيه وانهياره لصالح القوى الدولية النصرانية، المتربصة به منذ أحقابٍ وقرون. من ناحيته، كان عليكي آغا الكبير بعيداً عن الانشغال بالشأن العام؛ وذلك على عكس ما كان معروفاً به أخاه الوحيد. كان يكتفي غالباً بوضعية المستمع، لما يجد نفسه في المضافة مع آخرين من رجال الزقاق.
وإنه من تعهّد، ذات ليلة، نقلَ خبر احتضار محمد آغا ديركي للحاضرين في المضافة. كان الرجل طاعناً في السن، وقد أقعده المرض في الآونة الأخيرة. حمّاد، أرمل ابنة العجوز، الصديق الأقرب لعليكي آغا الكبير، هوَ من بلغه بالخبر. لم يخف قلقه عندئذ بخصوص استمرار عمله كوكيل أعمال، طالما أنه مصدر دخله الوحيد. كان غير متأكد من مكانته لدى السيد الجديد، زوج نورا ابنة الآغا، الذي سيضع يده على أملاك عمه بمجرد وفاته. فوق ذلك، كان حمّاد يعيل يتيمتي شقيقته الراحلة، اللتين فقدتا أيضاً أباهما بعدما رافق عليكي آغا الصغير إلى الوطن دونَ عودة أو معرفة مصيره. همومه تلك، طرحها على أخي هذا الأخير، إبّان زيارته له في منزله. قال نافخاً بقنوط: " ربما في وقت مجيء أخيك إلى الشام، أكون أنا قد غادرتها "
" ما هذا الكلام، يا رجل؟ في وسعك العمل معي، كما في السابق "، قالها الآخر ثم أستدرك بسرعة: " كمعاون لي بالطبع، وأنتَ تعلم أنني أعمل وحيداً منذ رحيل أخي ".
" لكنه سيعود، إن لم يكن هذه السنة ففي السنة التالية "
" سيعود شريكاً، وأرحب بك بنفس الصفة إذا كان ذلك في مقدورك "
" أنت تعلم مدى بخل الآغا، شفاه الله، بحيث أن أجرتي الزهيدة من خدمته كانت بالكاد تكفي أودنا؛ بله مع المرحومة شقيقتي وابنتيها "
" سيعطيك الله بقدر شهامتك، ومن الغد لو أردتَ تبدأ العمل عندي "، قال عليكي آغا الكبير شاداً على يد صديقه بقوة.
في العام القادم لن يأتي الأخ المنتظر، وإنما صديقُهُ ورفيقه في السفر، الرجلُ المُعدّ مفقوداً منذ قيادته عربة الخيل في الطريق إلى الوطن: حمّوكي، صهر حمّاد، الذي قيل أنه السبب بموت هديّة لما عانته من ضيم على يديه. سيظهر الرجلُ مجدداً، عقبَ مرافقته للحملة الجنونية على دمشق، الهادفة إلى إجبار جمعية الإتحاد والترقي على ترك الحكم. رأس الحملة، إبراهيم باشا ملّي، كان قائد خيالة السلطان، المسماة الكتائب الحميدية، وكان الكثير من ضباطها وعناصرها من عشيرته. هذه الحركة الانقلابية، مثلما تبيّن لاحقاً، كانت بالاتفاق مع عزت باشا العابد الكرديّ، مستشار السلطان.

* مستهل الفصل الثالث عشر/ الكتاب الثالث، من سيرة سلالية ـ روائية، بعنوان " أسكي شام "



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سارة في توراة السفح: الفصل الثاني عشر/ 5
- سارة في توراة السفح: الفصل الثاني عشر/ 4
- سارة في توراة السفح: الفصل الثاني عشر/ الحلقة 3
- سارة في توراة السفح: الفصل الثاني عشر/ 2
- سارة في توراة السفح: الفصل الثاني عشر/ 1
- سارة في توراة السفح: الفصل الحادي عشر/ 5
- سارة في توراة السفح: الفصل الحادي عشر/ 4
- سارة في توراة السفح: الفصل الحادي عشر/ 3
- سارة في توراة السفح: الفصل الحادي عشر/ 2
- سارة في توراة السفح: الفصل الحادي عشر/ 1
- سارة في توراة السفح: بقية الفصل العاشر
- سارة في توراة السفح: الفصل العاشر/ 3
- سارة في توراة السفح: الفصل العاشر/ 2
- سارة في توراة السفح: الفصل العاشر/ 1
- سارة في توراة السفح: بقية الفصل التاسع
- سارة في توراة السفح: الفصل التاسع/ 2
- سارة في توراة السفح: الفصل التاسع/ 1
- سارة في توراة السفح: بقية الفصل الثامن
- سارة في توراة السفح: الفصل الثامن/ 2
- سارة في توراة السفح: الفصل الثامن/ 1


المزيد.....




- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...
- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سارة في توراة السفح: مستهل الفصل الثالث عشر