أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - مناقشة كتاب ديوان شعر «في مديح الوقت»















المزيد.....


مناقشة كتاب ديوان شعر «في مديح الوقت»


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 6482 - 2020 / 2 / 4 - 19:20
المحور: الادب والفن
    


ضمن الجلسة نصف الشهرية التي تعقدها اللجنة الثقافية في دار الفاروق للثقافة والنشر تم مناقشة كتاب «في مديح الوقت» للشاعر الفلسطيني «مرزوق الحلبي»، وقد افتتح الجلسة الروائي محمد عبد الله البيتاوي، الذي رحب بالشاعر مرزوق حلبي وبالضيوف، معتذراً عن عدم قراءة الكتاب وذلك بسبب سفره للمشاركة في معرض القاهرة للكتاب.
ثم فتح باب النقاش فتحدث الشاعر فراس الحاج محمد قائلاً: اللافت في كتاب «مرزوق الحلبي» التجنيس الأدبي، في هذا المؤلف يرتبك القارئ في تحديد ماهية المؤلف وتجنيسه. الإهداء: لا شعر فيه، وليس هناك استعارات أو مجازات، وفي ذات الوقت الشاعر ينحو منحى الجملة الشعرية البسيطة والسلسة، لكنها عميقة المعنى، هناك نظرية لمرزوق الحلبي «لغة لم يدخلها أحد» وهناك اقتصاد لغوي في الإهداء. الشكر: يبدو وكأن مجموعة من الباحثين راجعوا الكتاب وهذا أمر نادر في الشعر، وهذا ما يُخرج الكتاب من مفهوم الديوان الشعري إلى التأليف الشعري، فقد تجاوز الشاعر خصوصية الشعر. الكتاب جاء بسبعة أبواب، كل باب يختص بفكرة معينة، هناك وعي وتروري في تأليف الكتاب الذي امتدد لثلاثة عقود، فنجد فلسفة، ولغة، ومضامين إنسانية وأخرى سياسية، من هنا نجد اتساع وعمق الكتاب، فكرياً ولغوياً.
ثم تحدث الشاعر عمار خليل، فقال: في مديح الوقت بين رؤيتين، يُعجبك ذلك البياض الناصع على وجه الغلاف، وفي وسطه لوحة تشكيلية تدعوك للتأمل والخيال، هذا الكتاب الذي أشار مؤلفه مرزوق الحلبي أنه شعري، وذلك كما هو مشار إليه أسفل الكتاب، وهنا يحق لنا السؤال الجدلي هل نحن أمام نصوص شعرية أم نثرية؟ هذا السؤال الذي يختلط جوابه على الكثيرين، في رأيي الشعر شيء والنثر شيء آخر، وهذا بالتأكيد ليس رفعاً من شأن الأول أو خفضاً من شأن الآخر، لكن لكل شيء مسماه. الكاتب هُنا يُقدم نصوصاً قد يعتقد أنها غير معروفة أو مألوفة من حيث المضمون الوجودي أو اللانفادي على حد تعبير مُقدِم الكتاب.. لكنها طُرحت منذ مئات السنين عبر التاريخ والحضارات. وقفتُ أمام هذه النصوص برؤيتين مختصرتين: الأولى: الرؤية الأدبية والفنية واللغوية في هذه النصوص، وهنا لا يمنعني اختلافي الكبير مع الكاتب في الفكر المُقدم أن أعترف بجماليات النصوص، وقدرة الكاتب على إيصال ما يريد بصورة ثورية ناعمة، يتلمس بها الكاتب القضايا الكبيرة، بدءًا بالله عز وجل، مروراً بالعروبة والقومية والديانات والموروث والعادات وغيرها، كما تمكّن الكاتب من عِقال اللغة واستخدم المفردات الحديثة ذات الدلالات العصرية والواقعية، فكل هذا يحسب للكاتب. ولكن عند وقوفي على عتبات الرؤية الثانية في هذا الكتاب، أريد تقديم فكرتي البسيطة بعيداً عن التعقيد والتسطيح، إذ يحقُ لأي إنسان تقديم قناعاته الذاتية وأفكاره عن هذا الوجود وعن هذه الحياة، ولكن ألا يتعدى في ذلك حرية الآخرين؛ سواءٌ العقائدية أو العقلانية، إذ في الوقت الذي يقوم الكاتب به بالدفاع عن العقل والتفكير والحريات يخدش حريات الآخرين.. إذن هو الفعل التناقضي والممارسة التي تأخذنا إما إلى أقصى اليمين أو تقذفنا في أقصى اليسار!! هنا أشير إلى التناقض اللامعقول في الممارسة بين أن يشكر الكاتب من هذّب وأخرج له المؤلف بصورته الجميلة وبين التمادي على الذات الإلهية التي يبدو لي أنه لا يؤمن بها، وهذا أمر يرجع له، فلا وصاية على أحد في معتقداته، ولكن احترام معتقدات الآخرين هو أيضاً دعوة للفهم والحرية والاحترام. أدرك مدى التشويه الذي مورس على الدين وخاصة في الأعوام الأخيرة، وأدرك أيضاً عمق الكثير من العادات التي لا تمد بالدين بصلة، لكنها تحمل اسم الدين. إن بناء جسور التربية والثقافة على أساس العادات والتقاليد بين قوسين «ثقافة العيب «قد يجعل من تلك الممارسات بعد حين شيئاً عادياً وتمارس بكل جرأة، ولكن البناء الصحيح يكون على أسس شرعية واضحة، ومن يقول بأن الإسلام يمارس القمع ويتحفظ على العقل والتفكير ويمنع الحريات فهو في حقيقة الأمر لا يعرف عن الإسلام شيئاً. ثم أرى بعض النقاد أو القارئين للواقع أو التاريخ الإسلامي، يأخذون عليه كيف استغلت السياسة الدين في تمرير وتثبيت أركان الحكم، أو كيف اقتتل الكثيرون من خلفاء أو ملوك الدول التي خضعت للدين، وهذا الأمر مشروع لأي أحد في طرحه، ولكن هذا ليس بغريب ولا عجيب على مسيرة الحضارات، إن اعتناق الإسلام ديناً ليس معناه أن نصبح ملائكة بلا أخطاء، فالإنسان هو الإنسان، لكن الإسلام يهذب تلك الروح ويجعل منها تقف على أخطائها وتعالج أمراضها ذاتياً، هذه قناعتي الراسخة، وقد تعمدت أن لا أذكر آية قرءانية أو حديث نبوي خلال هذه القراءة ولكن اختتم بقوله تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾.
وتحدث الشاعر خليل قطناني فقال: صدر المؤلف الشعري «في مديح الوقت» عن دار جدل للنشر في دالية الكرمل، عام (2018) للشاعر والكاتب مرزوق الحلبي، ويقع الكتاب في 320 صفحة، كما يحتوي على سبعة أقسام. صدّر الحلبي مؤلفه بإهداء، وشكر، وقراءة ناقدة للدكتور باسيليوس بواردي، ثم ذيله بخاتمة.
العتبة النصية: ويمكن للمستقبل أن يقف على العتبة النصية «في مديح الوقت» لتفكيك دلالاتها وانحلالها في متن النصوص الشعرية، فقد تتبعت دال الوقت في المؤلف – كما يحب أنى يطلق عليه- فوجدت أن الزمن يحمل دلالة سلبية ويتلاشى ما شكل تضادا مع العنوان، ونسمعه يقول: في نص «فيض»: «لا زمن ولا وطن ولا أحد»، والزمن هنا كينونة معرفية وليس عدداً من الساعات والدقائق، بل بما يحمله من تجارب معيشة، إنه يحطم الوقت فكيف يمدحه؟ ويقول ص33: «لو أني عرفت من أين يأتي الزمن لأوقفت حركته في اللحظة المناسبة» فالشاعر يجهل الزمن ماهيته، ويريد أن يوقف حركته أي إحساسه بالزمن، فكيف يتسق مع مديح الوقت؟
والشيء ذاته يفعله في نص «غسيل الوقت» ص46 إنه يريد أن يطهر الزمن بما علق به من اتساخ، فكيف يصدر العنوان بالمديح؟ ويتعالى هذا الإحساس المثقل بالوقت في نص «وجع الوقت» ص 50 إذ ينزلق الوقت من بين أصابعه ويمر أسرع منه، ويسقط على الطرقات. مثل هذه النصوص تشي بتراجع نفسي وثقافي للزمن النفسي والفيزيائي للشاعر. غير أن تلك الإشكالية تحلّ عندما يقف القارئ على نص «في مديح الوقت» ص 211، الذي سمي المؤلف الشعري به؛ فهو من باب تسمية الكل باسم الجزء، تنحل عرى التناقض والشاعر حين يعبر الشاعر الخمسين من العمر، حيث الاتزان والاعتدال بين الروحي والشهواني والعقلي، بين المؤتلف والمختلف، إن الخمسين، وقد بلغها، قد صنعت منه كينونة أخرى، فبدأ الإحساس بالوقت الجميل؛ الجميل معرفياً ونفسياً، يقول ص211:
«في الخمسين تحب على وقع همس خفيّ
فلا أنت رومانسي تماماً
ولا أنت جسمانيّ
لا أنت روحانيّ كما كنت
ولا شهوانيّ كما تريد».
النص اللانفادي: يقف د. باسليوس في قراءته للنصوص على تخوم الحداثة الشعرية، ويفتح ملف القضايا الإشكالية في زمن الشعر الذي يسائل الثابت والمتحول، ويحاكم الشكل والمضمون، ويتهم اللغة الحليفة والخائنة التي تقف مع السلطة السياسية والدينية، وينتقد واحدية الشكل والفكر والعقيدة، ويتوقف الدكتور الناقد عند علاقة الشعر بالجمهور ويتخذ موقف متطرفاً إلى حد ما، وربما كان مبرره تلك الجمالية، والفكرة، والديمومة الشعرية على خلاف مع شعراء المنهج الاجتماعي والديني. ويطرح الناقد فكرة نقد العقل العربي والثقافة العربية التي أحدثت هزيمة مركبة في القرن العشرين، وينتقد طريقة التفكير بالحل، وكيف يعبر النص الشعري عن تلك الثنائيات داخل الوجود الشعري عند الشاعر الحلبي. حقاً إن النصوص الشعرية تحمل فكرة البحث والتجريب عن شكل آخر وعروض آخر، ولغة أخرى، وصور أخرى أيضاً، وهذا ما طرحه الشاعر في القسم الثاني من المؤلف الشعري بعنوان «لغة لم يدخلها أحد». وعلى الرغم من تطرف الكاتب وتحديه للعقائد الدينية التي تمس وجدان قرّائه إلا أن ذلك لم يخدش جماليات اللغة وبهائها. كنت أود التحدث عن المقاييس النقدية عند ميخائيل نعيمة في الغربال ومدى مقايستها في النصوص المقروءة، ونؤجل الحديث لمقالة أخرى قادمة.
وتحدث القاص والشاعر فاضل علي، قائلاً: هذا الكتاب يأخذنا إلى التوقف عنده، فهو بحاجة إلى أكثر من قراءة، ففيه العديد من الأفكار، كما أن طريقة تقدميها جديدة علينا، وكأن مرزوق الحلبي يقول لنا: تعالوا نتحدث عن الشاعرية، تعالوا نغربل النصوص الشعرية لنرى ماذا يتبقى منها، فكل شيء يتطور ويتغير، واللغة من ضمن المتغيرات والمتجددات أيضاً.
الإبداع هو فكرة جاءت بلغة جميلة، ومرزوق الحلبي في هذا المؤلف قدم العديد من الأفكار بلغة متمردة، متجددة، كما أنه منفتح على الآخرين وعلى ما يقدمونه، من هنا، ثورة كتاب «في مديح الوقت» تكمن في تجاوزه لما هو مألوف من شعر، فطريقة تقديم الأفكار تعد فريدة ومتميزة، وأحب أن أنوه إلى أن الاهتمام الزائد بكتب الانتفاضة/مقاومة ظلم أدب الأطفال.
ثم تحدث المحامي حسن عبادي فقال: أحب أن أوصل لكم تحية الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، الذين يتابعون ما يُعقد من ندوات وفاعليات ثقافية في دار الفاروق، فهم سعداء بهذا النشاط التواصل والمتنوع، أما بخصوص كتاب الشاعر مرزوق الحلبي «في مديح الوقت»:
التقيت قبل فترة وجيزة في سجن هداريم بالأسير ناصر أبو سرور وخلاصة رؤيته أنّه تخمّر فكتب... وتعرّى، ولا يخجل من عُريه؛ وها هو مرزوق قد كتب وتخمّر ونشر فتعرّى ولا يوجد سبب لخجله من عُريه، يبدو أنّ القصيدة الأولى التي حُظيت بالنشر في هذا المؤلَّف من آب 2003 (قصيدة ثلاثةُ مقاهٍ.. أربعة ص106) والأخيرة من حزيران 2018 (قصيدة فرحٌ خَفيفٌ ص27)، فترة كافية لتخمير العنب ليصير نبيذًا معتّقًا شهيًا.
لكلٍّ منّا طقوسه في القراءة والتعامل مع الكتاب الذي يتناوله؛ لديّ رهبة من نسخة ورقيّة تقع بين يدي (أمقت التصفّح والقراءة الإلكترونيّة المُحَوسبة) ولا أخربش عليها، وفجأةً وجدتني «أمركِر» 45 مرّة على نصوص إلزاميّة للتطرّق لها، لا أكثر ولا أقلّ!!!
مرزوق مثقّف موسوعيّ وصاحب تجربة حياتيّة عريضة ويحاول تمرير فكره وفلسفته في نصوصه الشعريّة، مباشرةً أحيانًا ومشفّرة ومعقّدة أحيانًا أخرى. قراءة النصوص المرزوقيّة مغايِرة؛ تضطرّك لعدّة قراءات تأمُليّة لتصل عُمقَها علّك تصرخ «يوريكا».
أحياناً أقرأ نصوصاً شعريّة وأشعر بأنّي قرأتها أو سمعتها من قبل نتيجة التقليد أو «سرقة النصّ/الفكرة» مع تبديل كلمة هنا وهناك، مجرّدة من جماليّة الكتابة، نمطيّة مُقَولبة متشابهة تتغيّر فيها الأسماء، لكنّي وجدت في المؤلّف أمرًا مغايرًا، مرزوقيًا (إن صحّ التعبير) من حيث الفكرة، المضمون، الأسلوب، الديباجة وموسيقاها، لم يقع في فخّ النمطيّة، وجدته يسير في طريق شقّها لذاته بعيداً عن النقل والتقليد والنمطيّة المعتادة وكأنّي به يشيّد مدرسة خاصّة به فأبدع، جاءت موضوعاته مختلفة وشموليّة، أفقيّة بانوراميّة، تعبّر عن أناه وخاصّة به، فصار شاعراً كما يشتهي:
«مَا لا تقولُهُ القافيةُ!
سأصير شاعراً كَمَا أشتهي،
يومَ تمُرِّينَ مِنْ قصيدةٍ لي إلى أُخرى
دونَ أن يَراكِ أحَدٌ«
ويقولها بصريح العبارة أنّه يطمح للتميّز ويمقت الاجترار والتكرار: ونجح في ذلك!
»إذا كانَ نصُّك الأخيرُ
تمامَ الشَّبَهِ بنصّكَ الأوَّلِ
كُنْ لطيفًا مَعَ الحِبرِ
واختَرْ لنفسِكَ مهنةً أخْرى«
وكذلك الأمر في قصيدته «القصائد!»، لا يُجمّل ولا يُحابي، يثور على النمطيّة المألوفة من حولنا دون خوف أو وجل. كأنّي بمرزوق يهمس في آذان شعّارنا من أميرات ومشايخ الفيسبوك من وراء نصّه: كفانا نفخًا في قِربةٍ مثقوبَةٍ، كفانا تهريجًا وتصفيقًا وضُحكًا لأنّنا لا نضحَكُ بذلك إلّا على أنفسِنا بكتاباتكم المقَولبَة، كلّها «شتانتس» واحد (قالب/نموذج).
النصوص المعاصِرة الحداثيّة ثريّة وتبثُّ سهامَها في غير اتجاه، وتومئ أكثر ممّا تقوله، تحتوي في بُنيتِها عدّة طبقات، ولك أن تقشِّرها، كلّ حسب رغبته ومفهوميّته علّه يصل إلى ما أراد أن يقوله مرزوق وراء نصِّهِ، لكلّ طبقة لسانها وحالها، وكما شبّهَها رولان بارت بالبصلة، لكلّ طبقة حجمها وخصوصيّتها، وتشكّل بكامل طبقاتها ثمرة ناضجة، ولذا علينا تحسين آليّاتنا لنواجه تلك النصوص وما وراءها. تعلّق مرزوق بالوقت، أصبح الوقت هُويّته، وآمِن بأنّ الوقت هو ثابتك الوحيد، فالتصِق وتعلّق به ولا تُسقطه عنك، جعل الوقت حاضراً ومرافقاً له يتكرّر في الكثير من القصائد، يواكبه في كلّ خطاه، في أحلامه وأفراحه وأتراحه فيصير ظلّه الملازم له فلا بدّ له من أن يتصالح معه، يداعبه ويهتمّ به يوميًا:
«غسيلُ الوقتِ!
كلَّ يومٍ أغسلُ الوقتَ
والواقعَ بالكلماتِ
وأنشرُهُ معطَّراً
هُنا وهُناكَ
فمَن يُعيرني مَلاقطَ الغَسيلِ؟«
ومن كثرة تعلّقه به وامتنانه له بالرفقة والمؤانسة، يمدحه ليكون عنوان المؤلّف من نصيبه:
«فِي مَديحِ الوقتِ!
في الخمسينَ، تَأتيكَ القَّصيدةُ فِي غَيرِ مَوْعِدِهَا
عَاريةً مِن كُلِّ زينَتِهَا
مَن خَلاخِيلها
بَهيَّةً تَهُلُّ
مَكْتوبةً بِرَسمِ سِنيكَ وَإكسِيرِهَا
في الخمسينَ، يبدُو لَكَ العُمرُ أقصَرَ
مِنْ مُكوثِ وَرْدةٍ فِي المَزْهَريَّةِ«
يتغنّى بالغُربة الحارقة داخل الوطن، وهي أصعب أنواع الغُربة، فيجد ذاته وأناه حين يكون في المنفى، بعيداً عن الوطن، كما شعر إدوارد سعيد ومحمود درويش من قبله، كما يراها في قصيدته «التباس الوطنِ وضوحُ المَنفى«.
للشاعر نظرة ثاقبة تُعريّ الظالم وتصبو للحريّة على أشكالها، والمشكلة فينا وليس في المِرآة التي تصوّر الحقيقة بعَينها.
«وجوهٌ في المرآةِ!
المرآة هِيَ هِيَ،
علَى حالِها منْ أوَّلِ الخَلْقِ
تعكِسُ ما تَراهُ
وحدُها الوجوهُ هي الّتي تَخذُلُنَا«
يلخّص مرزوق وِجهته «النقديّة» بجرأة ليُعرّينا فيجمع شخوصاً، لكلّ منها دوره، على طاولة مستديرة في عصف ذهنيّ (في مِهنته اليوميّة يُسمّونه «ريتريتْ») مُثير: السَّموأل، عنتَرَة، سلمان الفارسيّ، المأمون، صلاح الدّين، أبو العلاء، ابن خلدون... والحَلّاجُ، رَسَائِلُ «وِيكْلِيكْسِ» العَرَبيَّةِ!
الحَلّاجُ
»أطالِبُكُم بأطرافِيَ كُلُّهَا،
وَدَمِي وأصَابعي،
سَأحْتاجُها في رِفقَةِ أبي النّواسْ
بيْنَ الدَّساكِرِ حَتَّى آخِرِ كَأْسْ«
لغة الشاعر انسيابيّة ومتجدّدة، حيّة نابضة وبعيدة عن التكلّس، لا يخشى «تعريب» المصطلحات الأجنبيّة وتبنّيها بعفويّة حين يقول:
»لن تَرَى "اللايكاتِ" حينَمَا تتناسلُ "البُوستات" مِنِ
اسمِكَ
ورسمِكَ،
ويصيرُ دمُكَ بُحيرَةً للبَجَعِ«!"
أو حين يقول دون ارتباك:
»أتوارَى عنْ ظِلّيَ
أجرّبُ "الجرافتي" علَى الجُدرانِ المُعتِمةِ
وأصيرُ واحدًا غيرِي"
وكذلك الأمر في قصيدته "زَمَن المِحَنِ!":
"تداعتْ كلُّ الشبكاتِ في هُوّة الزّمنِ
وكُلُّ ما هًوَ افترضيٌّ ضاعَ فِي ارتطامِ كوكَبيْنِ
سرَقَ "الهاكِرزْ" كلَّ حيِّز مُتخيّلٍ
لمْ يبقَ للرئيسِ حائطٌ
يعلّقُ عَلَيْهِ
صُورَتَه"!». وكأنّي به يقول دون تأتأة: دعونا نجعل لغتنا مرٍنة وعصريّة في عصر العَولمة.
كلمة لا بدّ منها، مرزوق مثقّف موسوعي يكتب المقالة الفكريّة والسياسيّة، له ما يقوله في النقد الثقافي والهوية واللغة والقوميّة العربيّة. يعتمد في كتاباته على سِعة قراءته وثقافته وعلى تحصيله العلمي في مجال العلوم السياسيّة والحقوق والأدب المقارن والدراسات المستقبلية، ونرى انعكاس طلّ ذلك في مؤلّفه «في مديح الوقت«.
ثم تحدث الشاعر محمد حلمي الريشة قائلاً: قرأت ما كتبه فراس الحاج محمد، عن الكتاب، وأحب أن أبدي بعض الملاحظات على الكتابة الشعرية وعلى من يكتب الشعر، على الشاعر أن يكون متعدد القصائد، في كل قصيدة يكون هناك ما هو جديد ومتجدد فيما يقدم، ولكن هناك لغة خاصة لكل شاعر، يُعرف بها، فهي تميزه عن غيره من الشعراء.
وهنا نطرح سؤال: لماذا يكتب الشاعر النص الثاني بعد النص الأول؟ لماذا أكتب مرة أخرى؟، يعود إلى أن هناك علاقة الذي يكتب حالة جديدة، كل مرة يكتب نفسه، لكنه لا يريد أن يكرر نفسه، في الرواية تعرف ماذا تكتب وأين تؤلف، لكن في الشعر الشاعر يكتب نفسه، هناك شيء داخله يخرجه للآخرين، هناك وازع داخل الشاعر يجبره على إخراج القصيدة، الشاعر يكتب قصيدة واحدة، في كل مرة يضيف شيء جديد في كتابه، فيتشكل لوحة فسيفساء متعددة الألوان.
ثم تحدث الصحفي همام طوباسي قائلاً: شكراً لمحمد عبد الله البيتاوي الذي أتاح لنا هذا اللقاء الجميل. كتاب «في مديح الوقت» نجد لكل قصيدة موضوعها وفكرتها وخصوصيتها وفلسفتها، أجد نفسي أمام عمل شعري جديد، لم أعهده من قبل، إن كان على صعيد الأفكار أم شكل التقديم.
ثم تحدث الناقد سامي مروح فقال: الإنسان ابن بيئته، فهذا الكتاب يشعرنا أن الشاعر عليه ضغوط كبيرة وكثيرة ومستمرة في ذات الوقت، من هنا نجد البعد الفلسفي في الكتاب، والذي جاءت من خلال الأفكار المكثفة، هناك أفكار ورؤى وصورة يقدمها الشاعر مختزلة وعميقة، فالتجديد نجده في كل قصيدة، ورغم تحفظي على بعض ما قدم من أفكار، إلا أن المتعة حاضرة في الكتاب، واللافت عدم وجود تكرار في القصائد، كل هذا يجعلنا أمام كتاب متميز بجودة وطريقة تقديمه.
وتحدث رائد الحواري قائلاً: نحن أمام كتاب استثنائي، على مستوى الأفكار التي يقدمها، وعلى الطريقة التي جاءت بها تلك الأفكار، فالشاعر يحدثنا عن المدينة الفاضلة، مدينة ماركس الشيوعية، من هنا نجد المجتمع العامل في قصيدة النمل، والشاعر يقترب بطرحه الفكري مع طرح جبران خليل جبران، رغم، أحياناً، تبيان الأفكار بينهما، لكن يبقى البعد الإنساني هو الجامع بينهما، وكما نجد هناك تكثيف واختزال فيما يقدمه الشاعر «في مديح الوقت» لكن هذا الاختزال يستوقف القارئ، يستوقفه ليتأمل بمتعة بما جاء من أفكار، فالمعرفة الفلسفية ممتعة، وطريقة التقديم سهلة وشيقة، من هنا نقول اجتمع المتعة والعمق معا في هذا الكتاب.
وفي نهاية اللقاء تحدث الشاعر مرزوق الحلبي قائلاً: أشكر الجميع على ما أبدوه من ملاحظات عن الكتاب، وأشكر الأستاذ حسن عبادي الذي مهّد وسهّل عملية التواصل بيننا، أنا ابن هذه الأرض، الساحل، الجبل، السهل، الكتاب فيه ما هو جديد، استعرضت فيه تجربتي الشخصية، من هنا تجد رؤيتي في الكتاب، الشاعر، المثقف الذي يمارس معرفته وثقافته في تقديم ما هو جديد. سُجنت لرفضي الخدمة العسكرية، وهناك تعرفت على أهمية الوقت، الزمن، وتوصلت إلى فكرة أن الذي يملك الوقت هو السيد، وليس من يملك المكان، تصارعت مع الوقت واستطعت أن أنجز هذا الكتاب، فالعلاقة مع الوقت علاقة وجودية، الوقت يمضي ولا أستطيع أن أفعل ما أريد، إلى أن استطعت أن أكون وأكون نفسي.
خلال تسعة شهور قضيتها في السجن، قرأت كمية كبيرة من الكتب، كان علي أن أعتني بنفسي وأثقفها، وهي ساعدتني على تكون وتشكيل ذاتي الشاعر، تعلم أن الصوت الآخر هو الذي يحرك عملية الكتابة، أحلم بالسؤال، أريد أن أقول الحقيقة للآخرين، أحاول أن أكون صادقاً فيما أكتب. تأثرت بالأستاذ «سلمان جبران» و«أميل حبيبي» الذي أدخلني إلى عالم التجريب، تجربتي مع العقائد والأفكار. وعندما كان يزورنا أشخاص كبار كنت أتحدث معهم وأناقشهم في قضايا عديدة، حتى أن أبي كان يستغرب من ثقافتي وأفكاري التي أحدث بها ضيوفه.
بخصوص الشعر: أنهال المادة الشعرية من التراث العربي، وأنا متمسك بقضية العدل والحرية، فقد خضت معركة لإيجاد مصلى في دالية الكرمل، رغم اختلافي أو عدم قناعتي، لكن الحرية هي حق لكل فرد ويجب أن نحترمها.
في سن 23 حاولت أن أكون شاعراً، وكنت بحاجة إلى عشرين عاماً لتكوين شخصيتي الشعرية، الشعر لدي، أجده يخرج مني، وما أنا إلا مخرج له، فبعد أن تكتمل الفكرة، أجدني أكتبها، والكتابة لها رهبة ومسؤولية، من هنا الإقدام على كتابة شيء ليس بالأمر السهل ويحتاج إلى جهد وطاقة.
أنا عضو في مجمع اللغة العربية في الناصرة، واللغة يجب أن تجدد كل يوم، حتى تستطيع أن تعيش: «أتمنى على كل لغة شرفتين» التجربة اللغوية الألمانية والإنجليزية تستوجب التوقف عندها، فهنا إضافات لغوية يومية لهاتين اللغتين، فاللغة بحاجة إلى التجديد ومواكبة التحديث.
من خلال تجربتي في مجلة الاتحاد، وجدت بعض الكتابات تشبه الإنشاء، ليس فيها إبداع، تقرأ النص للشاعر وبعد أربعين سنه تجده يكتب بنفس اللغة والأسلوب، من هنا تجد نص جميل وعشرة سيئة، فبعض ما يقدم من شعر يبدو وكأنه تقرير صحفي وليس شعر. على الشاعر أن يكون دائم المواجهة، مواجهة السلطة، اللغة، الأفكار، فالمواجهة شاملة، فلا أستطيع أن أواجه السلطة وأغفل عن الفساد/الفاسد لأنه قريبي أو ابن بلدي.
وفي نهاية اللقاء تقرر أن تكون الجلسة القادمة مناقشة المجموعة القصصية «رقصة الشحرور» للقاص والروائي الفلسطيني «مصطفى عبد الفتاح»، وذلك يوم السبت الموافق 15/2/2020.



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كميل أبو حنيش لقد صرت أبا رسائل من القلب
- في مديح الوقت -مرزوق الحلبي-
- الأنثى في -مدينتنا- نزهة الرملاوي
- سورية والدين
- الشاعر والمرأة والواقع كميل أبو حنيش -صفا فؤادي-
- التقديم الناعم في رواية -قلب الذئب- ماجد أبو غوش
- ياسين محمد الباكي -أين هم-
- مناقشة رواية أوراق خريفة
- رمال على الطريق مفيد نحلة
- جريمة الشرف في الرواية -شرفة العار- إبراهيم نصر الله
- قصائد الأندلس
- مجلة شذى الكرم السنة الخامسة،
- ديوان زفير سعادة أبو عراق
- ومضة -هكذا هم الفقراء أحمد خلف نشمي
- المعتقل الفلسطيني في كتاب -الصدور العارية- خالد رشيد الزبدة
- مناقشة كتاب اقتفاء اثر الفرشة
- رحلة إلى جوهانسبرغ بيفيرلي نايدو
- حازم يعود هذا المساء نبيل عودة
- حنان طه -لعلك تدري-
- اقتفاء أثر الفراشة نبيل طنوس


المزيد.....




- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...
- NEW تردد قناة بطوط للأطفال 2024 العارضة لأحدث أفلام ديزنى ال ...
- فيلم -حرب أهلية- يواصل تصدّر شباك التذاكر الأميركي ويحقق 11 ...
- الجامعة العربية تشهد انطلاق مؤتمر الثقافة الإعلامية والمعلوم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - مناقشة كتاب ديوان شعر «في مديح الوقت»