|
رحلة إلى جوهانسبرغ بيفيرلي نايدو
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 6457 - 2020 / 1 / 6 - 10:26
المحور:
الادب والفن
رحلة إلى جوهانسبرغ بيفيرلي نايدو عندما تجتمع مجموعة من العناصر الجمالية في كتاب، فهذه اشارة على الاهتمام والعناية من مجموعة مختصين، عملوا مجتمعين على اخراج الكتاب وتقدميه بشكل جيد للقارئ، فالصورة الموجدة فيه تم رسمها بدقة، وتتماثل بفكرتها مع الأحداث، وتم تقديم الكتاب بمقدمة ناعمة ومختصرة، وغالبا ما جاءت الفصول الا تزيد أربع صفحات، وتركيز على الأحداث، وتقديم الفكرة بصورة واضحة، كل هذا يجعل "قصة من جنوب أفريقيا" تستحق القراءة والتوقف عندها. السارد استطاع أن يقدم مادة أدبية تلائم الفتيان والكبار أيضا، فقد تم صياغة الأحداث بشكل سلس ومتسلسل، وهذا سهل إيصال الفكرة للمتلقين، القصة تتناول التميز العنصري الذي مورس في جنوب أفريقيا في القرن الماضي، تبدأ القصة بالحديث عن عائلة توفى ربها وهو يعمل في مناجم الذهب، مما اضطر الأم لتعمل خادمة في جوهانسبرغ البعيدة عن قريتها ثلاثمائة كيلو متر، تمرض الطفلة ""دينيو" وتقوم جدتها بالعناية بها، لكن "تاليدي وتيرو" يقرران الذهاب إلى أمهما وأخبراها بحالة "دينيو" وهنا يبدأ كشف حقيقة النظام العنصري الذي مورس على المواطنين الأصليين، فأثناء رحلة الطفلين يتعرضان للعديد من المواقف منها: "وبدأت خطواتهما بالتسارع بينما بدت عليهما ملامح القلق والخوف. كان الخوف ناجما عم احتمال ظهور شرطي في طريقهما واحتمال قيامه بإيقافهما لأنهما غريبان عن المنطقة، رجال الشرطة خطرون، ...احذروا رجال الشرطة لأنه حين يراك سيسألك عن تصريح المرور، وعندما تظهر التصريح سيقول لك أنه غير ساري المفعول، وهذا يعني أن ذلك اليوم سيكون آخر يوم في حياتك" ص15و16، هذا التناول لرجل الشرطة سنجده في بقية الفصول وكيف أنهم أداة للقمع والموت التي تلاحق المواطنين، وليت الأمر توقف على رجال الشرطة، فهناك العنصريين البيض الذين يتعاملون مع المواطنين الأصليين بطريقة مهينة وعنصرية، فهم يملكون الأرض وما عليها، ويحرمون من يعمل بها حتى من أكل خيراتها: "وبدأت رائحة البرتقال تفوح من الأشجار الكثيرة التي كانت تقف في صفوف منتظمة خلف سياج من الاسلاك الشائكة، كانت الأشجار تمتد على مدى البصر تزينها أوراق داكنة الخضرة وثمار مستديرة براقة اللون" ص17، رغم كثرة الأشجار والثمار إلا ان السيد الأبيض كان يمكن أن: "يقوم المزارع الأبيض بقتلكما لو أنه رآكما" ص18، فالرجل أبيض يمكن أن يقتل طفلين لمجرد أخذ بعض حباب من البرتقال، وإذا كان رحيما فإنه: "كان شقيقي بولينغ قد شوهد هو يأخذ كوزا من الذرو، وكانت النتيجة أنه تعرض للضرب بالسوط ‘لى حد أنه لم يعد معها يقدرا على الوقوف" ص19. تستمر رحلتهما مشيا على الأقدام حتى يجدا شاحنة يعطف عليهما سائقها ويوصلهما إلى مركز المدينة، ويعطيهما بعض النقود، وهناك يتعرفان على صديق جيد قدم لهما العون ويمنعهما من اقتراف مخالفة كبيرة!: "ماذا دهاكما، هل انتما مجنونان؟ ...لا تعرفان شيئا عن نظام الحافلات هنا، هذا الموقف كما ترون يحمل يافطة بيضاء، لذا علينا الوقوف بالقرب من تلك اليافطة السوداء" ص28و29، عندما يتعرض طفلين لمثل هذا الموقف بالتأكيد سيكون له اثر عليهما، وهنا تأخذها الذاكرة إلا بعض ما قالته أمهما في آخر زيارة لهما: "تلك البنت الصغيرة قليلة التهذيب، فهي تعتقد أنني جزء من ممتلكات أمها، آه لو تسمعينها وهي تصرخ في وجهي" ص31، وهذه اشارة إلى أن النظام العنصري نظام متكامل، يمتد من الدولة والسلطة مرورا بأدوات التنفيذ/الشرطة، ليصل إلى العنصريين البيض كبارا كانوا أم صغارـ راشدين ام أطفال. يصلا الطفلين إلى البيت الذي تعمل فيه أمهما، وهنا تتوضح العلاقة الأم بهذا البيت، فهي تعمل خادمة فيه، تطلب الأم الأذن من سيدة البيت للسفر إلى قريتها والاطمئنان على طفلتها المريضة، فتجيبها السيدة: "بالطبع لا استطيع السماح لك بالذهاب اليوم، فأنا أريدك أن تجلسي الليلة مع بيليندا، حيث أنني والسيد مدعوان إلى حفل عشاء هام جدا، .. ولكن اعتقد أن بإمكانك الذهاب غدا" ص34، بهذا الشكل وهذه الطريقة غير الإنسانية كان يعامل العنصريون السكان الأصليين، فكانوا هم الأسياد وأصحاب الأرض هم لعبيد. وعدم إنسانية (السيدة البيضاء" لم تقتصر على هذا الرد القاسي، بل تعداه إلى منع الطفلين من المبيت في البيت، فالقوانين العنصرية تمنع اقامتهما: "..رجال الشرطة لن يكونوا سعداء لو علموا بأن الطفلين سيمضيان ليلتهما في منطقة بارك تاون" ص35، النظام العنصري متكامل ومتواصل ويعمل بشكل موحد، ولا مجال لاختراقه بأي شكل كان. يعود الطفلين إلى صديقهما الذي تعرفا عليه في المحطة ويقضيا ليلتهما عنده، ويحدثهما عن رجال الشرطة وما يفعلونه بالمواطنين: " كثيرون كانوا منهمكين في البحث داخل جيوبهم وآخرون داخل حقائبهم إنها حملة بوليسية للتفتيش عن التصاريح.. وعندما مر صبي من أمام الشرطي وقال أن عمره أقل من 16 سنة صرخ الشرطي في وجهه وأصفا إياه بالكذب" ص38و39، طبعا هذا التصرف لا بد أن يؤثر على المواطنين وسيجعلهم يقاومون هذا النظام: " ابن الرجل اقتادته الشرطة لعدم حمله التصريح، يقول: "سأحرق هذه السيارة يوما ما.. كيف يستطيع آباؤنا تحمل هذا كله" ص41، وهنا اشارة إلى أن مقاومة النظام العنصري ضرورة وحق وواجب إنساني قبل أن يكون واجب وطني أو قومي. وهنا يأخذنا السارد إلى "قصة غريس" في القصل العاشر، ويحدثنا عن الطريقة التي قمع فيها المواطنين الأصليين: "...صوبت الشرطة بنادقها نحو المسيرة، بدأت بإطلاق العيارات النارية الحية التي أدت إلى مقتل كل من كان في طريق البنادق... واصل البوليس إطلاق النار فسقط المئات قتلى وأصيب المئات بجروح ووقع المئات رهن الاعتقال" ص45و46، تحديد الرقم بالمئات يشير إلى حجم المجزرة التي اقترفها العنصريون بحق المواطنين، وعلى أن النظام العنصري لم يكن ينظر إلى المواطنين كبشر، بل كقطعان من الحيوانات البرية، لهذا كان عدد القتلى والجرحى بالمئات. تعود الأم بصحبة طفليها إلى طفلتها المريضة، يحدثنا السارد عن واقع العيادة الصحية وكيف كانت مكتظة بالمراجعين، حتى أن أحدى الامهات فقدت طفلتها مريضة وهي تنتظر دورها في الدخول إلى الطبيب، يتم معاجلة "دينيو" وكانت نهاية القصة بهذا الشكل: "شعرت ناليدي بجفونها تتثاقل، ثم غلبها النعاس أخيرا، وفي المنام رأت نفسها ذاهبة غلى المدرسة، ومن أول يوم وجدت نفسها محاطة بالأصدقاء ...اصدقاء قدامى وجدد" ص66، وكأن بها أراد السارد أن تكون النهاية سعيدة، فلا يجوز أن يكون نهاية الأعمال الموجهة للفتيان قاتمة، فرغم سواد وعنف وقسوة الاحداث إلا أن النهاية فتحت آفاق الحياة أمام القراء. الرواية من منشورات مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي، فلسطين 2002.
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حازم يعود هذا المساء نبيل عودة
-
حنان طه -لعلك تدري-
-
اقتفاء أثر الفراشة نبيل طنوس
-
الواقعية الفلسطينية في رواية -العناب المر- أسامة المغربي
-
قراءة في ديوان -على ضفاف الأيام -لنائلة أبو طاحون
-
العشق المتقد في قصيدة فتاة البرتقال كميل أبو حنيش
-
مظفر النواب -كهرمان، وثلاث امنيات-
-
رواية الرحيل إلى كوكب إسجارديا شيراز عناب
-
-منثور فلفل على توج وردة- (هايكو عربي) للشاعر محمد حلمي الري
...
-
حكايات مقهى المغتربين سعادة أبو عراق
-
مناقشة رواية خريف يطاول الشمس
-
عبود الجابري والومضة
-
جهاد عواملة -هي أنت-
-
قصيدة -سِرُ الشِفاءِ من الحنين-- كميل أبو حنيش
-
رواية -زمن الخراب- لمحمود شاهين 3
-
محمد علوش ديوان هتافات حنجرة حالمة
-
رواية زمن الخراب 2 لمحمود شاهين الملف الثاني
-
رواية زمن الخراب لمحمود شاهين الملف الأول
-
إبراهيم نوفل قصيدة مطر
-
الأحواز أرض عربية سليبة إبراهيم خلف العبيدي
المزيد.....
-
-الزمن المفقود-.. الموجة الإنسانية في أدب التنين الصيني
-
عبور الجغرافيا وتحولات الهوية.. علماء حديث حملوا صنعاء وازده
...
-
-بين اللعب والذاكرة- في معرض تشكيلي بالصويرة المغربية
-
مفاجأة علمية.. الببغاوات لا تقلدنا فقط بل تنتج اللغة مثلنا
-
بيت المدى يستذكر -راهب المسرح- منذر حلمي
-
وزير خارجية إيران: من الواضح أن الرئيس الأمريكي هو من يقود ه
...
-
غزة تودع الفنان والناشط محمود خميس شراب بعدما رسم البسمة وسط
...
-
شاهد.. بطل في الفنون القتالية المختلطة يتدرب في فرن لأكثر من
...
-
فيلم -ريستارت-.. رؤية طبقية عن الهلع من الفقراء
-
حين يتحول التاريخ إلى دراما قومية.. كيف تصور السينما الصراع
...
المزيد.....
-
الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية
...
/ عبير خالد يحيي
-
قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي.
/ رياض الشرايطي
-
خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية (
...
/ عبير خالد يحيي
-
البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق
...
/ عبير خالد يحيي
-
منتصر السعيد المنسي
/ بشير الحامدي
-
دفاتر خضراء
/ بشير الحامدي
-
طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11
...
/ ريم يحيى عبد العظيم حسانين
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
المزيد.....
|