أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد أبوالفضل - جوهر الأشياء أدق وصفا














المزيد.....

جوهر الأشياء أدق وصفا


محمد أبوالفضل

الحوار المتمدن-العدد: 6481 - 2020 / 2 / 3 - 20:47
المحور: الادب والفن
    


كان المكان خلابا ساحرا عبارة عن جسر معلق بين بنايتين غاية فى الروعة والجمال، يطل على مدينة أستثنائية بكل المقاييس، جزيرة تحيط بها المياه من جميع الجهات بل وتتخلل حواريها وأزقتها، حتى صارت وسيلة التنقل الوحيدة داخلها هي القوارب بمختلف أشكالها ومسمياتها.

بدا لي المنظر من الوهله الأولى وكأنه جسر لألتقاء العشاق وهيام الأرواح، أو لجلوس الشعراء والمبدعين؛ كي يكتبوا أشعارهم، وأنتاجهم الأبداعى فجمال تصميمه وموقعه يوحي بأنه كان مكانا يبعث على الألهام والفرح والسرور ، وخصوصا بادرنى المرشد السياحي مخبرا بإن هذا الجسر التاريخى مهم، قبل أن يكمل حديثه لأتبين فيما بعد أن ما كنت أظنه جسرا لالتقاء العشاق وألهام الشعراء والمبدعين، كان جسر التنهدات الذي شيد 1600م، وهو الجسر الذي يربط قصر البندقية الشهير وسجن محاكم التفتيش، عابرا نهر ريو دي بلازو.
هذا الجسر كان وسيلة لعبور السجناء من مبنى السجن إلى قاعات المحكمة، وكان المحكومون بالإعدام حين يعبرونه يطلبون من سجانيهم أن يسمحوا لهم إلقاء النظرة الأخيرة على مدينتهم الساحرة الخلابه، فلا يسمع منهم إلا أصوات تنهداتهم والآنين حين يسمحون لهم بذلك، قبل نقلهم إلى قاعة تنفيذ الحكم عليهم في مبنى المحكمة.

وقوفي منبهرا أمام هذا الجسر التاريخى أثار فى فكرتين: أولاهما تساؤل عن السبب فى عدم أستمتاعنا بحياتنا وبما نملك، وإهمالنا المفرط للجمال المحيط بنا أو الذي نعيشه؛ إذ كثيرا ما تعترينا الحسرة العارمة حين خسارة شيئا أو شخصا أو أومنصبا ووضعا أو حين نكاد نخسر حياتنا نهائيا أو حين نسافر بعيدا عن أوطاننا حاملين ذكرياتنا .

أعتدنا ألا نستشعر السعادة والهناء وروعة المحيطين بنا إلا بعد أن نفقدها ونفقدهم. أعتدنا ألا نفكر في الأفصاح والبوح بمشاعرنا إلا بعد أن يغدو ذلك أمرا مستحيلا فنندم ندما شديدا؛ على أننا لم نخلق فرصة حقيقة لذلك، ولم نفكر في روعة ما بين أيدينا آنذاك.
أما الأمر الآخر والأهم، فهو نظرتنا الخاطئة للأشياء التي نحكم عليها بضدد واقعها.
فما كنت أحسبه مكانا رومنسيا كان محطه من محطات الألم والحسرة فى التاريخ البشرى !

كذلك نفعل أحيانا، حين نطلق الأحكام على الأشخاص والأماكن والأشياء، فنسمهم ونصفهم بما ليس فيهم حسب أهوائنا ونراهم بالأعين التي نريد أن نراهم بها ؛ لأننا حكمنا على الظواهر قبل أن نعرف الجوهر . غادرت المكان والأسئلة تراودنى وتعتمر عقلي: ترى كم من التنهدات والحسرات أطلقها أولئك الذين عبروا الجسر في ذلك الوقت المرير؟

كم من الذكريات طافت بهم، بحلوها ومرها؟
كم من الشوق والحنين أخذهم إلى الأماكن التي عاشوا بين ربوعها، والأزقة والحوارى التي لهوا بين جدرانها ومشوا على أرضها؟

من تذكروا في تلك اللحظة؟ أأحباب تذكروا أم أعداء ؟
وما شعورهم وهم يساقون للقاء مصيرهم الأخير ؟
وكيف كان شعور من كان يمر أسفل الجسر وهو يسمع تنهدات وآنين من يمرون به؟

وهل كان السجانين يسمح للسجناء برؤية مدينتهم للمرة الأخيرة شفقة أم لمزيدا من التعذيب؟!
كل تلك الأسئلة التى راودتنى، ما ذكرت منها وما نسيت، وما تعمدت بالفعل عدم ذكره، جعلني أحمد الله حمد الشاكرين على كل نعمة علينا وستره وعفوه ومغفرته ورحمته ولطفه بنا، وأنتبه لقلبي ولمواطن الجمال التي أعيش وتحيط بي أكثر، وأعشق بلدى ومن هم حولي أكثر وأكثر



#محمد_أبوالفضل (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الذكريات منح ربانية
- التعليم يا عرب
- مع أيقاف التنفيذ
- للمحبين عالمهم
- حضرة النائب نائم
- النائب نائم
- النبيل محمد جمال الدين الأيوبى
- بين المكسب والخسارة
- مرتزقة السياسة
- كل يوم هو فى شأن
- الموت كأس
- الأشاعات وعصر الرقمنه
- عراقنا يا عرب
- بيع روحك مين الجانى مين
- قوة القلم
- عملية أستشهاد وطن
- مرايا الحب عمياء
- التطوع الجماعى الحق
- الوطن الوطن ثم الوطن
- المثقف ومكافخة الأشاعة


المزيد.....




- ما وراء الغلاف.. كيف تصنع دور النشر الغربية نجوم الكتابة؟
- مصر تعيد بث مسلسل -أم كلثوم- وسط عاصفة جدل حول فيلم -الست-
- ترحيل الأفغان من إيران.. ماذا تقول الأرقام والرواية الرسمية؟ ...
- الإعلام الغربي وحرب الرواية بغزة: كيف كسرت مشاهد الإبادة الس ...
- أطروحة دكتوراة عن أدب سناء الشعلان في جامعة الأزهر المصريّة
- يوروفيجن تحت الحصار.. حين تسهم الموسيقى في عزلة إسرائيل
- موجة أفلام عيد الميلاد الأميركية.. رحلة سينمائية عمرها 125 ع ...
- فلسطينية ضمن قائمة أفضل 50 معلمًا على مستوى العالم.. تعرف عل ...
- أفلام الرسوم المتحركة في 2025.. عندما لم تعد الحكايات للأطفا ...
- العرض المسرحي “قبل الشمس”


المزيد.....

- دراسة تفكيك العوالم الدرامية في ثلاثية نواف يونس / السيد حافظ
- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد أبوالفضل - جوهر الأشياء أدق وصفا