أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حكمت الحاج - تراثنا العربسلامي: الحداثة والقطيعة..















المزيد.....

تراثنا العربسلامي: الحداثة والقطيعة..


حكمت الحاج

الحوار المتمدن-العدد: 6471 - 2020 / 1 / 23 - 23:46
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


عندما صدر كتاب الدكتور "مـحمد عابد الجابري" بعنوان "التراث والحداثة"، عن المركز الثقافي العربي ببيروت عام 1991 فإنه وكعادته، وكما حصل مع كتابه السابق "نحن والتراث" ومشروعه الثلاثي في "نقد العقل العربي" (تكوين العقل العربي 1984، بنية العقل العربي 1986، العقل السياسي العربي 1990) فإنّ هذا الكتاب الجديد لم يمر دونما ضجّة وردود وصدود. وكان أن أجرت مجلة "الطريق الجديد" * التونسية حوارا موسعا مع الدكتور الجابري بشأن كتاب "التراث والحداثة" موضوع مقالنا، ولأهمية هذا الحوار الفائقة، رأينا أن نقدّم قراءة في الكتاب سريعة إنّما مركزة، مسترشدين في ذلك ببعض ممّا قاله د. الجابري في ذلك الحوار.
إلى أي حد يمكن أن يكون التراث ضروريا في حياتنا المعاصرة؟ يشير الدكتور الجابري في معرض بحثه حول هذه النقطة إلى ضرورة التمييز بين موقفين في هذه المسألة، ذلك أنّ حياتنا المعاصرة تصطدم فيها إرادتان:
1) إرادة الأوروبي، إرادة الآخر الذي يصرّ على جعلنا موضوعا له، سياسيا واقتصاديا وثقافيا وعسكريا انطلاقا من تمركزه على ذاته وتحويله العالم كله إلى محيط خادم له.
2) إرادتنا نحن في أن نكون أنفسنا وفي أن نبني لأنفسنا مركزية خاصة بنا.

التراث ضروري، تراثنا في الموقفين معا، يقول الجابري، فمن جهة لا يمكن إطلاقا أن نواجه إرادة السيطرة الأوروبية علينا بتراث أوروبا ولا بقيمها مهما كانت مسميات هذه القيم. وهكذا فلم يكن مصادفة إن احتمى العرب بتراثهم خلال التحدي الذي واجههم به الاستعمار الأوروبي في القرن الماضي (الأفغاني ومـحمد عبدة) ولم يكن مصادفة أنّ الحركات التحرّرية في الوطن العربي الإسلامي إنّما تستعبد الموقف نفسه، موقف مواجهة التحدي الآتي من الآخر الأوروبي، أو ممن ينظر إليهم وكأنّهم حلوا محله.
إذا، من هذه الناحية يرى الجابري أنّ العودة إلى التراث في حياة العرب المعاصرة هي جزء من عملية الدفاع عن التراث، وهي عملية مشروعة تشترك فيها جميع شعوب الأرض.
تبقى بعد ذلك مسألة كيفية التعامل مع التراث في هذه العودة إليه وحدود توظيفه وتلك مسألة أخرى.
الموقف الثاني الذي يجعل التراث ضرورة من ضرورات الحياة العربية المعاصرة فيتعلق أساسا بالمواجهة نفسها مع التراث.
إنّ الارتفاع إلى مستوى الحياة المعاصرة في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية يتطلب من جملة ما يتطلبه إعادة بناء الذات نفسها، وإعادة بناء الذات لا بد أن تنطلق من إعادة بناء التراث، ولا بد من إعادة ترتيب العلاقة بينه كشيء ينتمي إلى الماضي وبين الحياة المعاصرة كشيء ينتمي إلى الحاضر والمستقبل.
الواقع، إنّ عنوان كتاب الجابري لا يسجل بالنسبة له على الأقل مسارا جديدا في التفكير، بل هو يستعيد الإرهاصات الأولى التي دشنت المسار الذي سار عليه، وهذا واضح من بعض النصوص، فالتراث لم يكن من قبل وليس هو الآن من أجل التراث ذاته بل من أجل حداثة نتطلع إليها، حداثة نابعة من صميم حياتنا ومعبرة عن مقومات شخصيتنا.
يتحدث الجابري عن سبيلين لطلب الحداثة:
1) سبيل يبحث عنها أينما كانت دون الانشغال بضرورة غرسها في تربتها وبالتالي الانشغال بتهيئة هذه التربة.
2) وسبيل آخر ينظر إلى الحداثة كنتاج تاريخي والحداثة المعاصرة هي مرحلة من مراحل تاريخ أوروبا وبالتالي فإنّ أي استنبات للحداثة في مكان آخر لا بد أن يقوم على عمليتين متكاملتين هما أولا فهم الحداثة في إطار تاريخها الخاص أي تاريخها الأوروبي وثانيا البحث في تاريخ وتراث الجهة التي يراد نقلها إليها بهدف تهيئة التربة لها وطبعها بخصوصية هذه الجهة.

إذن، يقول د. محمد عابد الجابري إنّ نقد العقل العربي هو جزء من عملية تهيئة التربة، أمّا نقد العقل الأوروبي من منظور الفكر العربي والثقافة العربية فهو أحد الشروط الضرورية لفهم الحداثة الأوروبية في تاريخيتها وفي نسبيتها أيضا.
ممّا يلاحظه الجابري على الحداثة في الفكر العربي المعاصر أنّها تتّخذ أصولا لها في الحداثة الأوروبية وبالتالي فإنّ الحداثة العربية لا تنتظم انتظاما نقديا داخل الثقافة العربية وفي سياقاتها التاريخية. ولكن، عن أية حداثة يتحدث الجابري؟
إنّ الحداثة هي حداثات، والحداثة العربية متعددة. وبالمقابل كيف ينظر إلى حداثة عربية غير متوهمة في العالم العربي؟
فإذا نحن دققنا، والكلام للجابري طبعا، في كلمة (حداثة) وحقلها الدلالي، فإنّنا سنجدها تشير إلى حالة معينة خاصة بأوروبا، ذلك لأنّ الحداثة في مدلولها التاريخي هي التنظيم العقلاني للإدارة والاقتصاد والعلاقات السياسية. وقد عبّر "ماكس فيبر" عن الحقل الدلالي للحداثة حينما تساءل لماذا تطورت الأوضاع التي عرفتها أوربا في القرون الوسطى إلى هذا النوع من التنظيم العقلاني في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ولم تتطور الأوضاع في البلاد الأخرى إلى مثل هذه العقلانية في التنظيم؟
من هذه الزاوية تبدو الحداثة كظاهرة خاصة بالتاريخ الأوروبي. وقد انعكس هذا أيضا في التحقيب الذي اعتمده المؤرخون الأوروبيون في القرن الماضي حينما جعلوا تاريخ البشرية مراحل ثلاثة وهي العصور القديمة، العصور الوسطى، الأزمنة الحديثة. وغني عن البيان القول أنّ هذا التنظيم العقلاني للمجتمع، وبكيفية خاصة للإدارة والاقتصاد، لم ينبع في الوطن العربي بفعل تطوره الداخلي وإنما نُقلت إليه بعض عناصره ومظاهره من خلال الاحتكاك بأوروبا.
وإذن، فالحداثة المعاصرة لا نجد مرجعيتها في ماضينا ولا في تراثنا بل هي نتاج أوروبي. وبما أنّ الحضارة المعاصرة قد أخذت تعمّم نموذج الحداثة الأوروبية على جميع مناطق العالم فقد نشأ وضع فريد قوامه ظهور الحاجة إلى الأقطار التي تقع خارج أوروبا وأمريكا الشمالية (التي هي امتداد حضاري لها) إلى الانخراط في هذه الحداثة. ويضيف الدكتور مـحمد عابد الجابري إلى ذلك قوله أنّه من هنا كانت أوروبا قد دخلت عالم الحداثة عبر القطيعة مع فكر النهضة. فذلك لأنّها قد استوعبت تراثها في مرحلة النهضة استيعابا جعل منه جزءا من الذات ذائبا فيها غير منفصل عنها. ولكن بالنسبة إلينا وفي إطار هذه السيرورة، فلا تبدو لنا الحداثة على أنّها قطيعة مع تراثنا. ذلك لأنّنا ما زلنا في عملية النهضة التي قوامها الانتظام في التراث من أجل القفز إلى تدشين العمل في بناء تراث جديد سيكون هو الحداثة نفسها.
إنّنا لا نستطيع، والحديث دائما للجابري، أن نتحدث عن شيء اسمه القطيعة مع التراث إلاّ بعد أن نحقّق نهضة يكون قوامها الانتظام في التراث من أجل تجاوزه. وبما أنّه ليس من الممكن أن نجعل تاريخنا يمرّ عبر المراحل نفسها التي مر فيها تاريخ أوروبا على التتابع، فإنّه من المطلوب، وهذا قدرنا كعرب ومسلمين، القيام بالنهضة والحداثة والتحديث في إطار عملية واحدة شاملة ومتكاملة.
-----------------------------------------
* الطريق الجديد هي المجلة التي أصدرها الشيوعيون التونسيون بعد السماح لهم بالعودة إلى النشاط في تموز 1981 ثم أصبحت لسان حال حركة التجديد وهي التسمية الجديدة التي اتخذها الحزب الشيوعي التونسي منذ نيسان 1993. والعدد المشار اليه من المجلة كان صدر في أكتوبر من العام 1998.



#حكمت_الحاج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الْـجَازْمَانْ الـمـُذْهِل وخطواتُ القطّ الأسود
- الكتابة بريشة التاريخ
- سلطة الممثل هي جوهر العمل المسرحي: نحو مسرح فقير..
- ثلاثون عاما على بغدادات..
- الشعر والموقف في مهرجان الشعر العربي الرابع بالقيروان
- في الشعر الحر وشعر النثر
- الحراك السلمي وكفاح اللاعنف: الشعب يريد إسقاط النظام..
- بانتْ سعادُ
- السينما والفيلسوف: الفكرة واللقطة
- يسارية متطرفة برواية عن الإسلام، ويميني متطرف يؤيد التطهير ا ...
- نقرأ من أجل غد أفضل.. حوار مع مسيري هذه التظاهرة الثقافية
- في التحليل البنيوي للأدب
- نعي الكتاب: انتهى الكلام، بدأ فكر البصر
- الملتقى العربي الثاني -وطن للأدب- يهتم بالأدبين العربي والغر ...
- حارة عظم
- علامات، فصلية ثقافية مستقلة تصدر في الموصل وتود أن تخاطب الع ...
- الحبل
- أربعة مباهج من جوهرة الساحل
- شعر الأشياء: قراءة فلسفية عابرة لأرض المطلق*
- خمس قصائد


المزيد.....




- الصفدي لنظيره الإيراني: لن نسمح بخرق إيران أو إسرائيل للأجوا ...
- عميلة 24 قيراط.. ما هي تفاصيل أكبر سرقة ذهب في كندا؟
- إيران: ماذا نعرف عن الانفجارات بالقرب من قاعدة عسكرية في أصف ...
- ثالث وفاة في المصاعد في مصر بسبب قطع الكهرباء.. كيف تتصرف إذ ...
- مقتل التيكتوكر العراقية فيروز آزاد
- الجزائر والمغرب.. تصريحات حول الزليج تعيد -المعركة- حول التر ...
- إسرائيل وإيران، لماذا يهاجم كل منهما الآخر؟
- ماذا نعرف حتى الآن عن الهجوم الأخير على إيران؟
- هولندا تتبرع بـ 100 ألف زهرة توليب لمدينة لفيف الأوكرانية
- مشاركة وزير الخارجية الأمريكي بلينكن في اجتماع مجموعة السبع ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حكمت الحاج - تراثنا العربسلامي: الحداثة والقطيعة..