أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - محمد حماد - حضرة صاحب الفخامة: الديناصور ونجله














المزيد.....

حضرة صاحب الفخامة: الديناصور ونجله


محمد حماد

الحوار المتمدن-العدد: 1565 - 2006 / 5 / 29 - 01:38
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


عندما أبدع الكاتب البرتغالي خوزيه كاردوسو بيريس روايته الرائعة حضرة صاحب الفخامة الديناصور، والتي كتبها في العام 1971 في منفاه بلندن، كان يريد أن يقول إن الديناصورات التي انقرضت من الطبيعة بقيت في الحياة، وإن الكائنات التي كانت تلتهم كل شيء يقع في حوزتها، لم يكن لها أن تبقى وإلا كانت الأرض نفسها في مهب ريح الدنصرة التي لا تبقى ولا تذر.
والرواية تحفة روائية بفكاهتها وخيالها وعذوبتها ولغتها الشعرية، وهي رواية عن دكتاتور التهم حاضر مملكته، ولم يوفر ماضيها، وأصبح هو عنوان حاضرها المقيم، تسمى كل شئ في المملكة باسم الديناصور: شارع الديناصور، وكازينو الديناصور، ومصرف الديناصور، وعملات الديناصور الذهبية، ومطار الديناصور، وأكاديمية الديناصور، ونادى الديناصور لكرة القدم، وقصر الديناصور، واستراحة الديناصور، وشرم الديناصور، ولا شيء يصير في المملكة بدون الديناصور، ولا أحد يعمل إلا بتوجيهات الديناصور، وكل الأنشطة العلنية منها والمخفية تجرى تحت رعاية الديناصور، متأني في جميع قراراته، وتاريخي في جميع خطاباته كما تقول قصيدة جمال بخيت الرائعة في وصف حال كل الديناصورات.
وفي رواية خوزيه كاردوسو بيريس يبلغ الجنون بالديكتاتور الديناصور حد توجيه خطبه المسجلة إلى الكواكب الأخرى، من أجل إيصال الدنصرة إلى الكون كله، فلم يعد يكفيه التهام مملكته وحدها، التي لم تشبع شهوة الالتهام التي تتلبسه، وينتهي الحال بالدكتاتور المخبول ملتصقاً بكرسيه جثة بين الحياة والموت، تزكم رائتحها المملكة كلها.
الرواية التي تفضح ظاهرة الدنصرة تذكرك برواية خريف البطريرك لجارسيا ماركيز، وهي ليست منقطعة الصلة برواية السيد الرئيس لأستورياس، ولا حتى برواية 1984 لجورج أورويل، وستجد ظلها في روايتي عبد الرحمن منيف شرق المتوسط و الآن، هنا أو شرق المتوسط ثانية وفي رواية القصر لفرانز كافكا ..
تكرست الدنصرة في السياسة فانعكست في الإبداع والأدب، وهي في الواقع المعاش أكثر ألماً وأشد وبالاً، وأنت تقرأ واحدة من هذه الأعمال لن تشعر في لحظة أنك غادرت المنطقة، ولا تحركت قيد أنملة من بلدك، ستختلف الأسماء، ويبقى الفعل واحداً، وتبقى الظاهرة نفسها، بنفس خطوطها العريضة، وبنفس تفصيلاتها حتى تكاد تتطابق الوقائع والرموز!
انظر حولك، تجد الدنصرة تلتهمنا جميعاً، وتجدها عنوان السياسة المعروف في بلادنا، وهي المحل المختار لنظام الحكم الذي يجثم فوق صدورنا بدون مفارقة، ولا أمل في مفارقة قريبة، وتبقى روائحه الكريهة تصل إلينا تنبئ عن جثث طال انتظارها للدفن!
انظر حولك تكتشف أن الدنصرة ليست فعل ماضي، لم يعد له وجود مع انقراض الديناصورات التاريخية، ولكنها فعل الحاضر الذي يعيش فينا ويعيث فساداً وإفساداً في البلاد والعباد!
الدنصرة كما في الأدب وفي السياسة هي أن يلتهم فرد كل هذه الاختصاصات التي تجعل منه صاحب الفخامة الديناصور، القادر بحكم دستور الدنصرة أن يلتهم بهذه الاختصاصات كل شئ في البلد!
الدنصرة هي التي تفسر لنا ظاهرة أن يكون فرد في حجم بلد، وتكون فرنسا هي جورج الخامس، ويكون جورج الخامس هو فرنسا!
الدنصرة هي التي تدلنا على السبب الذي يجعل صاحب الفخامة الديناصور يفكر دون أن يجد في ذلك غضاضة في أن ينقل ملكية البلد لابنه الديناصور المتلمظ لالتهام ما بقى خارج نطاق التهام أبيه!
لا شئ غير الدنصرة يشرح لنا كيف يلتهم الديناصور حزباً ليلتهم به كل الأحزاب، ويشكل به حكومة يلتهم بها الدولة ليتسنى له أن يلتهم بها الشعب نفسه!
وليس لك أن تتعجب حين تسمع وتشاهد بأم عينك صاحب الفخامة الديناصور يلتهم باسم الشعب تمثيل الشعب، وبالبلطجية الرسميين منهم قبل المسجلين خطراً يفرض على الجميع النسبة التي يريد الحصول عليها ليمارس مستريحا شئون الدنصرة!
والدنصرة لا تلتهم أصوات الناخبين الأحياء قبل الأموات فقط، ولكنها على استعداد لالتهام الناخبين أنفسهم إذا أبدوا رغبة في رفض حيتان صاحب الفخامة الديناصور الكبير!
والدنصرة ليست مثل الصبر الذي له حدود، فهي لا تتوقف عند حد، يزيدها الالتهام شهوة في الالتهام، وتغريها السهولة التي تمارس بها التهامها لكل ما تقع عليه بالرغبة في استمرار الأمر لها، واستقراره عليها!
وفي بلد يحكم فيه صاحب الفخامة الديناصور لا يوجد قانون غير قانون الدنصرة، وعن طريق ديناصورات صغيرة تكبر كلما التهمت ما يقع تحت يدها يتحكم في البلاد!
وفي مملكة صاحب الفخامة لا أحد يريد أن يفقد كرسيه، وبالتالي يفقد قوته وجبروته وسطوته، ويتحول من ديناصور قادر على الالتهام إلى مواطن قابل للالتهام، وهذا ما يجعله يبتكر شتى الأساليب الوحشية للمحافظة على الكرسي، وعلى التصاقه به.
والدنصرة لا تقتل القتيل وتمشى في جنازته، ولكنها تقتله لكى تلتهم عظامه قبل لحمه!
وشرطة صاحب الفخامة الديناصور في خدمة الدنصرة، والسوط والزنزانة والسيف والسنجة لمن يتخيل الكرسي فارغاً من جثة صاحب الفخامة!
الدنصرة باختصار أعلى مراحل البلطجة!



#محمد_حماد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مصر واحة الفساد فى الشرق الأوسط
- جمال مبارك يريد مصر ببلاش
- لماذا الإخوان؟
- هل الرئيس مبارك هو الذي يحكم مصر؟
- محاولة يائسة لرفع مصر من الخدمة
- لا تلغوا عقولكم أو ترموها في صفيحة قمامة
- حتى لا تكون مهزلة !
- شبعنا قيودا وقوانين استثنائية
- مصر ليست هبة الرئيس
- تحديد مدة الرئيس أهم ألف مرة من انتخابه
- لا صوت يعلو فوق صوت المبايعة
- عين رايس الحمراء
- مجلة الغد العربي تحاور
- !!آه ياخوفي من التعميق الديموقراطي
- عن -مسخرة- حكام القاع
- الإخوان المسلمون لا يحتاجون إلى مراجعة واحدة بل إلى مراجعات
- من يحكم مصر الآن؟
- المعارضة المصرية على المحك
- مصر عزبة الحزب الوطني ام عزبة لجنة السياسات؟
- متى يحسم الناصريون موقفهم من تعديل الدستور؟


المزيد.....




- زرقاء اليمامة: قصة عرّافة جسدتها أول أوبرا سعودية
- دعوات لمسيرة في باريس للإفراج عن مغني راب إيراني يواجه حكما ...
- الصين تستضيف محادثات مصالحة بين حماس وفتح
- شهيدان برصاص الاحتلال في جنين واستمرار الاقتحامات بالضفة
- اليمين الألماني وخطة تهجير ملايين المجنّسين.. التحضيرات بلسا ...
- بعد الجامعات الأميركية.. كيف اتسعت احتجاجات أوروبا ضد حرب إس ...
- إدارة بايدن تتخلى عن خطة حظر سجائر المنثول
- دعوة لمسيرة في باريس تطالب بإلإفراج مغني راب إيراني محكوم با ...
- مصدر يعلق لـCNNعلى تحطم مسيرة أمريكية في اليمن
- هل ستفكر أمريكا في عدم تزويد إسرائيل بالسلاح بعد احتجاجات ال ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - محمد حماد - حضرة صاحب الفخامة: الديناصور ونجله