|
(1) ثورة الزنج في مدينة البصرة العراقية
فلاح أمين الرهيمي
الحوار المتمدن-العدد: 6446 - 2019 / 12 / 25 - 18:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حفل القرن الثالث الهجري بانتفاضات جماهيرية وحركات ثورية في الدولة العباسية وقد شارك في هذه الانتفاضات والثورات فئات اجتماعية واسعة من الكادحين والمستعبدين والمستضعفين ولاسيما من الفلاحين والأرقاء والعبيد ومن هذه النماذج ثورة الزنج في مدينة البصرة ثم تبعتها حركة القرامطة في سواد الكوفة في العراق أيضاً التي استمرت ما يقارب القرن من الزمن وامتد لهيبها إلى سوريا والبحرين. ثورة الزنج وترتبط حركة هذه الثورة بأسباب ومظاهر الظلم والقهر والحرمان والاستغلال الإقطاعي للقوى البشرية التي تمارس العمل في حراثة وزراعة الأرض ... وهذه الأراضي كانت مشاعية لهؤلاء الفلاحين الأصليين الساكنين في منطقة البصرة وجنوب العراق وكانت الدولة العباسية منحازة إلى جانب الإقطاعيين وملاكي الأراضي ففرضت الدولة العباسية ضرائب مرهقة وكبيرة على الفلاحين العاملين في أراضيهم مما دفعهم إلى ترك أراضيهم وهجرتها من وطأة الضرائب الثقيلة والكبيرة والسلوك والتصرفات القاسية من قبل الجباة وبسبب إخلاء الأراضي من الفلاحين أصحابها الحقيقيين واستحواذ الدولة العباسية عليها منحت الدولة العباسية تلك الأراضي بـ (اللزمة) بالتعاقد مع كبار التجار وملاكي الأراضي واضطر الفلاحون أن يصبحوا عمال أجراء في حراثة وزراعة تلك الأراضي التي كانت تعود إليهم وهجروها بسبب الضرائب الكبيرة المرهقة لمصلحة التجار الكبار وكانت أعداد كبيرة من الفلاحين الذين هجروا أراضيهم إلى المدن والعمل فيها ... وقد أدت هذه الهجرة من الاعداد الكبيرة من الفلاحين إلى شحة إنتاج الأراضي الزراعية مما اضطر مالكي الأراضي من قبل التجار الكبار إلى البحث عن الأيدي العاملة للعمل في حراثة وزراعة أراضيهم فوجدوا ضالتهم في (الزنج) المهاجرين من شرق أفريقيا من أجل إيجاد عمل لهم لتوفير لقمة العيش لهم ولعوائلهم وكانت أعدادهم كبيرة ومراكز تجمعهم في مدينة البصرة حيث نشبت ثورتهم وكان القسم الكبير منهم يعملون تحت وطأة أقسى الظروف في المستنقعات في مدينة البصرة التي تمتد إلى مساحات واسعة وكان عملهم تجفيف تلك المستنقعات وإزالة الطبقة الملحية (السباخ والشورج) من التربة كي تصبح الأرض صالحة للزراعة وكان الملاك والتجار المستثمرين للأرض يفرضون عليهم جمع تلك الأملاح وحملها على البغال لبيعها في أسواق البصرة والاستفادة من أموالها لصالح مالك الأرض وكان بيع الملح يدر عليهم أرباحاً كبيرة ... كما كان قسم من الزنج يعملون كخدم في البيوت العائدة للتجار ... كما كان قسم منهم يعملون استخراج الدبس من التمور وكان يطلق عليهم غلمان الدباسين والتمارين إضافة إلى استغلالهم في الأعمال الشاقة الأخرى فكانت حياتهم قاسية جداً تتسم بالظلم والاستغلال الفادح وكان عملهم الشاق والمرهق لا يحتمله إنسان ولا حتى الحيوان وكانت بطونهم خاوية والجوع ينهش بطونهم وأجسامهم من قلة الطعام الذي يتناولونه لا يشبع ولا يغذي وكان التجار المستغلين الأثرياء يقدمون لهم في اليوم وجبة واحدة من خبز الشعير والتمر والماء مما أدى ذلك أن تصبح بيئتهم مرتعاً للأمراض والأوبئة الفتاكة وكانوا يسكنون مجاميع كبيرة في دهاليز أو قاعات واسعة قديمة لا تصلح حتى للحيوانات بدون رعاية أو حماية صحية وبعيدين عن أوطانهم الأصلية مما جعل هذه الجماعات المضطهدة والمقهورة من شغيلة الأراضي والأعمال الأخرى الذين يطلق عليهم بشر وجوه بائسة وأجسام ناحلة ومرهقة إلا أنهم يحملون صورة إنسان بائس وأصبحت هذه المجاميع البشرية مشبعة بدوافع الانفجار الثوري وعوامل الحقد الاجتماعي المشروع حين وجدت بشخص الثائر على الظلم (علي بن محمد) الفكر المعبر عن آلامهم ومعاناتهم وقائداً منظماً لها فكانت الاستجابة السريعة إلى الثورة والغضب على الواقع المزري فكان الطريق وكان الصباح إلى الثورة العارمة التي زعزعت كرسي الخلافة العباسية وتهزه هزة عنيفة حينما اكتسحت أمامها القوى الظلامية والاستعبادية وهزمت الجيوش العباسية المجهزة بالقوة والسلاح وهم عزل لا يملكون إلا الإيمان بقضيتهم العادلة والروح المعبئة بمظلوميتهم وقهرهم واستطاعت أن تحقق الانتصار عليها لمدة خمسة عشر عاماً. صحيح أن هذه الثورة بعد هذا الصراع الدامي الغير متكافئ سقطت وانتهت لأنها كانت عفوية حينما انفجرت ليس لها برنامج يحدد أهدافها إلا أن عدم امتلاكها للبرنامج ليس يرجع إلى نقص في مضمونها الاجتماعي والإنساني الثوري التاريخي وإنما يرجع إلى نقص في مدى الثغرة الأيديولوجية بين جماهير الثورة وقيادتها لأن (علي بن محمد) حينما تصدر قيادة ثورة الزنج لم يكن لديه أي دافع طبقي أو وعي فكري يؤهله على حمل أيديولوجية هذه الفئة الكادحة المظلومة الثورية ولذلك لم يكن كذلك مؤهلاً فكرياً ووعياً في صياغة أيديولوجية الصراع الطبقي في المجتمع التي تشكل برنامج ومنهج ومخطط يحدد تكتيك مراحل الثورة واستراتيجيتها في أهداف الثورة ولذلك ورغم كل الاحتمالات والتوقعات فإن ثورة الزنج الأبطال كانت ثورة طبقية محصنة ولم تكن ذات طابع عنصري بين أسود وبين أبيض بدليل ظروفها الاقتصادية المزرية وواقعها المؤلم الاجتماعي كما أن قيادتها ليس من صفوفها وإنما كانت مجاميع من البيض الذي حز في قلوبهم وحرك ضمائرهم الواقع المؤلم والمزري لواقع حياة هذه المجاميع البشرية (علي بن محمد وأعوانه علي بن ابان ويحيى بن محمد ومحمد بن سليم) وقد ساهم فيها وقدم لها المعونة والمساعدة والتموين والمؤازرة أعداد كبيرة من غير الزنج من الفلاحين أبناء المنطقة ولابد من الإشارة بأن هذه الثورة كانت الأكثر عنفاً وقوة وإرادة وتصميم من بين ثلاثة ثورات سابقة كبرى حدثت في البصرة.
#فلاح_أمين_الرهيمي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مطاليب متظاهري محافظة ذي قار
-
الفرق بين الثورة والانتفاضة
-
غضب الشعب وعصيان الدولة
-
الواقع العراقي وحركة التاريخ
-
ثورة الجوع والغضب الباسلة في العراق
-
الثورة العملاقة الرائعة والمجتمع العراقي
-
الحلم ( 2 )
-
( أماه قطعة نثرية )
-
أهمية عملية إحصاء السكان في الوطن
-
الدولة وسلطاتها ومسؤولية كل واحده منها مع الشعب
-
أين الحقيقة ؟ (2)
-
أحبتي الحضور الكرام ... السلام عليكم
-
أهمية الدستور للشعب والدولة
-
من أجل الحقيقة والتاريخ (2)
-
إلى شهداء الناصرية والنجف الأبطال (قطعة نثرية)
-
طبيعة نظام الحكم في العراق
-
ما هي المتطلبات لخروج العراق من أزمته
-
الخطأ لا يحل بالخطأ
-
ما أشبه اليوم بالبارحة 2
-
المتقاعدون ومظلوميتهم
المزيد.....
-
الاتحاد الأوروبي يخفف قيود 100 ملليلتر على السوائل في المطار
...
-
ترامب يفرض رسوما جمركية مرتفعة على عشرات الدول
-
هل تعكس زيارة ويتكوف إلى غزة تغير في سياسة الإدارة الأمريكية
...
-
شاهد.. عملية عسكرية إسرائيلية تستهدف حي الشجاعية وتسبب دمارا
...
-
ترتيب أكبر الشركات من حيث القيمة السوقية
-
حماس: ندعو لجعل الأحد المقبل يوما عالميا لنصرة غزة
-
عاجل | معاريف عن مصدر سياسي إسرائيلي: اجتماع نتنياهو مع ويتك
...
-
هل تنجح تركيا في فرض رؤيتها على واشنطن بشأن مستقبل -قسد-؟
-
ويتكوف يزور مركز توزيع المساعدات في رفح
-
زيلينسكي:روسيا استخدمت حوالي 3800 مسيرة و260 صاروخا في يوليو
...
المزيد.....
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
-
زمن العزلة
/ عبدالاله السباهي
-
ذكريات تلاحقني
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|