أنا لا أعرف

محمد أبو قمر

الحوار المتمدن-العدد: 6443 - 2019 / 12 / 20 - 03:34
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

لا أعرف ماذا يعنيه اليوم العالمي للإفتاء ، ولا أعرف أي نوعية من الفتاوي سيتم الاحتفال بها في هذا اليوم ، ولا أعرف ما هو شأن العالم علي اتساعه وتنوع الأديان فيه بل وتنوع المذاهب الاسلامية التي تختلف فتاويها بالضرورة بتخصيص يوم عالمي للإفتاء .
وهل اليوم العالمي هذا يخص فقط الفتاوي الصادرة من دار الإفتا دون سائر الفتاوي التي أفتي بها كثير من المشايخ والفهاء ورجال الدين ؟؟!! ، إذا كان الأمر كذلك وبما أن دار الإفتاء المصرية واحدة من مؤسسات الدولة المصرية فلماذا بقتصر تخصيص يوم عالمي لمنجزات هذه المؤسسة وحدها ؟؟ ، لماذا لا تخصص وزارة البترول يوما عالميا للغاز أو للبترول ، ولماذا لا تخصص مصلحة الضرائب العقارية يوما عالميا للتوثيق الشامل ، وأظن أن من حق وزارة الكهرباء هي الأخري أن تخصص يوما عالميا لمحطات توليد الكهرباء ، ووزارة الري ، ومصلحة السكة الحديد ( اليوم العالمي للجرارات الجديدة ) ، ومصلحة الآثار ( اليوم العالمي للمومياوات ).
اليوم العالمي للإفتاء يعني أن الفتاوي التي تم إصدارها حققت نفعا هائلا للبشرية ، أوقفت الصراعات الدولية مثلا ، قضت علي الارهاب مثلا ، أشاعت المحبة والتعايش وأزالت الكراهية والعنصرية مثلا ، ارتقت بالنظر إلي المرأة وأوقفت نهائيا حالات الاغتصاب والاضطهاد مثلا ، لعبت دورا مهما في إرساء قيم الاستقرار والسلام والعدل الاجتماعي وقضت علي المظالم كافة والاستغلال بكل أنواعه مثلا ، ارتقت بالقيم الأخلاقية علي الأقل في مصر فقط لتكون نموذجا يمكن أن تحتذي به بقية شعوب العالم مثلا .
لا أعرف من هو الذي تفتق ذهنه عن تخصيص يوم عالمي للإفتاء ، ولا أعرف لماذا لم يفكر فيزيائيو العالم وكيمائيوه ومخترعوا الأدوية ومبدعوا النظريات العلمية التي غيرت وجه العالم في تخصيص يوم عالمي لمنجزاتهم .
تخصيص يوم عالمي لأي فعل يعني أن هذا الفعل امتد تأثيره ليشمل نفعه الإنسانية كلها كاختراع التبنسلين مثلا ، أو أحدث انقلابا شاملا في المفاهيم الإنسانية عن الحرية والاخاء والتعاون والحب بحيث يكون العالم قد اقترب فعلا من أن يكون واحة للأمان والطمأنينة وزوال الفوارق وانتفاء البغض والكراهية والتوقف عن تدبير المؤامرات والرغبة المحمومة في القتل والتخريب والتدمير ومحو الآخر من الوجود .
إن وراء كل جدار تم هدمه في سوريا فتوي ، ليس مهما من الذي أصدرها لكنها كانت فتوي وتهدم الجدار علي رؤوس الناس نتيجة هذه الفتوي ، وراء كل حالة ذبح تمت في ليبيا أو في سوريا أو في اليمن أو حتي في باريس كانت فتوي ، هدم المدارس علي رؤوس البنات في بعض دول إفريقيا يتم بناء علي فتوي ، جلد النساء في بعض ميادين أفغانستان وباكستان ودول أخري وراءه فتوي.
قد يكون صاحب فكرة اليوم العالمي للإفتاء مستبعدا من حسابه هذه الفتاوي العشوائية الدموية الرهيبة حين فكر في تخصيص يوم عالمي للإفتاء ، وبالتأكيد كان معنيا فقط بفتاوي دار الإفتاء التي توفر الفهم الصحيح للدين وتجنب المسلمين الوقوع في الأخطاء التي تودي بهم إلي الجحيم مثل إجازة السلام علي الجار المسيحي أو جواز تهنئة المسلم للمسيحي في أعياده الدينية ، لكن هل الرجوع إلي التصرف الإنساني الصائب بعد ارتكاب الخطايا الإنسانية لقرون طويلة يستوجب تخصيص يوم عالمي؟؟ ، لقد كان الناس قد ألفوا في ظروف معينة إلقاء القمامة في الشوارع وأمام البيوت والحوانيت فإذا نصحوا بعدم فعل ذلك لما يترتب عليه من قذارة وانتشار للأوبئة وأضرار لا حصر لها فهل يستوجب ذلك أن نحتفل ونخصص يوما عالميا للنصيحة؟؟؟؟؟!!!.
إن للفتوي أو للنصيحة جانب آخر غير كونهما يوضحان الفعل الصائب دينيا أو صحيا أو أخلاقيا وهي أنهما يحاصران العقل بفرض الوصاية عليه وعدم إتاحة الفرصة له لكي يفكر أو يبدع الطريقة المثلي التي تتناسب مع كون صاحبه إنسانا مسئول عن نفسه وعن أفعاله وعليه أن ينتج حياته والطريقة التي يحيا به وأن يطور هذه الحياة باستمرار كي تتناسب مع الأغراض المقدسة التي أنشأ الله الكون من أجل تحققها ، الفتوي والنصيحة تفترضان قصور العقل الإنساني وعدم قدرته حتي علي كيفية دخوله إلي دورة المياه ، أو عدم معرفته بأي يد يأكل ، أو ما إذا كان جاره الذي يدين بدين مختلف يستحق الحياة مثله أم لا.
هل أقول إن اليوم العالمي للإفتاء هو اليوم العالمي لغياب العقل ، للحرمان من التفكير ، لفرض الوصاية علي الفرد ، للسيطرة علي نوازعه ، للقضاء علي إمكانية إبداع قيمه ومثله الخاصة التي قد تتفق بطريقة أرقي مع المقاصد الدينية من الفتوي البشرية ذات الصبغة المذهبية التي قد تكون أضيق كثيرا من المساحة المتاحة في النصوص الدينية.
ربما أنا لا أفهم القصد من اليوم العالمي للإفتاء ، وبالفعل أنا لا أفهم ، وقد كتبت الآن ما كتبته لكي أفهم ماذا يعنيه اليوم العالمي للإفتاء.

#محمد_أبو_قمر (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل