أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد أبو قمر - أنا مصري ثم مسلم مسيحي أو مسيحي مسلم















المزيد.....

أنا مصري ثم مسلم مسيحي أو مسيحي مسلم


محمد أبو قمر

الحوار المتمدن-العدد: 6415 - 2019 / 11 / 21 - 04:40
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


المسيحية في مصر هي عنصر من عناصر التكوين البيولوجي للشخصية المصرية ، وقد لا يعرف الكثيرون أن المسيحية عندما دخلت إلي مصر مارسها المصريون بطريقتهم المصرية ، لم تحدث المسيحية اختلافا كبيرا سوي في بعض التفاصيل الطفوسية التي لم تفقد المصريين هويتهم الأصلية ولم تؤثر أبدا علي تكوينهم الأخلاقي والثقافي المصري ولا علي ميراث الحكمة والترابط العضوي بينهم وبين هذه الأرض .
وحين دخل الاسلام - ولابد أن نفرق هنا بين دخول الاسلام إلي مصر ودخول العرب إليها - فحين دخل الاسلام مارسه المصريون أيضا بطريقتهم المصرية تماما كما فعلوا عند دخول المسيحية ، إذ لم ينشأ أي تناقض بين الاسلام والمسيحية والميراث الديني والاخلاقي والمعرفي القديم ، كل ما حدث هو بعض الاختلاف في شكل الطقوس ، لكن الإيمان بوجود الله ظل هو الرابط المقدس فيما بين المصريين لأنه كان الحقيقة القدسية الأصيلة التي يتكون منها الضمير المصري منذ الأزل ، لقد ظلت الهوية المصرية طوال الوقت فوق الانتماء الديني ، وقد سجل التاريخ المصري قبل تزييفه وتشويهه علي يد مشايخ النكبة السبعينية أن المصريين كانوا طوال الوقت يتشاركون في ممارسة الطقوس الدينية سواء المسيحية أو الاسلامية أو حتي المصرية القديمة ، وفي قري مصر الطيبة التي كان المصريون مسيحيون ومسلمون يتعايشون فيها في أمان واستقرار كان إذا مرض أحد المصريين الذين يدينون بالاسلام فإن ذويه يأخذونه إلي الكنيسة ليبرأه القساوسة بطقوسهم التي اشتهروا بها في علاج المرضي بغض النظر عن مدي نفع ذلك من عدمه ، كان المصريون المسلمون يفعلون ذلك لأنهم كانوا يدركون أن القسيس مصري لديه مخزون من الميراث الكهنوتي المصري القديم الذي كان المصريون يعتقدون في فاعلية هذا الميراث في شفاء المرضي وفي معالجة عقم النساء وفي إزالة كثير من النوائب التي كانت تصيب البعض.، المسيحيون أيضا كانوا يفعلون ذلك مع بعض المشايخ الذي اشتهر عنهم فك السحر ومعالجة الحسد وغير ذلك من النوائب.
الشخصية المصرية في أصلها التاريخي لا هي مسيحية متزمتة متقوقعة بالشكل الذي ينفي هويتها المصرية ولا هي مسلمة بالشكل العنصري المقيت الذي يشوه ميراثها الأخلاقي ، وإنما الشخصية المصرية معبأة بميراث حضاري وإنساني وأخلاقي مكنها من إنجاز حضارة شديدة التنوع من فن وعلم وهندسة وعمران وأسرار مذهلة لم يكتمل الوصول إلي منتهاها لحد الآن ، ولأن المصريين كانوا طوال الوقت منفتحون ولديهم الاستعداد الدائم لدخول عناصر ثقافية وعقائدية إلي تكوينهم العقلي والنفسي والوجداني دون أن يؤثر ذلك علي أصالتهم أو علي وحدتهم كشعب مهموم بإنجاز مشروعه الحضاري فقد دخلت المسيحية ببساطة ويسر ، ودخل الاسلام دون عوائق كبيرة ، وصارت الديانتان عنصريين ضمن عناصر التكوين الروحي لكل مصري بحيث كان يمكنك قبل دخول دين الكراهية والعنصرية والتكفير ونكاح الصغيرة وقتل تارك الصلاة وكراهة العلم وترك المرضي دون علاج كي يموتوا والصلاة شكر لله علي الهزائم ، قبل هذه الهجمة المحملة بكل هذه البذاءات كان يمكنك القول إن كل مصري هو مسيحي مسلم أو مسلم مسيحي لكنه مع ذلك مصري أولا.
وبصريح العبارة فإن المصريين لم يكونوا في أي مرحلة من مراحل تاريخهم بحاجة إلي رجال الدين لكي يعرفوا الله أو يتواصلوا معه ، هل كان الكهنة في التاريخ القديم يختلطون بالناس ويلقون عليهم الخطب ويلقنونهم كيف يقضون حاجاتهم أو كيف يضاجعون زوجاتهم أو كيف يعاملونهن أو علي أي جنب ينامون أو بأي يد يأكلون؟؟!!
يذكر سليم حسن أنه لم يثبت أن الكهنة كانوا يفارقون معابدهم ، وكانت مهمتمهم تقتصر علي تنصيب الملك ومباركته كإله ، ولم تكن هذه المباركة التأليهية للملك تصنع منه إلها بالمعني الذي يشيعه كهنة اليوم عن حكام مصر في التاريخ القديم للإيحاء بأن المصريين كانوا يعيشون عيشة الجاهلية كما كان عرب الجزيرة يعيشون ويتعبدون لآلهة من العجوة ، فقط كان الملك المصري مقدسا باعتباره ظلا للإله الواحد الأحد الذي يحافظ علي وحدة الشعب ويتقدم صفوف المحاربين في رد المعتدين.
وقد أورد سليم حسن في موسوعته بردية تثبت أن الملك الفرعوني لم يكن إلها يتعبد إليه المصريون ، وإنما كان إنسانا يراعي أدق التفاصيل التي تؤمن معيشة المصريين ، كانت البردية رسالة من الملك أرسلها إلي رئيس عماله الذين يقومون بنحت مسلة في صعيد مصر يطالبه فيها برعاية أبنائه العمال – كما يسميهم في الرسالة ، ويقول له : لكل فرد من أبنائي كذا من الحنطة ، وكذا من الجعة ...إلي أن يقول له : لأبنائي يومان راحة من العمل كل سبعة أيام.
ولو أن الملك المصري الفرعوني كان إلها وكان المصريون عبيدا كما يشيع سدنة التخلف والعنصرية لما ثار المصريون علي الملك بيبي سنة 2300 قبل الميلاد واضطروه إلي التنازل عن العرش.
ما أريد قوله في هذا السياق هو إن الدين لم يكن العنصر الوحيد الذي يتكون منه الوعي والضمير لدي المصريين ، ولم تكن تعاليمه وحدها هي التي تُسيّر حياة المصريين ، نعم كان عنصرا مهما وأساسيا ، لكن قيمه كانت ضمن قيم أخري أخلاقية وإنسانية واجتماعية أنتجها الوعي المصري في نضاله اليومي من أجل الحياة ، الدين ذاته في العهود القديمة كان منتجا حضاريا للإنسان المصري وهو بصدد بناء نسقه الأخلاقي الفريد ، ويقول بريستد في كتابه فجر الضمير إن المصريين هم أول شعب بني نسقا أخلاقيا فريدا في التاريخ ، هذا النسق الذي أبهر بريستد وغيره من المؤرخين كان بالطبع يتضمن القيم الدينية التي كان يدين بها المصريون .
وهنا يجوز لي الزعم بأن المسيحية بما تحمله من تسامح كانت موجودة في مصر قبل ظهور المسيح ، وأن الاسلام بما يتضمنه من توحيد للخالق العظيم وبما يشمله من حساب يوم القيامة كان موجودا في مصر قبل ظهور الاسلام بآلاف من السنين.
ذلك ما يدفعني إلي القول بكل ثقة إن المسيحية والاسلام هما عنصران متلازمان ومتمازجان في التكوين العضوي والبيولوجي للشخصية المصرية ، وإن أي محاولة للمساس بهذا التداخل العضوي بين هذين العنصرين لأي سبب مهما كانت درجة قدسيته تعتبر بمثابة عملية تخريب في بناء الشخصية المصرية ، بل تعتبر عملية هدم متعمدة ، إذ لا إسلام بدون المسيحية في مصر ، ولا مسيحية بدون الاسلام ، وأعتقد أن رجال الدين لا يفهمون هذه الحقائق لأنهم – من ناحية – لا يقرأون التاريخ ، ولا صلة لهم بعلم الاجتماع ، ولم يتدارسوا مكونات الشخصية المصرية علي الإطلاق ، ناهيك عن دراسة الفلكلور ، ثم إنهم لم يقتربوا أبدا من علوم الآثار التي إن تتدارسوها كان من الممكن أن يدركوا كيف أنجز المصري حضارته العلمية والعمرانية والفنية بهذا الشكل المذهل ، وكيف ينظر المصري إلي الوجود وإلي الكون وإلي الله ، وكيف آمن المصريون طوال الوقت بالتعايش والسلام والمحبة ، ولم يحدث – قبل ظهور أصحاب الفضيلة في حياته – أي تناقض فيما بينهم رغم التعدد العقائدي .
من ناحية أخري لا يفهم رجال الدين هذه الحقائق لأن وجودهم لم يكن من ضرورات الدين أو من شرائعه ، وإنما هم علي وجه العموم سواء في مصر أو في أي مكان آخر في هذا العالم من إفرازات الظروف والوقائع السياسية ، فكما يفرز كل ظرف سياسي فلاسفته وحواريّه فإنه – كما يخبرنا التاريخ الأسود عن حكم الكنيسة وما ارتكبته من بشاعات في أوربا أو عن اغتصاب السلطة باسم الاسلام في الشرق وما نتج عن ذلك من نهب وفساد وبطش ومساخر أو عن المذابح والجرائم البشعة التي ارتكبتها الخلافة الاسلامية العثمانية – يفرز أيضا رجال الدين الذين يقدمون الدين بالصورة التي تناسب هذا الظرف أو ذاك ، وإلا لماذا اختلفت صور المسيحية الأرذوزكسية عن مثيلتها الكاثولوكية والبروتستاتية والإنجيلية؟؟!!، ولماذا تعددت صور الاسلام ومضامينه وتعاليمه وفتاويه في السلفية والمعتزلة والماتريدية والأشعرية ؟!، ولماذا انقسم الاسلام إلي إسلامين شيعي وسني؟؟!!.
بصفة عامة فإن رجال الدين - وليست الأديان ولا الشعوب – هم الذين حولوا الأديان من علاقة خاصة وفردية بين الإنسان وخالقه ، إلي وسيلة للتمايز والتعالي والعنصرية والتكفير ، وإلي مبرر مقدس للقتل والتخريب ونشر الفوضي .
لم يكن الارهاب ولا الحوادث الطائفية ولا الكراهية أو العنصرية ولا إشاعة التمايز بين المصريين بتحديد أزياء دينية معينة من اختراع العوام ، وإنما كانت كل هذه البشاعات استجابة لتعاليم وفتاوي وتفاسير وشروحات صارت بفعل تقديس أصحابها لأغراض سياسية بديلا للكتب السماوية ، ولقد كانت أبشع فتوي استهدفت ضرب الشخصية المصرية التاريخية الأصيلة في مقتل هي تلك التي طالب فيها أحد كبار رجال الدين المسلمين بعدم ود جيرانهم المسيحيين ثم ملأ قلوبهم بالرعب والخوف من حبهم لجارهم المسيحي أو حب جارهم هذا لهم.
ومع ذلك كله فإن الجوهر الأصيل للضمير المصري مازال نقيا لم يمس ، ويوما ما أعتقد أنه قريب جدا سوف تبرز الشخصية المصرية الأصيلة التي تؤمن بالتعايش والسلام والمحبة من وسط هذا الركام الطائفي المتحجر والعنصري البائد.



#محمد_أبو_قمر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فن الشعر وحدودنا البحرية
- وهم إصلاح الخطاب الديني
- كيفية صُنع آلهة من العجوة
- الحشمة ومساءل أخري
- تمثيلية قتل الزعيم
- مفتاح الحياة في الزمن الميت
- باختصار
- السؤال الكبير
- تشوهات
- حتي لا ننسي
- هل صليت اليوم علي النبي؟؟!!!!!
- المؤامرة مستمرة
- نصف تفاحة
- لحظة حُب في عرض الطريق
- الطريق إلي مصر
- البخاري ، وإجماع العلماء ، والطريق إلي الكارثة
- بخصوص جماعة الأمل
- ماذا بعد الهزيمة في استنبول
- حوار داخل زلعة
- الجامعة المصرية والجماعة الارهابية


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف موقع اسرائيلي حيوي ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف قاعدة -عوفدا- الجو ...
- معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
- -مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن ...
- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد أبو قمر - أنا مصري ثم مسلم مسيحي أو مسيحي مسلم