أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد أبو قمر - المؤامرة مستمرة















المزيد.....

المؤامرة مستمرة


محمد أبو قمر

الحوار المتمدن-العدد: 6305 - 2019 / 7 / 29 - 10:52
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



المثل الصيني يقول : لا تعطيني سمكة كي آكل ولكن علمني كيف أصطاد ، لكن خبر تبرع الكويت لبناء خمسين معهد ديني في مصر لا يعني أنهم يعطونا السمكة ، ولا يعني تعليمنا كيف نصطاد ، هذا الخبر معناه بوضوح أنهم مستمرون في تنفيذ المؤامرة التي بدأت في السبعينيات من القرن الماضي والتي استهدفت القضاء علي ثقافتنا ، وعلي هويتنا ، وعلي سلامنا الاجتماعي ، وعلي كل قدرة لنا للخلاص من عتمة الجهالة ، وإغراقنا في مستنقع الطائفية والتعصب والتطرف والكراهية والارهاب .
يبدو أنهم لن يتركونا نلتقط أنفاسنا لنتدارك ما حدث لنا جراء الهجمة البربرية الهمجية الصحراوية للوهابية التي حيدت العقل المصري وشوهت ضمائر قطاع كبير من الشعب بواسطة خطاب غيبي خرافي مفعم بالدم والموت والجنس والكراهية ، وفرغت أرواحهم من قيم التعايش والمحبة ، ووضعت سلامنا الاجتماعي في مهب الريح ، ماذا يعني إنشاء خمسين معهد ديني جديد في الوقت الذي نحن فيه الآن وقبل فوات الأوان ملزمون بإعادة تقييم التعليم الديني من حيث مشاركته أو عدم مشاركته في عملية التنمية ، ومن حيث نوعية مناهجه ما يتفق منها مع العقل وما ينافيه ، ومن حيث نوعية المعرفة التي ينتجها ونحن قي سبيل بناء مسقبل يخرجنا من حالة الانحطاط الفكري ، ومن حيث الوعي الذي يؤسس له هذا النوع من التعليم ، نحن ملزمون الآن دون أي محاولة للتباطؤ بالنظر في نوعية تناغم التعليم الديني مع تطلعاتنا نحو مستقبل يطالبنا بثقافة عقلية نقدية علمية تمنح أولادنا فرصة إنتاج معرفة جديدة ، ووعي مختلف يعينهم علي إعادة تشكيل حياتهم وفقا لمقتضيات العصر ، خصوصا وأنه يستوعب الملايين من شبابنا الذين يمثلون القاطرة التي ستقودنا إلي تغيير نوعية حياتنا المتردية هذه.
ما الفرق بين المعهد الديني والمختبر العلمي ؟!، ما الفرق بين دراسة أصول الفقه ودراسة الفيزياء؟! ، ما الفرق بين علم الكلام والعلوم النقدية؟! ، ما الفرق بين علم التفسير وعلم التشريح ؟! ، ما الفرق بين دراسة مناهج ترتكز علي حقائق يقينية لا تقبل المناقشة ودراسة مناهج ترتكز علي إثارة مزيد من الأسئلة؟؟!! ، ثم ما الفرق بين الشيخ سالم عبد الجليل ، أو الحويني ، أو محمد يعقوب ، أو محمد حسان والدكتور أحمد زويل؟! ، ليس القصد من المقارنة الحط من قدر أحد ، لكن المقارنة هنا للوقوف أمام ما يضخه كل منهم من معرفة أو وعي ، أو ما ينتجه كل منهم ما من شأنه تمكين الإنسانية من بناء حضارتها.
إن هذا التبرع المشبوه بالنسبة لي هو حلقة أخري من حلقات المؤامرة الكبري التي استهدفت العقل المصري في السبعينيات من القرن الماضي ، تلك المؤامرة التي تم بموجبها تجنيد جيش من الدعاة بهدف تفريغ العقل المصري من محتواه ، واستبدال الحاضر بالماضي ، وزرع بذور الكراهية والطائفية والتعصب الأعمي ، وإزاحة الثقافة التي تعلي من شأن الحياة لصالح ثقافة الموت ، وتشويش مفهوم الهوية ، ومن ثم خلخلة وإجهاض تطلعات المصريين للمشاركة الفعالة في صنع الحضارة الإنسانية.
هذه النوعية من التبرعات ليست بريئة ، لا تخلو أبدا من الخبث والتآمر ، خصوصا وأنهم في الخليج الآن يسابقون الزمن في إجراء عمليات التحديث الشاملة ، في التعليم المدني ، وفي إنشاء مراكز البحوث في مختلف أنواع العلوم الحديثة ، وفي إرسال شبابهم لتلقي مختلف أنواع التعليم الحديث في أوروبا وأمريكا وكندا الأمر الذي يثير التساؤل : لماذا لا يتم إنشاء هذه المعاهد الدينية الخمسين في الكويت؟!! ، لماذا يكون من حظ شبابهم الحصول علي أرقي وأحدث أنواع التعليم في مختلف الدول المتقدمة في الوقت الذي يحاصرون فيه شبابنا بهذه النوعية من التعليم؟! ، ما هو الخير في توسيع قاعدة تعليم لا يتطور، ولا يتغير ، ولم تثبت له في أي يوم من الأيام نتائج يمكن التعويل عليها في مسيرة التحديث والتطوير ، ولم يفرز في أي مرحلة جيلا مسلحا بالقدرة علي النقد ، أو بالقدرة علي إنتاج معارف تحرك هذا السكون الفكري ، أو وعي يضخ روحا جديدة في هذا النسق الثقافي الذي كاد أن يتعفن؟؟!!، إنني لأتعجب من هذه الهمّة التي تم جمع هذه الأموال بها لغرض إنشاء خمسين معهد ديني في مصر ، وأتساءل عن الهدف ، وأعلن شكي العميق في الغرض ، وسوف يصيبني اليأس لو علمت أن الجهات المصرية المسئولة وافقت علي ذلك.
هذه النوعية من التبرعات وإن أخذت شكلا خيريا ، وإن لبست ثوب البراءة ، وإن بدت كنوع من التضامن والتآلف إلا أنها بالنسبة لي علي الأقل وسيلة أخري من وسائل التآمر والعدوان الذي لم يتوقف منذ بدأت محاولات النهضة في أعقاب ثورة يوليو عام 1952.
في بداية الخمسينيات من القرن الماضي كنّا قد تخلصنا من الرجعية ومن الاستغلال والاستعباد والاستعمار ، وبدأنا نتطلع إلي تحديث حياتنا ، ويتذكر جميع من عاشوا تلك الفترة كيف تم حصارنا اقتصاديا ، وكيف سُدت في وجوهنا كافة منافذ التمويل اللازمة لإنجاز مشاريعنا اللازمة لتغيير وجه الاقتصاد المصري ، وحين اتخذ عبد الناصر قرار تأميم قناة السويس شنت علينا قوي الاستعمار حربا مفضوحة ، تلك الحرب التي كان مبررها المعلن هو قرار التأميم ، لكن دوافعها الحقيقية كانت إجهاض يقظة الشعب المصري في مهدها ، وتحطيم آماله في النهوض ، وتفتيت هذا الوطن وتوزيع أجزائه بين المعتدين حتي لا تقوم قائمة لمصر مرة أخري.
في عام 1967 يعلم القاصي والداني من هم أطراف المؤامرة التي انتهت بهزيمتنا في يونيو من ذلك العام ، ثم بعد انتصارنا في اكتوبر العظيم من عام 1973 ، وحين أدركوا أن منطق القوة العسكرية لم يعد بمقدوره تحطيم إصرارنا علي المضي قدما نحو استرداد قيمتنا التاريخية كأمة تمتلك رصيدا حضاريا عريقا قوامه الإيمان بالعلم والعمل ومعززا بقيم الفن الرفيع والحكمة والأخلاق ، حين أدركوا ذلك بدأت المؤامرة تتخذ شكلا آخر ، سلكوا في تنفيذها سبلا مختلفة ، بدلا من الغزو المباشر بالقوة العسكرية بدأو في تنفيذ خطة الغزو غير المباشر ، وينبغي التذكير هنا بأن أطراف المؤامرة لم يتغيروا ، لكن الذي تغير هو نوعية الغزو ، ومن الذي يكون في مقدمة الجيوش الغازية ، هذه المرة ، في السبعينيات من القرن الماضي يدرك الجميع من هم هؤلاء الذين تولوا مسئولية نشر الضياع في وطننا ، لقد استغلوا إيمان شعبنا بالله وتدينه الفطري وراحوا ينسجون خيوط العنكبوت حول العقل والضمير والروح المصرية المؤمنة إيمانا طبيعيا وتاريخيا وفطريا بالله ، ثم راحوا يفرغون مكونات الشخصية المصرية هذه من محتواها الفكري والثقافي والتاريخي ، ويزرعون مكانها باسم الدين وباستخدام مقولات تراثية دينية ملفقة راحوا يزرعون بذور الكراهية والطائفية والتعصب وثقافة الموت وفكر التواكل فضلا عن الخرافة وقيم الصحراء البائدة.
لقد تم غزونا بدين آخر يختلف في أصوله ومصادره عما كان يعرفه المصريون ، دين ينكر كل الحقائق التي بني المصريون إيمانهم عليها ، دين ينكر الآخر ويكفره ، دين يسخر من العقل ويحرم الاعتماد عليه في تفسير الظواهر والحوادث أو في مناقشة أو حل ما يواجهنا من معضلات الحياة ، دين يحتقر المرأة ويختذل دورها في إمتاع الرجل ، دين يشوه الهوية ويضع الإنسان في خانة المذنب الذي تنحصر كل أعماله في التكفير عن ذنوب لا يعرف كيف ارتكبها ، دين يجعل الحياة مجرد محطة ينتظر الفرد فيها موته للخلاص من هذه الحياة التي كلما طالت عليه كلما ضاعت فرصه في النجاة من الجحيم الذي ينتظره في الآخرة.
لقد صار من العار علينا الآن القبول بإعادة الكرة مرة أخري ، فجميعنا نعرف كيف تمت هذه الغزوة الحقيرة ، ونعرف من هم هؤلاء الذين مولوا هذه العملية الوضيعة ، ونعرف من هم الدعاة الذين تولوا تنفيذ هذه المؤامرة الدنيئة التي صارت نتائجها وبالا لا نعرف كم من الوقت يمكننا إزاحته فيه ، لكن ما نعرفه الآن أكثر من أي شيء هو أن التبرع لإنشاء أعداد أخري من المعاهد الدينية ما هو إلا عملية استمرار في تنفيذ مؤامرة إجهاض أي محاولة لنهضة الشعب المصري.
أخيرا أقول لهؤلاء الخيّرين أرجوكم لا تعطونا هذه السمكة ، ولا نريد منكم تعليمنا كيف نصطاد ، دعونا نغزل شباكنا القديمة ثم انظروا أي نوع من الأسماك يمكننا أن نصطادها.



#محمد_أبو_قمر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نصف تفاحة
- لحظة حُب في عرض الطريق
- الطريق إلي مصر
- البخاري ، وإجماع العلماء ، والطريق إلي الكارثة
- بخصوص جماعة الأمل
- ماذا بعد الهزيمة في استنبول
- حوار داخل زلعة
- الجامعة المصرية والجماعة الارهابية
- خارج الصندوق
- لن أخجل فقد بللت فراشي
- جميعنا شركاء في الجريمة
- مشروع إرهابية
- التنوير بخرافات حداثية
- ملاحظات في شأن من شئون حبيبتي
- البذرة التي تنمو فينا كل يوم
- أُنظر من بعيد لكي تري نفسك بوضوح
- بعض الغبار الذي يهب من الجنوب
- بدون عنوان
- الوهم المقدس
- آل كابوني والاخوان


المزيد.....




- مدير الاستخبارات الأمريكية يحذر: أوكرانيا قد تضطر إلى الاستس ...
- -حماس-: الولايات المتحدة تؤكد باستخدام -الفيتو- وقوفها ضد شع ...
- دراسة ضخمة: جينات القوة قد تحمي من الأمراض والموت المبكر
- جمعية مغربية تصدر بيانا غاضبا عن -جريمة شنيعة ارتكبت بحق حما ...
- حماس: الجانب الأمريكي منحاز لإسرائيل وغير جاد في الضغط على ن ...
- بوليانسكي: الولايات المتحدة بدت مثيرة للشفقة خلال تبريرها اس ...
- تونس.. رفض الإفراج عن قيادية بـ-الحزب الدستوري الحر- (صورة) ...
- روسيا ضمن المراكز الثلاثة الأولى عالميا في احتياطي الليثيوم ...
- كاسبرسكي تطور برنامج -المناعة السبرانية-
- بايدن: دافعنا عن إسرائيل وأحبطنا الهجوم الإيراني


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد أبو قمر - المؤامرة مستمرة