|
أمة لا تتفاهم سوي بلغة المؤتمرات
سامي الاخرس
الحوار المتمدن-العدد: 1563 - 2006 / 5 / 27 - 06:59
المحور:
المجتمع المدني
الله ، الوطن ، كرامة الإنسان ... هي أبجديات ما تعلمناه ،وما نعلمه لأبنائنا ، أساس الحفاظ على تماسك مجتمعاتنا العربية ،وقواعد راسخة تنامت مع البناء الأسري والاجتماعي ، وشكلت ركيزة البقاء للروابط الدينية والاجتماعية والإنسانية التي تجمع هذه الأمة ببوتقة التحدي ،والتكاتف والتضامن الإنساني . تنوعت الاتجاهات الفكرية والسياسية والأيديولوجية ،في عمق المجتمعات العربية ،وشهدت حلقات صراع وتواتر دائم فيما بينها ، حيث اصطبغت هذه الصراعات بالمصالح السياسية والاقتصادية والثقافية والحضارية للمجتمع ، منطلقة من مفاهيم إصلاحية نهضوية لأمة عربية قوية ، قادرة علي مواجهة حجم الأخطار التي تحاصرها ،وتهدد استقرارها . تواصلت هذه التيارات ، تطرح شعارات التوحد والتماسك في مواجهة أعداء الأمة الرئيسيين ، قافزة عن أي اختلافات ثانوية ،أو صرا عات حزبية ،أمام الخطر الرئيسي والأهم في المواجهة .. تحت شعار المصير المشترك . أما الحالة العربية المعاشة الآن ، وما تشهده من أحداث وصراعات وصدامات داخليه ، فهو يدلل علي هدم كامل لشرائح المجتمع العربي ،وتمزيق روابطه الفكرية والعقائدية والأيديولوجية ،والعودة للعصور الوسطي ،عصور الظلام ، وتحول الصراع من صراع سياسي – اجتماعي ،إلي صراع مسلح ، خطاباته تنطلق من فوهات البنادق ، ويخط بأحرف التهديد ،والوعيد . وتأملاً بالحالة الفلسطينية والعراقية علي سبيل المثال ،لكونهما من أكثر الساحات خصوصية ، بما يواجهانه من احتلال صهيوني – أمريكي ، تخلص لواقع مرير ، فالبندقية الفلسطينية المقاتلة التي تواجه الاحتلال بشوارع الضفة الغربية هي ذات البندقية التي تصوب نحو صدر الأخ في قطاع غزة ، وكذلك الحال بالبندقية العراقية التي تواجه العدوان الأمريكي ، وتمارس القتل بحسب البطاقة الشخصية . فيما يبدو أن شعارات البقاء للأقوى هي اللغة التي تسود الآن ،وهذا ما تدلل عليه جميع المؤشرات التي تلوح في الأفق ، وما هذا الحال سوي نتاج ثقافة وتربية استحدثت في عقول أجيالنا الحالية ، وغذاء يزود به أبناء المستقبل ، وما يعبر عن ذلك التصريحات الأخيرة لمرشد الأخوان في مصر ،الذي صرح حسب المصادر الإعلامية "بأنه سيضرب بالجزم كل من يتعارض حكم الإخوان " أي أن هذه اللغة وهذه الثقافة هي ما أنتجت لنا الحالة المعاشة ،وتم تصديرها لشعوبنا التي مثلت بفلسطين خير مثال ، حيث أضحي الشعب يخشى عملية الانتقاد لممارسات أحد الأطراف خوفا من القتل أو الاختطاف . فسياسة عقد المؤتمرات الوطنية في بلداننا العربية ،كمبدأ عام توحي بنذير وبشائر خير ، وتعمق التفاؤل بالنفس بصلاح الأحوال ، ولكن هذا لا يتعدى المبدأ والشعار الظاهر ، أما حقيقة عقد المؤتمرات فهي لا تتعدي خطابات إعلامية احتفالية ، لإلقاء اللوم عن الحضور والاتهام بالإخلال بمصالح الوطن ، والا فأي مؤتمرات وطنية تعقد ،والبنادق تلقي بكلمتها ، وهذا ما شهدته غزة أثناء جلسة الحوار الوطني في رام الله ، وكذلك الحال بالعراق الذي تعقد به جلسات الحوار ،وعصابات الموت تمارس هوايتها بشوارع بغداد ومدن العراق . فاليوم وطننا العربي فيما يبدو قد تخلص من همومه وجملة التحديات ، التي تعصف به ، وبدأ يلتف حول تصحيح مطامع ورغبات قادته وأحزابه ، كما هو الحال بلبنان العروبة التي تعقد حواراتها ومؤتمراتها تحت دوي التفجيرات للسيارات المفخخة وعمليات الاغتيال لرموز الوطن ،وتتسارع الأبواق لتوزيع التهم هنا وهناك " وكلا علي ليلاه يغني " ، أما جزائر الثورة والعنفوان فحوارها لا يكتب له النجاح إلا إذا اغتيل رئيس الدولة أو رئيس الوزراء . وما أروع الحوار الوطني السوداني التي تخط نجاحاته الميليشيات ، حاملة الأقلام لتدون بالدماء الخطوط العريضة لمفاهيم الحوار . فالمشهد العربي واحد ،والصورة ذات الألوان ،ولغة الحوار هي نفس اللغة ،مؤتمرات وطنيه للحوار ، بنكهات تأمريه لا تستهدف سوي استنزاف مشاعر شعوبنا العربية ،والتلاعب بعواطفها وعقولها .. نعم ما أشدنا للحوار الوطني ولغة الحوار ،وما أحرصنا عليه ، ولكن بعيداً عن لغة أولئك الذين استهوتهم عبارات التهديد والقتل والوعيد ،والتنكيل بمن يقول لا . أما هذه المؤتمرات التي تعقد الآن فهي لا تخرج عن مفاهيم التلاعب بجماهير هذه الأمة ، وتجارة الشعارات الزائفة لتخدير الذهون ،والعقول ،والإبقاء عليها في سباتها ،مستسلمة لمبضع الجراح الذي يفعل من قطع وإيصال ما شاء بالجسد الملقي ساكنا بغرفة العمليات . فهل فعلاً أدركت أمتنا العربية دورها الفعلي في عملية التغيير ؟!! وما هي آليات الفعل الواقعي أمام من يفتي بإحلال وهدر الدماء ؟ سؤالان مشرعان ، يغازلان ضمائرنا ،ويطلقان العنان لنا للإبحار في مستقبل أبنائنا ،والأجيال القادمة ،التي تعد لعملية البناء ،ومواجهة المخاطر والتحديات التي تعصف بنا كأمة عربية
#سامي_الاخرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أكسروا قيودي واحملوا ىمالي
-
الصحافة الفلسطينية وعصر التحديات
-
فلنلقي بغزة بالبحر
-
سأغادر
-
ولاية غزة المتحدة وعاصمتها جحر الديك
-
شاطئ غزة ... ملكية خاصة
-
لماذا الآن أشعلتم فتيل الحزبية ؟
-
حق بزمن اللاحق .. شعب وحكومة
-
المرأة العربية رمزاً للتخلف بعصر التمدن
-
حملوك فارساً ......
-
تعقيب علي مقال المرتد الأفغاني .. ورد علي الحوار المسيحي بشأ
...
-
الوطن العربي أغني البلاد ... أفقر العباد
-
وإنها لفوضي حتى النصر ... أو القهر
-
حياة المرتد الأفغاني بحياة أمة
-
يوم الأرض .... يوم الوفاء
-
شتان بين أم تنتظر هدية العيد ... وأم تذرف دمع فراق عزيز
-
المرأة وعولمة الجسد
-
من ينصف حمدي قرعان
-
من الطرف الرابع بعملية اعتقال المناضل أحمد سعدات ؟
-
غلاء الأسعار وثورة الجياع
المزيد.....
-
مغني راب إيراني يواجه حكماً بالإعدام وسط إدانات واسعة
-
-حماس- تعلن تسلمها ردا رسميا إسرائيليا حول مقترحات الحركة لص
...
-
تحتاج 14 عاماً لإزالتها.. الأمم المتحدة: حجم الأنقاض في غزة
...
-
اليمنيون يتظاهرون في صنعاء دعماً للفلسطينيين في غزة
-
عائلات الأسرى تتظاهر أمام منزل غانتس ونتنياهو متهم بعرقلة صف
...
-
منظمة العفو الدولية تدعو للإفراج عن معارض مسجون في تونس بدأ
...
-
ما حدود تغير موقف الدول المانحة بعد تقرير حول الأونروا ؟
-
الاحتلال يشن حملة اعتقالات بالضفة ويحمي اقتحامات المستوطنين
...
-
المفوض الأممي لحقوق الإنسان يعرب عن قلقه إزاء تصاعد العنف فى
...
-
الأونروا: وفاة طفلين في غزة بسبب ارتفاع درجات الحرارة مع تفا
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|