أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين علي الحمداني - يوميات الحرب والحب والخوف(17)















المزيد.....

يوميات الحرب والحب والخوف(17)


حسين علي الحمداني

الحوار المتمدن-العدد: 6424 - 2019 / 11 / 30 - 23:02
المحور: الادب والفن
    


النفط مقابل الغذاء،مصطلح سمعنا به أول مرة،هل يمكن أن نقايض النفط بالغذاء؟لما لا فنحن إشترينا بثمن النفط أسلحة كثيرة،العالم بدأ لا يثق بصدام الذي شن الحروب،لكن ما ذنبنا نحن الشعب،شعرت أن أمريكا لا تعاقب صدام الذي يحتفل بعيد ميلاده وتعمل له قوالب الكيك الفاخرة التي نراها في التلفاز ولا نلمسها،أمريكا تعاقبنا نحن بعقوباتها هذه.
في نفس الوقت لم نكن بحاجة لأن نمتلك البترول،بعضنا تمنى لو إن أرض العراق خالية منه على ألأقل لم يكن النظام قادرا على توفير نفقات الحروب،وربما كانت لدينا زراعة وصناعة واقتصاد قوي.ربما لم تطمع بنا الدول،وأشياء كثيرة أخرى منها ما يرتبط حتى بسلوكياتنا.
يقولون إن برنامج النفط مقابل الغذاء سيجعل حصة الفرد التموينية تتضاعف،أحدهم قال ستكون هنالك سجائر مع الحصة،أخبار كهذه تجعل الأسعار تنخفض قليلا في السوق العراقي،هذا السوق المحتكر من قبل السلطة.لكن السلطة رفضت هذا واعتبرته يمس السيادة العراقية،سألتني أمي ما هي السيادة ضحكت وقلت لها شيء كبير جدا جدا.مهما كانت إجابتي لن تعرفها،حتى أنا بقيت أبحث عن تعريف للسيادة لم أجده،حاولت الربط بين السيادة والغذاء والنفط والجوع،ليست هنالك روابط ممكن أن تقنع بها تلاميذ المدرسة الصغار.
الجياع لا يعرفون ما هي السيادة وإن عرفوها سيغمضون أعينهم وهم يلوكون الأكل،مشكلتنا نحن في العراق إننا بين ليلة وضحاها تحولنا إلى فقراء،لم نمر بمراحل ما قبل الفقر التي تمهد لحالة قادمة،فقرنا لم يكن بسببنا،هنالك من يخسر أمواله بلعب القمار،نحن خسرنا أموالنا دفعة واحدة بسبب حماقة،أصبحنا نبحث عن الأكل والدواء والسجائر والسبورات والطبشور.
في صباح أحد ألأيام جاءت أحدى منظمات الأمم المتحدة في زيارة لمدرستنا ووضعت سبورات خضراء اللون في كل صفوف المدرسة،كان معهم موظف من التربية حرص على ارتداء الملابس الخاكية،سمعت أحدى المعلمات تقول لا نريد منكم،سيادتنا لا تسمح لنا، قالت بصوت عال ونظرت لموظف التربية الذي ابتسم كأنه أنتصر على العالم.
وضعوا السبورات وأعطونا طباشير زيتي تلمسه أصابعنا لأول مرة،عرفنا إنها منظمة معنية بالتربية والطفل، بعد شهر جاء مندوب عنهم يتفقد السبورات،سألته هل لا تثقون بنا؟قال لا نحن نثق بكم لكن لا نثق بالنظام،لقد علمنا إنه سحب السبورات من عدد من المدارس وهذا نخشاه كثيرا نحن منظمة ذات أبعاد إنسانية ولا علاقة لنا بأمريكا.
حتى أولئك الذين كانوا يزورون العراق آنذاك كانوا يقيمون في فنادق كبيرة ويأكلون ما يطيب لهم وعندما يغادرون البلد يقولون إن العراق بخير،أنهم يشاهدون وجه واحد،هو وجه السلطة وما تعيشه،أما الناس كانت تبحث عن الحياة في ممرات الموت.
ذات يوم في عطلة واصلت العمل من الصباح حتى منتصف الليل،عندما عدت بدأت أحسب ما تقاضيته من أموال لم تكن تساوي ثمن ثلاث وجبات بالكاد،فكرت أن اشتري علبة سجائر لكنني تراجعت عن ذلك وفضلت أن أصنع سجائري بيدي كما يفعل الأغلبية.
لم يكن مسموحا أن نكتب هذا في رسائلنا للأصدقاء،محمد فكر أكثر من مرة بذلك،وأتفقنا إن هذا يعني الدخول في متاهات كثيرة جدا،وتأكدنا من ذلك عندما ذهبنا إلى بريد بعقوبة الذي كنا نستلم منه الطرود البريدية،كان هنالك رجل أمن مسؤول عنها،يفتحها أمامنا ويتفحصها ويسلمنا إياها،كان يعرفنا جيدا من خلال ما نكتب وما يصلنا،لكنه يشاهدنا للمرة الأولى لم يكن مزعجا كرجال الأمن الذين يتحدث الناس عن قساوتهم،كان حريصا على أن يؤدي واجبه ليس إلا،ذات مرة قال هل بإمكانكم أن تكتبوا لأصدقائكم عن هذا الدواء فإنه مفقود من العراق، بادرته قائلا يمكننا ذلك،بعد أقل من شهر كان الدواء بين يديه،عرفت إنه دواء خاص لأمه المريضة،قلت لحنان شكرا على الدواء في رسالة كتبتها في دائرة البريد وأرسلتها،لم أكن بحاجة لأن اشرح لها أكثر من ذلك.
ربما عرفت إننا نعاني من نقص حاد في الدواء،وهذا ما جعلها تكرر إرساله شهريا،لم يكن أمامي سوى أن اكرر الشكر في كل رسالة.
كانت الرسائل وما تحتويه نافذة حقيقية،وجدت ذات يوم شريط كاسيت بصوتها،تبدأ بكلمات إن الرسائل الورقية لم تعد كافية،سمعت صوتها لأول مرة،سمعت صوت المطر وهو يتساقط كما نقلت لي في شريط الكاسيت،أمضيت وقتا وأنا أنصت لهذا الصوت القادم من قارة أخرى،لهجتها فهمتها ربما في المرة الثانية من سماعي للشريط،كان يجب أن أرسل إليها أنا أيضا شريط كاسيت بصوتي الذي سيرتجف حتما لحظة الحديث إليها.
ظلت أعمدتي في جريدة الصريح التونسية ثابتة صباح كل يوم ثلاثاء،كتابات نثرية عبارة عن هواجس رجل شرقي، كانت تصلني الصحيفة تباعا كما تصل لمحمد ويشاركنا في تفاصيلها مثنى الذي أقترب كثيرا منا وأندمج بشكل كبير.
لم يكن السفر سهلا،هو ليس ممنوع،لكنه ممنوع!كيف،من الصعوبة أن تستخرج جواز سفر وسط كم هائل من المعلومات،خاصة وإننا كنا قد أصدرنا مجلة صغيرة أسمها(اقرأ)بثمان صفحات مستنسخة،ضمت خواطر وحكم وقصص قصيرة،وقعت نسخة منها بيد ألأجهزة ألأمنية التي تعاملت معها على إنها منشور محظور طالما إنها مطبوعة،تم استدعاءنا تباعا لدائرة الأمن والمقرات الحزبية، محمد والده شيوعي ومثنى والده حزب دعوة،ثالثهما أنا، مضاف لنا عمار،تم غلق الملف بعد الإطلاع على منشور.
الشيء الثاني في السفر إن حصلت على جواز فيجب أن تدفع ضريبة للدولة بحدود نصف مليون دينار في ذلك الوقت ربما تساوي 200 دولار أمريكي،وهو مبلغ غير متاح للأغلبية من الشعب،ومن توفر لديه هذا المبلغ ذهب ليشتغل في ألأردن.
لهذا كان حلم السفر إلى تونس ليس مؤجلا،بل مستحيلا،ذات مرة كتبت هذا لحنان التي ربما كانت تتصور إن بإمكاننا أن نصعد الطائرات متى نساء،لكن كتبت ذلك بلغة ساخرة لتخفيف الوقع،ومع هذا كنت أقول لها دائما سيأتي اليوم الذي أجد نفسي في مطار قرطاج.
قال لي مثنى لنؤجل أحلامنا هذه، قلت له نعم أغلب أحلامنا مؤجلة بما في ذلك أحلام الطفولة،نظر إلي محمد وقال،تجد إن الأتربة علت أحلامنا فهي تنتظر التحقيق منذ زمان.
كنت وإياها نحتفل بمناسبات عديدة،عيد ميلادها،عيد ميلادي،عيد صداقتنا،كانت قد مرت ثلاث سنوات على الصداقة،أحيانا كثيرة كان يتأخر البريد فنعيش قلقا متبادلا،ظل البريد لا يصل شهرا كاملا،ما الذي جرى؟أسال أنا،وهي تسأل،كانت قد أرسلت لي يوما ما رقم هاتف المنزل،فكرت أن أتصل قالوا لي عليك الذهاب لبغداد كي تحصل على خط إتصال،ألأمر معقد جدا وربما يكون على الطرف الثاني غيرها وحينها سيكون الأمر أكثر تعقيدا.
في ظهيرة يوم هادئ،فتحت صندوق بريدي وجدت كدس كبير من الرسائل،من بينها مجموعة من رسائلها التي تأخرت في الوصول،فيها رسالة تبدو آخر ما كتب،تؤكد فيها استلامها لهدية ثمينة عبارة عن تسعة عشر ماسة،وصلتها تسعة عشر رسالة دفعة واحدة،وأنا أيضا وصلتني هذا اليوم ماسات كنت بحاجة إليها.



#حسين_علي_الحمداني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوميات الحرب والحب والخوف (16)
- يوميات الحرب والحب والخوف(15)
- يوميات الحرب والحب والخوف (14)
- يوميات الحرب والحب والخوف (13)
- يوميات الحرب والحب والخوف (12)
- يوميات الحرب والحب والخوف (11)
- يوميات الحرب والحب والخوف (10)
- يوميات الحرب والحب والخوف (9)
- يوميات الحرب والحب والخوف (8)
- يوميات الحرب والحب والخوف (7)
- يوميات الحرب والحب والخوف (6
- يوميات الحرب والحب والخوف (4)
- يوميات الحرب والحب والخوف (5)
- يوميات الحرب والحب والخوف (3)
- يوميات الحرب والحب والخوف (2)
- يوميات الحرب والحب والخوف (1)
- لماذا الخدمة الالزامية؟
- الصوت الإنتخابي
- المحكمة الإتحادية واستفتاء كردستان
- البرزاني هل أختار النهاية؟


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين علي الحمداني - يوميات الحرب والحب والخوف(17)