أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عباس علي العلي - معضلة الدستور وخيارات الأزمة ح1














المزيد.....

معضلة الدستور وخيارات الأزمة ح1


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 6416 - 2019 / 11 / 22 - 00:29
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا شك أن أساس أي مجتمع بشري متوافق على رؤية هو وجود قاسم مشترك رابط ومنظم له، ويمثل خلاصة الصورة التي تعكس روحية وخيارات وجوهر الأتفاق بين أفراده، هذا القاسم المشترك الحدي هو عقد بين أفراد أي مجموعة أجتماعية أرتضت لنفسها أن تعمل معا وتعيش تحت خياراتها هي، وما يجمعها من مصير أو ضرورة أو حتى رغبة في أن تظهر كقوة في وسط منظم على نفس الشاكلة وعلى ذات القواعد، هنا نشأ مفهوم الدستور سياسيا وأجتماعيا ليمثل قرارا جمعيا على الأقل أنه يمنح الغالبية في داخل المجتمع حق التقرير.
في المجتمعات البدائية التي تجمعت وكون أوائل النظم كان الدم والنسب هو الدستور الحاكم فيها، لسبب بسيط أن من جعلها مجتمع وربطها ليس الأتفاق والرؤية المشتركة بل كان نسب الدم هو الرابط وهو الحاكم وهو الفيصل في ترتيب شؤون الجماعة، حتى تحولت بعض هذه المجتمعات بعد أن أمتلكت زمام القوة العسكرية أو الأقتصادية وتضاعف عددها تسامحت في ملاحظة أعتبارات الدم، ومنحت الغرباء والمنتمين الجدد لها حق الوجود ولكنها أبقت على قوانينها الأولى ومنها السيادة والقيادة والمرموز الجامع، حتى أسست الممالك والدول الأولى تحت عنوانها الخاص، عنوان الدم والسلالة والنسب دون أن تكون للمجتمع حق صنع الرؤيا.
هذا التطور ليس معزولا عن حركة المعرفة ولا عن ضرورات البقاء وعوامل عقدية تأسست على مفهوم التقديس أما للطوطم القديم أو لأفكاره التي زرعها في واقع المجتمع، في هذه المرحلة تشارك الدم مع العقيدة الدينية أيا كان مصدرها وشكلها في صناعة العقد الأجتماعي، وبرزت التعاليم منها الشفوية أو المدونة لتكون مرجع للعقد الأجتماعي الأفتراضي لمثل تلك المجتمعات الشبه متطورة مع قياسات المجتمع اليوم.
في المجتمعات الأكبر والتي تنامت أصلا من مجتمع القبيلة والعشيرة بالطريقة السابقة وتوزعت وتنوعت السلطات وكذلك توزعت عناصر القوة على أكبر عدد من المسؤولين، لم يعد الرمز أو القائد هو الدستور ولا لأعراف الدم والنسب هي الحاكمة، بل أصبح هناك أتفاق أجتماعي بين مراكز القوة والقوى داخل المجتمع أي ما يعرف بأتفاق الأقوياء، ليكون الدستور الجديد، وتوزعت الصلاحيات ومراكز القرار بينها تماشيا مع قوة هذا الطرف أو ذاك، هذا الدستور المعلن أو المتفق عليه هو أول أشكال الدساتير التي تحكم البلدان بعد تحولها من مجتمع الدم إلى مجتمع القوة المسيطرة، وبذلك تشكلت أولى مفاهيم الدولة المنظمة بناء على ذلك.
أيضا من العوامل التي ساعدت المجتمعات (الدولة) في تدوين أوليات أو أسس الدستور، هو سيادة قوة الدين وخاصة الرسالات المكتوبة على شكل منظم ومحترم يحظى بكامل القدسية من الحاكم والمحكوم، فبعض المجتمعات أستعاضت به عن تدوين إرادتها أما نولا عند التقديس أو رغبة في عدم أنتهاك قواعد جمعية متفق على أصولها ومبادئها، وحين تحولت تلك الأفكار الدينية إلى نوع من الديكتاتورية التي لا تطاق، تحولت إرادة الشعوب إلى ضرورة كتابة دستور يعكس رغباتها أو على الأقل رغبات وتطلعات الغالبية الناقمة، وهنا دون وكتب أول دستور مدني بعيدا عن أسس العقد الأجتماعي السابقة.
لم يكن التطور هادئا ولا سلميا في كل الاحوال، بل قدمت الشعوب الكثير من التضحيات في سبيل نيل حقها الطبيعي في رسم حدود تقرير المصير، كما لعبت النخب التحررية من كتاب ومفكرين وفلاسفة وشعراء عصارة أفكارهم لصنه وعي التحول هذا، ولم يكن للسياسيين الماسكين في زمام السلطة إلا دور القامع والرافض للتحولات والتغيير، ليس حبا بإستقرار المجتمعات التي يحكمونها ولكن كانت دواعي ذلك في الغالب الحفاظ على مصادر القوة التي يتمتعون بها.
وتطورت الدساتير بعد ذلك من حيث البنى والأشكال التي قدمتها لنظم الحكم وكل ما يتعلق بتحديد مبدأ توزيع السلطات، ولكن العامل المشترك بينها جميعا هو التغيير المستمر والدائم أما بسبب قصور في المبادئ أو تلبية لحاجات التطور وفي أحيان أخرى يكون التغيير راجعا إلى تغير في سلطة الحكم نتيجة ثورات وإنقلابات أو أحداث سياسية تعصف بالدول والمجتمعات، هذا التغير والتبدل يؤشر إلى حقيقة مهمة وهي أنه في الغالب كان التغيير بأيدي قوى سياسية أو عسكرية لا تمثل إلا نفسها، وما عدا حالات نادرة شهد التاريخ الدستوري إرادة حرة للشعوب في تسطير ما تريده من أسس دستورية كإستجابة لحق تقرير المصير.
هذا السرد التاريخي السريع الذي مهدنا به للعنوان نريد من خلاله أن نبين أن مسألة التغيير الدستوري أو حتى الإصلاح فيه ليست بمعضلة، ولا هي بدعة عراقية طالب بها ثوار تشرين عبر تظاهراتهم المستمرة لأكثر من شهر، بل هي في الواقع جزء من عملية التحديث والتطور الأجتماعي إضافة لكونها حق دستوري وإنساني بأمتياز، طالما أن الدستور نفسه ينص على أن (الشعب مصدر السلطات) وهو من يمنح الشرعية أو ينتزعها عبر الممارسة الديمقراطية الحرة.
من يدعي أن تغيير الدستور الذي يعده مقدسا وغير قابل حتى للنقد إنما يعبر عن أفق ضيق ونظره دونية تزدري الشعب كما تزدري الديمقراطية السياسية ذاتها، فهو بالأصل يمثل نزعة أستعلائية نفعية تبحث عن المغانم والمكاسب الفئوية، ولم ولن تبحث عن حق الشعوب في فرض إرادتها عبر مسار ديمقراطي متطور، فمن شرع الدستور وفي ظل الأحتلال ليس الشعب ولا قواه المنتخبة، وإنما هم بعض أدوات المحتل الذي كان يواجه وضعا دوليا وداخليا لا يسمح له بالاستمرار في وضعية المحتل.
فأختار أدوات عراقية لا تمثل إلا نفسها ومصالحها ورغبة الطرف المحتل في التخلص من ورطة الإدارة المدنية بأقل الخسائر، الدستور الذي يبنى بهذه الأيادي والعقول الرخيصة لا يمكن أن يبقى خيارا للشعب وتعبيرا عن عقده الأجتماعي، خاصة بعدما إنكشفت عيوبه وفشله المزمن في إدارة دولة ذات تاريخ وواقع وجغرافية لها من المميزات ما تجعله غير قابل أن يستمر في ظل دستور أعرج وأعوج ومنحرف.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دور المؤسسة الدينية لمرحلة ما بعد تشرين في العراق. ح5
- دور المؤسسة الدينية لمرحلة ما بعد تشرين في العراق. ح4
- دور المؤسسة الدينية لمرحلة ما بعد تشرين في العراق. ح3
- دور المؤسسة الدينية لمرحلة ما بعد تشرين في العراق. ح2
- دور المؤسسة الدينية لمرحلة ما بعد تشرين في العراق. ح1
- المسؤولية القانونية والدستورية لرئيس مجلس الوزراء في الدستور ...
- في نقد الدستور العراقي (مواد دستورية معطلة)
- ملاحظات على قراءة الدستور العراقي
- تفصيلات الدستور والنصوص (تعديلات واقتراحات لسد النقص) ج2
- تفصيلات الدستور والنصوص (تعديلات واقتراحات لسد النقص) ج1
- بيان الحراك الشعبي العراقي ومجموعات من تنظيمات ناشطي ساحة ال ...
- تفصيلات الدستور والنصوص (فن الصياغة)
- لماذا تشرين؟
- أزمة العقلية الحاكمة في العراق ومستقبل الحراك الشعبي.
- أساسيات الدستور العراقي ثالثا _الصيغة الأتحادية
- أساسيات الدستور العراقي ثانيا _التعددية الديمقراطية
- أساسيات الدستور العراقي
- خارطة الطريق التي اعدها الحراك الشعبي في العراق
- لماذا الحاجة ملحة لتعديل الدستور العراقي؟
- في العراق ... أزمة حكم أم أزمة حكام؟.


المزيد.....




- الجيش الإسرائيلي يرصد دفعة صواريخ إيرانية جديدة.. وموسوى يدع ...
- -لا تحاولون العودة-.. الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا عاجلا إلى ...
- هل ينجر ترامب لحرب إسرائيل ضد إيران؟
- مصدر أمني إيراني: طهران على تواصل مع موسكو وتعول على دور روس ...
- الخارجية الروسية: حياة مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية ف ...
- الرئيس الإسرائيلي يزور معهد -وايزمان- المتضرر جراء القصف الإ ...
- -سي إن إن- ترجح ميل ترامب لاستخدام القوات الأمريكية لضرب الم ...
- باكستان تجلي عائلات الدبلوماسيين من إيران والبعثات لا تزال م ...
- الجيش الإيراني يعلن تدمير 28 هدفا إسرائيليا معاديا خلال الـ ...
- مباحثات مصرية أمريكية إيرانية لوقف التصعيد بين طهران وتل أبي ...


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عباس علي العلي - معضلة الدستور وخيارات الأزمة ح1