أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عباس علي العلي - أساسيات الدستور العراقي















المزيد.....

أساسيات الدستور العراقي


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 6400 - 2019 / 11 / 5 - 01:41
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لعل من المفيد بالأمر كعرض نقدي فقهي أن نتناول الركائز الفكرية المؤسسة لروح الدستور وجوهر الرؤية الشاملة التي ترجمت كنصوص في طياته، والهدف السامي منها كون الدستور أو أي نص قانوني ليس المطلوب منه أن يكون فقط قواعد ناظمة خارج روحية الهدف ومدى قدرة هذه الروح أن تساعد في حفظ التوازن الأجتماعي والقانوني بين السلطة والمواطن وبين السلطة والسلطة ذاتها.
فقهاء القانون الدستوري ومعهم القضاء والمشتغلين بالمجال القانوني عامة يفرقون بين نص القانون وبين روح القانون، ويقدمون الروح على النص بأعتبار أن القاعدة القانونية قيمتها الوجودية تكمن في الروح التي تصنع بالأخر النتيجة التي أرادها المشرع أو منشئ القاعدة القانونية، هنا على القاضي مثلا أن لا يكتفي بالنظر إلى البنيان اللغوي كعمارة معرفية تفرض وجودها بوجودها، وإنما أصل هذا الوجود مرتبط بعلة وأسباب ومقدمات ونتائج تتكامل فيما بينها لتكون مشروع ناظم لحالة أجتماعية وتربوية أجتماعية أولا، لذا فكثيرا ما يلجأ القضاة إلى روح القانون لاستشفاف ما يمكن أن يكون في عمق النص وما يريد أن يقوله لتطبيقه على الوقائع المعروضة عليه.
تتجلى الروح هنا في أساسيات طول الفكرة وعرضها لمنبسط واقعا، غير أن البناء اللغوي وإن كان ضروريا كصيغة تعبر عن غائية مرادة لكنها ليست بالضرورة دوما أن تحمل كامل روحية الفكرة لأسباب تتعلق بفن الصياغة اللغوية أو بقدرة المشرع في تجسيدها لفظا ومضمونا، الإشكالية الكبرى تكمن في قدرة الشخص الذي يتعامل مع النص بحدوده الظاهرة ومن خلال البناء اللغوي دون أن يتعمق في الجوهر الروحي وعلاقة ذلك بالفكرة العامة لمجمل منظومة القانون أو الدستور، فهو يرى في النص عالما منفصلا عما خلفه وقبله وعن النتائج المتوخاة منه وعن جملة الأسباب والعلل المقدمة والمؤطرة له، هذه الإشكالية ليست فردية ويمكن تجاوزها بل أضحت سلاحا يقتل النص ذاته يقتل الروح والجوهر الكامن به.
قراءة معمقة للدستور العراقي تبدأ من الديباجة الطويلة التي شرح فيها المشرع رؤيته وصاغها بشكل نص نشهد أن هناك خطوط عامة كلية تفصح عن روحية الدستور والقيمة الأخلاقية والإنسانية التي يسعى لها، فقد جاء في بعض ما أراد من إظهار قوي للمبادئ الأساسية بنصه (نَحنُ شَعْب العراقِ الناهضِ تَوَّاً من كبْوَتهِ، والمتَطلعِّ بثقةٍ إلى مستقبلهِ من خِلالِ نِظاَمٍ جُمهورِيٍ اتحادي ديمقْراطيٍ تَعْددُّيٍ، عَقَدَنا العزمَ برجالنا ونِسائنا، وشُيوخنا وشبابنا، على احْتِرامِ قَوَاعدِ القَانُون، وَتحقيقِ العَدْلِ وَالمساواة)، هنا بين المشرع قاعدة مهمة لبناء الدولة والنظام السياسي الذي يسيرها على قاعدة متعارف عليها عالميا وضرورة إجمالية كبرى (على احْتِرامِ قَوَاعدِ القَانُون، وَتحقيقِ العَدْلِ وَالمساواة).

أولا_ مبدأ العدل الأجتماعي.
أي مجتمع يريد النهوض من كبوته التاريخية عليه أن يضع في أول نقطة في أول رأس السطر قاعدة احترام قواعد القانون لتحقيق العدل وليس خلق حالة عدالة في توزيع الحقوق والواجبات، فالعدل كقيمة إنسانية عليا أسمى في فعلها من العدالة كنتيجة لحالة تطبيق القانون، فقد تتحقق العدالة من خلال فرض القانون على الجميع وكأن النص القانوني مقدس دون النظر إلى حقيقة أن العدل في جوهره الفاعل هو تحقيق كلي مقرونا بالظروف والمعطيات ولأسباب والعلل، وهذا النص يحسب إيجابية للدستور والمشرع وفعلا حسنا عندما نجح في تسطير ذلك.
إذ المبدأ الكلي الأول والأساسي هو تحقيق العدل بسيادة القانون وأحترام قوته بأعتباره الناظم الأساسي للمجتمع، هذا التأكيد من المشرع مهد لقاعدة الدولة المدنية المعاصرة بشكلها المعروف اليوم عالميا، لكنه في المقابل تراجع ونكص عن هذا المبدأ في النصوص التفصيلية حينما جعل في المادة ثانيا منه (أولاً:- الإسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدرٌ أساس للتشريع)، وحينما نقول أن الإسلام أو أي دين أخر مصدر للتشريع إنما نقدم عمليا الشريعة الدينية بطبيعتها الفكرية المؤسسة للاختلاف أن تكون هي المقدمة على القانون، والمعروف أن الدين في غير جانبه العبادي هو شريعة وتشريع خاضع للاجتهادات الفردية والفئوية، ولعدم وجود تشريع ديني مقنن وموحد، فلا بد هنا اللجوء إلى أحدى النظريات الفقهية أو أحد المذاهب الدينية لتطبيق رؤيته فيما يخص الشريعة لتجسيد كون القاعدة الدستورية تقول (الإسلام دين الدولة).
مثلا يمكننا أن نسطر فقط على هذه الجزئية من النص جملة ملاحظات تتعارض مع مفهوم العدل وتتناقض مع مدنية الدولة ومنها:.
• المجتمع العراقي وإن كان يشكل المسلمون فيه الأغلبية السكانية لكن هناك مكونات تتبع ديانات ومذاهب وعقائد لا تعترف بالإسلام أو أن بعض مذاهب المسلمين لا تتعترف بهم، فهل من العدل أن يحكموا ويتعامل معهم على ضوء الشريعة والفقه والاجتهاد الإسلامي.
• حتى في داخل المنظومة الإسلامية هناك أقصاء وتكفير واستبعاد من دائرة الملة فكيف يمكن التعامل السليم معها ووفق أي نظرية فقهية واجتهادية علينا أن نجمع المختلف؟.
• المعروف أن القاعدة القانونية هي قاعدة قانونية عامة مجردة تحكم حالة واحدة في ظل ظرف واحد وفي زمن واحد، في حين أن الشريعة والتشريع الديني في غالبية أحكامه يعتمد على التفصيلات الجزئية وتفريع الفروع، وبالتالي فلا يمكن أن تعد نصوص الدين قواعد عامة مجردة، وطالما أن الديباجة في الدستور تؤكد على أحترام القانون وبالمعنى أحترام القاعدة القانونية المجردة، فسنكون أمام تعارض حقيقي في الأخذ بجوهر وروحية الدستور وبين نص المادة 2 منه خاصة وأنه عاد ليؤكد في الفقرة ثانيا (أ) من المادة ذاتها (‌ لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام).
• وحتى في نفس الفقرة ثانيا هناك تعارض بين (أ) و (ب) ففي الوقت الذي يحظر الدستور من سن قوانين تتعارض مع ثوابت الإسلام يعود في لاحقا لينص أيضا على ذات الحظر ولكن بما يتعارض مع الديمقراطية، هذا في حده تعارض لا سيما أن الديمقراطية في أبسط مفاهيمها هي أن الشرعية تنال من الشعب وإليه، بينما الثوابت الدينية تقول (أن الحكم إلا لله) والشرعية تكتسب وجودها من النص الديني، هذا التعارض لا يمكن فهمه إلا على أن المشرع يريد الجمع بين النقيضين على سطح واحد في وقت واحد وهذا من المحال على الأقل في الفهم قبل التطبيق.
• الإشكالية الأخرى لو سن تشريع أو قانون يوافق مثلا الثوابت الإسلامية ولكنه يتعارض مع ثوابت الديمقراطية التقديم والعمل كيف يمكن تطبيقه على أساس الترتيب في الحظر أم على أساس قوة الحظر؟.
لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يطبق العدل كقيمة أساسية نادى بها الدستور مع النص السابق لأختلاف المبدأ الديني عن المبدأ الديمقراطي ليس فقط في التعارض في موارد التطبيق ولكن لأن الدولة كما يعرفها علماء الأجتماع وفقهاء القانون الدستوري على أنها كيان أفتراضي ناتج عن توافق على وجوده من خلال العقد الأجتماعي، هذه الحالة لا يمكن معها أن ننسب للدولة هذا الكيان المصنوع بإرادة جمعية أجتماعية على أنه ذي صفة عقائدية ملزم بها، وكان الأحرى أن يشار إلى أحترام دين الغالبية الأجتماعية في سن القوانين بما لا يتعارض مع إلتزاماتها العقدية، ودون المساس مع ذلك بحق الإنسان الأساسي في أن تحترم عقيدته ولا يجبر على التقيد بما يخالفها أو يتعارض معها إلا في حدود مصلحة المجتمع والدولة في حفظ كيانها العام والفردي.
لقد حاول المشرع أن يمزج مبدأ عقلي وأخلاقي عام وهو العدل مع مبدأ أخر وهو ديني أيضا وهو العدل الرباني او التشريعي السماوي، ولكنه لم ينجح في صياغة هاتين الفكرتين على أساس من وحدة في فهم العدل ذاته كقيمة أجتماعية رأسية، فلسفة العدل بحد ذاتها ليس هناك أتفاق على حدودها وعلى مديات ما تشمل من أطر ولا عن مصادرها التي يجتمع عليها المجتمع، فكيف يتسنى للقاعدة الدستورية أن تحكم بمطلق على أنه واجب أجتماعي أساسي في الوقت الذي لم تحدد فيه ما يمكن أن يكون تعريفا مستوفيا للفكرة.
لقد صرح بكل ذلك في الفقرة ثانيا من المادة ثانيا من الدستور بذلك وهذا يكفي للمزاوجة بين فكرة العدل في شقيها الديني والديمقراطي، وكان من الممكن أن يصار لها في مراقبة التشريع بدل ما جاء بالفقرة أولا ويجنب المنظومة التشريعية هذا التعارض الصارخ، لكن الدوافع السياسية للمشرع وجدت نفسها حاضرة بقوة لفرض نمط تشريعي غير سليم أثر على كونية مبدأ العدل وأضاع بذلك جزء مهم من روحية وجوهر الدستور.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خارطة الطريق التي اعدها الحراك الشعبي في العراق
- لماذا الحاجة ملحة لتعديل الدستور العراقي؟
- في العراق ... أزمة حكم أم أزمة حكام؟.
- استراتيجية التك تك في مواجهة السلطة الفاسدة.
- قراءة في تطورات ما بعد الاول من تشرين الاول في العراق
- المسؤولية القانونية والدستورية لرئيس مجلس الوزراء في الدستور ...
- بيان من التجمع المدني الديمقراطي للتغيير والأصلاح...
- لماذا يتظاهر شباب الشيعة ضد المنظومة الشيعية الحاكمة في العر ...
- نعم نريد إسقاط النظام
- رسالة الى السيد الاغا
- الرسائل الأمريكية وغباء الساسة العراقيين وأميتهم السياسية
- من خطبة الجمعة التي ألقيتها في حضيرة المستحمرين النووم
- رواية (السوارية ح8 _2
- رواية (السوارية) ح8 _2
- رواية حكيم لباي ج15
- رواية حكيم لباي ج14
- رواية حكيم لباي ج13
- رواية حكيم لباي ج11
- رواية حكيم لباي ج12
- رواية حكيم لباي ج10


المزيد.....




- أوروبا ومخاطر المواجهة المباشرة مع روسيا
- ماذا نعرف عن المحور الذي يسعى -لتدمير إسرائيل-؟
- من الساحل الشرقي وحتى الغربي موجة الاحتجاجات في الجامعات الأ ...
- إصلاح البنية التحتية في ألمانيا .. من يتحمل التكلفة؟
- -السنوار في شوارع غزة-.. عائلات الرهائن الإسرائيليين تهاجم ح ...
- شولتس يوضح الخط الأحمر الذي لا يريد -الناتو- تجاوزه في الصرا ...
- إسرائيليون يعثرون على حطام صاروخ إيراني في النقب (صورة)
- جوارب إلكترونية -تنهي- عذاب تقرحات القدم لدى مرضى السكري
- جنرال بولندي يقدر نقص العسكريين في القوات الأوكرانية بـ 200 ...
- رئيسة المفوضية الأوروبية: انتصار روسيا سيكتب تاريخا جديدا لل ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عباس علي العلي - أساسيات الدستور العراقي