أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد الصلعي - مواطن مع وقف التنفيذ ....رواية -3-















المزيد.....

مواطن مع وقف التنفيذ ....رواية -3-


خالد الصلعي

الحوار المتمدن-العدد: 6371 - 2019 / 10 / 6 - 11:02
المحور: الادب والفن
    


لا أحد يعبأ بمدمني المخدرات الصلبة أو لهم ، لا أحد يهتم لهم أو بهم . لم يعودوا من جنس البشر . خرجوا بطريقة أو أخرى من سجلات البشر . ربما هم أشباح اعتدنا على سحناتهم وسلوكهم وأفعالهم . حتى حميدو الذي يقطن بالحي ، نسيته أمه التي تمر من أمامه يوميا أكثر من مرة دون أن تلتفت اليه . وكأنها لم تلده يوما ، ولم تربه ، لم تعتن به ، لم تحمله تسعة أشهر في بطنها . ولم تتوجع أثناء ولادته وتتاوه .
يقال أنه قبل ثلاثين سنة كانت المرأة تلد بلا اوجاع ، أو باوجاع خفيفة ، لكنها اليوم لا يمكن لها أن تلد الا في المستشفيات . ما هو السبب ؟ احد لم يبحث عن السبب .
هو الآن يعتبر بمثابة رئيس جماعة المدمنين القذرين . هو الآمر الناهي في منطقته . فهو ابن الحي ، ولا يزال شكل جسمه يحيل الى سابق ما كان عليه من صلابة وقوة . يرتب لهم أماكنهم ، ويشاركهم في جميع ما يتناولونه بحكم منحهم مكانا ىمنا لتعاطي مخدراتهم بامن وأمان . وهو من أبناء الحي ، اذا ما حاول أحدهم أن يعتدي عليه أو كانوا جماعة فان شباب الحي سينهشونه نهشا .
انه يتوفر على أكثر من امتياز ليسودهم ويتأمر عليهم .
وهو سجين سابق خبر السجن أكثر من مرة ، يعرف كيف ينظم نزنزانته . كيف لا يعرف وهو الآن تحت امرته ست أو سبع نفر ، في حين ان نزانة السجن تحوي أكثر من خمسين فردا ، مكدسين كالسردين الى جانب بعضهم . ومع ذلك فان عريف الزنزانة ينظمهم تنظيما محكما .
في أحد الأيام وعند اقتراب زيارة الملك الى المنطقة ، طلب منه مقدم الحي " عون سلطة " ، اهم ركيزة النظام أن يغير مكانه . وكان قد ضرب على جدار القيسارية ما يشبه خيمة ، ترافقه فيها خليلته ، كزوجة داخل غرفة بيت . وطبعا يمكن لأي مدمن أن يدخل الخيمة ما دام يتوفر على مقدار من المخدر سيشركه في تناوله . لكن حميدو أبى أن يهجر مكانه ويفكك خيمته ، نشأ صراع بينهما . فالمقدم "عون السلطة " جديد " ، وهو بالمناسبة ابن مقدم متقاعد " حتى هذه المهنة أصبحت محتكرة ، يرثها الابن عن أبيه ، ويورثها الأب لابنه. المخزن سيد كل شيئ .
في أحد الأيام وعند اقتراب زيارة الملك الى المنطقة ، طلب منه مقدم الحي " عون سلطة " ، اهم ركيزة النظام أن يغير مكانه . وكان قد ضرب على جدار القيسارية ما يشبه خيمة . قطعة قماش كبيرة مغروسة بمسامير الى الجدار ، مثبتة على بعد متر على ثلاث قضبان خشبية . ترافقه فيها خليلته ، كزوجة داخل غرفة بيت . وطبعا يمكن لأي مدمن أن يدخل الخيمة ما دام يتوفر على مقدار من المخدر سيشركه في تناوله . لكن حميدو أبى أن يهجر مكانه ويفكك خيمته ، نشأ صراع بينهما . فالمقدم "عون السلطة " جديد " ، وهو بالمناسبة ابن مقدم متقاعد " حتى هذه المهنة أصبحت محتكرة ، يرثها الابن عن أبيه ، ويورثها الأب لابنه. المخزن سيد كل شيئ .
صعد الشجار بينهما ، المقدم يتوعد ويهدد ، وحميدو يشتم ويلعن . لا بل هو أيضا يهدد عون السلطة بفضح معاملاته الرشوية ، بالدليل والحجة ، ليس عند قائد المنطقة بل عند وكيل الملك . حميدو مخبر قديم يعتمده رجال الشرطة كعين ساهرة لهم على المنطقة منذ مدة طويلة ، منذ أمجاد العزري الشينو .
ارتعب المقدم حين سمع اسم "وكيل الملك " وخفض من لهجته ، واقترب منه يقول له " ساعدنا اخاي حميدو، وعند انتهاء الزيارة عد الى مكانك " . لكن حميدو بدا عنيدا ومصرا على رأيه وأنه لن يتزحزح من مكانه ول جاءب كل عناصر القوة .هو في النهاية لن يخسر شيئا . ماذا سيخسر لقد ذهبت كل حياته جزافا ؟
أمسك المقدم هاتفه وراح يكلم شخصا ما ، فهاج حميدو وسأله ساخرا " هل تهاتف الملك ؟ . أنا لآ أخاف أحدا . أخاف ربي فقط . أريد حقي من الطاولات التي وزعتموها على معارفكم وقبضتم ثمنها . انا ابن المنطقة ، هنا ولدت ، وهنا نشأت وهنا سأموت ، الله يلعن الدين دباباكم " .
بعد لحظات ما كان على حميدو الا أن يطوي رجليه للريح ويهرب وهو يسب ويلعن ، لقد رأى سيارة رجال القوات المساعدة قادمة نحوه . هنا انتفخ المقدم وراح يسب هو أيضا ويلعن ويشتم مهددا اياه بارساله الى الحبس .
المضحك المبكي ان قبالة حائط مدمني المخدرات الصلبة ، مدرسة للبنين والبنات . وقبل سنتين تم فتح روض للأطفال الصغار على الدانب الأيمن ،يقال أن صاحب المركب التجاري تاجر مخدرات كبير .
قام عون السلطة بمساعدة رجال القوات المساعدة بخلع الخيمة ورمي محتوياتها في صندوق القمامة الذي لا يبعد عنهم الا بضع أمتار . طلب عون السلطة من يونس ، وهو مدمن سيلسيون ، لا يفارقه عن انفه . هو أيضا من ابناء الحي ، داره التي لا يذهب اليها أبدا بعدما تم محوه من شجرة العائلة بسبب اخياره هذا الطريق المنحرف .
أمره عون السلطة بغسل المكان الذي كانت تصعد منه رائحة جد كريهة ، وعلى الأرض بقع كبيرة داكنة السواد .
قام يونس وهو يترنح ويتمايل يمينا ويسارا ، أماما وخلفا ، بملء سطل من الماء من بركة بالجوار ، ركبتها السلطات المعنية على أساس انها نافورة ماء . لكنها في ظرف سنة واحدة أصبحت بركة آسنة ، تملأها مياه الأمطار . ويلعب فيها الأطفال حين تجف .
كان يونس يحمل السطل الذي لا يثبت بيده ، يرشح منه الماء كله تقريبا بفرط عجزه عن المشي بخطى ثابتة ، حاطا يده التي تحمل قطعة قماش مملوءة بالسيلسيون ، يشم وينظر الى المكان الذي يتمايل أمام عينيه .
لم يكن المكان هو الذي يتمايل ،فالمكان ثابت في مكانه ، لكنه هو من كان يتمايل ويترنح الى درجة انه يكاد يسقط أرضا . لكن بفعل التوازن الذي اكتسبه جراء السنين الطويلة على ممارسة هذه العادة ، فانه كان ينقذ الموقف ، ويواصل مشيه المعوج نحو وجهته .
حين وصل نظر الى السطل فلاحظ انه شبه فارغ ؟ تساءل مع نفسه وهو يرفع عينيه الذابلتين الى المقدم وأحد رجال القوات المساعدة :
-واااه ، فاين الما ؟
انفجر الرجلان ضحكا ، الى درجة دفعت يونس نفسه الى مشاركتهم الضحك ؟
يقولون في تفسير عقائد الدين وأحكامه ان الرجال قوامون على النساء ويستفيضون في الشرح والتعليل والتحليل . عندما تمر ام حميدو الستينية أمامه ، وهي امرأة أرملة لا سند لها ، بعد ان غرق ابنها الوحيد في معاقرة المخدرات . وليس لها من معيل الا ما يتصدق عليها به جيرانها ، وما تحصله من شقائها في غسل وتنظيف بعض المؤسسات الخدماتية البسيطة .
عندما تمر امامه وهي تتصنع أنها لم تره ، ولم يُلفت نظرها ، مشيحة عينيها عنه ، ينفطر قلبها . لا قلب يرتعش للانسان أكثر من قلب الأم . لا قلب يحترق من أجل الانسان أكثر من قلب الأم .
ربما كان قلبها قد احترق وارتد رمادا ، ربما كان قلبها قد تجمد عند درجة الاحباط التام .
ربما خبأته في مكان ما من جسدها ، لكنه حتما لن يكون تحت قدميها .
يقولون في تفسير عقائد الدين ان الرجال قوامون على النساء ويستفيضون في الشرح والتعليل والتحليل . بطلنا لا يصدق واقع العبارة ، وانما أصبح مؤمنا أشد الايمان بعبارة الواقع .
تلك الآية ممسوحة من واقعه . وهو يؤكد بالأرقام والبيانات ، والدلائل الدامغة والمدموغة ، وبالحجج الناطقة والصارخة ، أن النساء قوامات على الرجال بما فضل النظام بعضهم على بعض وبما بكابدن ويشقين .
الواقع أصدق انباء من العبارات .



#خالد_الصلعي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انسان مع وقف التنفيذ ..رواية -2-
- انسان مع وقف التنفيذ ..رواية
- انما الامم الاخلاق....قصة
- حوار مع زيغموند باومان حول دور وأهمية المواقع الاجتماعية
- يخت الملك الفاخر وفقر المغاربة المذقع
- الربيع الايراني
- انتحار في عيد الأضحى ....قصة قصيرة
- حدود الملكية المطلقة بالمغرب
- لن أيأس
- أمينة بوعياش تخرج الفيل من خرم ابرة
- عشرون سنة من الحكم ، عشرون سنة من اللاحكم
- خطأ الملك ، كيف نتعامل معه ؟
- هل تكمل الجزائر مسارها المتفرد ؟
- أنوار الخائن -رواية 1-
- القضاء أول درجات الارتقاء
- اضحك ، انهم يكرهونك
- البابا في وظيفته السياسية
- الشمكار
- نظرة في بطلان تعاقد الأساتذة
- جاسيندا


المزيد.....




- -عصر الضبابية-.. قصة الفيزياء بين السطوع والسقوط
- الشاعر المغربي عبد القادر وساط: -كلمات مسهمة- في الطب والشعر ...
- بن غفير يسمح للمستوطنين بالرقص والغناء أثناء اقتحام المسجد ا ...
- قصص ما وراء الكاميرا.. أفلام صنعتها السينما عن نفسها
- الفنان خالد تكريتي يرسم العالم بعين طفل ساخر
- رابط شغال ومباشر.. الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية 2025 ...
- خبر صحفي: كريم عبدالله يقدم كتابه النقدي الجديد -أصوات القلب ...
- موسيقى للحيوانات المرهقة.. ملاجئ الولايات المتحدة الأمريكية ...
- -ونفس الشريف لها غايتان-… كيف تناول الشعراء مفهوم التضحية في ...
- 10 أيام فقط لإنجاز فيلم سينمائي كامل.. الإنتاج الافتراضي يكس ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد الصلعي - مواطن مع وقف التنفيذ ....رواية -3-