|
انما الامم الاخلاق....قصة
خالد الصلعي
الحوار المتمدن-العدد: 6359 - 2019 / 9 / 23 - 11:04
المحور:
الادب والفن
انما الأمم الأخلاق ....قصة *********************** استفاق بالكاد ، ذلك الثقل الضخم الذي كان يشد رأسه الى المخدة ، جعله يظن انه لن يستفيق أبدا . حين فتح عينيه أحس بصداع رهيب يشق رأسه ، لكنه اندهش كثيرا وهو يرى نفسه داخل غرفة رديئة ومتسخة ، ربما كانت سببا آخر زاد من ألم رأسه . ذهب الى المرحاض كي يغسل وجهه ، فوجد صنبور الماء معطلا . ملاءة الفراش كأنها لم تغسل منذ زمن بعيد ، بقع لاصقة وداكنة ، مخدة مهترئة ، ودفتي النافذة الوحيدة الخشبية منزوع منها بعض الألواح الصغيرة التي تؤلف مجمل النافذة . احس انه وقع في كمين تلك العاهرة التي استدرجته أمس الى هذا الفندق اللعين . حتى صورتها لم يعد يتذكرها جيدا. كمية الخمر التي احتساها الليلة الأخيرة جعلته لا يتذكر الا وقت دخوله الملهى . حتى وقت خروجه مع تلك العاهرة لا يتذكره ، لكنه متأكد أنه خرج معها متأخرا . ربما كانا الأخيرين اللذين غادراه . قلب جيوبه فلم يجد الا بعض الدريهمات . لقد جردته من كل ما بقي له من مال . صداع الرأس ، صدمة المبيت ، وصداع الجيب ، جعله كل هذا يعود الى الفراش وينطرح فوقه مجددا ، يفكر في المأزق الذي ورط نفسه فيه . الآن يحس انه يعب من الغرفة رائحة جد كريهة ، سرعان ما تلاعبت برأسه وذهب جريا نحو المرحاض ليتقيأ . -بنت الكلب ، لو فقط اخذتني الى فندق محترم .-قال في نفسه بعد ان انتهى من التجشؤ . خرج مهرولا نحو الشارع ، فأحس ببعض الراحة التي اتته كفسحة هائلة ، وكأنه خرج للتو من سجن رهيب ، شديد الرقابة ، ومن غرفة انفرادية جد ضيقة محشوة بالأزبال والنفايات كما يفعل سدنة الاذلال للشرفاء . كيف حصل هذا ؟ هل يمكن أن أتورط في مثل هذه الظروف ؟ . أخرج الدريهمات من جيبه ، عدها لعلها تكفيه لتناول الفطور ، كان المبلغ لا يكفي للافطار ، فقرر أن يكتفي بشرب كأس لبن حامض ، لعله يخفف من وجع رأسه ، ويفتح من ضيق صدره . تفطن وهو في المحلبة أنه بدون حقيبة ، ترك الكأس فوق المنضدة وخرج كالصاروخ يجري نحو الفندق ، لم يسأل عامل الاستقبالات ، واندفع يقفز فوق الأدراج، الى أن وقف أمام باب الغرفة التي نام فيها ليلته . سمع ضجيجا وصراخا ووقع اقدام تتجه نحوه من الأسفل . فتح الباب نظر في الغرفة يستكشفها شبرا شبرا ، ولم يعثر على حقيبته . ما عاد صداع الرأس يثير انتباهه ، أصبح ضياع الحقيبة هو ما يشغله . دخل نحوه عامل الاستقبال مندفعا ، وهو يسأله من أنت ؟ ولماذا دخلت بهذه الطريقة ؟ . أجابه الأستاذ أنه نسي حقيبته هنا وجاء للبحث عنها . رد عليه عامل الاستقبال أن الخادمة لم تترك لديه أي حقيبة ، واذا لم يخرج الآن سوف يضطر الى معاملته بما يليق . اطرق الأستاذ رأسه أرضا وأدرك انه فعلا وقع في ورطة كبيرة . ندم كثيرا على سهرته وعلى اصطحابه مومسا الى مثل هذا الفندق . اعتذر لعامل الاستقبال وانصرف . أدخل يده في جيب سترته الداخلي ، ودق قلبه مرة اخرى . نكسة ثالثة تقع له في نفس اليوم . ضاع هاتفه . لابد وأن العاهرة سرقته . كان يريد ان يتحقق من الساعة . في الشارع علم من أحد المارة أن التوقيت هو الثالثة زوالا ، والمحاضرة التي من المفروض ان يشارك فيها بمداخلة ستبدأ عند حدود الخامسة . لا نقود له ليجلس في مقهى قريبة من قاعة المحاضرة ، وعقله يكاد يطير من رأسه . لم يتعرض الى هذه النكسات يوما في حياته . حار في الوقوف على أسباب ما حدث له . ولماذا ؟ أما كيف فهو يعرف كيف تورط كل هذه الورطة الخانقة . اخيرا استقر رأيه أن يمارس رياضة المشي الى ان يصل قرب قاعة المحاضرة ، ويتخذ له مكانا مقهى قريبة . حتما سيلتقي احد معارفه ، ويقرضه بعض المال الى أن يعود الى مدينته . جلس في منصة المحاضرين ، والارتباك باد على محياه ، لم يستطع هضم ما حدث له . كان عنوان اللقاء "انما الأمم الخلاق ما بقيت ..." الورقة التي اشتغل عليها ، كانت بعنوان ، "الأخلاق حصن المجتمع الأخير " . ضاعت الآوراق التي حضرها ، ولم تبق في ذهنه غير افكار مشوشة ، وحتى وان حاول ترتيبها فان حالته النفسية المنهارة لن تسعفه . فكر في الاعتذار عن القاء الكلمة . عينه تجوس الحضور في ذهول ، ثم توقف نبض قلبه أو هكذا أحس . احس ببرد شديد يغزو جسده وأفكاره ، ربما هي نفس العاهرة التي تجلس في المقعد الرابع من الصف الأول . صوت أحد الأساتذة المحاضرين وحده ما يحسه يدخل اذنيه ، عيناه مسمرتان في الفتاة ، وهي تجلس بكل وقار وهدوء وصرامة تتابع المتدخل . بعد لحظات ، حملت شيئا من تحت الكرسي ووضعته فوق ركبتيها . انها حقيبته ، هي ذاتها . لقد تعرف عليها . يستحيل أن لا يميزها بين آلاف الحقائب . ازدادت حيرته وكاد يخرج عن طوعه ويصرخ في وجهها لولا أنه تدارك الأمر . ادخل رأسه بين يديه ، وراح يفكر بذهن لا يستقر على شيئ .
#خالد_الصلعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حوار مع زيغموند باومان حول دور وأهمية المواقع الاجتماعية
-
يخت الملك الفاخر وفقر المغاربة المذقع
-
الربيع الايراني
-
انتحار في عيد الأضحى ....قصة قصيرة
-
حدود الملكية المطلقة بالمغرب
-
لن أيأس
-
أمينة بوعياش تخرج الفيل من خرم ابرة
-
عشرون سنة من الحكم ، عشرون سنة من اللاحكم
-
خطأ الملك ، كيف نتعامل معه ؟
-
هل تكمل الجزائر مسارها المتفرد ؟
-
أنوار الخائن -رواية 1-
-
القضاء أول درجات الارتقاء
-
اضحك ، انهم يكرهونك
-
البابا في وظيفته السياسية
-
الشمكار
-
نظرة في بطلان تعاقد الأساتذة
-
جاسيندا
-
طوبوغرافية الثورة الجزائرية
-
صفقة مع السراب
-
جراحة عن بعد ، هل تصدق ؟؟
المزيد.....
-
في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
-
-يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا
...
-
“أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن
...
-
“أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على
...
-
افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
-
بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح
...
-
سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا
...
-
جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
-
“العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024
...
-
مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|