أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد الصلعي - الشمكار














المزيد.....

الشمكار


خالد الصلعي

الحوار المتمدن-العدد: 6188 - 2019 / 4 / 1 - 07:11
المحور: الادب والفن
    


....قصة قصيرة
*******************
لا يهم ، لايهم ، لم يعد شيئ يهم . الجميع خرج عن جادة الصواب . كلهم يلهثون وراء شيئ اسمه المال ، وأنا للآن لم اتعلق بهذا المال .ينعتونني بكل النعوت المقززة ، ورغم ذلك أدهسهم باصراري وقوة ارادتي .
لا يهم أن يصفوني بالمريض أو المعقد أو الأحمق أو المجنون ، فحين أذهب للمستشفى أجدهم جميعهم ينتظرون قدوم الطبيب الذي يتأخر عن موعده بساعة أو ساعتين ، يتبرمون داخلهم ، يتأففون في سريراهم ، يلعنون في صمتهم . وحين يحضر يقفون لتحيته والانحناء له .أنا وحدي الذي أصرخ وأولول وألعن الطبيب والمشفى والمرضى والدواء والشفاء .
لا يهم اذا رموني بشتى العقد ، لأنهم يجهلون أن الانسان أكثر الكائنات الحية تعقيدا ، وهو المنطقة الكونية الوحيدة التي اعتبرها أحد الفلاسفة أكثر مجهولية وغموضا ، وهم بذلك يمدحونني دون أن يشعروا ، فعلى الأقل أنا أكثر الناس بينهم تمثيلا لحقيقة الانسان لأنني معقد .
لا يهم ان وصموني بالحمق والعته والمس والجنون ، ربما هم لا يبصرون الا شخصي ، فلو نظروا الى ما يحيط بهم لوجدوني اعقل الناس ، الشوارع مكتظة بالحمقى والمجانين ، ومزارت الدجالين تعرف رواجا أكثر من رواج المساجد والحانات .
ولن أنسى حين حضرت ذات يوم لقاء لأحد السياسيين وما هو بسياسي ، فلم أجد لي مكانا . كان الرجل جون المستوى بمسافات بعيدة ، لكنهم كانوا ملتئمين حولهم كآخر عبقري في زمن المغرب المظلم . تماما ، فحين يسود الظلام يتمنى الانسان ولو بصيص نور كي يخرج من العتمة ، لكن للحكلة قولها النهائي . الحلكة شديدة ، فمن يشعل النور ؟ .
انها مقدمة طويلة . اكثر من المعتاد . لا ، لا ليست طويلة ، فقد قرأت مقدمات أطول منها ، لكتب متنوعة . والآن من بدأت القصة ؟ . آه تذكرت .
وقفت تحت دفة المؤسسة البنكية بعد أن بدأت قطرات الأمطار تسقط ، وما هي الا لحظات حتى وقف أمامي "شمكار" * . هذه الفئة بالذات لم يستصغها خاطري منذ ان رأيت أول شمكار يدخل صنجوق القمامة ليبحث فيه عن شيئ يصلح للبيع . وما هي الا أيام معدودات حتى كثروا كالناموس او الذباب . ونحن تعلمنا ان نقتل هذه الحشرات ، ومن تشبه بها فهو منها .
وقف في البداية بعيدا عني بثلاثة أمتار تقريبا . لكنني كنت أحس ان شيئا بداخلي قد تحرك ، تعكر صفوي ،وبدأ الدم يغلي في شراييني . شاب في مقتبل العمر ، لكنه يشبه شيخا في آخر العمر . متسخ ورث الثياب ، ينتعل صندالة جد بالية ، تنز منه رائحة نتنة كرائحة الجيفة . حتى ان دقات زخات المطر القوية لم تخفف من رائحته العطنة . خمنت ابعاده عن المحيط ، لكن قدوم فتاة نحونا جعلني اتردد في طرده من المكان . هذا المكان لا يناسبه ، أو هو لا يناسبني ، وهو طبعا لا يناسب الفتاة التي يبدو من خلال هندامها انها طالبة في السمتوى الثانوي ، فقد كانت تحمل في يدها اليمنى محفظة خفيفة تستعملها عادة طابات المدرسة . أو لنقل اجتماعنا في مكان واحد حدث خطأ .
اقترب مني بضع خطوات ، أحسست بضيق شديد يخنقني ، وكأنه يخطواته المقتربة كان يضع يديه على عنقي ليطبق علي . حدجته بعيني لعله يتراجع وراء ، لكنه أخفض عينيه وتوقف . بدأ يحك يدا بيد ، ثم ينفخ فيهما بفمه . حالات القشعريرة سرت في بدنه بسرعة فائقة ، ما جعل جسده يتحرك بشكل مخيف . أخذ يحك في كامل جسده ، مرة وراء رقبته ، ومرة اخرى في بطنه ، ثم يمرر يده الى كتفه . حركات مقززة .
تحولت نقمتي عليه الى شفقة ، فقد كان لا يتزن كلما اشتدت زخات المطر وهبت نسائم باردة نحو ساحة المؤسسة البنكية . يزداد ايقاع ارتجافه ، ويتقلص جسده أكثر ، ينكمش وهو يرتعش ، يحك فروة رأسه بشدة .
لكنه حين سألني سيجارة ، اعاد سخطي عليه مرة أخرى . فعوض ان يطلب لحافا أو رغيفا طلب سيجارة . وحين حركت رأسي بالنفي ، سقط أرضا .فزعت الفتاة وصدرت عنها صرخة مدوية ، نظرت اليها باستغراب ،وكأنني أتساءل ؛ هل كانت تنتظر سقوطه لتصرخ بكل هذا الصوت . ثم قالت له " خذ هاك خمسة دراهم ، اشتر لك سيجارة " .
المطر لا ينفك يزداد انهمارا ، وكلما اشتد هطوله كلما انخفضت درجة الحرارة . والشمكار يتلوى أمامنا ، لم يعرها انتباها وهي تقدم له خمسة دراهم . البنت اقتربت الينا ، بعض الناس يراقبوننا من الجانب الآخر للشارع ، ربما خالوا اننا ، أنا والفتاة صديقين وقد اختلفا فيما بينهما ، ثم تصالحا . الشمكار يتلوى أرضا ، والشارع أصبح مليئا بالمياه .
الموقف لا يشبه اي موقف مر علي في حياتي .سألتني الفتاة وقد امتقع وجهها وشحب لونه ، وكانها مجرد دمية ، هل مات . نظرت اليه . لم أحس بأي احساس تجاهه ، كان قد وضع رأسه أيضا على الارض ، ولم يعد يتحرك ، اقتربت الى أنفه ، لم يكن يصعد منه أي نفس .
قلت لها نعم لقد مات .
* الشمكار في اللهجة المغربية هو ذاك المنحرف الذي يشم موادا مخدرة كالسيلسيون ، وهو مادة لزجة تستعمل للصق اطارات الدراجات الهوائية .



#خالد_الصلعي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظرة في بطلان تعاقد الأساتذة
- جاسيندا
- طوبوغرافية الثورة الجزائرية
- صفقة مع السراب
- جراحة عن بعد ، هل تصدق ؟؟
- ايران تربك حسابات الولايات المتحدة الأمريكية بالمنطقة
- هل تنجح الانتفاضة في الجزائر ؟
- قضية الخاشقجي بين الاعلام والاستخبارات
- روسيا تلوي عنق اسرائيل
- انهيار الديبلوماسية المغربية
- قضية توفيق بوعشرين والتوظيف السياسي
- لا أمل ...
- صناعة الشرق الأوسط من جديد
- بين اللورد بايتس ووزراء كلينكس
- هل يمكن أن أخالف السيد حسن نصر الله ؟؟
- لو كنت مثلي
- من الأسلمة الى الأنسنة
- تعويم الدرهم المغربي ، نحو غرق أعمق واحتجاجات ضخمة
- النظام المغربي أمام حقائقه
- تحليل استخباري لأحداث ايران الأخيرة


المزيد.....




- براد بيت اختبر شعورا جديدا خلال تصويره فيلم -F1-
- السويد.. هجوم جديد بطائرة مسيرة يستهدف الممثلية التجارية الر ...
- -البحث عن جلادي الأسد-.. فيلم استقصائي يتحول إلى دليل إدانة ...
- تقرير رويترز 2025: الجمهور يفضل الفيديو والصحافة البشرية وهك ...
- هكذا تصوّرت السينما نهاية العالم.. 7 أفلام تناولت الحرب النو ...
- بعد أسابيع من طرح الفيلم ونجاحه.. وفاة نجم -ليلو وستيتش- عن ...
- ابتكار ثوري.. طلاء -يعرق- ليُبرّد المباني!
- كيف يساهم تعليم العربية بكوريا الجنوبية في جسر الفجوة الثقاف ...
- بالتزامن مع تصوير فيلم -مازيراتي: الإخوة-.. البابا لاوُن الر ...
- -الدوما- الروسي بصدد تبني قانون يحظر الأفلام المتعارضة مع ال ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد الصلعي - الشمكار