أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ضيا اسكندر - خطاب رسمي














المزيد.....

خطاب رسمي


ضيا اسكندر

الحوار المتمدن-العدد: 6353 - 2019 / 9 / 17 - 20:17
المحور: كتابات ساخرة
    


ذات يوم أثناء عملي في شركة الكهرباء باللاذقية، دخل إلى مكتبي أحد الزملاء الذي شارف على الستّين من عمره، وطلب منّي أن أكتب له معروضاً للمدير العام يطلب فيه تمديد خدمته الوظيفية عاماً آخر. وافقتُ مرحّباً فهو إضافةً إلى أنه دمِثٌ ومرِحٌ وفهيم ومن العمّال المهرة في اختصاصه، فقد جمعتني معه رفقة حلوة لسنوات عديدة.. قلتُ له: «تكرم عيونك يا أبا سامر، ألف طلب مثل هذا الطلب». استللتُ قلمي وكتبتُ التالي:
«السيد المدير العام ع / ط التسلسل: لمّا كنتُ قد اقتربتُ من سنّ الإحالة إلى التقاعد، وحيث أن صحّتي جيدة والحمد لله وما زلتُ أتمتّع بلياقتي البدنية ولا أشكو من أية حالة مرضية، فإنني أجد في نفسي القدرة على الاستمرار في مزاولتي لعملي بذات الكفاءة التي عرفتموني بها.. لذا أطلب من سيادتكم التفضّل بالموافقة على تمديد خدمتي الوظيفية سنة أخرى ولكم فائق التقدير.»
عندما قرأ أبو سامر ما كتبتُ، نظر صوبي معاتباً وقال:
- هل يُعقل يا أستاذ أن تكتب كتاباً كهذا؟!
سألته وأنا أداري استغرابي بالابتسام:
- هل أخطأتُ بشيء؟
هرش فروة رأسه بامتعاض وقال متبرّماً بسرعة وكأنه أعدّ الإجابة:
- لا.. لكن لم تذكر شيئاً عن حاجتي الماسّة وعن ظروفي المادّية الصعبة التي دفعتني لتمديد خدمتي.. أرجوك أن تضيف أنني فقير ومعيل لأسرة كبيرة ومدْيون.. يعني عبارات من هذا القبيل حتى يوافق السيد المدير.
قلت له مفنّداً وأنا العارف بأحواله:
- لكنك يا عزيزي لستَ فقيراً والحمد لله، ولا تعيل أحداً؛ فأولادك جميعهم كبار وقد تزوجوا وبعضهم أنجب. وزوجتك ما زالت على رأس عملها. وتسكن في شقة مُلكٍ لك.. يعني باختصار أحوالك عال العال قياساً بغيرك.
حكُّ صدغَه بشيء من الارتباك، وتكوّنَ تجعّدٌ خفيفٌ ما بين حاجبيه، وأجاب بما يشبه الدفاع عن نفسه:
- يا أستاذ أنت خير العارفين، لقد تعوّدنا أن نستجدي المسؤول ونتضرّع له للوصول إلى حقّنا.. (وغمز بعينه مضيفاً) أعتقد أنك فهمتَ عليّ.
فجأةً غمرني وهجٌ دافئ من المودّة تجاهه. وبدأت تتقاذفني مشاعر متناقضة. ركنتُ القلم والورقة جانباً وسرح خيالي إلى الترسانة الملوّثة من موروثنا الثقافي والاجتماعي والدّيني، التي تحضّنا على التظاهر بالدّونيّة والعبوديّة والمسْكنة تجاه السلطة، أيّة سلطة، لكسبِ رضاها. حاولتُ أن أتكلّم، لكنني شعرت أن الكلمات تكلّست في حنجرتي كشاعرٍ بائسٍ فَقدَ الإلهام. فآثرتُ الصمت.
نقر زميلي بعقلات أصابع يده على طاولة المكتب منبّهاً:
- أيه أستاذ! ما بك؟ أَلَن تعيد كتابة المعروض؟
سؤاله أيقظني من شرودي ووضعني في منطقة الحيرة. لم أكن في مزاج الخضوع لأيّ نقاش.. نهضتُ من وراء المكتب مقترباً منه ووضعتُ راحتيّ على كتفيه مواسياً بحنان، وقلت له وقد جهزّتُ إجابة حاسمة:
- آسف يا أبا سامر، اعذرني، لا طاقة لي لكتابة ما ذكرت من عبارات التوسّل.. يمكنك الاستعانة بغيري وما أكثرهم. أتمنى لك التوفيق.
هزّ رأسه متفهّماً مُفلتاً طيف ابتسامة وكأنه استشعر عِزّةَ نفسي. ثم غادر بتسليمٍ وهو يتمتم بما يشبه النصيحة:
- إلامَ ستبقى حاملاً السلّمَ بالعرض.. إلامَ؟ إن البثورَ والندوبَ التي غطّت أجسادنا وأرواحنا وذاكرتنا.. لن يزيلها إلاّ ربّ العالمين.
قلت له بصوتٍ قويّ قبل أن يغلق الباب خلفه:
- لا تنسَ يا أبا سامر، «إن الحياة وقفة عزّ».



#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من ذكريات «الزمن الجميل!»
- روسيا وتركيا و«الكباش» المعلن والمخفي
- أوَّلُ مهمّةٍ حزبيّة
- هل روسيا «الأمّ الرؤوم» لأصدقائها؟
- سورية إلى أين؟!
- هل الحلفاء أخوة؟!
- «القرضاوي» والمسيحية
- مرةً أخرى عن العلمانية
- ذَكَرُ العجل
- دوامُ الحال، من المُحال..
- المنشور
- جاري والدكتورة
- قراءة في «بالخلاص يا شباب!»
- قراءة موجزة في «زمن مستعمل»
- «العمى»
- «الانفجار السوري الكبير»
- قراءة في «بجعات برّيّة»
- كنّا أشقّاء، وسنبقى..
- معجزة العصافير
- وتساقطتْ أوراقُ الليمون


المزيد.....




- تابع مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 22 .. الحلقة الثانية وا ...
- بمشاركة 515 دار نشر.. انطلاق معرض الدوحة الدولي للكتاب في 9 ...
- دموع -بقيع مصر- ومدينة الموتى التاريخية.. ماذا بقى من قرافة ...
- اختيار اللبنانية نادين لبكي ضمن لجنة تحكيم مهرجان كان السينم ...
- -المتحدون- لزندايا يحقق 15 مليون دولار في الأيام الأولى لعرض ...
- الآن.. رفع جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024 الشعبتين الأ ...
- الإعلان الثاني.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 158 على قناة الفجر ...
- التضييق على الفنانين والمثقفين الفلسطينيين.. تفاصيل زيادة قم ...
- تردد قناة mbc 4 نايل سات 2024 وتابع مسلسل فريد طائر الرفراف ...
- بثمن خيالي.. نجمة مصرية تبيع جلباب -حزمني يا- في مزاد علني ( ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ضيا اسكندر - خطاب رسمي