أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فاطمة ناعوت - كانوا وسيمين … كنّ جميلات!














المزيد.....

كانوا وسيمين … كنّ جميلات!


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6345 - 2019 / 9 / 8 - 04:49
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


زي النهارده، رحلت أمي عن هذا العالم. تركتني وطارت ويدي مازالت معلّقةً في طرف ثوبها. في ذكرى أبي الشهر الماضي، كتبتُ رثاء مع صور بالأبيض والأسود لأبي واقفًا جوار أمي تجلسُ في أناقة تحملني فوق ذراعيها رضيعةً في الشهر السادس من عمري. كتب الأصدقاءُ آلاف التعليقات الطيبة. ولفت نظري إجماع التعليقات على أناقة أبي وأمي، وجمال ملامحهما، شأن جميع الآباء والأمهات في ستينيات القرن الماضي.
الصورُ بعدسة المصوّر الأرمنّي العالميّ "ڤان ليو" Van Leo، الذي اشتُهر باللعب بدرجات الظلال وومضات الضوء. وهو صاحب أشهر صورة لعميد الأدب العربي د. طه حسين، حيث يختفي نصفُ وجهه تحت طبقات الظلال، ويشرق النصفُ الآخر بأشعة الوهج.
كان أبي رجلاً وسيمًا، وكانت أمي سيدة جميلة راقية الملامح. وراحت عيونُ القرّاء تُفتِّشُ في جنبات الصور عن مصر الجميلة، التي ذهبت ولم تعد، تاركةً من بقايا جمالِها شذراتٍ خافتة نلهجُ إليها في أفلامنا القديمة: بالأبيض والأسود.
من بين المعلقين الرسّامٌ المصري البريطاني "حمدي سليمان". الذي رسم لي أحد أجمل البورتريهات بريشة المدرسة "التنقيطية" Pointillism ابنة المدرسة التأثيرية، التي يعتمد تكنيكها على ضربات الفرشاة الملوّنة فيتكون نسيجُ اللوحة من قطرات اللون والضوء. كتب معلّقًا على صورة أبي: (أحببته من ملامح وجهه. لسبب لا أفهمه، أشعر أن ملامح الوجه المتناسقة تلك، بدأت تختفي من مصر! هل الحياة اليومية تشكل ملامحنا؟) صدمني السؤال! لم أفكّر من قبل أن ملامح وجوه الناس تتبدّل مع الزمن جيلاً بعد جيل، بسبب ما يسمعون وما يشاهدون في الطرقات وما يتعرضون له من ضغوط مجتمعية. تتبدّل الملابسُ وفق الموضات بين عصر وعصر، ولكن: هل تتبدّل الملامحُ والقسمات الجسدية أيضًا؟! ولمَ لا؟! أليس الإنسانُ مرآةً عاكسة لما حوله؟
وربما يفسّر هذا ظاهرة أن معظم آبائنا وأمهاتنا وأجدادنا كانوا يشبهون جمهور حفلات أم كلثوم. كان المصريون آنذاك يُصدمون من ورقة مُلقاةً في الطريق. كانت السيداتُ يسرن في شوارع نظيفة بفساتين شانيل وكعوب عالية، دون خوف من تحرش أو بذاءة. كان آباؤنا وسيمين وكانت أمهاتُنا جميلات، لأن المجتمع كان وسيمًا وجميلا.
في صالون بيتي، صورةٌ بالأبيض والأسود لأمي في ثوب الزفاف، بتوقيع Van Leo. وكانت مفتونة بالفنانة فاتن حمامة، مثل معظم بنات جيلها. حتى أنها أسمتني "فاتن"، وبقيتُ بذاك الاسم شهورًا، حتى عادت جدتي من رحلة كانت ترافق فيها جدي، المهندس المعماري الذي كان يعمل بالخليج. وحين غاضبتْ جدتي أمي لأنها لم تُسمّ طفلتها على اسمها: "فاطمة"، غيروا اسمي، وظلت أمي حزينة لأنها "خانت" فاتن حمامة!
كانت أمي تُفصّل فساتينها من كتالوج أفلام فاتن حمامة. وفي عرسها، طلبت من الخياطة اليونانية تصميم ثوب الزفاف مشابهًا لثوب زفاف فاتن حمامة في فيلم "سيدة القصر"، وأمام عدسة "ڤان ليو"، جلست العروس الجميلة: "سهير"، التي ستغدو أمي، نفس جلسة فاتن حمامة في صورة عُرسها بالفيلم.

لهذا نحبُّ أفلام زمان، الأبيض والأسود. حيث الفساتين جميلة، رقيقة، تلبسها البنات فيشبهن الفراشات، كأنهن باليرينات رشيقات لا يمسسن الأرض بأقدامهن، بل يطرن ويكدن يلمسن السماءَ بأطراف أناملهن. وحيث البشر راقون، والألسن نظيفة لا تعرف إلا المعاجم المهذبة، والبنايات منظمة منسّقة، والشجر كثيف أخضر يرمى بظلاله على شوارع نظيفة مرتبة، التماثيل في الشوارع مغسولة مصقولة، الرجال أنيقون مهذبون، والسيدات فاتنات يحملن حقائبَ كأنها قطعٌ تشكيلية من الفن الرفيع. ورغم الملابس القصيرة، لم يكن هناك تحرش ولا بذاءة. كنت أتصفح ألبوم صور أمي القديم، فشاهدت صورة لها مع شقيقتها في حديقة عامة. كانت أمي في فستان ساحر بخصر ضيق وجيب واسعة كلوش وكولة رقيقة وبلا أكمام. سألتها: (مكنش حد بيعاكسك وأنت خارجة كده يا ماما؟!) فتجهمت وقالت بحدّة: (مكنش في قاموسنا كلمة اسمها ‘معاكسة’. الشباب كان محترم ولا يرفع عينه في وجوه البنات. كنا في زمن بريء ونظيف. الكل يحترم الكل. والشاب يعتبر كل البنات السائرات في الطرقات شقيقاته.)
صدقتِ يا أمي، الفضيلةُ والتحضر واحترام المرأة، ثقافةٌ وليست ملابسَ. الحجاب والنقاب ملأ جوانب مصر الآن، ومع هذا صُنّفت مصرُ في المرتبة الثانية على مستوى العالم في التحرش بالمرأة!! أما المرتبة الأولى فاحتلتها "أفغانستان"، التي تفرض النقاب الكامل على نسائها! الفضيلة في الدماغ، لا في طول الثوب وقصره. و"الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن”.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عنصريةُ اليد اليسرى!
- ابحث عن نسختك الأجمل
- الراهبُ … البون بون … الأخلاق
- فولتير على القومي… يحاربُ العنفَ بالبهجة والتفاؤلتي
- فولتير على القومي… يحاربُ العنفَ بالبهجة والتفاؤل
- بناءُ الإنسان في مصر
- المهرجان القومي لأبي العظماء السبعة
- مصرُ يليقُ بكِ الفرح … الوزيراتُ يليقُ بكنّ الأبيض
- الجرذان
- زمن جابر عصفور
- من ذكريات القناة … صمتَ الرئيسُ لتتكلَّمَ السفينة
- مَن هم الأقليّة في مصر؟ (2)
- الفلاتر الثلاثة … والأخلاق
- مَن هم الأقليّة في مصر؟ (1)
- الإخوان السفاحون…. لم يرحموا المرضى
- فيلم: الوباء الصامت … احذروا
- نزار قباني … نهرٌ دافقٌ وشركٌ صعب
- في مديح الضعف والضعفاء
- صُهَيْبَة
- صمتي صلاة


المزيد.....




- تعرّف إلى قصة مضيفة الطيران التي أصبحت رئيسة الخطوط الجوية ا ...
- تركيا تعلن دعمها ترشيح مارك روته لمنصب أمين عام حلف الناتو
- محاكمة ضابط الماني سابق بتهمة التجسس لصالح روسيا
- عاصفة مطرية وغبارية تصل إلى سوريا وتسجيل أضرار في دمشق (صور) ...
- مصر.. الحكم على مرتضى منصور
- بلينكن: أمام -حماس- اقتراح سخي جدا من جانب إسرائيل وآمل أن ت ...
- جامعة كاليفورنيا تستدعي الشرطة لمنع الصدام بين معارضين للحرب ...
- كيف يستخدم القراصنة وجهك لارتكاب عمليات احتيال؟
- مظاهرة في مدريد تطالب رئيس الحكومة بالبقاء في منصبه
- الولايات المتحدة الأميركية.. احتجاجات تدعم القضية الفلسطينية ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فاطمة ناعوت - كانوا وسيمين … كنّ جميلات!