أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - عنصريةُ اليد اليسرى!














المزيد.....

عنصريةُ اليد اليسرى!


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6345 - 2019 / 9 / 8 - 04:48
المحور: حقوق الانسان
    


يوم 13 أغسطس، ذكرى رحيل أبي المتصوّف الجميل، وأيضًا "اليوم العالمي لمستخدمي اليد اليسرى". وتحيّرتُ: هل أكتبُ عن العظيم الذي غرسَ فيَّ قيمَ المحبة والعدل والتسامح حتى مع الخصوم، أم أكتبُ عن طائفة تمثّل 7٪ من البشرية، شاء الچينوم أن أنتمي إليها؟ وتعلمون، حين تتعدّدُ البدائلُ نتحيَّرُ، ونميلُ أحيانًا إلى "الثالث المرفوع” هربًا من "معضلة الاختيار". وبالفعل، مرَّ اليومُ دون أن أكتب عن هذا أو ذاك.
لكن مصادفةً حدثت بالأمس عدّلت قراري. في أحد المولات، استوقفتني سيدةٌ أنيقةٌ وصافحتني بمودةٍ، ثم نادت ابنتها الواقفة مع رفيقاتها على مقربة. وما أن شاهدتني الصبيةُ حتى ركضت نحوي بلهفة وعانقتني قائلةً إنها تحبُّ مقالاتي وتحتفظ ببعض كتبي وإنني مَثَلُها الأعلى. ثم لمعت عيناها فجأة وهتفت: (وكمان أنا فرحانة إني "شولة" زيك. الأول كنت متضايقة. بس لما عرفت إنك شولة بقيت فخورة إني باشبهك في حاجة!) سألتُها: (وليه زعلانة إنك شولة؟) قالت: (حاجات كتير مش متصممة علشانا. المقص، ساعة اليد، الحاجز الإلكتروني في المترو، الجيتار، البيانو، الماوس، القلم الحبر، شريط القياس، مقاعد المحاضرات، بندقية الرماية، فتاحة المعلبات، الفتيس، سوستة البنطلون، ووو. بينسونا لما بيخترعوا!) شعرتُ أن القدر يحرّك أقلامنا. وعدتُ جميلةَ العسراوات "مروة" بالكتابة عن "العُسْر"، وشرح السبب العلمي الذي جعلها وجعلني وقليلين في العالم، نستخدم اليسرى، عكس معظم البشر.
يُطلقُ علينا الأمريكان في العامية southpaw، (مِخْلَب الجنوب). لأن ملاعبَ البيسبول تُصمَّم باتجاه الشرق لكيلا تؤذي أشعةُ الغروب عيونَ اللاعبين. ولكن اللاعب الأعسر، يقذف الكرة نحو الجنوب. ويقول العِلمُ إن چين LRRTM1، هو المسؤول عن العَسَر، لأنه يُنشِّط فصَّ المخ الأيمن، المتحكّم في نصف الجسد الأيسر. وهذا الفصُّ المُبدع هو ماكينة الخيال واللغة والرياضيات والفنون. لهذا نجد كثيرين من العُسْر، فنانين وأدباء وفيزيائيين.
ولكي لا تشعر "مروة" بالعُزلة، أخبرُها أن رائعين مثل: “آينشتين، أرسطو، بيتهوڤن، نيتشه، نابليون، الإسكندر الأكبر، تشرشل، غاندي، نيوتن، ماري كوري، داڤنشي، مايكل-آنجلو، بيكاسو، كاسترو، مارادونا، ميسّي، الأمير وليم، توم كروز، آرم سترونج، بيل جيتس، ومعظم رؤساء أمريكا، وغيرهم، من العُسر. ولذلك لا عجب أن تُعلن منظمة Mensa، التي تضمُّ أذكياء العالم، أن معظم العُسر ذوو نسب ذكاء مرتفعة.
ومثلما اِشتُقَّت مفردةُ "أعسَر" من "العُسْر"، نقيض "اليُسْر"، نجد في الإنجليزية مترادفات الأعسر left-handed، تحمل دلالاتٍ سلبيةً. منها sinistral المشتقة من الجِذر sin (خطيئة)، كأنما الأشول خطّاءٌ! وفي العبرية، وبعض اللغات السامية واللهجات القديمة لبلاد ما بين النهرين، كانت "اليدُ" ترمز للقوة والسيادة، وبالتالي ترمز "اليدُ اليسرى" لسلطة الاعتقال الغاشمة، وكذلك سوء الطالع والنحس، ومسٌّ من غضب الآلهة! كذلك في عديد اللغات الأوروبية، مثل الإنجليزية والهولندية والألمانية والفرنسية والإسبانية والبرتغالية؛ نجد مفردة "يمين" right لا تحملُ وحسب معنى السَّواء والصَّلاح والصِّحة (عكس الخطأ)، بل أيضًا معنى "الحق والعدالة”. وتاريخيًّا، أنْ تكون "أيمنَ" فذلك يعني أنك ماهرٌ. لأن الجذر اللاتيني dexter يعني "أيمن" ويعني "ماهر" في آن. وفي الأيرلندية deas تعني "يمين" وتعني: "لطيف" أو "جميل". وفي المقابل كلمة gauche بالفرنسية تعني "يسار" وتعني "أخرق". والأمر ذاته في الهولندية والبرتغالية: (له يدان يُسراوان) يعني أنه (أبْلَه). وفي الإنجليزية: ( ذو قدمين يسراوين) يعني فاشل في الرقص. والحقُّ أنني وقعتُ على ما لا يُحصى من تعبيرات لليد اليسرى، في لغات أوروبا وجنوب آسيا، تصبُّ جميعها في النهر السلبيّ! وبالطبع لا ننسى المُحمّل السياسيّ في كلمتيْ: (اليمين، اليسار).
وهكذا يا جميلتي "مروة"؛ مآساتُنا ليست فقط مع الأدوات "العنصرية" التي نعاني عند استخدامها، ولكن لدينا أزمة تاريخية مع المُحمّل المعرفي السيء لمستخدمي اليد اليسرى، فنحن بالفعل "غلابة"!
أما أنت يا أبي، أيها العظيمُ يا رحمكَ اللهُ، فأقولُ لكَ إنني دفعتُ الثمنَ الباهظَ مقابلَ المبادئ التي علمتنيها في طفولتي. فأنْ تُحبَّ "جميعَ" الناس، يعني أنْ يحاربَكَ "معظمُ" الناس! ومع هذا "الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن”.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ابحث عن نسختك الأجمل
- الراهبُ … البون بون … الأخلاق
- فولتير على القومي… يحاربُ العنفَ بالبهجة والتفاؤلتي
- فولتير على القومي… يحاربُ العنفَ بالبهجة والتفاؤل
- بناءُ الإنسان في مصر
- المهرجان القومي لأبي العظماء السبعة
- مصرُ يليقُ بكِ الفرح … الوزيراتُ يليقُ بكنّ الأبيض
- الجرذان
- زمن جابر عصفور
- من ذكريات القناة … صمتَ الرئيسُ لتتكلَّمَ السفينة
- مَن هم الأقليّة في مصر؟ (2)
- الفلاتر الثلاثة … والأخلاق
- مَن هم الأقليّة في مصر؟ (1)
- الإخوان السفاحون…. لم يرحموا المرضى
- فيلم: الوباء الصامت … احذروا
- نزار قباني … نهرٌ دافقٌ وشركٌ صعب
- في مديح الضعف والضعفاء
- صُهَيْبَة
- صمتي صلاة
- المنهزمون!


المزيد.....




- بايدن: لا بد من احترام حرية التعبير وسيادة القانون في احتجاج ...
- العفو الدولية تطالب سلطات كردستان العراق بإيقاف -اعتداءاتها- ...
- الأمم المتحدة: 7500 طن ذخائر غير منفجرة متناثرة في أنحاء غزة ...
- هل أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق زعماء دو ...
- أحدهم دعا إلى المقاطعة.. حملات اعتقال واسعة للمواطنين الذين ...
- أكثر من 250 منظمة حقوقية تدعو لوقف نقل الأسلحة لإسرائيل
- المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تؤيد إيطاليا في نزاعها مع مت ...
- عاجل| القناة 12 عن الشرطة الإسرائيلية: اعتقال رجل للاشتباه ب ...
- الأمم المتحدة: إعادة الإعمار في غزة قد تستغرق 80 عاما
- المفوضية لشئون اللاجئين: 90% من اللاجئين السوريين يحتاجون لل ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - عنصريةُ اليد اليسرى!