|
ليس دفاعاً عن البهائية .. والبهائيين
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 1548 - 2006 / 5 / 12 - 07:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا أعرف شيئاً يعتد به عن البهائية. ولا يعنينى كثيراً أو قليلاً إذا ما كان أتباعها يعتبرونها ديانة سماوية أو أرضية. وليس من بين اهتماما فى الوقت الراهن دراسة هذه "الديانة"، فالعالم توجد به مئات، بل آلاف، الديانات التى يعتنقها البشر ويؤمنون بها. وأتباع بعض هذه الديانات يعدون بالملايين وأتباع بعضها الآخر يعدون بالآلاف أو المئات، بل إن أتباع بعضها يعد على أصابع اليدين. ويكاد أن يكون فى حكم المستحيل على شخص غير متخصص فى الدراسات المقارنة للأديان أن يلم بهذا العدد الهائل من "الديانات" التى يوجد "طلب" عليها بدرجات تزيد أو تقل فى قارات الدنيا التى تضم بدورها شعوبا وقبائل لاحصر لها. لكن ما يهمنى اليوم من الشأن البهائى أن القضاء قد أصدر حكماً واجب النفاذ بحق البهائيين المصريين فى كتابة كلمة "بهائى" فى خانة الديانة بالبطاقة الشخصية. لكن الدنيا قامت ولم تقعد بعد صدور هذا الحكم. وبالطبع أتى رد الفعل الغاضب الأول من جانب المؤسسة الدينية الإسلامية الرسمية. حيث أبدت كل المراجع رفيعة المستوى فى هذه المؤسسة الدينية الرسمية عن استغرابها لصدور مثل هذا الحكم، ورفضها "المطلق" لمضمونه ولمنطوقه، مستعيدة كل حيثيات وأدبيات هذا الرفض منذ قرار حظر البهائية فى مصر فى عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، حتى الآن، ومؤكدة على أن مصر "دولة إسلامية" وأن حكم المحكمة الخاص بالبهائيين يتناقض مع هذه الحقيقة. ومن ناحية ثانية إنبرت كثير من الأقلام، لكتاب من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، بل وكتاب لم نعرف عنهم أدنى قدر من الانشغال بمثل هذه الشئون المتلعقة بالأديان .. أرضية كانت أم سماوية، اتفقت كلها على الاعتراض على حكم المحكمة. لكن الأخطر من هذا كله أن كبار المسئولين بوزارة الداخلية رفضوا تنفيذ حكم المحكمة، الذى يلزم إدارة السجل المدنى التابعة لوزارة الداخلية بكتابة صفة "بهائى" فى خانة الديانة ببطاقات هوية الأشخاص المتمسكين ببهائيتهم. وأعلن مسئولو وزارة الداخلية على الملأ أنهم سيتخذون الإجراءات القانونية للطعن فى الحكم الصادر ووقف تنفيذه. ومجمل ردود الأفعال المشار إليها تثير مجموعة من التساؤلات التى تحتاج إلى إجابات. صحيح أن عدد البهائيين فى مصر، غير معروف بدقة، لأنه لا توجد لدينا قاعدة بيانات موثقة بهذا الصدد نظراً لأن البهائية محظورة قانونا كما قلنا منذ الحقبة الناصرية، لكنه على الأرجح عدد صغير ، بل ربما صغير جداً. بيد أن عدد أتباع هذه الملة أو الديانة أو المذهب ، سمها كما شئت، ليس هو جوهر القضية. جوهر القضية حقاً هو حرية العقيدة. وطالما أن عقيدة ما لا تهدد السلم الأهلى، ولا تنطوى على ثقافة تحض على كراهية أتباع العقائد الأخرى أو إثارة الفتن بينهم أو التمييز العنصر بين البشر، فان حظر مثل هذه العقيدة يصبح غير مبرر، وغير مقبول، بل يصبح اعتداء صريحاً على هذا الحق الذى يكفله الدستور، والقانون الدولى، والمواثيق والعهود الدولية لحقق الإنسان، والدين الإسلامي نفسه الذى نص بصراحة على أن "من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر". ولا يمكن تقييد هذا الحق بحجة أن مصر دولة إسلامية. فالدولة شخصية اعتبارية، والشخصية الاعتبارية ليس لها دين. فالدول لا تبعث يوم القيامة. صحيح أن الأغلبية الساحقة من المواطنين المصريين مسلمة وتعتنق الدين الإسلامي، لكن هذا لا ينفى وجود أقلية دينية كبيرة ومعتبرة من المواطنين المصريين الأقباط، وأقلية ضئيلة جداً من المواطنين المصريين اليهود لا يتجاوز عددها حالياً عشرات من الأفراد. ولم يقل أحد من قبل أن كون مصر دولة إسلامية يتناقض مع وجود أتباع هذه الديانات الأخرى، باعتبارهم مواطنين متساوين فى الحقوق والواجبات – بحكم الدستور – مع اخوتهم المواطنين المصريين المسلمين . فلماذا يتم قبول حرية العقيدة للأقباط واليهود ولا يتم قبولها للبهائيين؟ سيقال أن البهائية ليست دينا سماويا مثل المسيحية واليهودية. لكن .. حتى لو كان ذلك صحيحاً فان الدستور لم ينص على ان تكون العقيدة سماوية فقط. ويقول لنا التاريخ ان المجتمعات الإسلامية عاش فيها أتباع ديانات كثيرة منها ديانات غير سماوية. وليس التاريخ فقط هو الذى يقول ذلك، بل إن الحاضر أيضاً يقول لنا أن جمهورية إيران الاسلامية يعيش بها عبدة النار، وأن هؤلاء لهم ممثلين فى البرلمان الايرانى. ولم يعترض الملالى وآيات الله الذين بيدهم الحل والعقد على ذلك، بل إنهم أكدوه بتشريعات وقوانين. ومن العجيب ان كثيراً من المثقفين المصريين الذين طالما انتقدوا ملالى إيران، من زاوية مناوأتهم للروح الديموقراطية فى ظل مبدأ ولاية الفقيه، هم أنفسهم الذين يتخذون موقفاً أكثر تشدداً من آيات الله فيما يتعلق بالبهائيين، يتنكرون فيه لمتطلبات حرية العقيدة. لكن يبقى أعجب ، وأخطر ، ما فى هذه القصة، هو موقف وزارة الداخلية. فأنا أفهم أن وظيفة وزارة الداخلية إعمال القانون وتنفيذ أحكام القضاء. وبالتالى لا أفهم أن ترفض الامتثال لحكم المحكمة بل وإعلان عدم رضاها عنه وعزمها على اتخاذ الإجراءات اللازمة للطعن فيه. فهل هذا دور وزارة الداخلية؟ وإذا أرادت الداخلية ان تنتحل هذا الدور، فما الذى تتركه للمؤسسة الدينية الرسمية؟ ومن الذى وضع العمامة على رأس وزارة الداخلية، واعطاها وظيفة "المفتى" والخبير فى الشئون الدينية؟ ولماذا لم يسأل المثقفون الذين تحمسوا لموقف الداخلية .. لماذا لم يسألوا أنفسهم: أليست هذه سابقة خطيرة أن تتدخل وزارة الداخلية فيما لا يعنيها وتنصب نفسها حكماً وقاضياً يقرر المسموح والممنوع من العقائد، وألا يخشون من أن تفتح هذه السابقة الباب أمام تأويلات وتفسيرات ضيقة الأفق تخنق حرية الاعتقاد عموماً وليس حرية العقيدة للبهائيين فقط؟ وبصرف النظر عن هذا كله .. كيف يتم تجميل هذا التواطؤ المجتمعى الواسع النطاق الذى يختلق الذرائع والمبررات التى تجبر مواطناً على كتابة صفة لا يؤمن بها فى خانة الديانة؟ ولماذا تبقى هذه الخانة أصلاً؟ فنحن هنا لسنا فقط إزاء منع مواطن من كتابة الصفة التى يؤمن بها، بهائياً او غير بهائى، وإنما نفرض عليه كتابة صفة أخرى لا تعبر عن هويته وحرية ضميره. صحيح ان القضية كلها ربما تكون غير ذى أهمية من زاوية أن عدد البهائيين ضئيل فى المجتمع المصرى. لكن القضية لا تتعلق بالبهائيين – زاد عددهم او قل – وإنما تتعلق بمبدأ مهم .. هو حرية العقيدة الذى يجب أن نثبت لأنفسنا، قبل أن نثبت لغيرنا، أننا نؤمن به حقاً .. وصدقاً.
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الديموقراطية أحط شىء فى العالم
-
فعلها الهندي الأحمر المتمرد!
-
اطلبوا الحريات.. ولو من الكويت
-
قطارات من أجل الحوادث
-
إسرائيل تخطط لإعادة احتلال سيناء!
-
وضع أقفال من حديد على أفواه الصحفيين.. أسلحة فاسدة
-
كلام -هجايص- .. وكلام من دهب!
-
حزب المحافظين
-
ابنتي.. والإرهاب
-
قبطى ... لامؤاخذه!
-
هؤلاء يجب إقالتهم .. والمحافظ المحبوب اولهم
-
الطموح الإيراني والغيبوبة العربية
-
أحزاب -تجارية- !
-
تريدون القضاء علي بعوض الكراهية.. جففوا مستنقعات التطرف الدي
...
-
رسالة من رئيس وزراء فرنسا .. إلى الدكتور نظيف
-
عندما تساوي حياة المواطن.. ثمن وجبة كفتة!
-
تقرير مهم لمجلس غير مشكوك في مصاهرته للحكومة
-
حوار ساخن مع الجنرال جون أبى زيد
-
معاقبة السعودية بسبب إسرائيل.. ومصر بسبب نور.. والسودان بسبب
...
-
فضيحة خطيرة
المزيد.....
-
إليكم آخر مستجدات اجتماع ترامب المرتقب مع بوتين في ألاسكا دو
...
-
بقيمة آلاف الدولارات.. عملية سطو في لوس أنجلس تستهدف دمى -لا
...
-
بين المخاطر والفرص.. ما هي مصالح الهند في سوريا؟
-
لماذا نبقى في علاقات بلا عنوان؟ دراسة تكشف خفايا -اللا-علاقا
...
-
عاجل | وزارة الدفاع الروسية: أسقطنا 121 مسيرة أطلقتها أوكران
...
-
عشرات الشهداء بمجازر في غزة والمقاومة تقصف مواقع إسرائيلية
-
اقتحامات بأريحا ونابلس ومستوطنون يهاجمون قرى في الخليل ورام
...
-
مصر.. علاء مبارك وفيديو لوالده عن -المقاومة فوق أشلاء الشهدا
...
-
ما خطة نتنياهو العسكرية لاحتلال غزة؟ وكيف ستواجهه المقاومة؟
...
-
وكالة تسنيم: إرهابيون حاولوا اقتحام مركز شرطة سراوان جنوب شر
...
المزيد.....
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
-
زمن العزلة
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|