أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الحاج صالح - تمرات العربي














المزيد.....

تمرات العربي


محمد الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 6297 - 2019 / 7 / 21 - 02:18
المحور: الادب والفن
    


تمرات العربي
قبل خمسة عشر عاماً كنت جديداً في مدرسة اللغة، حديث القدوم إلى النرويج. تعرفت مثلما تعرف زملائي على أستاذنا الودود. وكالعادة الرقاوية وبعد أيام قليلة فقط تعمدت أن ألتقيه في الاستراحة، وسألته بلغة انجليزية رديئة فيما إذا كانت لديه رغبة أن يتذوق طعاماً عربياً شرقأوسطياً.
أتى إلى موعد الغداء حاملاً علبة شوكولاتة كهدية. هذا أول الاستفهامات! عندنا ليس معتاداً أن تأتي بهدية عندما تكون مدعواً إلى الغداء. المعتاد هو أن تردّ بدعوة على الغداء في قادمات الأيام.
لم تكن دعوتي له محض بحثٍ عن صديق. كنت انتهازياً، يجب أن أعترف. كنت أرغب بصديق أتعلم على يده النرويجية.
تمتعنا بالغداء، وتحدثنا في العديد من الأمور ب"لغة مختلطة" من النرويجية والانجليزية. في هذه المرحلة كنت قد تعلمت ربما أكثر بقليل من الخمسين كلمة نرويجية بالإضافة إلى انجليزية مكسرة، ولكن مع الكثير من لغة الجسد والإشارات. مشت الأمور على هذا النحو، وأحسست أن كيمياء مشتركة سرتْ بيننا.
ولأنني أحب الشوكلاتة، فتحتُ العلبة فور أن أغلقت الباب خلفه. أكلتُ كل القطع بينما كنتُ أتابع مسلس نرويجي في إحدى القنوات النرويجية، ولم أفهم أبداً عن ماذا يتكلم الممثلون. أذكر جيداً أنني كنت سعيداً جداً بسبب أنني التقطت بعض المفردات والجمل العامة التي لا تدل على الموضوع، مثل مع السلامة، ويومكم سعيد، وقهوة من فضلك.. الخ وأيضاً بسبب الشكولاتة واحتمال صداقة جديدة.
في اليوم التالي عدتُ من المدرسة راضياً. الأستاذ شكرني مرة أخرى على الطعام وعلى الأحاديث "الشيّقة!". أكلتُ بعضاً مما تبقى من غداء البارحة. وجلست على الصوفة لأشاهد المسلسل. وما إن تذكرت شكولاتة البارحة حتى قفزت صورة لقطعة شكولاتة إلى ذهني واستوطنت هناك.
أوهوووه، كم أشتهي قطعة شوكولاتة الآن! فقط واحدة، همستْ رغبتي في داخلي. ولكن لا. ليس عندي حتى ولا قطعة واحدة، قلت متحسّراً بصوت مسموع. وبدأ اللومُ يخدشُ في داخل رأسي. اللعنة على هذه العادة. ألم يكن باستطاعتك توفير بعض القطع؟ ألم يكن بإمكانك أن توفر ولو قطعة واحدة؟ أم أن الشاوي لا ينام وتحت رأسه "حلاة". فجأة قفزت إلى رأسي فكرةٌ. ماذا لو أنني نسيت قطعة أو قطعتين مثلاً! وخلال أقل من ثانية كنت في المطبخ باحثاً عن علبة الشوكولاتة التي ألقيتها في صندوق الزبالة.
رفعت العلبة من الزبالة ورأيت محبطاً أن كل حفر قطع الشوكولاتة فارغة تتلامع قيعانها. ولكن انتظر قليلاً، لماذا أحس أن العلبة أثقل مما هو متوقّع؟ أوووويْ، مون ديُو، مين كودْ، ماي كادْ، الله. لقد كانت العلبة من طابقين، الشكولاتة كانت في طابقين، والآن عندي طابق كاملٌ.
قررت أن آكل قليلاً وأوفر الباقي، ولكن القرار لم يدم سوى دقائق. لأنني وبكل بساطة أكلت قطع الشوكولاتة واحدة بعد الأخرى. أكلتها كلها، وأنا أحاول أن اصطاد بعض الكلمات من المسلسل. ما يشبه هذا حدث مع عربي في حكاية قديمة.
تقول الحكايةُ أن عربياً شرع برحلة طويلة عبر الصحراء. وما يركب العربي في مثل هذه الرحلة غير الجمل! تزود العربي بالماء والتمر. وفي الطريق حاول قدر الإمكان تأخير أن يأكل من زوادته بهدف أن تكفيه التمراتُ كل الطريق. وبعد مرحلة من الطريق جلس في ظل الجمل وفتح الزوادة، فاكتشف أن حبات التمر جميعاً تحتوي على الدود. مصيبة! فهو لا يستطيع العودة، لأن شيئاً سيحدث له.
العربي في تلك الأيام كان يتطيّر إنْ بدأ رحلة وطار طير في قوس نحو اليسار، أو إن اضطر للعودة لسبب وآخر. تلك علامات سيئة للغاية.
كان العربي غاضبا غضباً شديداً، فبال على التمرات ليتجنب احتمال أنْ تجبره شهوته للطعام بأن يأكل منها.
ولكنه ندم بعد ذلك مع عضّ الجوع وبدأ بإقناع نفسه "من المحتمل جداً أن بعض التمرات لم تصبْ بالبول" ولذلك أكل قليلاً من الطرف. ومرة بعد مرة كان يقنع نفسه، فمن المرجح أن تمرات أخُر لم يصبها البولُ، وأن معدته بحاجتها. وعندما انتهت الرحلة ووصل إلى غايته كان العربي قد أكل التمرات جميعاً.



#محمد_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اسعاف في الريف
- أطباء أيام زمان ذهب أمّا أطباء اليوم!
- نُورا
- -خالي- المصابُ بضخامة البروستات
- عمليّةٌ قيْصريّة في غرفة الغسيل
- أنا صوابي براسي
- حكاية من حكاية
- في أول صندوق زبالة
- هناك في الأسفل
- أنا والأفاعي
- حتى تقطيع الخبز
- الحشوة
- غيبهم الزمنُ
- المثقف التقليد، الذي هو أنا
- حكاية. مطر دث
- هل هزمت الثورةُ السورية فعلاً؟
- الشوايا
- بين العاصمة أوسلو ومدينتنا
- لومٌ من بعض الأصدقاء الأكراد
- ملحمة حلب الكبرى أم هي ابراهيم اليوسف


المزيد.....




- الآن.. رفع جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024 الشعبتين الأ ...
- الإعلان الثاني.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 158 على قناة الفجر ...
- التضييق على الفنانين والمثقفين الفلسطينيين.. تفاصيل زيادة قم ...
- تردد قناة mbc 4 نايل سات 2024 وتابع مسلسل فريد طائر الرفراف ...
- بثمن خيالي.. نجمة مصرية تبيع جلباب -حزمني يا- في مزاد علني ( ...
- مصر.. وفاة المخرج والسيناريست القدير عصام الشماع
- الإِلهُ الأخلاقيّ وقداسة الحياة.. دراسة مقارنة بين القرآن ال ...
- بنظامي 3- 5 سنوات .. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 الد ...
- مبعوث روسي: مجلس السيادة هو الممثل الشرعي للشعب السوداني
- إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الحاج صالح - تمرات العربي