أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الحاج صالح - أطباء أيام زمان ذهب أمّا أطباء اليوم!














المزيد.....

أطباء أيام زمان ذهب أمّا أطباء اليوم!


محمد الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 6291 - 2019 / 7 / 15 - 11:09
المحور: الادب والفن
    


كان مثل هذا يحدثُ في سورية أوائل ثمانينيات القرن الماضي، فإمّا إن مهنة الطبّ كانت ناقصة التنظيم، أو أنّ وجدان الأطباء كان ضعيفاً ضامراً. أنا شخصياً أخجلُ من إيراد هذه المعلومات. سترون أنني محقٌّ.
فلْندخل في صلْب الموضوع دون مواربة.
يتذكّر الناسُ في أريافنا وبلداتنا الريفية أنّ المريض كان يأبى أن يخرج من عيادة الطبيب دون أن يحقن بحقنة أو "إبرة" كما يسميها العامّةُ. كانت الإبرةُ هي العلاج وما عداها من شراب، وحبوب، فنوافلٌ يُمكن الاستغناءُ عنها.
كأنّ الأطباء استمرأوا اللّعبةَ، أو إنهم هم من اخترعوها. فقد كانوا يقتنون ثلاث أنواع من "الأبر". الأولى "فلاكونة" من بودرة "الستربتومايسين". و"الفلاكونة" تعني أن الزجاجة الحاوية على الدواء لها سدادةٌ من البلاستيك. عندما تُحلّ البودرةُ ينتج سائل ثخين مائل للصفرة. الثانية زهرية اللون في زجاجة صغيرة مُعنّقة، تُسمّى لدى الأطباء بـ"أمبولة"وتحتوي فيتامين B12. والثالثة تشبه الثانية أي أنها مُعنّقة أيضاً وإنما أكبر، والسائل في داخلهامؤلف من فيتامين C وكالسيوم. هذه الأخيرة ذروة العلاج. يطلبها المرضى وذووهم بإلحاح، فهي تعطي تأثيراً عميقاً في الجسد، إذْ تجعلُ المَحقونَ بها يحسّ بنمْنمة كما لو أن جيوشاً من النّمل تغزو جسدَه، ويحسّ أنّ دفقاً من بخار يكاد يصعد من أنفه، وأن انفلاتاً في مصرّاته يوشك أن يحدث. كلّ هذا سيشعر به المريض إذا ما جرى الحقنُ بسرعة. ثوانٍ ويعود الجسدُ إلى حالته الطبيعية.
ما إن تخرّجنا، نحن الجيل الجديد من الأطباء المزهوّين بعلمنا، حتى اصطدمنا بتلك الممارسة. شرعنا بدعاية محمومة ضد تلك الأبر. لكننا أُحْبطنا عندما رأينا الناس يتجنّبونا غير مُصدقين ادعاءاتنا في أن حقن الأبر ما هو إلا شعوذةٌ.
نعم، هناك أمراضٌ تحتاج إلى الحقن، إنما هي محصورة ومعروفة. وكذلك يجب أن لايكون الحقن دورياً إلا للضرورة القصوى. تلك كانت حججنا. لكنْ على من تقرأ مزاميرك يادوود!
أُسقط في أيدينا، واشتكينا للنقابة، التي كانت لجنتها الإدارية من الأطباء العتيقين أصحاب الأبر. لم يجادلونا، لكنهم احتجوا أن الناس لن يقبلوا علاجاً دون حقن.
أذكرُ مرّة ونحن في قلب الجدل عن تلك الممارسات وأمثالها في مقرّ النقابة، حين حضر شيخٌ يبحث عن أحد أطبائنا العتيقين، وإذْ وجده بيننا.قال:
ـ يا دكتور ذهبت إلى العيادة، فما وجدتك... واليوم موعد الإبرة. نسيتني!
أخرج تلك "الأمبولة" المكونة من الفيتامين C والكالسيوم، وشرع فوراً بالتشمير عن ذراعه.
قلتُ وأنا في أشد الحنق، لأنني أدركتُ أن زميلي الأقدمُ يحقن هذا الرجل في مواعيد ثابتة:
ـ يا عمْ، تكرار هذه الأبر ضار... وإذا ما حُقنت بسرعة ربما أدتْ إلى توقّف القلب.
قال الشيخ باستغراب واستهانة وهو يعلم أنني لا بدّ وأنْ أكون ابن أحد معارفه:
ـ ابن من هذا الولد؟
ارتبكتُ، وشعرتُ أنني أتصاغر، وأعجز عن الكلام. ثمّ أزداد اضطراباً بسبب الكلمات اللئيمة التي لفظها الطبيبُ ذاته الذي وصف الدواء وهو يتصنّع المزاح:
ـ هذا... ابن الحاج فلان. وهو طبيب مثله مثلي!
نبر الشيخ جادّاً:
ـ يخسـأَ... من يقارن الذهب بالنحاس؟! أنتم الأطباء القدامى ذهب. ذهب خالص... أما أولاء... الجدد! (وكأنه استكثر علينا النحاس)... تَنَكْ... إي والله تَنَكْ



#محمد_الحاج_صالح (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نُورا
- -خالي- المصابُ بضخامة البروستات
- عمليّةٌ قيْصريّة في غرفة الغسيل
- أنا صوابي براسي
- حكاية من حكاية
- في أول صندوق زبالة
- هناك في الأسفل
- أنا والأفاعي
- حتى تقطيع الخبز
- الحشوة
- غيبهم الزمنُ
- المثقف التقليد، الذي هو أنا
- حكاية. مطر دث
- هل هزمت الثورةُ السورية فعلاً؟
- الشوايا
- بين العاصمة أوسلو ومدينتنا
- لومٌ من بعض الأصدقاء الأكراد
- ملحمة حلب الكبرى أم هي ابراهيم اليوسف
- الساروت والعرعور. جرس إنذار عالي الصوت.
- وحدة المعارضة السورية بين الجهود والتمترس


المزيد.....




- تفاعل واسع مع فيلم -ويبقى الأمل- في الجونة.. توثيق حقيقي لمع ...
- الجامعة العراقية تستضيف الشاعر الإماراتي محمد عبد الله البري ...
- الإمام الحسين: ما سر احتفال المصريين بمولد -ولي النعم- مرتين ...
- المنقذ من الضلال لأبي حامد الغزالي.. سيرة البحث عن إشراق الم ...
- ترامب: ضجيج بناء قاعة الرقص في البيت الأبيض -موسيقى تُطرب أذ ...
- لقطات نادرة بعدسة الأميرة البريطانية أليس... هل هذه أول صورة ...
- -أعتذر عن إزعاجكم-.. إبراهيم عيسى يثير قضية منع عرض فيلم -ال ...
- مخرجا فيلم -لا أرض أخرى- يتحدثان لـCNN عن واقع الحياة تحت ال ...
- قبل اللوفر… سرقات ضخمة طالت متاحف عالمية بالعقود الأخيرة
- إطلاق الإعلان الترويجي الأوّل لفيلم -أسد- من بطولة محمد رمضا ...


المزيد.....

- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الحاج صالح - أطباء أيام زمان ذهب أمّا أطباء اليوم!