أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الحاج صالح - غيبهم الزمنُ














المزيد.....

غيبهم الزمنُ


محمد الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 6005 - 2018 / 9 / 26 - 23:59
المحور: الادب والفن
    


غيبهم الزمنُ
كان يدفع أمامه العربة رباعية العجلات ذات المكابح سهلة الاستعمال. محني الظهر متيبّس المفاصل، ينقل قدماً إثر قدم ببطء و بخطاً قصيرة جداً. كان يمشي مثل طفل اكتشف للتو أنه يستطيع الوقوف. حقيقة لم يكن يمشي؛ كان يشحط قدمية شحطاً و بهدوء. كم عمره؟ تسعون؟ مائة؟ مائة وعشرة؟
نطتْ أمامه طابةٌ من خلف سور أحد البيوت، و اندفع خلفها طفلان وطفلة بصخب و صياح و تدافع و تعثّر ببعضهم البعض. قالت الطفلة بصوت عال و هي تلهث: "مرحبا يَنْسْ". لم أسمعه يرد التحية، ولكنه استدار بكل جسده ببطء نحو الصبية و ابتسم لها ببطء أيضاً، و استطاع أن يسند نفسه بحذر عبر ذراع واحدة إلى العربة، و يرفع اليد الأخرى كما لو في تصوير بطيء لردّ التحية.
كان اسمه "يَنْسْ" إذاً.
تابع خطوه الثقيل معلقاً على ممسك العربة الأيمن كيساً يحتوي على حاجياته المشتراة. و كان صاحب الدكان "السوبرماركت" الصغير الذي ولا بدّ أن الرجل المعمر اشترى منه ما يزال في باب الدكان يلاحق الرجل بعينيه بصبر من لا عمل له، على الرغم من مرور عديدين من جنْبه إلى داخل الدكان.
اتضح أن بيته لا يبعد عن الدكان سوى ثلاثين إلى أربعين متراً. مسافة تكاد تكون دهريةً بالنسبة لمعمر مهدم الجسد مثله.
على ذات النظم في الخطو البطيء استمر إلى أن وصل إلى الباب الخشبي العتيق لبيته العتيق. مؤكدٌ أنه يعيش وحده، مؤكد.
كيف له أن يدخل عربته؟ كيف له أن يصعد الدرجتين الحجريتين العاليتين؟ وكيف له لو أننا في الشتاء أن ينزل الدرجتين أو يصعدهما وسط أكوام الثلج و الجليد؟
بهدوء و ارتعاش و بزمن طويل استطاع أن ينزع الكيس عن العربية و يضعه متباطئاً على أعلى الدرجتين. و أكمل طريقه بضع خطوات من خطواته، ثم فتح باباً منخفضاً لسياج حديقته الجانبية. دفعه بسكون عجيب. أدخل عربته بحركات و مناورات غير سهلة، استغرقت زمناً. أغلق باب السياج، و كبس مغلاقه العلوي بيد مرتجفة كما لو أنه يغلق صندوقاً ثميناً لن يفتحه قريباً.
و عاد مستنداً إلى جدار بيته، خطوة ثقيلة بعد خطوة ثقيلة. ارتقى أول درجة بجسده المضعضع كله، نقل جسده كله ببطء إلى الأعلى. و استراح قليلاً يستجمع الهمة للنقلة الصعبة التالية. و فعلها كما الأولى. أخرج المفاتيح من جيبه بعد لأي وارتباك. كان واضحاً أن حمالة المفاتيح لم تمكّنه من نفسها بسهولة. بحث عن المفتاح الصحيح دهراً، و أدخله بعد محاولات ومحاولات في القفل، وانفتح الباب. انفتح الباب أخيراً حقّاً. و كان عليه أن ينحني بكل جسده مرة أخرى كي يتناول الكيس، و وضعه فوراً خلف الباب. و لم ينس أن يرفع متمهلاً غطاء صندوق البريد بجانب الباب متعمقاً و متمعنا طويلاً في النظر إلى داخله، لعل رسالة تستقر بعيداً في قاعه، و ما في إمكانه رؤيتها. و لم تكن هناك أيما ر سالة.
دلف إلى الداخل و غاب هناك، و انطبق الباب ببطء و دون صوت.
وحيداً يعيش هو و لا بد، وحيداً بين جبال من الذكريات و صور الذين غيبهم الزمنُ.
محمد الحاج صالح
آرندال. النرويج. 25/9/2018



#محمد_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المثقف التقليد، الذي هو أنا
- حكاية. مطر دث
- هل هزمت الثورةُ السورية فعلاً؟
- الشوايا
- بين العاصمة أوسلو ومدينتنا
- لومٌ من بعض الأصدقاء الأكراد
- ملحمة حلب الكبرى أم هي ابراهيم اليوسف
- الساروت والعرعور. جرس إنذار عالي الصوت.
- وحدة المعارضة السورية بين الجهود والتمترس
- لماذا يُنتقد المجلسُ الوطني؟
- مقدمة لمُناقشة إشكالية العسكرة والانشقاقات العسكريّة
- لماذا سمح النظام السوري بعقد مؤتمر هيئة التنسيق الوطنية؟
- نقدُ المعارضة السورية وتجريحُها
- مهاجمو برهان غليون
- خفّة دم الانتفاضة السورية تزعجُ الأستاذ الخازن
- قائد فصيل المُهارفة ابراهيم الأمين يتمنى
- الحزب الشيوعي اللبناني يسكت دهراً وينطق ستالينية
- أُبيّ حسن في فينكس الناطق الرسميّ باسم العلويين الغاضبين
- هذه المرّة الشعبُ السوري أكثر تحضراً وتمدّناً من النظام بما ...
- العار في صحيفة العار صحيفة رامي مخلوف


المزيد.....




- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...
- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...
- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الحاج صالح - غيبهم الزمنُ