أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الحاج صالح - حتى تقطيع الخبز














المزيد.....

حتى تقطيع الخبز


محمد الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 6074 - 2018 / 12 / 5 - 08:57
المحور: الادب والفن
    


منذ اليوم الذي تركت فيه السياسة و الكتابة الهوجاء و قررت أن أصير طباخاً ماهراً، منذ ذاك اليوم وأنا مريض بالمنافسة والمقارنة بين طبخاتي وطبخات امرأتي وبناتي، و حتى طبخات زوجات الأصدقاء التي نُطعَم منها أو نأكلها كضيوف.
يمكنني القول أن زوجتي طباخة ممتازة و مذوقة، و لكن ما يزعجني في طبخها أنها تقلل من التوابل، بينما أحبها أنا و أُكثر منها. و الأهم أن تقاليدها في إعداد الوجبة و طريقة السكب و ترتيب الصحون و الملاعق و الشوك و تقطيع الخبز و و... كلها تجري على يديها وفق نظام هادئ مستثير و إيقاع لا يتغير.
لدينا ضيوف غير عرب على الغداء، عادة ما نتبادل معهم الزيارات و الدعوات على الغداء، وبناء على رغبتهم ستطبخ زوجتي محشي باذنجان و كوسا و فليفلة. و كالعادة حضرت كل ما يلزم، حيث حفرت وحشت و ستفت الخضرة المحشية في القدرية الكبيرة، و ركنتها إلى جنب، فالوقت مبكر. ما زلنا عند الظهر.
خطرت لي خاطرة لؤم جهنمية. سأنال منها، و سأشككها بمهارتها بالطبخ، و سأكسب نقطة لصالحي. أحتاج إلى خطة من مرحلتين.
بدأت بالتنفيذ ما إن غادرتْ هي في زيارة سريعة للجارة. لا يلزمني سوى أن تغيب ربع ساعة فقط.
أحضرت صينية وسيعة. صففت في جانبها أول طابق من الكوسايات المحشية. هذه لن أمسها بسوء. و رحت أخرج حبات الباذنجان و الكوسا و الفليفلة من العمق، واحدة واحدة، و أشقها من جانب شقاً يكفي كي يتسرب الرز و اللحم المفروم و التوابل خارجاً ما إن يبدأ الغليان. و عندما أنهيت عملية التخريب، رصفت الحبات من جديد بترتيبها السابق فوق بسطة العظام و أقماع الباذنجان. ثم و ضعت الحبّات السليمة على الوجه.
قلت لها وهي تضيف الماء الدافئ المذاب فيه رب البندورة مع بهارات أقل من القليل و قليل القليل من النعناع؛ قلت "أنا سأطبخ ملوخية". نظرت إلى تلك النظرة المؤنبة المتشككة "تمزح!". "لا. لا أمزح". "ضيوفنا طلبوا المحشي... يحبون المحشي الذي أعده، و الكمية التي حضّرتها كبيرة. فأين الحكمة في أن تطبخ أنت طبخة أخرى هااا؟". "لا حكمة و لا شي... خطر على بالي و مشتهي الملوخية. فيها شي هايْ؟". "لا. لكن غريبة مووو! على كل اشتغل على كيفك" قالت جملتها الأخيرة بأسلوب متهكم ساخر، و هو بالضبط الأسلوب الذي يحنقني ويجعلني أفور وأثور. و لكنني هذه المرة كنت هادئاً هدوء المتلذذ بنجاح تخطيطه.
طبخ كلٌّ منا طبخته. و عندما جاء الضيوف وانتهت المجاملة الأولية وشرب الشاي الخفيف، نهضنا معاً وبدأ كل منّا بسكب طبخته في أطباق المائدة. أنهيت أنا العملية بثوان، و رحت أسوّي الرز و أوزع الملوخية في طبقها الوسيع. بينما شرعت هي بهدوئها المعتاد بنقل حبات الكوسا من الطبقة الأولى إلى طبق المائدة. كنت أسرق النظر إليها من تحت لتحت. رأيتها وهي تتفاجأ ويمتقع و جهها و هي تكتشف أن ما تحت الطبقة الأولى من المحشيات ما هو إلا خبيصٌ من رز و قشور و أقماع الباذنجان ذات الألياف الظاهرة. تناولت مغرفة كبيرة و هي تكاد تجهش بالبكاء و غرزتها عميقاً في كثافة الخبيص، ثم غرفت من أسفل، و تبين لها حقاً أنّ ما في القدرية فقط خبيص لبيص. جمدت طويلاً حزينة مقهورة، فتظاهرت بدوري بالتساؤل البريء عمّا بها. قالت "انظر..." وغرفت من جديد من عمق القدرية و أرتني الخبيص، ثم لاصت المغرفة في القدرية مرات وأخرجتها و النتيجة ذاتها خبيص سميك من نشاء الرز و من قشور الخضراوات و الأقماع الكثيرة. تصنعتُ التفاجؤ وقلت ببرودة "لعل النار كان حامية و الغليان كان حركيّاً جداً ... لعلّ" أشارت بيدها أنْ كف عن الكلام.
وبكل خبث و لؤم قلتُ: انقذتنا ملوخيتي. احمدي الله إني طبخت ملوخية.



#محمد_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحشوة
- غيبهم الزمنُ
- المثقف التقليد، الذي هو أنا
- حكاية. مطر دث
- هل هزمت الثورةُ السورية فعلاً؟
- الشوايا
- بين العاصمة أوسلو ومدينتنا
- لومٌ من بعض الأصدقاء الأكراد
- ملحمة حلب الكبرى أم هي ابراهيم اليوسف
- الساروت والعرعور. جرس إنذار عالي الصوت.
- وحدة المعارضة السورية بين الجهود والتمترس
- لماذا يُنتقد المجلسُ الوطني؟
- مقدمة لمُناقشة إشكالية العسكرة والانشقاقات العسكريّة
- لماذا سمح النظام السوري بعقد مؤتمر هيئة التنسيق الوطنية؟
- نقدُ المعارضة السورية وتجريحُها
- مهاجمو برهان غليون
- خفّة دم الانتفاضة السورية تزعجُ الأستاذ الخازن
- قائد فصيل المُهارفة ابراهيم الأمين يتمنى
- الحزب الشيوعي اللبناني يسكت دهراً وينطق ستالينية
- أُبيّ حسن في فينكس الناطق الرسميّ باسم العلويين الغاضبين


المزيد.....




- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...
- عبر -المنتدى-.. جمال سليمان مشتاق للدراما السورية ويكشف عمّا ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- يتصدر السينما السعودية.. موعد عرض فيلم شباب البومب 2024 وتصر ...
- -مفاعل ديمونا تعرض لإصابة-..-معاريف- تقدم رواية جديدة للهجوم ...
- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...
- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...
- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الحاج صالح - حتى تقطيع الخبز