أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الحاج صالح - -خالي- المصابُ بضخامة البروستات














المزيد.....

-خالي- المصابُ بضخامة البروستات


محمد الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 6291 - 2019 / 7 / 15 - 00:27
المحور: الادب والفن
    


ليس من صعوبةٍ تُوازي الصعوبة التي يلقاها طبيبٌ متخرجٌ للتوّ، مُمتلئٌ من ناحيةٍ بغرور اللقب "دكتور!" ومن ناحيةٍ أخرى فَزِعُ القلب مثل فرخِ دجاج مبلولٍ تجاه الخطوة العمليّة الأولى التي سيخطوها وحيداً.
لا تصدّقوا أي طبيبٍ ينتفخُ أمامكم وهو يتكلّمُ بكلّ ثقةٍ عن تجربته الأولى، إذْ لو أنكم دقّقتم في نبْرتِه وفي الملامح التي سيكتسيها وجهُهُ وهو يتكلّمُ، لأدركتم أن المسكين يُداري بثقتِه الحاليّة المُكتسبة تلك اللحظاتِ المُخيفة التي واجهها لأوّل مرّة، عندما شرعَ في معالجة أوّل مريض.
أنا شخصيّاً لن أنسى تلك اللحظاتِ الحرجةَ حتى لو عشتُ مائة حياة.
كان صباح ثلاثاء أذكرُ تماماً. وكنتُ قد جهّزتُ عيادتي الريفية في بلدة "تل أبيض" شمال سورية. وهي بلدةٌ تقع على الحدّ الفاصلِ بين تركيا وسورية. يفصلُنا عن الأتراك خطّ "قطار الشرق السريع". بالمناسبة هو قطارٌ ليس سريعاً ولا من يحزنون. إنّما هي تسميةٌ تاريخية، أيام كانت القطاراتُ من عجائب الدنيا. عيادتي تقع على بعد أمتارٍ من الخطّ. لاحقاً ستتوضّحُ لكم العلاقةُ بين قطارِ الشرقِ السريعِ والتجربة المريعة التي تعرّضتُ لها مع مريضي الأوّل.
الساعةُ تقتربُ من الثانية ظهراً، وهو ما يعني نهايةَ الدوام الصباحي، دون أنْ يلجَ بابَ العيادة شخصٌ مهما كان، فضلاً عن أنْ يكون مريضاً. لكم أنْ تتصوّروا حالتي بين الرغبةِ في العمل، وبين الخوفِ من العمل. فجأةً طرقَ سمعي صخب رجالٍ ووقْعُ أقدامٍ. دخل العيادةَ بضعةُ رجال يسندون شيخاً يضعُ يديه على أسفلِ بطنه ويولولُ. أذكرُ الاضطرابَ الذي اعتراني، وأنا أقعُ تحت أنظارِ هذا الجمْعِ من الرجال الذين لا بدّ وأنّهم يتوقّعون منّي أن أُخلّص مريضهم من الألم. وما كان المريض إلا أحدُ "أخوالي!". خالٌ من طرف العشيرة التي تنحدر منها أمّي. أنتم تدرون أن أبناء المنطقة القبليّة يسمّون كل أقرباء الأمّ بالأخوال!
تمدّد "خالي!" على سرير المعاينة، وتلفّظ بما زاد في إحراجي.
قال بين تأوّهاته: ألست ابن فلان؟ قلتُ: بلى. قال: أتعرف أنني خالك؟ قلتُ: أهلاً يا خالْ. قال: ذهبنا إلى "محمد علي" ولم نجدْهُ فأتينا إلى ابن أُختنا!
"محمد علي" هذا هو الطبيبُ الأقدم في البلدة بين ثلاثة أطباء.
ليستْ نغمةُ السخريةِ وحدها هي التي جعلتْني أزدادُ اضطراباً، وإنّما تلك الاستهانة. إذْ اعتبرني تلميحاً أنني بلا خبرة، وأنّه اتّكل على الله وأتاني لعلّي أكون نافعاً.
أحسستُ بمزيجٍ من الخجل والحُنقِ، وبشيءٍ من الشعورِ بالنقص والتهيّب. وزاد "خالي!" الطين بلّةً عندما أجابني على سؤالي عمّا به بالقول: ألستَ طبيباً؟ افحصْ وسترى. فحصتُه فحصاً تقليدياً من قمّة رأسه إلى أخمص قدميه، الأمر الذي لم يكن معتاداً عليه عند الدكتور "محمد علي" فقدْ رحتُ ألتقطُ علامات عدم الرضا من ملامحه التي تكادُ تنطقُ: ماذا تفعلُ؟ الألم هنا فلماذا تبحثُ بعيداً؟ وبين لحظةٍ وأخرى كان يتناول يدي ويضعُها على موضع الألم ويضغط: هنا. هنا.
أخيراً قررتُ لفظَ تشخيصِ المرض بعد صراع مع النفس "ماذا لو كنتُ مُخطئاً؟" قلتُ: معك ضخامةُ بروستات، يعني "أبو فريوة". أجاب بصوتٍ بارد: أعرفُ أنّي مريضٌ بأبو فريوة. "محمد علي" قال لي قبلك. المهمّ أن تخلّصني من الألم.
كان عليّ أن أقوم بإدخال "قثطرة" في إحليل "الخال!" المريضِ لأُفرّغ كميّةَ البول المُختنقة في مثانته المقبّبة مثل كُرة. لكنّني لم أقمْ بقثطرة من قبلُ، ولا مرة واحدة في سنوات الدراسة! شاهدت ودرستُ لكنني لم أجربْ.
جلبْتُ "القثطرة" ودهنت رأسها "بالغليسيرين" كيْ تصبح زلقةً وأدخلتُها في إحليله. كلّ هذا يمكنُ اكتسابَهُ نظرياً. إنّما المشكلةُ تكمنُ في تجاوز "مُعصّرة" المثانة، تلك العضلة التي تسترخي أثناء التبول، ولا بد أنها عندي "خالي" الآن مُنْضغطةٌ ومتشنّجة. محاولةٌ، اثنتان، ثلاثة... والقثطرة اللعينة تأبى الدخولَ عبر "المعصّرة"، وقطار الشرق السريع يُطلق بوقَه ويرجّ الأرض رجّاً. وفي لحظة ربّانية اجتاز أنبوبُ القثطرة المُعصّرةَ ودفقَ بولُ "خالي" تحت الضغط خارجاً عن الإناء الذي وضعتُه أسفل نهاية الأنبوب ليلوّث ثيابي. البول يتدفق ويتدفق زمناً ثم يبدأ بالتناقص، ثم ينقط، وأخيراً ينقطع تماماً عندما توقّف بوقُ قطارِ الشرق السريع وسمعنا صوتَ مكابحه يتطاولُ ثم ينتهي... كان عضو "خالي" المرتخي مازال بين أصابعي وأنا أنظر إلى ملامح وجهه وقد شرعت علاماتُ الراحة ترتسم فيه.
قلت فخوراً بصنيعي: "ها خال ارتحت؟ شلون شفت شغل ابن أختك"
قال خالي "يعطيك العافية. بك خير. ريحتني الله يريحك ويعلّي مراتبك وياخذ بأيدك وتصير مثل الدكتور محمد علي"



#محمد_الحاج_صالح (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عمليّةٌ قيْصريّة في غرفة الغسيل
- أنا صوابي براسي
- حكاية من حكاية
- في أول صندوق زبالة
- هناك في الأسفل
- أنا والأفاعي
- حتى تقطيع الخبز
- الحشوة
- غيبهم الزمنُ
- المثقف التقليد، الذي هو أنا
- حكاية. مطر دث
- هل هزمت الثورةُ السورية فعلاً؟
- الشوايا
- بين العاصمة أوسلو ومدينتنا
- لومٌ من بعض الأصدقاء الأكراد
- ملحمة حلب الكبرى أم هي ابراهيم اليوسف
- الساروت والعرعور. جرس إنذار عالي الصوت.
- وحدة المعارضة السورية بين الجهود والتمترس
- لماذا يُنتقد المجلسُ الوطني؟
- مقدمة لمُناقشة إشكالية العسكرة والانشقاقات العسكريّة


المزيد.....




- ورشة برام الله تناقش استخدام الذكاء الاصطناعي في غرف الأخبار ...
- أسماء أحياء جوبا ذاكرة نابضة تعكس تاريخ جنوب السودان وصراعات ...
- أنقذتهم الصلاة .. كيف صمد المسلون السود في ليل أميركا المظلم ...
- جواد غلوم: الشاعر وأعباؤه
- -الجونة السينمائي- يحتفي بـ 50 سنة يسرا ومئوية يوسف شاهين.. ...
- ?دابة الأرض حين تتكلم اللغة بما تنطق الارض… قراءة في رواية ...
- برمجيات بفلسفة إنسانية.. كيف تمردت -بيز كامب- على ثقافة وادي ...
- خاطرة.. معجزة القدر
- مهرجان الجونة يحتضن الفيلم الوثائقي -ويبقى الأمل- الذي يجسد ...
- في روايته الفائزة بكتارا.. الرقيمي يحكي عن الحرب التي تئد ال ...


المزيد.....

- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الحاج صالح - -خالي- المصابُ بضخامة البروستات