أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أمير بالعربي - أمان وأبوان حتى انتهاء الزمان (9)















المزيد.....

أمان وأبوان حتى انتهاء الزمان (9)


أمير بالعربي

الحوار المتمدن-العدد: 6285 - 2019 / 7 / 9 - 01:23
المحور: الادب والفن
    


عندما استيقظت , شعرت بالبرد ... نظرت , فوجدت أمينة نائمة عن يساري عند حافة السرير ... وعندما أردت أن أمسّ شعرها , لاحظت ثقلا كبيرا في يدي اليسرى ... لكني حملتها بكل قوتي حتى أوصلتها رأسها .
اشتقت إليها , شعرت كأني لم أرها منذ سنين ... رأيتها جميلة وتذكرتُ لحظات سعيدة عندما كنا صغارا ... كم أحبكِ أمينة !
لم تتحرك من مكانها عندما فتحت عينيها , نظرت لي ... أبعدت رأسها عن يدي وبكت ...

- منذ متى تتعاطى المخدرات ؟!

ثم قامت واتجهت نحو الباب , وقفتْ أمامه لحظات ثم عادت نحوي من الجهة اليمنى للسرير ... نظرت لي , وأنزلت شفتيها حتى أذني اليمنى وهمست :

- المخدرات للوحوش والجبناء , ولا مكان لهم في عالمنا ... المخدرات ستقتلكَ المرة القادمة وإذا قتلتكَ قتلتني , ولن أسمح بذلك ! أظن ماما إيناس قالت لك لماذا ...

ثم نفختْ على أذني , وظلت تنفخ بلطف ودون انقطاع حتى بلغت جبهتي , ومن وسطها واصلت نازلة على أنفي حتى مستوى شفتيّ ... فتوقّفت .
عيناها كانتا تدمعان , تنظران لي نظرة مرعبة ... نظرة اختلط فيها الحب , بالغضب , بالثأر ... ثم عادت تنفخ من جديد , وقع الهواء أحسسته كريشة رسامة شرعت في رسم شفتيّ كل شفة بمفردها ... الأولى العليا , ببطء رسمت كل حدودها , ثم انتقلت للسفلى وفعلت نفس الشيء ...

في تلك اللحظات , لم أفكر في شيء ... فقط , كنت أنظر دموعها ورغبة عارمة تدفعني لمنع تلك الدموع من النزول : لا أقبل أن تبكي أمينة بسببي , يستحيل أن أقبل !
لم أتكلم ولم أتحرّك حتى أكملت لوحتها , وعضّت شفتي السفلى بقوة ثم مصّتها بسرعة , وتركتني ... استوت واقفة , ومررت سبابتها اليمنى على شفتيها وأرتنيها ...

- انظر , هناك بعض الدم على أصبعي ... لا أخشى شيئا لأنه نفس دمي ... ثم مصّت أصبعها ونادت :
- ماما , أمين استيقظ ...

عندما حضرت ماما وماما إيناس , لم ألاحظ فرقا ... في عيونهما رأيت نفس الحب , نفس الشعور بالذنب , نفس الاعتذار , نفس الخوف عليّ ونفس ... الخوف والكذب لأن أمينة كانت واقفة تسمع وتنظر .
وضعوني أمام أمر قضوه لا دخل لي فيه . وغصبا عني كنت شريكهما , فكذبتُ على أمينة مثلهما !! لم يكن بابا معهما وقتها , لكن حضوره لم يكن ليختلف كثيرا عن غيابه فهو مثلهما ومثلي ... كذبة ... وحوش !
لم يعجب أمينة المشهد الذي رأته منهما ...

- غريب ! كأنه عاد لنا بجائزة نوبل , ولم يعد بجرعة مفرطة ككل المدمنين المجرمين !
ماما : اخرسي ! أخوكِ ليس مجرما !
ماما إيناس : أمينة اخرجي من هنا ... حالا !
- حاضر ... حاضر ... اشبعا منه حتى التخمة ! جبان ... وحش !!

بعد مغادرة أمينة ...

- قلتم لها أني تعاطيتُ المخدرات ؟!! ألم تكفكم ثماني عشرة سنة من الكذب ؟
ماما : عزيزي , كيف تشعر ؟ هل عندك ألم ما ؟ هل أنت جائع ؟ تريد أن أحضر لك شيئا لتأكل ؟
ماما إيناس : بنيّ , لم نكذب عليك ... لو تعلم كم انشغلنا عليك ... لا تشغل نفسك بأي شيء الآن ... المهم أنك بخير ...
- أريد أن تخرجا ... أريد التكلم مع أمينة ...
ماما إيناس : نخرج .. حاضر ... لكن أمينة ..... ليس الآن عزيزي .
- أريد أمينة الآن , ولا تخافي لن أقول !
ماما : مثلما تريد , لكن قبل ذلك سأحمل لك شيئا تأكله .
- ماما , لا أريد أن آكل , أريد أن تخرجا ...

كانت أمينة سعيدة عندما عادت , ابتسمت لي فكانت ابتسامتها مختلفة عما عهدت , بحثت عن إحدى الأغاني ... https://www.youtube.com/watch?v=xiWtqVtd1Oo ... رقصت والموبايل في يدها اليمنى , وباليسرى دعتني للالتحاق بها والرقص معها ... بقيت أنظر لها , فلم يكن رقصها مختلفا ... كانت أمينة التي أعرف ... كنت أسميها "أمينة أربعة فصول" ... كالبيتزا , لأني كنت أرى منها الشيء ونقيضه في دقيقة واحدة ...
لم أستطع مقاطعتها وسرحت مع رقصها ....وهي تغني.... حتى عدت لصغرنا مرة أخرى , كانت تحب الرقص منذ صغرنا ولطالما غضبت مني عندما كنت أراقصها ولا أجيد ذلك , كانت تشتكيني لبابا فيرضيها بالرقص معها وكنت أغضب منه فأشتكيه لماما فترقص معي وتقول : "ابني أميرٌ وراقص بارع أحسن منكما" , فيهمس بابا في أذنها : "قولي لها , سأبحث عن أمير غيره إذا لم تعلميه كيف يرقص" فتجيبه أمينة : "لا بابا , لا أريد أميرا آخر !" فيقول لها "إذن , ارقصا معا ودعي بابا وماما يرتاحان قليلا أميرتي الصغيرة ..." ... فنتصالح ونعود للرقص , فتغضب مني أمينة من جديد .

أكملت رقصها ثم استلقت بجانبي ...

- هل مازال عند بعض المخدرات ؟ أريد أن أجرّب ...
- أمينة ... أنا أخوك ...
- تشرفنا ومشكور على المعلومة ...
- ألا تشعرين بأي حرج مما صنعتِ ؟
- رقصت والرقص غير ممنوع عندنا فأين الحرج ؟
- قبل ذلك أمينة ...
- قبل ذلك ؟ لا أتذكر نسيت , ذكرني ؟
- أمينة كفي عن هذا ...
- صدقني نسيت , ذكرني عزيزي "أنا أخوك" لو سمحت ...
- الذي قمت به ممنوع لا يجب أن يتكرر ...
- إذا كان ممنوعا , لماذا شاركت فيه ولم تمنعه ؟
- أمينة ما لكِ ؟ أصبحت أنا الملام الآن ! وعن أي مشاركة تتكلمين ؟ استيقظي أمينة أرجوكِ !
- الذي عليه أن يستيقظ هو من يتعاطى مخدرات الوحوش لا أنا ...
- أمينة منذ متى وأنتِ هكذا ؟ أكاد لا أعرفكِ ... ثم أنا لا أتعاطى مخدرات !
- ههههه ! وماذا تفعل في الفراش منذ البارحة ؟ وهل ماما تكذب عليك ؟ وكل تلك الأدوية التي حقنتك بها لماذا إذن ؟ والمصل الذي في يدك ؟
- لا تغيري الموضوع !
- أنت من تغير , تلومني على الرقص وترفض الكلام عن تعاطيك مخدرات الوحوش ... "أكاد لا أعرفكَ" عزيزي !
- أمينة ! قبلتِ أخاكِ !
- ثم ماذا ؟
- ثم ماذا ماذا ؟!! قبّلي بابا إذن ! وبالمرة مكان آية , ضعي ماما أو ماما إيناس !!
- قلت لك أن قصة آية لا تعني لي أي شيء , آية مجرد صديقة لا غير , ولو أردت كل الحقيقة هي مجرد وحش ككل الوحوش ...
- أمينة عندنا استثناءان , هل نسيت ما تربينا عليه ؟؟ تريدين هدم أسرتنا ؟
- لا يوجد عندنا أي استثناء !
- أمينة هل تعين ما تقولين ؟ هذا جنون وفوضى !!
- بل هو العقل , والنظام الذي لم تفهمه إلى الآن ... قل لي إذا كان كلامك صحيحا , لماذا ماما إيناس لم تتزوج ؟ هي من وضعت كل الأسس التي عليها بُنيت أسرتنا وهي التي التزمت بها وطبقتها بالحرف ولم تحد عنها !
- ماذا تقصدين أمينة ؟ أنت تتجاوزين كل الحدود ولن أسمح لك
- أنا لا أتجاوز أي حدود بل بالعكس أحترمها , أما أنت فتجهلها وتظن أنك بكلامك هذا تدافع عنها ...
- ماذا تقصدين ؟
- أجبني عن سؤالي : لماذا لم تتزوج ماما إيناس ؟
- لأن لا أحد سيأخذ مكان بابا جمال , وعندها ماما وبابا ونحن ...
- لا أحد يستطيع أن يأخذ مكان بابا جمال وعندها نحن أكيد , لكن عندها ماما وبابا كيف ؟
- تبا لك أمينة ! اخرجي من غرفتي !
- سأفعل , لكن قبل أن تكلمني مرة أخرى عن الأسرة وأنت تتصور نفسك حاميها , عليك أن تعرف جيدا أسسها وحدودها .... سأتكفل بذلك بعد أن تتعافى من مخدراتك ... سأخرج الأن ... أحبكَ .
- أنا أيضا ! لكن ليس مثلكِ !
- وقبل أن أخرج ... سؤال آخر فكّر فيه : عند ماما إيناس , قلت لي أنك لم ترني مع أي ولد وفقط مع آية وقد اعتذرت لك وشرحت لك قصة آية , لكن عزيزي هل تعلم أني أنا أيضا لم أرك يوما مع أحد ؟ لا أنثى ولا ذكر ! لماذا يا ترى ؟ ماذا نقص أسماء وكريمة وأحلام وآمال وهالة وسمر ونور لترفضهن كلهن ؟ سمر ونور لا يمكن لأحد رفضهما أمين ! إلا في حالة واحدة : لو كنت مثليا ! وهل تظن أني صدقت أعذارك بشأنهما ؟ هل تريد أن أسمي لك بنات الابتدائية أيضا ؟ أتظن أنك ستجد يوما "استثناءك" المزعوم ؟!! ... أنا أعرف السبب وأنت أيضا تعرفه لكنك لا تزال لا تراه وقريبا ستكتشفه : "أنت أيضا , لكنك مثلي تماما !" ... إذا احتجتني اتصل بي وسآتيك فورا , سأبقى في غرفتي , سأنتظركَ .

وخرجت أمينة ... دون أن أرد على كلامها ...
هل عجزت عن رد حججها مثل ماما إيناس ؟ لا أعلم ... لكني أعدت ذلك للحالة التي كنت عليها وقلت أني في المرات القادمة سأعرف كيف أرد كل ما قالت وما ستقول .
أما كون موضوع أمينة حجب موضوع بابا جمال وماما إيناس فلم أجد له تفسيرا , أو ... وجدت وهربت ولم أكتف بذلك بل لمت نفسي على ضعفي ...
سن الرشد ! ظننت أني أصبحت رجلا , لكني كنت لا أزال طفلا صغيرا ! ودقائق بعد خروج أمينة , خجلت من نفسي ومن غبائي ووقاحتي مع ماما وماما إيناس أو ماما وماما أميرة ؟ لا يهم ولا فرق ... تبا لي ! ما الفرق بين أن أكون ابن بابا جمال وماما إيناس أو ماما أميرة وبابا منير ؟ بل ومع أي فرضية أخرى ؟ ما الفرق ؟ أربعتهم كانوا معا قبلنا , كانوا أسرتنا , ولا يزالون بعد ولادتنا , وحتى غياب بابا جمال لم يغير أي شيء فهو حاضر دائما في قلوبنا جميعنا ويحرسنا بكل حب ...
لم أتساءل كثيرا عن كيف مات بابا جمال قبل ولادتنا بسنين عديدة , لكني تساءلت عن كيف نسيت كل ما تعلمته عن الوحوش طيلة حياتي القصيرة حتى تلك الأمسية وكيف لم أبحث عن أعذار لماما إيناس , لماما ولبابا ...
خجلت من كل الكلام الذي قلته لماما البارحة , خجلت أكثر لأني طردتهما من غرقتي قبل قدوم أمينة , وفكرت في مغادرة غرفتي والذهاب إليهما للاعتذار منهما لكني لم أقو على ذلك ...

الفضل الكبير في تجاوزي السريع للصدمة الأولى يعود لأمينة ... صدمتها كانت أعنف فأنستني صدمة ماما إيناس , ولا شك أن اتصالي بماما وماما إيناس كان هروبا من البركان الذي فجرته أمينة في وجهي , وللبحث عندهما عن بعض القوة لأستطيع مواجهتها ... أمينة التي قالت كل كلامها بيقين تجاوز حبنا لبابا جمال , والتي تجرأت على عدم تقبيله عندما زرناه بالأمس ...

اتصلت بهما وطلبت منهما العودة إلى غرقتي , فدخلتا بعد بابا ...
تكلم بابا الأول , بقي واقفا قرب الباب وهما خلفه ...
قال أنه كان في المكتب وعنده شغل كثير , لم يحضر مباشرة للمنزل لأنه زار بابا جمال وأعلمه بكل ما حصل ... قال أن أسرتنا لن يتغيّر فيها أي شيء , وسنبقى كما كنا دئما , متحدين إلى الأبد , نحن الستة ...
ظل في مكانه ينتظر مني إشارة لأسمح له بالاقتراب , فمددت له يدي اليسرى دون أن أتكلم , فاقترب وجلس بجانبي -أين كانت أمينة- , فقلت له ... أني أعتذر لأني جعلتهم ينشغلون بسببي , وأعدت كلامه وأنا أنظر لماما إيناس , أن لا شيء سيتغيّر وسنبقى دائما متحدين ...
اتصلوا به من المكتب , فردّ وقال أنه قادم ...
ثم مرّر يده اليمنى خلف ظهري , ضغط بها على كتفي اليمنى , وقرّب وجهه من وجهي وقال ...
عليّ العودة يا صديق ... كما تعلم , رئيستي هنا مع ابنها وأمه , وعليّ تعويضها , لكني لن أغيب لأني سأبقى معكم بعقلي وروحي مثلما كنت دائما . نحن دائما معا , حتى إن غاب أحدنا بجسده فإنه يظل حاضرا في قلوب الجميع ... أنا فخور جدا بك صغيري , وبابا جمال أيضا ... لن أتأخر وسأعود بسرعة ...

قبّل رأسي وغادر الفراش , فتبعته عيناي لترى مشهدا رأته آلاف المرات قبل ذلك , لكنه تلك المرة كان مختلفا ... ليس بدرجة اختلاف أمينة لكنه كان ... مختلفا .
المشهد لم يتجاوز الثانيتين ربما , رأيته طوال حياتي ولم أشعر يوما نحوه بأي ريبة أو شك , بل رأيته عاديا طبيعيا , وربما كان الاستغراب سيحصل لو لم أره منذ صغري وحتى تلك اللحظة . الفرق كان أمينة وكلامها , كل كلامها حولي وبخصوص ماما إيناس ..

كانت ماما واقفة عن يسار ماما إيناس , يدها اليمنى تمسك بيد ماما إيناس اليسرى , بعد مغادرته السرير وقف بابا أمامهما , بيده اليمنى أمسك يد ماما اليسرى وباليسرى أمسك يد ماما إيناس اليمنى ... لم يتكلم أحد منهم , رأيت ماما تبتسم له ونفس الشيء فعلته ماما إيناس , نفس الابتسامة تقريبا , ابتسامة عادية لا شيء فيها كتلك الابتسامة التي يصنعها على شفتيه أي إنسان عندما يسلّم على أي إنسان آخر يعرفه أو لا ...
ثم خرج بابا وأغلق الباب .

كلام أمينة كان ببالي . وللحظات بعد خروجه , نظرت لهما ... نظرة عادية لم يكن فيها شيء , نظرة محايدة وكأني أنظر لبحر أو حائط أو غابة من بعيد ...
قلت لنفسي : "إذن أمينة على حق ... كيف لم أتفطن لذلك كل هذه السنين ؟ كل يوم أتأكد أكثر أني آخر من يعلم في هذه الأسرة وأغبى فرد فيها ..." , ثم ابتسمت لهما ...
وبيديّ اليسرى واليمنى أومأت لهما أن تقتربا ...

فعلتا مثل بابا , بقيتا واقفتين تنتظران أن أسمح لهما ... كان موقفهما أكثر حرجا منه لأني قمت بطردهما قبل ذلك , لذلك ولأزيل عنهما كل حرج دعوتهما بكلتا يديّ دون أن أفكر في شيء بعد الذي جال ببالي من كلام أمينة ...

- ماما : هل تريد أن تأكل شيئا ؟ لم تأكل منذ البارحة عزيزي .
- لا أشعر بالجوع ..
ماما إيناس : حتى قليلا بنيّ , قل لي ماذا تريد أن تأكل ؟
- لا أعلم ... بيتزا وبيرا ربما ...
ماما : سأتصل بهم , كيف تريدها ؟ غلال بحر كالعادة ؟
ماما إيناس : سيبطئون , سأحضرها بنفسي ...
ماما : سأذهب أنا ...
ماما إيناس : لا ... أنتِ ستسحبين منه خراطيمكِ , لا أريد رؤيتها عند عودتي ...
ماما : انتظري ... لو كنت مكانكِ , كنت طالبت بالحصول على أتعابي مسبقا ؟
ماما إيناس : معكِ حق ... عزيزي كلام الأطباء أوامر ... عذرا لكن يجب أن تدفع ... والآن ....

ماما كانت عن يساري على السرير , وماما إيناس كانت واقفة عن يميني ... بعد أن خطت خطوات عادت بجانبي وقرّبت خدها الأيمن من وجهي .... فقبّلتها .... وغادرت .

- ماما , لماذا أشعر بضعف ؟
- ستعود قويا بعد البيتزا لا تقلق ... قبل ذلك دعنا نرى الضغط ........ جيد ... والآن لنسحب هذا , لا تخف لن تشعر بأي ألم ........ انتظرني قليلا أُخرج كل شيء ثم أعود قبل أن تغضب منا ... لا تحبّ الأطباء كما تعلم ....
- ليس كلهم ...
- باستثنائنا نحن بالطبع ...
- نحن ؟
- أنا وأنت بنيّ , التوجيه بعد أيام وستختار طب ؟
- طب ؟ آه صحيح ... نسيت ...
- لحظات وأعود .. لن أتأخر ... لا تتحرك , ابق مكانك .

بعد خروجها استرجعت كلام ماما إيناس عن أن الكلمة الأخيرة بخصوصنا أنا وأمينة كانت دائما كلمتها , وتذكرت التوجيه ... فقد أراد ثلاثتهم في البداية لأمينة أن تدرس طب ثم طب نساء , ولي دراسة الهندسة لأدير الشركة بعدهما , لكننا رفضنا ... لأن أمينة كانت تكره كل الدراسات الطبية والصيدلية وتريد البيولوجيا وكنت أنا عكسها ... أصرّت ماما على أن تدرس أمينة طب وقالت أنها سترغمها على ذلك إن استوجب الأمر , ونفس الشيء فعل بابا معي , لكنهما تراجعا عندما قرّرت ماما إيناس أن تُحترم رغباتنا وذكّرت ماما بأهلها -الشرفاء- الذين أرادوا منعها من دراسة الطب ... فتراجعتْ عن تعنتها , ثم تراجع بابا بعد تراجعها ... تذكرت أيضا أنها هي من قامت بإعلامي بماما وبابا الحقيقيين , لم يفعل ذلك بابا ولم تفعله ماما لكن هي فعلت ولم يكن ذلك صدفة بالطبع ...
حاولت تذكّر المزيد , فتذكّرت الكثير ... كان ماما وبابا يقنعاننا أنا وأمينة , في كل شيء , حتى أبسط الأمور ... كان كل منا يُطالب بعرض حججه ثم الدفاع عنها أمام الاعتراضات , وكنا دائما نخسر لذلك كنا نقول عن ماما أنها نيكالية وأن بابا كرومي ... لكن كان هناك فيتو لماما إيناس , إذا رفعته تُرجّح كفّتي أو كفّة أمينة فيتنازل ماما وبابا لنا .
لم يتعمّدوا تلك الأدوار لتأخذ ماما إيناس مكانها في أسرتنا ونحن صغار , لأن نفس النظام لا يزال متواصلا وقد أخذتْ مكانها منذ زمن ...
وتذكّرت قول أمينة عندما تكلمتْ عن لماذا لم تتزوج ماما إيناس : "هي من وضعت كل الأسس التي عليها بُنيت عليها أسرتنا" , قالت "هي" ولم تقل "هم" ! وتساءلتُ : هل أمينة تعلم كل شيء ؟ وكيف عجزت ماما إيناس عن دحض حججها بخصوصي ؟ وهل حقا قبلت وباركت ما تشعر به أمينة تجاهي ؟ تذكرت قولها : "قبل أن تُوضَّح الحدود لأمينة , يجب أن تعرفها أنتَ" وتطابق كلام أمينة معه : "قبل أن تكلمني مرة أخرى عن الأسرة وأنت تتصور نفسك حاميها , عليك أن تعرف جيدا أسسها وحدودها" !

لم أستطع الإجابة عن تساؤلاتي , لكني على الأقل فهمت أن كل الأجوبة عند ماما إيناس وأن الكثير منها عند أمينة , وقلت في نفسي أني لن أستعجل معرفتها لأنها على كل حال لن تغيّر شيئا في أسرتنا وسنبقى متحدين أبدا !



#أمير_بالعربي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمان وأبوان حتى انتهاء الزمان (8)
- أمان وأبوان حتى انتهاء الزمان (7)
- أمان وأبوان حتى انتهاء الزمان (6)
- أمان وأبوان حتى انتهاء الزمان (5)
- أمان وأبوان حتى انتهاء الزمان (4)
- أمان وأبوان حتى انتهاء الزمان (3)
- أمان وأبوان حتى انتهاء الزمان (2)
- أمان وأبوان حتى انتهاء الزمان (1)
- -أخي ومن بعده !-
- طبيبُ عيونٍ حسيرُ بصر
- -ابن حرام- ؟ إله ؟ أم نبي أرسلته السماء ؟
- خُصْيات حداثية في خدمة المثلية
- كفريات في هيكل الحب (2)
- كفريات في هيكل الحب (1)
- - أريد إتيان ماما - , قالت (طبيبة النفس) : مذكرات جيروفايل ( ...
- - أريد إتيان ماما - , قالت (طبيبة النفس) : مذكرات جيروفايل ( ...
- - أريد إتيان ماما - , قالت (طبيبة النفس) : مذكرات جيروفايل ( ...
- قصص قصيرة عن مواضيع يُظن أنها خيالية (2)
- قصص قصيرة عن مواضيع يُظن أنها خيالية (1)


المزيد.....




- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...
- -كنوز هوليوود-.. بيع باب فيلم -تايتانيك- المثير للجدل بمبلغ ...
- حديث عن الاندماج والانصهار والذوبان اللغوي… والترياق المطلوب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أمير بالعربي - أمان وأبوان حتى انتهاء الزمان (9)