أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أمير بالعربي - قصص قصيرة عن مواضيع يُظن أنها خيالية (2)















المزيد.....

قصص قصيرة عن مواضيع يُظن أنها خيالية (2)


أمير بالعربي

الحوار المتمدن-العدد: 6270 - 2019 / 6 / 24 - 03:38
المحور: الادب والفن
    


(الشعارات الرنانة جميلة لكن ليس في منزلي)
********


"أستاذ فضيلة" , هكذا كنت أناديه وكان يقبل لقبه الذي لم ينكره يوما , كان رفيق جامعة ورفيق عمل ثم انقطعت أخبارنا عن بعض بعد أن انقلبت المفاهيم والمعطيات عندي ....
بدأت صداقتنا في الفترة الجامعية , درسنا معا وقمنا بكل شيء معا ... الحقيقة هو لم يقم بشيء بل كان دائما إما مراقبا وإما ممتنعا , كنت دائما أقول له أن أهل ملته يجب أن يحدوه لأنه يعطي انطباعا سيئا عنهم وكان يقول لي أني لا أمثل ملتي التمثيل الحسن .
كنت أسخر منه عندما يقول أنه لا يؤمن بالله وأحاول تجنب محاضراته , كنت صديقه الأقرب إلى قلبه وكان "لا يريد لي أن أمضي حياتي مغفلا" ... لم أكن أهتم لأقواله ولملاحظاته , عن كل شيء ! سلوك الناس الغرباء في الشارع , تصرفات زملائنا , أساتذتنا , السياسة في البلد , الاقتصاد , البطالة , برامج التدريس في الابتدائية والثانوية ... كان مملا في مواضيعه , وصل مرة حد البلاهة عندما طلب مقابلة عميد الكلية ليقترح عليه أن تضاف مادة جديدة مع ما كنا ندرس : الفلسفة ! ما دخل الطب بالفلسفة لا أعلم , كان ذلك الاقتراح نادرة لم ينسها العميد منذ سنتنا الأولى حتى درّسنا في الرابعة فسألنا هل دفعتكم هي التي طالبت بتدريس الفلسفة ؟ فأجابه الجميع "لا إنما هم جماعة الثالثة" ...
أمه وأبوه جنيا عليه , أمه كانت مدرسة تاريخ وأبوه مدير بنك , كان صديقي يقول لي أن أصحاب البنوك لصوص وعندما أسأله عن أبيه يقول أنه حوت صغير , مجرد موظف في بنك وليس من اللصوص الكبار . بقية الزملاء كانوا يضجرون منه حتى البنات . الأولاد كانوا يرفضون الخروج معه , كنا ندرس كثيرا ومع التربصات لم يكن لدينا الوقت , كنا نسرق الساعات لنروح عن أنفسنا , عادة ما يذهب من له حبيبة معها أو نلتقي للسمر والضحك وكان لا يفارق جلساتنا النبيذ ولوازمه , أما هو فكان لا يشرب ولا يدخن حتى , كان جلوسه معنا لطيفا وغريبا وفي أحيان أخرى مشعرا لنا بالذنب نحن المؤمنون زناة وسكيرون أما هو الزنديق فلا يفعل شيئا من موبقاتنا , إحدى صديقاتنا كانت تسخر منه وتتعجب كيف إلى ذلك الوقت لم يمس لا إنسية ولا جنية حتى : "أستاذ فضيلة" كما كنت أسميه .
أحدنا قص عليه مرة كيف نزا على رفيقته في رمضان وهما صائمان , وقال له أنهما أكملا صيامهما حتى النهاية دون أكل أو شرب أو تدخين , فقط تلك الدقائق المعدودات التي حضر فيه إبليس ... كان جوابه الشروع في محاضرة عن تاريخ رمضان , فتركه ذلك الصديق , وعندما ذكر لي فعلته لمته وقلت له أنه كان عليه أن يصبر حتى الآذان . صديق آخر كانت عادته في أغلب أيام رمضان بعد الآذان مباشرة يتناول بعض التمرات ثم ينزو وإن كانا داخل المستشفى في تربص . لم نكن نصلي كلنا , لكننا كنا نصوم وكان لرمضان رونقا وطعما خاصا لا مثيل له خاصة عند من له حبيبة .
مرت السنوات بسرعة , تخرجنا ثم تخصص أغلبنا وأكملنا كل اختصاصه , ثم أمضينا معا مدة التدريب العسكري وبعدها تفرقنا كل في مكان من وطننا الحبيب نعالج جنودنا وذويهم , كانت سنة صعبة بالنسبة لي اكتشفت فيها حقيقة جيشنا العظيم وضباطه ومؤهلاتهم , ضباط عملهم الأكل بالشوكة والسكين وضباط صف عملهم التقاتل من أجل الأكل وعمداء وجنرالات لا يعرفون شيئا غير الشرب , تلك السنة استمتعت فيها بشتى أنواع النبيذ حيث كنت مقربا من أميرال كنت أعالج زوجته وابنته , كان يرسل لي في أي وقت من اليوم والليل وكنت لا أرفض , مرات كثيرة أيقظوني من النوم مع الثالثة أو الرابعة صباحا لأذهب فلا أجد أي شيء لا حالة استعجالية ولا هم يحزنون , الأميرال لم يكن ينظر لي كزائر يجب إكرامه بل كعبد عليه إطاعة أوامر القائد , وكنت أقبل للمزايا الكثيرة التي كنت أتمتع بها في ذلك المكان وبأمر من حضرة الأميرال .
أما صديقي فأرسلوه لجيش البر وكان أتعس الجيوش , حكى لي عنه أمورا مروعة ولم أستغرب , فعادة ما تكون ظروف البحرية هي الأحسن ثم الطيران والأخير مرتبة يكون جيش البر ... لم يحاول معرفة كبراء المكان ولم يسمح لأحد بالاقتراب منه , إذا ما دعوه للشرب يجيب أنه لا يشرب وإذا ما عرضوا عليه لعب الورق أو الشطرنج يقول أنه لا يعرف , كان يشرب المشروبات الغازية والماء وذلك عند ضباط جيشنا العظيم لا يجوز فالنجوم والشعارات والسيوف لا قيمة ولا طعم لها دون خمرة .
أكملنا إعداد الأطروحة في تلك السنة , كنت أكثر حرية من صديقي , وقت عملي كان وقتا إداريا كالمدنيين مع وجوب الحضور في أي وقت إذا ما أراد الأميرال والعمداء أما بقية الضباط فلم أكن ملزما بذلك معكم وأخذت تلك التعليمات من الكبير الذي لا يرد أمره .
النصف الثاني من السنة كثرت اتصالاتي بصديقي لأني , ولا أعلم كيف حدث ذلك , اهتممت بأقواله ومحاضراته القديمة , التقينا مرات عديدة لنتكلم في نفس الموضوع , كان يعرف الكثير فقد تعلم من أبويه اللذين شرحا له كل شيء وسهلا عليه ... اهتممت واكتشفت أني أمضيت أكثر من ثلاثين سنة من عمري مخدوعا كما قال لي ولبقية زملائنا منذ السنوات الأولى الجامعية ...
أذكر أني غضبت لكني لم ألم نفسي كثيرا , لم يكن عندي وقت لأفكر في تلك المسائل ولم أحظى بأسرة تعرف حقيقة الأمور كصديقي , على كل قلت أني لم أخسر شيئا فلم أكن أصلي ولم أمتنع عن أي شيء يخطر ببالي , لكن رمضان ظل طعمه كالعلقم لأني كنت أصوم ولم أفطر يوما منذ الرابعة عشرة ...
بعد إكمال السنة خدمة للوطن ولجيشه العظيم وضباطه وضباط صفه , ناقشنا كل أطروحته وقررنا الخروج للعمل في القطاع الخاص برغم أني كنت أنوي أن أكمل مسيرتي في الجامعة لكن سنة الجيش تلك جعلتني أكره المؤسسات الحكومية برمتها عسكرية كانت أو مدنية .
بدأنا العمل في نفس المدينة وكان التعامل بيننا وثيقا , كان مشروعنا المستقبلي مصحة متعددة الاختصاصات بعد عشرة أو خمسة عشر سنة على أقصى تقدير , من دفعتنا فقط ومن أصدقائنا كان عندنا جميع الاختصاصات مع عدد كبير من الممارسين العامين وأطباء الأسنان .
مرت عدة سنوات , حتى حضر ذلك اليوم المشؤوم الذي قال لي فيه صديقي أنه يريدني أن ألتقي بزوجة المستقبل ... استغربت في البدء , لأني لم أتصور يوما أنه سيجد أحدا وفق شروطه التي صارت نفس شروطي مع مرور الأعوام , يوميا كنا نتعامل معا وكثيرا ما نلتقي للغذاء أو العشاء إما عندي أو عنده , كنت أسكن بمفردي ومن حين لآخر تكون معي رفيقة أما هو فكان يسكن مع أبيه وأمه ...
شروطنا كانت شروط أغلب الناس لكن الدين كان أولها , كان الحلم أن يجد كل منا امرأة تكون أبعد ما يمكن عن ثقافة الدين , تعلمت منه كثيرا من التعصب وكنت مستعدا أن أمضي حياتي وحيدا ما لم أجد من أريد , هو كان أكثر تشددا وظل على حاله "أستاذ فضيلة" حتى عرف تلك المرأة ...
عندما رأيتها صعقت ولم أستطع حتى أن أمد يدي لأسلم عليها , كانت تلبس لباس السلفيات الأسود ولا يظهر منها إلا وجهها ويديها , جلست ولم أتكلم وفضلت أن أسمع له , كانت تتكلم وكنت أنظر إليه , صمت أذني عن سماعها وانتظرت منه تفسيرا , لكنه لم يفعل وظل ينظر إليها ويسمع , شككت للحظات أنها تمثيلية لكن عينيه قالت العكس ؛ كان ينظر إليها بإعجاب ويبتسم لها ابتسامات وكأنها تعني له شيئا , شعرت بأني أهنت ولم أستطع مواصلة الجلوس حتى أنقذني اتصال فاستأذنت وابتعدت عنهما ...
كانت أمه , كانت تعلم بلقائنا , اتصلت لتعلم رأيي , كانت تبكي بحرقة , تكلمت كثيرا وختمت كلامها بأن قالت : "أنقذ صديقك لأننا عجزنا عن فعل أي شيء معه" . بعد أن أنهت اتصالها , غادرت دون العودة إليه وإلى من معه .
في الأيام التي تلت ذلك اليوم طلبت منه تفسيرا فأعطاني ما لا يمكن لعقل قبوله , مراهق يكلمني عن الحب وعن الاختلاف , حاولت معه ... يا عزيزي متدينة متفتحة على الأقل لا قاطعة رؤوس كهذه ! قال أنه يحترم عقيدتها وهي تحترم إلحاده , قلت وماذا عن أهلها ؟ قال صوفيون ... يقصد دراويش وليسوا مجاهدين ....
حاولت معه , حتى عجزت وقبلت بحضور زفافه .... كانت ليلة فظيعة أمضيتها أحرس أمه من أن تصاب بجلطة , أعادنا لأجواء قرون خلت بأزياء أهل زوجته وبكل المراسم الغريبة التي فرضوها .
بعد تلك الليلة , فترت علاقتنا وبمرور الوقت لم يبق منها إلا الشق المهني ... لم أهتم لولادة زوجته ولا بكل دعواته , لكني اهتممت أكثر بأمه وأبيه حيث دون أن أشعر ودون أن أريد أخذت مكانه الذي هجره .
أكبر فاجعة سمعتها من أحد المرضى , قال لي أن طبيبه سيتغيب طيلة أيام الحج , أعلمته سكرتيرته أنه سافر هو وزوجته ... اتصلت بأمه فأكدت لي الخبر وطلبت مني الحضور ليلا ففعلت ....
تلك الليلة كانت غاضبة جدا , تعودت أن تفرغ قلبها معي , كنت أتفهمها وأسمع لها وأشد من أزرها , تلك الليلة سمعت منها الكثير بسبب ابنها ... الأطباء أغبى الأغبياء ولا يعرفون إلا صرف الوصفات وكنز الأموال .... عامل يومي أرقى من مليون طبيب !



#أمير_بالعربي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصص قصيرة عن مواضيع يُظن أنها خيالية (1)


المزيد.....




- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أمير بالعربي - قصص قصيرة عن مواضيع يُظن أنها خيالية (2)