|
مرة أخرى ، ألكورد و المعضلة العراقية و سياسات التعريب
رزكار نوري شاويس
كاتب
(Rizgar Nuri Shawais)
الحوار المتمدن-العدد: 6255 - 2019 / 6 / 9 - 04:28
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
ألأحداث التي مرّت عبر تأريخ الجغرافية التي اطلق عليها اسم العراق صقلَت الصورة التي عليها البلد الآن ، وهي تؤكد أن التعصب و توأمه العنف جرّا على هذه البقعة من الأرض ( التي يستوطنها خليط ( غير متجانس ) من القوميات و المذاهب ، لكل منها حقها المشروع في الحياة و الحلم بأوضاع أفضل ) ؛ الكثير من المآسي و النزاعات و خلفت جراحا عميقة يصعب البراء منها طالما كانت نزعة التعصب سمة الحكم و الحكام فيها . فعلى مدى عهود الحكم التي تعاقبت عليها لم يتعظ الخلف بما آل إليه مصير السلف و اللعنات التي لاحقت عهده .. تغيرت الوجوه و استمر التعصب راسخ الجذور في العقول ، فكل تغيير في الحكم حرّكه التعصب و ليس منهجا للأصلاح ، فكان حصاد الشعوب العراقية مع كل موسم حكم جديد المزيد من الفواجع و الكوارث ، و هكذا استمر الحال ، فتغلغلت أخلاقيات العنف و التعصب التي اتسمت بها انظمة الحكم ، في عقائدو افكار العامة و سلوكياتهم و طباع جمعياتهم و احزابهم .. آفة تعششت في ذهنياتهم و ادمغتهم المخدرة بالخوف و سوداوية النظرة للمستقبل و بالآنانية وانهيار قدرات الثقة بالذات و بالآخرين في مجتمع تفشى فيه روح الولائات المنافقة و جشع استجداء المنفعة من أي كان و بأي وسيلة كانت ، بينما هم ساهون عن ثروات و خيرات بلادهم التي ينهبها من تمشي كلمته على حكامهم من الطامعين في الجوار ومن هم وراء البحار . كل هذا و معها اخلاقيات التشرذم و التكتل العشائري و القبلي التي طغت على السلوك الأجتماعي كناتج لسياسات القمع و ثالوث التعصب العراقي (المذهب – العقيدة السياسية - القومية )التي انتهجها الحكام كل حسب اتجاهه و مزاجه ، و التي جعلت من ارهاب السلطة و الصراعات الداخلية سمة للبلد و لحالة عدم استقرار دائمة ، الأمر الذي يعني فقر مزمن لأهم عنصر من عناصر النماء و التقدم الحضاري . و في الواقع ( و لابد من قولها صراحة ) ، انه ما من حكومة على كوكب الأرض خرقت كالحكومات العراقية قوانينها و خالفت دساتيرها و انقلبت مرارا و تكرارا على قيم ومواثيق التعايش و مباديء الشراكة الوطنية في مجتمعها ، لذا لم يكن خروجا عن اللباقة الدبلوماسية عندما كانوا يصفونها بالحكومة المارقة أو الخارجة عن القانون ..! جميع الحكومات التي حكمت العراق كانت رؤيتها للقانون و الدستور أن تكون الاسلحة المعـنوية التي تكتم بها كل احتجاج و صوت معارض و الأقفال التي تغلق بها قبضتها على الحكم .. حكومات تعاقبت على الحكم و اغلبها بأنقلابات دموية ، منها التي ادعت الديمقراطية و منها الأشتراكية و تلك القومية ، فشوهت و هتكت كل قيم الديمقراطية و الأشتراكية و القومية ، و ربّت الشعب عبر وسائل اعلامها الديماموغية و اقلامها المأجورة على كل ماهو محرف و مشوه و مبتور من الأفكار و العقائد . مامن ديمقراطية تحترم قيمها و جوهرها ، تسعى الى قمع و محاصرة التعددية الحقيقية بفرض نفس العقيدة و المذهب على الجميع بمسميات مختلفة ، فالديمقراطية الحقة لا تعني تأسيس عشرات الأحزاب تحمل جميعها نفس الفكرة و تمضي على نفس النهج و تلبس نفس اللبس ..! (2) أجل .. لقد عانى الشعب العراقي بمجموعه أشد معاناة من عصبيات التمييز العرقي و المذهبي و الفكري السياسي ، و التربية عليها ، و لم تسلم أية قومية أو طائفة أو أسرة أو حتى فرد بمن فيهم الحكام و زمرهم انفسهم من تأثيراتها المأساوية المفجعة .. و قد كانت المسألة الكوردية ( و أقول عنها المعاناة الكوردية ) في العراق واحدة من أبرز مشاهد القمع و التمييزالقومي منذ تأسيس الدولة العراقية التي كان لكورد كوردستان الجنوبية دورا ايجابيا فاعلا في تأسيسها و في عملية تحقيق نوع من التوازن المذهبي في الدولة الناشئة ، لكن ومقابل هذا الموقف الكوردي و الأمل في بناء وطن شراكة يعيش فيه الجميع بأخاء و سلام ، كان جزاء الكورد كثاني اكبر قومية في نسيج المجتمع العراقي ؛ الأجحاف و الأنكار المتعصب لحقوقهم المشروعة ، و هذه حقيقة تؤكدها العديد من التقارير و الوثائق السياسية و المخابراتية للعديد من الدول ( القريبة و البعيدة ) المعنية بالشأن العراقي و تلك التي كان لها ضلعا في رسم سياساتها . لقد شوهّتْ المطاليب العادلة للشعب الكوردي و حركته التحررية بأشكال و الوان و صيغ منوعة و فُسرت و حللت باتجاهات متعددة و اغلبها حملت سرا و علنا روح الأنكار و العداء و الرفض الشوفيني المتعصب لهذه المطاليب المشروعة كحق انساني ، بل حملت بعضها عداءً سافرا للأنسان الكوردي لمجرد انه كوردي ..! كل ذلك تحت شعار و فكرة ( وحدة و عروبة العراق كجزء لا يتجزأ من الوطن العربي ) .. الفكرة البعيدة كل البعد عن الواقع الجغرافي و التأريخي و التركيبة الأثنية للبلد . غالبية انظمة الحكم في العراق جعل من هذا الطرح الشعاراتي العاطفي ، الوسيلة لحشد تأييد عروبي لأنكار حقوق الكورد في العراق بل و حتى شطب وجودهم القومي و هم الأثنية الأصيلة و الأقدم وجودا في المنطقة . و هكذا فإن كافة الثورات الكوردية جاءت كردود أفعال مشروعة على تلك السياسات العنصرية الظالمة و المتعصبة ، و برغم كل ما ارتكب بحق الكورد من ابشع انواع حملات الابادة و القمع ، تمسكوا بمبدأ التعايش و الشراكة العادلة في بلد يسع الجميع و بحاجة لسواعد الكل لتأسيس سلام حقيقي تنعم في رحابه كل الاطياف العراقية بالرخاء و الازدهار . و اليوم و نحن على عتبة مرور مئة عام على تأسيس الدولة العراقية ، لايزال الوضع الكوردي ازاء تعامل الحكومة العراقية معه يعاني من الكثير من ( الغموض و الخلل ) ، بتعبير اخر ، يعاني و من أوجه عدة من اشكال منوعة من الضغوط و المماطلات و المواقف الشوفينية المتعنتة بل وانكارا صريحا لحقوق تأريخية و جغرافية أساسية في العديد من المناطق الكوردستانية ، مثل هذه المواقف لا يمكن تفسيرها الا بأنها تشكل استمرارا لسياسات الماضي العنصرية ضد الكورد و مناطقهم في كوردستان العراق ، خلافا للدستور و اتفاقات قانونية تؤكد على معالجة و تصفية اثار السياسات العنصرية الغاشمة لنظام الحكم الصدامي البائد في كوردستان و اعادة الحقوق التأريخية لكل ذي حق مغتصب او مفقود . أن المتابع لتطورات الأوضاع السياسية و الأجتماعية ما بعد احداث ( 16 اوكتوبر 2017 ) و التي كان لاحدى دول الجوار دورا اساسيا فيها ، يلاحظ انها في محافظة كركوك على سبيل المثال لا الحصر ، انها ليست سوى تكرارا صريحا و صلفا لسياسات الماضي المقيتة ضد شعب كوردستان و مناطق سكناهم التأريخية ، فهناك تواجد عسكري مكثف لا يمكن وصفه بأقل من الأحتلال و الحكم العسكري ، الذي يتواصل في حماه سياسات التعريب و ترهيب السكان من غير العرب ، بينما يؤدي المحافظ بالوكالة و هو شخص ذو ماض سياسي مشبوه دور شرطي امن من عهد صدام أو عضو فرقة بعثي يحرض و يحرك بخبث ، يسهل و يمهد بحماس كل السبل لتنفيذ هذه الممارسات العنصرية ، ناهيك عن ابعاد و عزل العشرات من الموظفين و المسؤولين الأداريين من غير العرب عن مراكزهم الوظيفية بل و حتى مطاردة البعض منهم بتهم ملفقة ، و أيضا التغاضي عن اعتدائات المواطنين العرب المستوردين على غيرهم من المواطنين من السكان الاصليين و منها التجاوز على ممتلكاتهم و ملكياتهم و مزارعهم و احراق محاصيلهم ، حيث أتت الحرائق المدبرة في موسم الحصاد الحالي على محصول الاف الدونمات المزروعة بالحنطة ( فقط في الفترة مابين 30 مايس الى 6 حزيران ) و تدبير الحرائق لا يزال مستمرا تحت سمع و أبصار قوى الأمن و الجيش و الميليشيات المذهبية التي تركت ايضا العديد من المنافذ و الممرات مفتوحة امام بقايا عصابات داعش الارهابية ، يتسللون منها لتنفيذ نشاطاتهم الارهابية ضد القرى الكوردية و سكانها الامر الذي يشكل ايضا عاملا قسريا ارهابيا لتهجير و ترحيل سكان القرى الكوردية عن مناطقهم و ذلك بتنسيق غير مباشر ( حسب قول اهالي المنطقة ) بين القوات الحكومة العراقية و داعش . ما ذكرناه أعلاه ليس سوى لمحة عابرة لمشهد واسع ، كئيب و خطير . خلاصة القول .. إنّ المطلوب وطنيا و عراقيا وضع حد نهائي لمثل هذه الممارسات البغيضة التي تمثل امتدادا لسياسات الماضي السوداء ، فبناء الوطن الموحدلا يمكن انجازه إلاّ بتأسيس شراكة وطنية حقيقية عادلة و مضمونة بين كافة اطيافه و نبذ كل اشكال التعصب و فرض الارادة السلطوية على اسلوب حياة الاخرين و تحريم و تجريم الاستمرار على انتهاج و تفعيل سياسات الماضي العنصرية و احيائها و الالتزام بالقانون و الدستور لحل المشكلات الاثنية العالقة بعيدا عن افتعال الحجج و التنقيب عن ثغرات للألتفاف عليها . نعم ، لن يتم بناء الجديد إلأ بطّي صفحات الماضي و التقدم نحو المستقبل في بيئة امنة و مستقرة خالية من مناهج التعصب و العنف و الحكم بعقلية الطغاة و المستبدين .. بعكس هكذا لن يتغير شيء من حال العراق نحو الأفضل ، بل ستكون وتيرة انحداره الى الهاوية أسرع .
#رزكار_نوري_شاويس (هاشتاغ)
Rizgar_Nuri_Shawais#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مستقبل العالم ، رؤية كابوسية ..!
-
توضيحاً للبعض منهم .. شيء عن الميكافيلية
-
بين الصراحة و الوقاحة
-
مختصرات
-
مدن الوهم
-
حلبجة ، وجع أمّة و وطن *
-
- صمت .. -
-
مختصرات (2)
-
العراق .. و شيء عن الأستقرار
-
مختصرات ..
-
أرَقْ ..
-
حول التعصب ايضا ..
-
مقاربات (3) - أن تكون كورديا ..
-
وداعا إبن الجبل الأشم .. وداعا جوهر صديق شاوَيْس
-
مقاربات .. (2)
-
شيء عن الحقيقة ..
-
مقاربات .. (1)
-
عقول مغلقة بأقفال صدئة ..!
-
في ساعة أرَقْ (2)
-
استقلال كوردستان ، قضية ضمير و حق من حقوق الحياة ..
المزيد.....
-
إعصار ميلتون تحدى التوقعات وجلب عواصف عاتية.. فلوريدا على وق
...
-
أسامة حمدان: إسرائيل تسعى لحرب إقليمية لإنقاذ ما تبقى منها
-
ما هو السلاح الروسي -السرّي- الذي سقط في يد أوكرانيا؟
-
انطلاق حملة -الإمارات معك يا لبنان- المجتمعية لدعم الشعب الل
...
-
شاهد.. خزان غاز يندفع بسرعة هائلة ويقتل 4 أشخاص عقب انفجار ف
...
-
-قوة ردع- بمصر.. رسالة موجهة لإسرائيل
-
رئيس البرلمان الإيراني يندد بـ-جرائم إسرائيل- من موقع الغارة
...
-
الاحتلال يفصل شمال القطاع عن مدينة غزة
-
الروبوتات المفخخة.. براميل نارية إسرائيلية لإبادة شمال غزة
-
مشاهد لاستهداف القسام قوات الاحتلال شرق جباليا بقذائف الهاون
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|