في كلام مختصر وغاضب وواضح ولا يحتاج أي توضيح إضافي أو تحليل وحتى فحص وتدقيق، قال وزير الدفاع الأمريكي ما كنا ندركه قبل أن يبدأ "المغول الجدد" هجمتهم العدوانية على العراق، بأن الدور آتٍ على سورية وإيران وكل من يفكر في مساعدة هذا البلد العربي.
الآن أصبحت الأمور جلية وواضحة. ممنوع علينا نحن العرب أن نفكر، وممنوع على أي إنسان يستطيع التفكير والتحليل أن يفكر أو يحلل، فإدارة بوش تفكر نيابة عنا وعنه وعن العالم أجمع، وتحلل الأمور كما تريد وكما تشتهي وبما يخدم سياستها ومصالحها الخارجية.
أما أنتم أيها العرب والمسلمون والمشرقيون بكل انتماءاتكم ودياناتكم، فوجب عليكم منذ اليوم أن تخرسوا ولا تتفوهوا بشيء دونما تصريح من "قاعدة العديد" الأمريكية في قطر. حتى مجرد التفكير بمساعدة العراق يعتبر جريمة تتطلب عقابًا شديدًا، وأي تضامن شعوري وأحاسيس صادقة مع الدم العراقي المستباح، فهو في عداد الجرائم، وسيخضع كل من يشعر أو يحس بمعاناة الشعب العراقي وظلم الغزاة لأشد أنواع العقاب، وليس أقلها الرجم بصواريخ كروز وتوماهوك والقنابل الذكية التي أثبتت غباءها وغباء من يطلقها لتقتل الأبرياء في بغداد المنصور والرشيد.
إدارة بوش هي الوحيدة التي وجدت لتفكر نيابة عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن والعالمين الشرقي والغربي، ومادام رامسفيلد يفكر بطريقة رامبو والديلتا فورس فأن العالم لا يحتاج لأي عقل آخر يفكر، فيكفي العالم أن فيه أمثال رامسفيلد وتشيني وبوش ورايس وباول، فهؤلاء أكثر الرؤوس العالمية تنورا وتميزا وتعقلا ورحمة... وما عليكم أيها الناس في كوكبنا السعيد سوى القبول برضاكم أو رغمًا عنكم بما تخرج به تلك الحلقة من الصقور في إدارة بوش الأمريكية من خطط وتحف تفكيرية، ولكم في اتباعهم كتوني بلير وإزمار وحكام الدول العربية خير مثال.
أصبح منطق التاجر الذي تحول إلى وزير دفاع أقوى دولة في عالمنا الحالي هو المنطق المهيمن على العالم المُبتزْ، وهو يأتي من وزير دفاع أكبر وأقوى دولة في العالم، وهذا الوزير يعتبر نفسه سيد العالم من خلال جيشه الذي ينشر الرعب في بلاد الشرق والغرب ويقوم بقتل المدنيين وترويعهم في بغداد والمدن العراقية الأخرى، هذا الوزير الذي قال عنه وزير خارجية أمريكا السابق هنري كيسينجر في مذكراته أنه: "من بين كل الطغاة الذين كان عليّ التعامل معهم، لم أجد من هو بلا رحمة أكثر من رامسفيلد". إذا كان هذا تقييم كيسنجر لرامسفيلد فماذا بقي علينا أن نقول في الرجل الذي يشبه برميل البارود، نعم هو برميل بارود عنصري وغير أخلاقي، لأنه بارود سوف يشعل فتيل حرب كونية جديدة، حرب حضارات وديانات وحرب شرق وغرب وأغنياء وفقراء وبيض وسود وحمر وصفر، انه حرب العنصريين الذين يحكمون الولايات المتحدة ويهيمنون على العالم بالقوتين العسكرية والاقتصادية. وهذه السياسة العنصرية هي التي تعطي الأوامر للطائرات وقاذفات الصواريخ لضرب الأهداف المدنية في العراق وإلحاق أكبر قدر من الخسائر بالمدنيين العراقيين من أجل إجبار الشعب العراقي على الاستسلام أو الثورة ضد النظام، وكل العالم شاهد في اليومين الأخيرين على مجازر الصواريخ الأمريكية البريطانية في أحياء بغداد والبصرة. وشاهدنا كيف ينام المدنيون العراقيون ليلتهم الرابعة قرب حواجز الغزاة على مشارف البصرة وكيف يمنعهم الغزاة الأجانب من التوجه إلى بيوتهم للالتحاق بعائلاتهم المحاصرة داخل المدينة. وهناك من قال أنهم لا يريدون غذاء الغزاة بل يريدون منهم وقف قطع الماء والكهرباء عن مدنهم وقراهم. لقد كانت أعداد الضحايا نهاية الاسبوع بالعشرات من المدنيين الذين سقطوا نتيجة القصف الصاروخي الأمريكي بالقنابل الذكية والصواريخ الغبية!!!
كل هذا يحدث ولا يتقدم رامسفيلد أو غيره من رموز الإدارة الأمريكية بأي اعتذار للمدنيين العراقيين الذين يقتلون ويتمزقون بقنابل الإرهاب المارينزي.
فقد أتضح للمحللين منذ أيام أن القوات الغازية التي منيت بهزائم قاسية في المواجهات مع المقاومة الشعبية العراقية في مدن الجنوب أنها ستقوم بعمليات انتقامية وعمليات ضغط على المدنيين تكون نتائجها رهيبة ويكون ثمنها مرتفعاً جدًا. وهذا ما حصل فعلاً عندما أغارت الطائرات الأمريكية بقنابلها الموجهة على بغداد فأصابت أحياءً سكنية في العاصمة العراقية وأدت الغارة على حي الشعلة في بغداد يوم الجمعة 28-03 -03 إلى استشهاد 55 مدنيا عراقيا من الأطفال والنساء والعجزة، فهل كان حي الشعلة قلعة صدامية حربية أم أنها مجرد تجربة لما قد يكون أعنف وأقسى وأبشع في الأيام القليلة القادمة، وهذا ما عبر عنه رامسفيلد بالسابق وقبل بداية الحرب وأثناء التحضير لها، عندما قال:
"لا تسألونني عن أي منزل أو بيت تريدوننا أن نقصفه بل أسألوني عن أية نافذة سيدخل منها الصاروخ الأمريكي". وقد دخلت الصواريخ الأمريكية الذكية إلى الأحياء الشعبية المأهولة في العاصمة العراقية من كل النوافذ والمنافذ وبغباء كبير وعن سابق إصرار و نية سيئة، فكانت نتائجها عشرات القتلى والجرحى من الأبرياء الذين تقول أمريكا أنها جاءت لإنقاذهم من الحكم الجائر.
هذه هي هدايا الأمريكان، الغزاة الجدد للشعب العراقي الذي لم يقم برش الأرز والزهور على طوابيرهم المتقدمة نحو التراب الوطني العراقي. هؤلاء الغزاة لم يكتفوا بقتل الأبرياء بل قاموا أيضًا بتوجيه التهديدات لكل من يفكر بدعم وإسناد العراق وخاصة لسوريا وإيران، فأتهم رامسفيلد سوريا بتقديم عون عسكري تقني للعراقيين وبالأخص أجهزة الرؤية الليلة وتسهيل وصول وعبور المتطوعين العرب عبر الأراضي السورية إلى العراق.
وهذا بحد ذاته يجعلنا نفكر بالمصلحة الأمريكية الآنية من الهجوم الإعلامي على سوريا خاصة في الوقت الذي تتلقى فيه القوات الأمريكية الضربات الموجعة من قبل المقاومة العراقية، وهذا بحد ذاته يدل على أن المشروع الأمريكي المغامر في العراق وصل إلى طريق مسدود وفشل في هزيمة القوات العراقية وبهذا فشلت الخطة الأمريكية بعدما تكلفت القوات الغازية خسائر كبيرة وغير متوقعة. وهذا ما جعل رامسفيلد يذهب للتلويح بالتهديد لسوريا من اجل إيجاد أسباب للعدوان على سوريا وإيران ولتبرير الإخفاق الأمريكي البريطاني على جبهات القتال داخل العراق. وإن صحت الأخبار التي تقول أن الغزاة أوقفوا محاولات تقدمهم اتجاه بغداد لمدة 4 – 6 أيام بانتظار الدعم والإسناد من أجل حماية خطوط الإمداد والتموين والمناطق التي تخضع لسيطرة الحلفاء.
ثم أنه تبين اليوم أن الجنود الغزاة يعيشون ظروفاً غذائية صعبة جداً، فهم يعانون من نقص في الطعام وقالوا أنهم يتناولون وجبة واحدة يوميًا. إذا كان الجنود الغزاة لا يجدون ما يأكلونه فلماذا تقوم الدعاية الأمريكية بتصوير السفن التي تحمل الغذاء والأطعمة للشعب العراقي؟ أليس من الأفضل لهم أن يطعموا جنودهم الجياع بدلا من محاولة إيهام الرأي العام العالمي بأنهم جاءوا كي يطعموا العراقيين الجياع والمحرومين من الطعام؟ مع أن الشعب العراقي ليس بحاجتهم ولا يريد مساعدتهم وهذا ما أكد عليه المدنيون العراقيين على أعتاب البصرة وعند الحواجز الأمريكية التي تعيق وصولهم لأهاليهم داخل المدينة المحاصرة.
هذه الأمور مجتمعة تدل على أن هناك معالم مستقبل قريب توحي بأن الادراة الأمريكية المهزومة في حرب العراق سوف تقوم بتوسيع رقعة الهجمات لتشمل دولا إقليمية أخرى في المنطقة، هذا كي تكتمل حلقة الحرب المؤامرة. وبما أن الوضع العربي الرسمي الراهن يسمح باقتناص الدول العربية دولة تلو الأخرى و بشكل يليق بتفرقهم وتشتتهم فأن الدور القادم سوف يكون على سوريا وحلفاءها من اللبنانيين والفلسطينيين.