عماد عبد اللطيف سالم
كاتب وباحث
(Imad A.salim)
الحوار المتمدن-العدد: 6223 - 2019 / 5 / 8 - 18:32
المحور:
كتابات ساخرة
كَاردينيا وطُلاّب و تَوَحُّد عائلي
منذ عشر سنوات ، وفي موسم تفتّح أزهار الكَاردينيا (في شهر آيار من كلّ عام) ، بدأتُ تقليداً شخصيّاً يقضي بقيامي بقطف هذه الأزهار من حديقة البيت صباحاً ، والذهاب بها إلى الكليّة التي أقوم بالتدريس فيها ، وتوزيعها على جميع الطلبة الذين أقوم بتدريسهم ، وبالذات طلبة المرحلة الأولى منهم.
في السنوات الأولى من قيامي بذلك ، كان ردُّ فعل الطلبة رائعاً . كان هناك أمتنانٌ كبير ، وحفاوةٌ بالغة ، وإدراكٌ واضحٌ لقيمةِ سلوكٍ "شخصيّ" كهذا ، من تدريسيّ طاعنٍ في السنّ ، لتلاميذٍ صغار.
بعد أربع سنين لا حظتُ أنّ ردّ الفعل الإيجابيّ ذاك قد بدأ بالخفوت .. بل أنّ بعض الطلاّب كانوا يتصرفون إزاء ذلك ، كما يتصرّفُ طفلٌ مُصابٌ بالتوحُّدعندما يتحدثُ مع شخصٍ غريبٍ في البيت.
في العامين الأخيرين بدأ الكثير من الطلبة بإبداء دهشتهم واستغرابهم من قيام أحد "أساتذتهم" بتوزيع الزهور عليهم . كان بعضهم يجْفَل ، وبعضهم لا يَمُدُّ يدهُ ليأخذ من "السلّةِ" زهرة ، وأغلبهم كان يتساءلُ : ماهذا ؟ لماذا ؟ ما هي المناسبة ؟ شكو ؟ هاي شنو ؟ هاي ليش ؟.
حتّى "شكراً" لم أَعُد أسمعها إلاّ نادراً الآن.
أحد التدريسين من زملائي ، استنكَرَ ما أقومُ بهِ من "رومانسٍ" زائدٍ عن الحَدّ ، لذا سحبني من يدي بشدّة ، كما يسحبُ أبلهاً لايعرفُ عاقبة أفعاله المشينة ، ونصحني قائلاً : يَمْعَوّدْ إنته شْبيكْ .. شِجاكْ ؟ هِيّهْ مال كَاردينيا بهذا الزَلَك ؟ هُمّة ذوله طلاّب هالوكت مال كَاردينيا ؟ ذولة مال باكيتين جكَاير"ماك" بأوّل الليل (سعر الباكيت 500 دينار!!!) .. ويبقون يدكَّون "بوبجي" للصبح ، ويجون ينامون بـ "الصَفّ" . إنطي دروسك خوية ، وأشطُب يومك ، وأُخُذ راتبك ، واسْتُرْ على نفسك.. وعوف السوالف التعبانة هاي.
لذا قرّرتُ ، واعتباراً من موسم الكَاردينيا القادم ، أنْ أتركَ أزهارها تذبلُ في شجرتها الكبيرة ، وأنْ لا أقطفها من أجل تلاميذي بعد الآن.
أخاف يطلَعْ طالب ، أو طالبة ، مواليد 2001 ، و يُخَنْزِرُ عَلَيّ ، ويقول : هاي شنو استاد .. مو عيب عليك .. إنته ماعندك خَواتْ ؟؟!!.
#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)
Imad_A.salim#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟