محمد كمال
الحوار المتمدن-العدد: 6217 - 2019 / 5 / 1 - 10:34
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ترامب يؤكد على منطق "ما أُ خِذَ بالقوة لا يُسْتَرَدُّ إلاّ بالقوة
الحربين، العالمية الأولى و الثانية تمثلان منعطفاً تاريخياً نوعياً في مسار الدول التي تشكل مجمل الخارطة السياسية و السيادية للدول . بعد الحرب الأولى تشكلت منظمة عصبة الأمم لترسيخ السلام العالمي و حل القضايا بين الدول بالطرق السلمية ، و بمعنى من المعاني " إنهاء نهج الغزوات و الحروب و الاستيلاء على أرض الغير بالقوة، و الذي كان سائداً منذ أن تشكل الجمع البشري إلى هيكل طبقي ، و كان ذلك بداية التاريخ البشري ، بداية الصراع و الحروب و الغزوات دون وجود معايير أخلاقية و لا إنسانية "، و كان هذا هو الشرع السائد ؛ و بمعنى آخر أخذ خطوة إلى الإمام على المسار الحضاري و إنهاء ما كان شرعاً ينافي شرع الأخلاق ؛ و لكن البشرية لم تكن بعد مهيأة لهذه النقلة النوعية ، ففشلت منظمة عصبة الامم ، و انفجرت قنبلة الحرب العالمية الثانية . مع انتهاء الحرب العالمية الثانية ، شكل المنتصرون ، على النازية الألمانية و الفاشية الإيطالية و العسكرتارية اليابانية ، منظمة الامم المتحدة ، و قد تضمنت هذه المنظمة مجلساً أعلى مكون من الدول الكبرى الخمس ، و هي المنتصرة في الحرب ، لأن تفجر الحروب له علاقة مباشرة بالأقوياء (الدول الكبري ) ، و الأقوياء هم الذين يشكلون طبيعة الشرع، و إذا تم التفاهم بين الكبار ينصاع الصغار . الأساس بين المنظمتين مشترك ، و هو حفظ السلم و الامن بين دول العالم و نبذ الحروب ؛ و لكن يبدوا أن المنظمة التي خرجت من رحم الحرب العالمية الثانية آيلة إلى الأفول ، و أنه لا سبيل إلى تفادي قراءة الفاتحة عليها إلاّ إذا إحترمت الدول العظمى ميثاق الامم المتحدة و التزمت بالقانون الدولي ، و محت من قائمة شرعها "نهج ما فوق القانون" . إن شعوباً و دولاً ،ليست بالقليلة، تعاني من هذا الشرع غير الشرعي حسب المواثيق الدولية و القانون الدولي ، ناهيك عن شرع الأخلاق . و منطقتنا العربية تعاني بشكل منهجي متواصل من هذا الشرع ، و الصراع العربي (الفلسطيني) - الإسرائيلي هو من أكثر الأمثلة وضوحاً لهذا النهج الذي يشرعن ما هو غير شرعي ، عندما تتعامل أمريكا ، و هي الدولة الأعظم بين الدول العظمى ، مع هذا الصراع على قاعدة أن "إسرائيل فوق القانون" . منذ تأسيس هذه الدولة بشرع الامم المتحدة ، و هي في صراع غير متكافئ ( ميزان القوة في صالحها) مع الجانب العربي ، الذي يطالب بعقلانية بعضاً !!! من حقوقه المسلوبه ، لأنه على شبه يقين أن إسترداد الحق بكامله أمر غير منظور في الأفق الدولي السائد . إسرائيل تشن الحروب و تتوسع و تقتطع من الأراضي العربية ما تجيز لها قوتها العسكرية و نفوذها في أمريكا . طبعاً ما كان بمقدور اسرائيل أن تقدم على هذا النهج التوسعي في الأراضي العربية لو لا الدعم غير المحدود من قبل امريكا و تذبذب الدور الاوروبي ، و على رأسها العجز العربي . عندما يختل ميزان القوة بين طرفين ، فقل على الطرف الضعيف السلام ، حتى في ظل مواثيق و قوانين دولية وقعت عليها جميع الدول المنضوية تحت سقف منظمة الامم المتحدة ؛ المواثيق و القوانين الدولية تحرم شن الحروب و الاستيلاء على ارض الغير بالقوة ، و لكن الخلل في ميزان القوة بين الدول يخل بتلك المواثيق و القوانين ، مع وجود دول عظمى لها طموحات لإدارة شئون العالم ، أو السيطرة على العالم ، مثلما كان الأمر مع كورش الفارسي و الاسكندر المقدوني و قيصر الرومي ، فلابد ، وحال الماضي الهمجي مازال يحوم في أجواء الكون ، من وضع القوة الذاتية الرادعة في المرتبة الأعلى من الأولويات ؛ إذاً فمن المستحيل ، في ظل هكذا ظروف ، أن تكون للأمم المتحدة و مواثيقها و قوانينها الفاعلية المرجوة لضمان أمن و سيادة الدول الضعيفة التي تتعرض للعدوان . فالخلل في ميزان القوة بين الدول، مع عجز الامم المتحدة ، ينتج عنهما منطق " ما أخذ بالقوة لا يسترد إلاّ بالقوة" . فالقوة ، إذاً ، مازالت حتى اليوم هي سيدة العلاقات الدولية ، و ليس المواثيق و القوانين و الإتفاقيات الدولية .
"ما أخذ بالقوة لا يسترد إلاّ بالقوة" ، كلمات قالها الرئيس المصري جمال عبدالناصر بعد الهزيمة-النكبة عام 1967 ، و كان صادقاً في قوله هذا ، لأن السنوات اللاحقة على العدوان الاسرائيلي أثبتت صحة هذا القول ؛ قالها رداً على القرار الأممي رقم 242 بعد توقف القوات الاسرائيلية عن الاستمرار في التوغل في الأراضي العربية ، و الاكتفاء بما وضعت تحت سيطرتها من أراضي لثلاث دول عربية ، إضافة إلى استكمال السيطرة التامة على كل جغرافية فلسطين . و بهذا الاحتلال الجديد تكون القرارات الأممية 181 (1947) و 194 (1949) بعد نكبة إغتصاب الأرض الفلسطينية في حكم المنتهية صلاحيتها ، رغم الكر و الفر الإعلامي بين الجانب العربي و الجانب الاسرائيلي و من ورائه الحامي body guard الأمريكي . الواقع على الإرض ، و الدعم بقوة متوجة بالسلاح النووي تفوق قوة الخصم ، و بدعم مفرط لا يبالي بالقانون الدولي من قبل القوة العظمى ، مع واقع عربي متلاطم و جبهة فلسطينية متشرذمة ، يصبح الواقع على الأرض سيد الموقف . منذ القرار الأممي بإنشاء دولة اسرائيل و دولة فلسطينية مجاورة ، مع الرفض العربي لذلك القرار ، تشكل خطان بيانيان متناقضان في الإتجاه ؛ الخط البياني الاسرائيلي مقابل الخط البياني العربي . و لكل خط مساره النوعي مع الزمن ، و مع المسار الزمني يصعد او يهبط الخط البياني ؛ الخط البياني الذي يرسم حالة كل طرف ، العربي و الاسرائيلي . إن الخط البياني الاسرائيلي في صعود مضطرد ، بينما الخط البياني العربي - الفلسطيني في هبوط مضطرد . السبب هو "خلل في ميزان القوة" .
فهكذا فإن اسرائيل ، بعد أن إطمأنت إلى الحماية الامريكية المطلقة، أخذ يسيل لعابها للمزيد من الأراضي العربية و هي تتلمظ طعم الأراضي التي نهبتها و تلك التي تسيطر عليها ؛ النهب الأول (1948) تشرعن بقرار من الامم المتحدة ، أما النهب الثاني (1967) فقد أدرج تحت بند "أراضي محتلة" قابلة للتفاوض بين السارق و المسروق ؛ و عُرْفُ التفاوض يقتضي تقديم تنازلات من الطرفين حتى يغلق ملف القضية ، و لكن في ظل أجواء الخلل في ميزان القوة ، يكون التنازل من الجهة الأضعف فقط . سيناء خير مثال على التفاوض حول بند "أراضي محتلة" ، حيث أن مصر إستردت الأرض و إسرائيل حافظت على سيادة على الارض محرجة للجانب المصري ، و لكن لم يكن من خيار أفضل من هكذا حل في غياب "وجود قوة رادعة". فأفضل ما تبقى للجانب العربي - الفلسطيني من الجانب الاسرائيلي هو نموذج "إتفاقية كامب ديفيد" و ما تمخض عنها من إسترجاع لأرض دون سيادة ، أو ، في حالة رفض هذه المعادلة ، هو شرعنة الإحتلال بدعم من قوة عظمى لا تبالي لا للمواثيق الدولية و لا لقوانينها . ليس من المستبعد أن الساحة العربية تنتظرها حروب مفروضة عليها بغية إستكمال المشروع الصهيوني على الجغرافيا العربية . إسرائيل مركز القوة في المنطقة ، تحوم حولها دولاً عربية لا حول لها و لا قوة ، دول عربية أخرى ، تتلمظ الآمال تحت سقف الشعارات . إنها حالة كارثية ، و لا يفل فولاذها إلاّ الفولاذ . و لكن اليوم ، مع الأسف و الألم ، فإن الفولاذ العربي - الفلسطيني مازال في خبر كان .
و منطق "ما أخذ بالقوة لا يسترد إلاّ بالقوة" لا يعني بالمطلق استخدام القوة لاسترجاع ما أُخِذَ بالقوة ، بل المعنى الواقعي ، غير المغامر، هو أن امتلاك القوة يساهم في ردع العدو ، و تكون بيد صاحب القوة ورقة قوية ، إذا إقتضت الضرورة الدخول لى مفاوضات. و هذا الجانب من تفسير هذا المنطق في حاجة إلى مقال مكمل لهذا المقال .
محمد كمال
——————-
#محمد_كمال (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟