|
رمسيس مصر و مصر السيسي
محمد كمال
الحوار المتمدن-العدد: 4893 - 2015 / 8 / 11 - 10:43
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
رمسيس مصر و مصر السيسي من الاقوال السائدة بين الناس و التي تعددت تأويلاتها بين الحِكَمِ و ثوابت الاقدار ، ذاك القول الذي يتنطق به الناس بمناسبة و دون مناسبة ، بأن التاريخ يعيد نفسه ؛ إن حلقات التاريخ في تسلسلاتها الزمنية توافق القول في محطات تاريخية متعددة ، و هكذا يبقى القول خالداً قائماً يتربص القوادم من الايام عندما تكون هذه الايام مرآة عاكسة لمحطة في ماضي الزمان ، و كأن البون الشاسع من مديد الزمان بينهما مختزل لتتطابق المحطتان في وحدة تتساوى فيها الظروف و الأحداث و عظائم الاعمال و الإنجازات . عندما نسترد من حلقات التاريخ في زمان رمسيس مصر في القرن الثالث عشر قبل الميلاد ، رمسيس الثاني العظيم، الظروف و الأحداث و الاعمال و الإنجازات إضافة الى الهواجس و المخاطر ، فأننا نشهد صورة عاكسة هذا اليوم في عصر مصر السيسي ، الرئيس المقدام عبدالفتاح السيسي ، لكل تلك المكونات شاخصة أمامنا اليوم . رمسيس مصر كان قد خرج من عهد الفوضى الذي تسبب فيه إخناتون عندما خرج على العقيدة المصرية و ثقافتها و أضعف بهذا الخروج مكانة مصر بين الأمم مما أتاح الفرصة للغير أن يرتقي على مكانة مصر و يقلل من شأنها ، خاصة و أن إخناتون أهمل شئون السياسة الخارجية و شئون الدولة عامة ليتفرغ لنزواته في العقيدة الجديدة التى كانت على حساب عظمة مصر؛ و كان حلقة الوصل بين فوضى إخناتون و إستقرار رمسيس مصر هو توت عنغ آمون الذي أعاد لمصر مكانتها العظيمة بين الأمم ؛ و في هذا السياق فإن هناك المشترك العاكس بين مصر السيسي و توت عنغ آمون ، و التوالي من مكونات الزمنين تجمع بين رمسيس مصر و مصر السيسي.
أية أرض مهما تنامت و توسعت رقعتها فهي جارة محاذية ملامسة لعدد من الاراضي التي تحيط بها ، و هذه الإحاطة تجمع بين الصداقة و التحالف و التآزر من جهة ، و العداوة و التخوف و التناحر من جهة أخرى ؛ و أرض مصر الخالدة و منذ رمسيس مصر محاطة بالجغرافية ذاتها ، و بذات الصداقات و العداوات ؛ مثلما الآن مصر السيسي كان رمسيس مصر يواجه الأعداء من بدو سيناء الذين كانوا بين مد و جزر في تحالفهم مع أعداء مصر و خاصة الحثيين (تركيا اليوم)، و كانت القبائل الليبية متربصة تسترصد لنفسها فرصة إختراق الحدود المصرية للإغارة على مدنها الغنية و فعل القتل و النهب و التخريب فيها ، و كان رمسيس مصر يتصدى لهؤلاء الغزاة مثلما اليوم يتصدى الرئيس السيسي للزمر الإرهابية التي تتربص بمصر ، و الأمر ذاته في علاقة مصر السيسي اليوم بتركيا و علاقة رمسيس مصر بالحثيين في زمانه قبل اكثر من خمسة عشر قرناً ؛ أما معركة قادش على أرض الشام بين جند رمسيس مصر بقيادة رمسيس الثاني نفسه ، فإنها تنقلنا الى اليوم بكل تفاصيلها و حتى مسمياتها ، فكم قادش المكان شبيه في الاسم بداعش الاٍرهاب ؛ و كان النصر المؤزر لرمسيس مصر الذي أجبر الحثيين الأعداء التوقيع على إتفاقية سلام مع مصر العظيمة ، فكانت تلك الاتفاقية هي إتفاقية السلام الأولى في التاريخ البشري ؛ و علاقة رمسيس مصر بالنوبة في الجنوب هي على شاكلة اليوم من العلاقة بين مصر السيسي و السودان الشقيق في الجنوب ؛ في الزمنين معاً كانت العلاقة تتأرجح في الثقة بين الشمال و الجنوب و لكنها لم تنزلق قط الى هاوية العداوة و التحارب بالمعنى الكارثي.
عظماء التاريخ من قادة الدول و الشعوب لهم مكانة خاصة في قلب التاريخ النابض بالصدق و الحق ، و يفتخر التاريخ بأبنائه العظماء لأنهم ساهموا في ترصيع التاريخ بالاعمال الخارقة على المعهود و الإنجازات العظيمة ، بعدما ثَبَّتَ هؤلاء العظماء حصن البلاد ضد الأعداء ، و كرسوا جهدهم لقيادة شعوبهم على درب التقدم الى مفاخر الحضارة . رمسيس مصر كرس جهده لتطوير خطوط المواصلات البحرية و البرية لتأمين حركة التجارة بين المناطق الداخلية و الدول المحيطة و ما بعد المحيطة ، و هكذا مثلما اليوم مصر السيسي تحتفل بافتتاح القناة الثانية بمحاذاة القناة الاولى ، و كم كان حفل الافتتاح عظيماً و معبراً و معترفاً بالجميل ، فقد كانت رموز مصر الفراعنة ، رمسيس مصر، حاضرة في قلب الاحتفال الكبير ، و كذلك الاعتراف بالجميل للموسيقار ڤ-;-يردي كان حاضراً في الأداء الرائع لأوبرا عايدة ، تلك الأوبرا التي إفتتح بها قناة السويس الأولى ؛ فمصر اليوم كمصر الأمس لا تدير ظهرها لأي جميل نالها. رمسيس مصر كان طاقة نادرة في البناء و العمران ، فقد بنى مدناً و معابد و التي أشهرها معابد أبي سمبل الحاضرة حية باقية على يمين التاريخ ، فالتاريخ لزيمٌ بهذه الإنجازات التي أرساها رمسيس مصر ؛ من رمسيس الى السيسي ، بنى و أنجز رمسيس مصر ما أراد و خطط فَصَدَّقَ التاريخ أقواله بالافعال المنجزة ، و كذلك الحال اليوم مع مصر السيسي ، فقد أطلق مبادراته لإنجاز خمس مشاريع كبيرة في حجم مصر العظيمة ، و هذه المشاريع تبدأ بقناة ثانية موازية لقناة السويس الأولى ، و مركز لوجستي عالمي للحبوب، و شبكة جديدة للطرق ، و مدينة التسوق العالمية بالقرب من محور قناة السويس الجديدة ، و خامسة المشاريع و ليس آخرها هو مشروع إستصلاح أربع مليون فدان لتطوير الزراعة و توسيع رقعة و تنوع الانتاج الزراعي؛ و رغم أن جهات غربية و إقليمية قد شككت في قدرة مصر السيسي على إنجاز هذه المشاريع و بالأخص منها القناة الجديدة ، و إذا بمصر السيسي تفاجئ العالم بإنجاز المشروع الاول و في وقت زمني قياسي لم يكن في حسبان الشركات العالمية العملاقة ، و كان هذا الإنجاز العظيم بتخطيط من المهندسين المصريين و بتنفيذ على سواعد القوى العاملة المصرية و بتمويل مصري من جيوب الشعب المصري، مما يعني أن مردود المشروع سيعود بالفائدة المباشرة للشعب المصري ؛ و مثلما أنجزت مصر السيسي هذا المشروع الكبير في وقت قياسي أذهل العالم ، فإن المشاريع الباقية هي على الدرب مثل القناة الجديدة؛ فقد ألحق السيسي قوله بالفعل مثلما كان الحال مع جَدِّ أجداده رمسيس مصر العظيم.
عندما ترد كلمة حضارة في أذهاننا و عندما تتفوه بها أفواهنا ، فإن المرادف لها دوماً هي كلمة مصر ، و تبرز مصر في أذهاننا كلما ذُكِرَتْ كلمة حضارة ، فمصر هي الحضارة و الحضارة هي مصر ، و من رآى غير ذلك فهو أعمى الذهن و البصيرة؛ فمصر خالدة بخلود الحضارة ، و الحضارة باقية بحضور مصر ؛ و منذ رمسيس مصر الى مصر السيسي و الأقوالُ تُصَدَّقُ بالأفعال في صفحات التاريخ .
محمد كمال 9 أغسطس 2015 ---------------
#محمد_كمال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ماضي التضامن و حاضر التشرذم
-
الاعلام و الاٍرهاب
-
الطائفية و الوعي الوطني
-
دم المرأة بين عارها و شرف الرجل
-
المنظومات الفكرية والالتزام العاطفي بها
-
التصورات حول الأوضاع العربية
-
طنين الإرهاب في فرنسا
-
ماضي التضامن وحاضر التشرذم
-
الجنوب اليمني وعودة الوعي
-
الذكر والأنثى والتفاضل بينهما
-
وعود برلمانية في أكفان زاهية
-
آفاق تكنولوجيا المعلومات
-
الانتخابات بين المترشح و الناخب
-
الانتخابات بين المشاركة والمقاطعة
-
الخطاب الطائفي المعارض
-
توظيف الطائفة في الطائفية
-
التمازج بين العقيدة والتاريخ
-
التناظر بين البيولوجيا و الدولة
-
لاستبداد سَيِّدٌ في نفوسنا
-
من الأسرة إلى الدولة
المزيد.....
-
-أكسيوس-: الولايات المتحدة قد توقف إمدادات الأسلحة لإسرائيل
...
-
طهران تؤكد على تطوير علاقاتها مع روسيا في مختلف المجالات
-
الخارجية المصرية: لا يمكن أن تستمر الانتهاكات الإسرائيلية دو
...
-
المغرب.. ارتفاع جديد في حصيلة ضحايا التسمم الغذائي بمراكش
-
رويترز: مدير الـ -سي آي إيه- يزور إسرائيل الأربعاء
-
كيم جونغ أون يهنئ الرئيس بوتين بمناسبة تنصيبه رئيسا لروسيا ل
...
-
الخارجية الأمريكية توافق على بيع معدات تحديث صواريخ للإمارات
...
-
بعد تعليقها لساعات.. استئناف حركة الملاحة في مضيق البوسفور
-
قوات كييف تستهدف مستودعا للنفط في لوغانسك بصواريخ -ATACMS- ا
...
-
مصدر مصري: تم إبلاغ إسرائيل بخطورة التصعيد وجاهزية مصر للتعا
...
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|