أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - العلويون، عزلة ثانية














المزيد.....

العلويون، عزلة ثانية


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 6212 - 2019 / 4 / 26 - 15:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في موجات النزوح البشري الواسع التي شهدتها سورية خلال سنوات الصراع المركب الذي أعقب الثورة المحطمة، وُجدتْ موجة قليلة الصخب وعميقة الدلالة هي عودة واسعة للعائلات العلوية من مختلف أنحاء سورية إلى الساحل الذي ولد فيه آباء أو أجداد هذه العائلات.
كانت تلك الموجة قليلة الصخب لأنها كانت فردية الطابع وباردة غالباً، ولم تكن جماعية على شكل النزوح الواسع الناجم عن الضغط المباشر للمعارك وتردد "الانتصارات". وكانت قليلة الصخب أيضاً لأن هذه العائلات وجدت، في الغالب، مكاناً تعود إليه، أو أهلا وأقارب يستندون إليهم إلى حين تأمين استقرارهم المؤقت أو الدائم. أي إنهم لم يحتاجوا إلى خيم أو مؤسسات عامة أو فرق إغاثة، ما جعل موجة الانكفاء هذه بعيدة أكثر عن العين.
دافع هذه الموجة هو، في غالبية الحالات، الشعور بانعدام الأمان بعد أن كثرت مماهاة النظام بالعلويين في الخطاب المعارض، وبشكل خاص بعد دخول السلاح على خط الثورة وسيادة اللون الإسلامي. الكثير من المرويات والمشاهدات والأخبار والإشاعات ولّدت لدى هذه العائلات الشعور بأنها مستهدفة أو قد تستهدف على الهوية. حتى العائلات العلوية المعارضة لنظام الأسد والمساندة للثورة اضطرت إلى ترك منازلها الكائنة في مناطق سيطرة المعارضة، إلى أن باتت هذه المناطق خالية بالكامل من الوجود العلوي سوى من ناشطين جريئين أو قل مغامرين، وهم لم يتمكنوا من الاستمرار هناك مع ذلك.
موجة الانكفاء المدني العلوي هذه تشكل في ذاتها إدانة لمعارضي الأسد، ولكنها تنطوي أيضاً على مؤشر ضعف وتقهقر النظام الأسدي، ولذلك سكت عنها إعلام المعارضة وإعلام النظام معاً.
لامست هذه الموجة المدنية الراجعة نقطة ألم عميقة في الوجدان العلوي تتمثل في ذكريات العزل القديم الذي كان مفروضاً على العلويين. في الحق أن انفكاك عزلة العلويين لم يأت نتيجة لتأسيس دولة مواطنة ومساواة من شأنها أن تذيل أسباب العزل الذي يمكن أن يفرض على جماعات معينة بقوة غلبات أو سلطات تمميز ديني أو عرقي، بل جاء نتيجة تأسيس دولة برئيس علوي، تعلو فيها متطلبات السلطة على متطلبات الدولة، ومن متطلبات السلطة التي تأسست بدءاً من 1970 تعزيز عصبية طائفية علوية عبر الاستثمار في حيازة العلويين على قدر من الاعتراف السوري العام لمجرد وصول رئيس من منبت علوي إلى أعلى منصب في الدولة وما يحقق هذا من اعتبار طالما كان العلويون محرومين منه.
ما قامت به سلطة الأسد على نحو متزايد باطراد، هو نفخ شعور إعادة الاعتبار العلوي وتحويله إلى شعور بالتفوق والتميز على أن العلويين هم "أهل الحكم". كانت هذه الفكرة، بصيغ متنوعة، سيرة تحتية أو ضمنية في المجتمع العلوي، يرافقها دائماً السؤال عن مصير العلويين لولا هذا النظام، أين كانوا وأين أصبحوا. هذا السؤال الذي يدور بطبيعة الحال في أفق سلطات تمارس التمييز السلبي بحقهم بعيداً عن أفق الدولة الوطنية التي لا قيمة فعلية فيها للمنبت المذهبي أو العرقي للفرد. والواقع أن جل المعارضة العلوية لنظام الأسد كانت تنتمي إلى مسعى تأسيس مثل هذه الدولة الوطنية.
تحول الحق العلوي في الانعتاق من العزل والنبذ والتمييز السلبي المزمن، إلى مصدر للتعدي على حقوق الآخرين في ظل سلطة الأسد. تجلى ذلك في ممارسات مؤسسات أمنية وعسكرية محددة يغلب عليها العنصر العلوي، وتحولت هذه الشوكة "العلوية" (وهي في الحق ليست شوكة علوية بل شوكة نخبة متسلطة من العلويين، وغير العلويين، كانت تعتدي على عامة العلويين كما على غيرهم) إلى مصدر تميز للعلوي. في نظر غير العلويين من المجتمع السوري استقرت صورة العلوي على أنه جزء من سلطة قاهرة، حتى لو كان في أفقر وأحط حال. وهكذا بدا كما لو أن فك عزلة العلويين كانت عملية مضادة للمجتمع السوري أو قل مضادة لتطوره الوطني والديموقراطي. استعادة حق جماعة معزولة اتخذ مع الوقت شكل تهميش لآخرين واعتداء على مبدأ المساواة. فك العزلة بمنطق التغلب لا ينتج سوى صراعات التغلب الأهلية التي لا تنتج سوى الدمار.
لم يكن غريباً إذن أن نرى مع اندلاع الثورة ضد نظام الأسد ظهور ممارسة طائفية معاكسة مضادة للعلويين، استناداً إلى اسطورة تأسست تقول أنهم "أهل الحكم"، وهي أسطورة قبلها فقراء العلويين على مبدأ "سيط الغنى ولا سيط الفقر"، وروّج لها، بشكل خاص، الإسلاميون السوريون الذين يعتبرون أنفسهم ممثلين "للسنة السوريين" لأن هذه الأسطورة تشكل ركيزة للدعوة إلى "حكم الأكثرية السنية" وبالتالي إلى حكمهم هم. لم تكن ردة الفعل هذه أقل ضرراً على المجتمع السوري من المسعى الذي سارت فيه سلطة الأسد في تعزيز وهم التميز العلوي ونسف الثقة المتبادلة بين السوريين. وعليه، كما فشل نظام الأسد في فك عزلة العلويين، وغيرهم، عبر تأسيس دولة مواطنة تعلو فيها متطلبات الدولة على متطلبات السلطة، وتكون "الأبدية" فيها للمصلحة الوطنية العليا وليس للسلطة أو للرئيس، كذلك فشل رد الفعل المضاد لسلطة الأسد في إعلاء الوطني على الطائفي. هكذا بقي الطريق الوطني لتجاوز النزعات الطائفية مهجوراً.
تقول موجة الرجوع المذكورة إن الاندياح المدني العلوي الذي اتخذ مداه الأوسع في سوريا بعد 1970 لم يكن تعبيراً عن اندماج وطني سوري وتجاوز وطني للعزلة العلوية، وتقول من ناحية أخرى إن القصور الوطني الذي أعقب تعثر ثم تحطم الثورة السورية هو من جنس القصور الوطني الأسدي حيث تعلو السلطة ومتطلباتها على الوطن ومصالحه.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رفة عين اسمها الاستيقاظ
- خيانات مضمرة
- براميل على الذاكرة
- -المقامر- على أضواء سورية
- الموت تحت التعذيب
- بيت في المخيم
- إرهاب ضد الإرهاب
- البلد العابر للسياسة
- النساء في الثورة السورية
- من الذي قلع عين الرئيس؟
- حزب السيارة الزرقاء
- عميد مغلق وباب مفتوح
- الطبيب المسكين وفخامة الجريح
- يا حيوان ليش ما قلت انك -منهم-؟
- تموت وتاكل غيرها
- موت الرواية
- أرض الألغام
- عزلة المنكوبين
- الاغتصاب
- العلويون والثورة السورية


المزيد.....




- رجل يتنكّر كطائر ويسير 85 كيلومترًا في بريطانيا.. ما السبب؟ ...
- مشاهد تحبس الأنفاس لمغامر يقف على حافة شاهقة في جبل جيس بالإ ...
- مقتل شخصين وإصابة آخرين في غارتين إسرائيليتين على جنوب لبنان ...
- أوكرانيا: مقتل شخصين وإصابة 15 في غارات روسية على مدينتيْ أو ...
- إسرائيل تعيد فتح طرق رئيسية أغلقتها الحرائق ودول تمد يد العو ...
- بيان صادر عن المنبر العمالي العربي المناهض للإمبريالية والصه ...
- برلماني أوكراني: اتفاقية المعادن بين كييف وواشنطن فوق القوان ...
- نتنياهو يستعد لتوسيع العمليات القتالية بغزة
- القوات الأوكرانية تستهدف سوقا في مدينة أليوشكي في خيرسون
- موسكو.. شجار جماعي عنيف في مباراة دوري الهوكي الوطني للشباب ...


المزيد.....

- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - العلويون، عزلة ثانية