أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - علي سيريني - البروتستانتية الإسلامية و الجذور الماسونية للإحيائية الإسلامية (6 من 6)















المزيد.....

البروتستانتية الإسلامية و الجذور الماسونية للإحيائية الإسلامية (6 من 6)


علي سيريني

الحوار المتمدن-العدد: 6163 - 2019 / 3 / 4 - 18:03
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كتبت هذه الحلقة وهي الأخيرة في 25 فبراير 2019

من هذا التراث البروتستانتي، حوّل الإخوان المسلمون دين الإسلام إلى حزب سياسي يصارع من أجل سلطة ديموقراطية و برلمانية و علمانية. و لكن كلما غدا الإخوان نحو هذا الهدف بكدٍ و مشقة، كلما اصطدموا بتوالي الأزمات التي تعرقل مسيرهم المنشود. وهم بهذه الحال، بدل أن يصلوا إلى ما وصلت إليه البروتستانتية المسيحية من إصلاحات سياسية، وجدوا أنفسهم على طريق آخر مغاير تماما، و هو طريق الكنيسة الكاثوليكية التي حكمت بإسم المسيحية، فوطدت أركان الإستبداد لقرون. وبهذا، يسجل الإخوان لأنفسم مفارقة، ربما تكون واحدة من أكثر المفارقات غرابة و إيلاما في التأريخ. في مقابل إستبداد الكنيسة الكاثوليكية، ليست هناك في التراث الإسلامي دولة تدار في المسجد أو الجامع، بل ظل المسجد مكان العبادة و العلم، و ظل العلماء يعملون في حقول العلم و المعرفة، بينما طبقة الساسة كانت تدير الدولة في القصر و الديوان و الوزارة. و لا عجب أن نجد على امتداد قرون الإسلام علماء مسلمين يواجهون السجن و النفي و التعذيب من قبل الدول الإسلامية.
الإخوان استخدموا المسجد من أجل نظام غربي معاصر، لكنهم فشلوا في الإستحواذ على السلطة، بينما نجحوا في إفراغ المسجد من محتواه عبر بتر أوصاله مع التراث الذي امتد لقرون. فلو تفحصتَ الألوف من شباب الإخوان المسلمين، في أي بلد إسلامي، تجدهم كأوعية فارغة، خالية من أي معرفة من معارف التراث الإسلامي. و يكاد تلقينهم و تربيتهم يقتصران على أدبيات قليلة أنتجها أئمتهم و قادتهم الإحيائيين. و جل ما أنتجوه لا يتجاوز تصورات فكرية منهلّة من معين الغرب الذي وصلت أمواج زبده إلى الإخوان، عن طريق أسلافهم الإصلاحيين، مثل جمال الدين الأفغاني و أقرانه و تلامذته في أرجاء العالم الإسلامي.
و ليس بمستغرب، أن تجد أن الإخوان و البروتستانت الآخرين هم الوحيدون الذين يدافعون عن "نقاوة" "الإمام" جمال الدين الأفغاني، و "الإمام" محمد عبده و أئمة آخرين من أئمة محفل كوكب الشرق الماسوني و البروتستانتية الإسلامية. على سبيل المثال هناك كاتبان من كتاب الإحيائية الإسلامية و هما الدكتور محسن عبدالحميد (مفكر كُردي من الإخوان المسلمين) و الدكتور محمد عمارة (مفكر مصري من الإحيائية الإسلامية)، يتناكفان و يستميتان من أجل الدفاع عن طهرانية هؤلاء الأئمة، و اعتبارهم أعلام التجديد و النهضة الإسلامية. و قام هذان الكاتبان بإستخراجات تبدو مضحكة، للإلتفاف على ما يخدش صورة أئمة البروتستانتية الإسلامية، و ما يطيح بنقاوتهم كإنتمائهم إلى الماسونية و الأفكار المرفوضة إسلاميا أو المشبوهة كالإلحاد، و توحيد الأديان، و تحرر المرأة على النحو الغربي، و تحليل محرمات دينية كالربا، و تفسير الغيبيات بمفاهيم مستقاة من نتائج العلوم التجريبة في الغرب، كتفسير محمد عبده لسورة الفيل أن الأحجار التي أهلكت جيش أبرهة و التي حملها طير الأبابيل، ما هي إلا الميكروبات و الأوبئة التي فتكت بأبرهة و جيشه.
و بما أن الإخوان المسلمين أصبحوا البديل المفترض و الواقعي عن الإسلام، لأتباعهم في العالم، و أئمتهم تحولوا إلى بدلاء حقيقيين لعلماء الإسلام و فقهائهم، و في ظل دعم و تهيئة كبيرين للدوائر و الأنظمة المعادية للإسلام التراثي، وجد الإخوان طريقهم نحو الإنتشار و التمكين المادي من أوسع أبوابه. ولو أمعن القارئ النظر في المقارنة بين حسن البنا و بديع الزمان سعيد نورسي، في بلد مثل كُردستان لوصل الإستغراب به أقصى حدوده. فحسن البنا الذي أغتيل في عام 1949 و هو شاب ذو 42 عاما، و هو ليس بفقيه أو عالم، تتبعه الألوف في بلد عجمي مثل كُردستان، و يُطلق عليه لقب الإمام. بينما سعيد نورسي، الذي أطلق عليه لقب بديع الزمان لولوجه أعماق العلوم و المعارف، و هو فعلا أحد كبار الفقهاء و العلماء في تأريخ المسلمين كله، لا يجد له أتباعا في داخل شعبه الكُردي سوى نفر قليل، يسعهم مسجد صغير في زاوية مهجورة من أقاصي الأقضية الجبلية في كُردستان. مع العلم، أن بديع الزمان ولد قبل حسن البنا بـ 29 عاما، و جاهد مدافعا عن الدولة العثمانية ضد الروس و أنقذ الألاف من العوائل الأرمنية من الحرب، و عاش بعد حسن البنا 11 عاما، قضى عمره كله في التأليف و الدعوة و العلم و خدمة الناس، بعيدا عن الأحزاب و السياسة و حبائلهما الفتنوية.
و لكن ماذا قدم الإخوان و اقرباؤهم الإحيائييون أي الوهابية، في السياسة، منذ أكثر من قرن للوهابيين و أقل من قرن للإخوان؟ تفرّعت من كليهما جماعات تلو جماعات. و كلما ولدت جماعة جديدة لعنت أختها، إمعانا في الإيغال في العنف و القتل من جانب، و إصرارا على "الإتصال المتين مع السلف" أو تباهيا بالمزيد من الإحيائية و نبذ التراث والخضوع للتغريب من جانب آخر. ففي كلا المسارين ولدت جماعات و أحزاب كثيرة من رحم الإخوان و الوهابية. بالنسبة للجماعات الوهابية الوليدة، كانت الحجج و الدوافع للجماعة الجديدة تدور دوما حول أن الجماعة السابقة كانت مقصرة في التمسك بالسلف، أو متراخية في إتباعهم و الإلتزام بنهجهم، و متساهلة في إستعمال العنف ضد الأعداء (مثال ذلك داعش التي تطورت من القاعدة التي بدورها تطورت من المجاهدين الأفغان). و بالنسبة للإخوان، فكانت الحجج و الأسباب لولادة أحزاب و جماعات جديدة، هي المزيد من من إصلاح الدين و تحديثه، و الإنفتاح الأكثر على الحداثة و منتوجاتها السياسية (مثال الإخوان المسلمين ثم حزب الوسط ثم الحركة الغنوشية في تونس و الحبل على الجرار).
هذان الضلعان اللذان يشكلان الإحيائية الإسلامية و البروتستانتية الإسلامية، تسببا في خراب و دمار كبيرين للعالم الإسلامي. كما تسببا في تراجع المسلمين و تخلفهم في ميادين شتى، و في مضمار السبق الحضاري على الخصوص. و في هذا السياق، تحولا، وهنا المفارقة المؤلمة و المضحكة، إلى دعم و سند للأنظمة القمعية و المتخلفة في بلدان المسلمين، من حيث كانوا ينوون محاربتها، و فعلا دخلوا في صراعات مريرة معها، كان الإسلام فيها الضحية الأكبر دون إنتصار واحد لهذه الجماعات و لو مرة واحدة. اليوم يدفع المسلمون أثمانا باهظة بسبب البروتستانتية الإسلامية التي قادها رفاعة رافع الطهطاوي، محمد بن عبدالوهاب، جمال الدين الأفغاني، محمد عبده، حسن البنا، إبراهيم ساتروفا، نامق كمال و آخرون كثر. و هذه الأثمان الباهظة، حصد مرارتها المسلمون في أفغانستان، الشيشان، العراق، سوريا، ليبيا، مصر و الكثير من بلدان آسيا و افريقيا، حيث ينتشر الدمار و الفقر و التخلف و التقهقر الحضاري.
و حتى لا يقع القارئ في أجواء التشاؤمية و اليأس، و لعله يسأل، ما الحل إذاً؟ أقول مضيفا إلى ما طرحته في مقالات سابقة على مر السنين التي مضت، إن أفضل خدمة تقدمها الأحزاب و الجماعات الإسلامية للإسلام، هو أن تقوم بحل نفسها و تتصالح في ما بينها من جانب، و بينها و بين الأنظمة من جانب آخر. على أن تتفرغ بعد هذه المصالحة لشؤون العبادة و العلم و الدعوة والعمل الخيري، كما كان الفقهاء و العلماء على مر عصور الدولة الإسلامية خلال قرون خلت.
إن التخلي عن المنافسة الحزبية من أجل السلطة بإسم الإسلام، هو إرتقاء بشأن الإسلام من جديد كدين مقدس، مُرّغ في أوحال التنافس الحزبي و السلطوي الذي أردى العلوم الشرعية و الدعوة بل و العبادة ضحايا مجانية، على غرار الملايين من البشر الذين تحولوا إلى لاجئين، بعد حظ موفور أنقذهم من أن يتحولوا إلى جثث تحت الركام، كملايين أخرى، على امتداد العالم الإسلامي.

انتهى




#علي_سيريني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البروتستانتية الإسلامية و الجذور الماسونية للإحيائية الإسلام ...
- البروتستانتية الإسلامية و الجذور الماسونية للإحيائية الإسلام ...
- البروتستانتية الإسلامية و الجذور الماسونية للإحيائية الإسلام ...
- البروتستانتية الإسلامية و الجذور الماسونية للإحيائية الإسلام ...
- البروتستانتية الإسلامية و الجذور الماسونية للإحيائية الإسلام ...
- أردوغان ليس عدو الكُرد لكن الأحزاب القومية الكُردية اليسارية ...
- أول صانع سيارة كهربائية عالم كُردي من العراق
- ملهى ليلي مقابل الكعبة المشرفة
- بكائية على أطلال المستقبل أرقام و حقائق الأموال التي دفعتها ...
- بكائية على أطلال المستقبل (1) زمن الكَرْجى (ناكح الحمارة) ال ...
- هل مشكلة السّنة في الدين وحلّها في العلمانية والديموقراطية؟ ...
- عوائد النضال -للمنصور- الجبلي
- الهدف من إسقاط الموصل هو إحياء تشالديران من أجل القضاء على ت ...
- لماذا قانون العدالة ضد الإرهاب الأمريكي المعروف ب (جاستا) ال ...
- جهابذة الإعلام العربي والقانون المصدق من قبل الكونغرس الأمري ...
- هل النظام السعودي والنظام الإيراني عدوّان أم لاعبان للأدوار ...
- هل هناك مجازر جماعية تنتظر المسلمين في بلاد الغرب؟
- حين يخسر الكُردي فرصته الذهبية
- صلاة يتامى الموت (لعلّ موتا ناعما يرحمنا)
- من الأندلس إلى القسطنطينية ومن الهنود الحمر إلى الكُرد


المزيد.....




- -كان سهران عندي-.. نجوى كرم تثير الجدل بـ-رؤيتها- المسيح 13 ...
- موعد وقيمة زكاة الفطر لعام 2024 وفقًا لتصريحات دار الإفتاء ا ...
- أسئلة عن الدين اليهودي ودعم إسرائيل في اختبار الجنسية الألما ...
- الأحزاب الدينية تهدد بالانسحاب من ائتلاف نتنياهو بسبب قانون ...
- 45 ألف فلسطيني يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى ...
- استعدادا لذبحها أمام الأقصى.. ما هي قصة ظهور البقرة الحمراء ...
- -ارجعوا إلى المسيحية-! بعد تراكم الغرامات.. ترامب يدعو أنصار ...
- 45 ألفا يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى
- الأتراك يشدون الرحال إلى المسجد الأقصى في رمضان
- الشريعة والحياة في رمضان- مفهوم الأمة.. عناصر القوة وأدوات ا ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - علي سيريني - البروتستانتية الإسلامية و الجذور الماسونية للإحيائية الإسلامية (6 من 6)