أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - علي سيريني - البروتستانتية الإسلامية و الجذور الماسونية للإحيائية الإسلامية (1 من 6)















المزيد.....

البروتستانتية الإسلامية و الجذور الماسونية للإحيائية الإسلامية (1 من 6)


علي سيريني

الحوار المتمدن-العدد: 6159 - 2019 / 2 / 28 - 00:49
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تكتسب الحركات الإسلامية الحديثة مضمونها و مقوماتها في الوعي العام من عنوانها. فهذه الحركات الإسلامية تعتقد، كما يعتقد معظم الناس، أنها مبنية وفق قواعد الإسلام، و تقوم و تمضي وفق هذه القواعد. جل هذا الإعتقاد يستند إلى عنوان هذه الحركات و هو "الإسلام" المضاف إليها كنسبة و تعريف. لست من أعداء الإسلاميين. بل نشأت منذ نعومة أظافري على أدبياتهم و ترعرعت بثقافتهم. لكن بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود من دراسة و معاينة و بحث لهذه الحركات، ثم دراسة التأريخ الغربي في الغرب أكاديمياً، و دراسة التأريخ الشرقي كباحث، وصلت إلى تلك الخيوط التي تفسر لي كيف و لماذا نشأت هذه الحركات الإسلامية، في سياق له جذوره و أسبابه و منطلقاته. هذا السياق يمتد في عمقه في البروتستانتية المسيحية، التي ظهرت في القرن السادس عشر الميلادي في أوروبا، و كذلك في التنوير و الحداثة الأوروبيين.
حتى يستطيع القارئ العربي تكوين نظرة واضحة للموضوع سأتحدث أولا عن السياق البروتستانتي المسيحي في أوروبا، ثم أتحث عن مرحلة ما بعد الحركة البروتستانتية التي عصفت بأوروبا. ثم بعد ذلك أفصّل في الحديث عن الإحيائية الإسلامية التي ظهرت إلى الوجود منذ القرن التاسع عشر تحت تأثير هذين الرافدين.
انطلقت المعارضة المسيحية المسماة بالبروتستانتية (تعني المعارضة)، في القرن السادس عشر الميلادي، في شمال أوروبا و تحديدا في ألمانيا على يد عدة رجال دين مسيحيين و أشهرهم هو مارتن لوثر (القسيس، بروفيسور علم العقائد، و الموسيقار 1483-1546). قبل ذلك، و تحديدا على مشارف نهاية القرن الخامس عشر، نشأت في شمال أوروبا قناعة عامة لدى الناس، أن إصلاح الكنيسة الكاثوليكية اللاتينية (الرومانية) بات أمراً ملحاً لا مفر منه. و هذه المعارضة التي أفصحت عن نفسها، بدأت أول ما بدأت، برسالة لوثر التي تضمنت 95 نقطة مناقشة للإعتراض على الآداء الكنسي على المستويين الديني و السياسي. صكوك الغفران هي التي تسببت في ظهور هذه الرسالة الجدلية الإعتراضية للوثر، التي اتسعت في ما بعد و امتدت لتتحول إلى شرارة غيرت أوروبا تغييرا عظيما.
بدأت الكنيسة الكاثوليكية في القرون الوسطى ببيع صكوك الغفران للمسيحيين، مقابل تقليل فترة الطهور في يوم القيامة. أي أن المسيحي الذي يدفع المال إلى الكنيسة سيحصل على غفران لذنوبه بقدر المال المدفوع، مما يجعل أمر خلاصه من العذاب في الآخرة أسرع. تطور الأمر لاحقا إلى السماح للمسيحيين بشراء صكوك الغفران لأقربائهم الأموات. كانت الكنيسة تحتج أنها تصرف هذه الأموال للعمل التبشيري و الخيري، كإعادة ترميم كاتدرائية القديس بطرس بروما. لكن أعضاء الكنيسة بدأوا يسمنون من هذا المال الذي وصفه الفن الأوروبي آنذاك في إطار ساخر، حيث رسم الفنانون صورة أعضاء الكنيسة في هيئة السمنة وهم يأكلون لحم الأموات. من المفيد أن نشير هنا إلى أن نظرة الكنيسة اللاتينية إلى المال كانت نظرة سلبية، حيث اعتبرت الكنيسة المال ضمن دائرة "المدنس البشريProfane " وهو مصطلح يقابل "المقدس الإلهي Devine ". لكن هذه النظرة السلبية تغيرت في نهاية مرحلة النهضة الأوروبية (الرينيسانس) التي ظهرت في إيطاليا مع بداية القرن الرابع عشر و وصلت إلى أوجها مع نهاية القرن الخامس عشر. لكن المفارقة كانت في التناقض بين نظرة الكنيسة السلبية إلى المال، و موقف الكنيسة و رجالها من المال الذي تجمّع في أيديها. هذا المال المتراكم في الكنيسة جعل رجالها أغنياء. تزامنا مع هذا ظهر فساد من نوع آخر في الكنيسة و يُسمى بـ "الصايمونية"، وهي حصول رجل الدين الواحد على عدة وظائف في أكثر من كنيسة في المدينة و أريافها. و بما أن رجل الدين الواحد لم يكن قادرا على أداء عدة وظائف في وقت واحد، فكان يلجأ إلى بيع هذه الوظائف إلى رجال دين آخرين مقابل نصف راتب، و هذا ما أتاح للكثيرين منهم جمع ثروة كبيرة من وراء هذا الإلتفاف، الذي اعتبره البروتستانتييون عملا يخالف تعاليم الدين المسيحي.
رد لوثر على الكنيسة بأنها وقعت في تناقض واضح، وهو بيع المقدس الإلهي (الغفران) بالمدنس البشري (المال)، أي أن المال الذي يعتبر مدنساً بشرياً، كيف له أن يشتري ما هو مقدسٌ إلهي (الغفران لفترة الطهور). ثم اتسعت معارضة لوثر للكنيسة حيث ضربها في الصميم، إذ دعا إلى العودة إلى النسخة الأولى من المسيحية (مرحلة السلف)، أي القفز على أسوار الكنيسة نحو الفهم الصحيح للمسيحية وفق رؤية و فهم الرعيل الأول من المسيحيين (المسيح و تلامذته و أتباعه). بهذا الجدال، فتح لوثر باب القضاء على إحتكار الكنيسة لتفسير الكتاب المقدس، و فتح باب الفهم للناس كافة. و يعني هنا أن لوثر و الإصلاحيين البروتستانت، ما هم إلا دعاة سلفيين (السلفية المسيحية)، مع مفارقة واضحة جدا مع (السلفية الإسلامية) من جهة النتائج المترتبة على الدعوتين. فالدعوة السلفية المسيحية أدت إلى التخلص من التراث الكنسي المحدود و الجامد، و فتح باب الإجتهاد الذي لعب دورا كبيرا في تغيير أوروبا. لكن الدعوة الإسلامية السلفية أدت إلى الضمور و التخلف، لأنها طمست التراث الإسلامي الذي كان وليد إجتهاد عظيم، خلّف تراثا غنيا منفتحا و عميقا. سأعود لشرح هذه النقطة في الحلقات القادمة.
لم يهدف لوثر إلى شق الكنيسة الكاثوليكية، و إنشاء مذهب جديد، كما هو مشاع. لكنه كما صرّح بنفسه، أراد إصلاح الكنيسة و الفساد الذي عصف بها. لذلك رفض لوثر دعم ثورة ثوماس مونتسر الذي قاد الفلاحين في ألمانيا في حرب شهيرة ضد سلطة الأمراء في عامي 1524-1525. فاعتبر لوثر حركة مونتسر مخالفا للدين و السلطة التي هي ظل الله في الأرض.
كان أهم ما دعى إليه لوثر في معارضته هو أن الإيمان بالمسيح يكفي للخلاص يوم الدينونة، و ليس العمل هو الذي يخلّص المسيحيين. وهذه الرؤية شكلت خطرا واضحا على الكنيسة و ارتباطاتها مع الرعية، لأن شراء صكوك الغفران بدأ في التراجع، في ظل هذه الرؤية الجديدة للعقيدة المسيحية، مما كان يعني ضربة إقتصادية كبيرة للكنيسة. في إثر ذلك، أستدعي لوثر للمثول أمام محاكم الكنيسة، للرجوع عما بدر منه. تعنّتَ لوثر، فحوّل جلسات محاكمته منذ عام 1518 إلى إدانة للبابوية، واعتبرها بدعة غير منصوص عليها في الكتاب المقدس. في عام 1520، أصدر البابا ليو العاشر مرسوما بطرد لوثر و حرمانه الكنسي، حتى أعتبر بعد ذلك شخصاً خارج القانون.
البروتستانتية فتحت مسألة إنعتاق المسيحيين و إشعال معارضتهم للسطوة الكنسية، عبر الدعوة السلفية و هي العودة إلى الرعيل الأول و فهم الكتاب المقدس فهما صحيحا، و محاربة بدع الكنيسة التي قوّضت حرية المسيحيين و دينهم. كانت النتيجة مذهلة حقا، حيث كان هناك إصلاحييون معارضون للكنيسة معاصرون للوثر، كانوا قد أعلنوا معارضتهم على الملأ مثل جون كالفن، هولدريخ زفينكلي، كاثرينا شوتس زيل، مارتن بوسر، يان هوس ...الخ. هؤلاء الإصلاحييون فجروا ثورة عظيمة في أوروبا، كتواصل مع تراث النهضة (الرينيسانس) لتفجر كوامن مرحلة التنوير و الحداثة في مراحلها اللاحقة، سَرَتْ عبر مخاضات عسيرة و دموية.

يتبع



#علي_سيريني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أردوغان ليس عدو الكُرد لكن الأحزاب القومية الكُردية اليسارية ...
- أول صانع سيارة كهربائية عالم كُردي من العراق
- ملهى ليلي مقابل الكعبة المشرفة
- بكائية على أطلال المستقبل أرقام و حقائق الأموال التي دفعتها ...
- بكائية على أطلال المستقبل (1) زمن الكَرْجى (ناكح الحمارة) ال ...
- هل مشكلة السّنة في الدين وحلّها في العلمانية والديموقراطية؟ ...
- عوائد النضال -للمنصور- الجبلي
- الهدف من إسقاط الموصل هو إحياء تشالديران من أجل القضاء على ت ...
- لماذا قانون العدالة ضد الإرهاب الأمريكي المعروف ب (جاستا) ال ...
- جهابذة الإعلام العربي والقانون المصدق من قبل الكونغرس الأمري ...
- هل النظام السعودي والنظام الإيراني عدوّان أم لاعبان للأدوار ...
- هل هناك مجازر جماعية تنتظر المسلمين في بلاد الغرب؟
- حين يخسر الكُردي فرصته الذهبية
- صلاة يتامى الموت (لعلّ موتا ناعما يرحمنا)
- من الأندلس إلى القسطنطينية ومن الهنود الحمر إلى الكُرد
- ظاهرة الإحتفال بإسلام الغربيين الشقر
- الثالوث الأقدس الذي دمّر الشرق وأهله
- موطئ قدم الإنسان الشرقي المتشقق
- التناقضات المضحكة في السياسة الكُردية
- كيف حوّل الغربييون والصفوييون بعض الأكراد إلى مطايا يركبونها ...


المزيد.....




- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - علي سيريني - البروتستانتية الإسلامية و الجذور الماسونية للإحيائية الإسلامية (1 من 6)