أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد قنوت - العنف خلف الغربال















المزيد.....

العنف خلف الغربال


خالد قنوت

الحوار المتمدن-العدد: 6160 - 2019 / 3 / 1 - 14:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لكأننا شعوب لا تتعلم و قد نكون في عداء تاريخي مع التعلم منذ انهيار اساطيرنا التاريخية التي لم يجرؤ إلا القلائل على تناولها بالنقد و المراجعة حتى نتسامح معها و نستخلص منها العبر ضمن رؤية للمستقبل الذي يكتنفه ضباب الجهل و التخلف و العنف على المدى المابعد منظور.
و اذا كان الفكر هو وليد الواقع فعلينا أن نقرأ هذا الواقع جيداً و ننظر إليه من زاوية الحياد قليلاً حتى لا تجرفنا العاطفة بعيداً عن العقل فنسقط في مستنقعات الوهم و سلبية اقتناعنا بأننا ضحايا أو أن نستكين لوهم المؤامرة الكونية التي كانت و مازالت خبز الانظمة الاستبدادية في تبرير الدم و الخراب و النهب لأوطاننا.
ما قام به الكثير من السوريين و السوريات في منتصف آذار من عام 2011 بحراكهم الشعبي ضد الاستبداد المتوحش لهو أعظم عمل أنساني مجتمعي منذ ثورة أبو ذر الغفاري بالمعنى المجازي لتلك الثورة تاريخياً أو منذ الثورة السورية الكبرى ضد المحتل الفرنسي كعمل وطني أصيل اذا اعتبرنا أن سورية بحدودها اليوم هي نتاج توافقات دولية أنتجت حدود سايكس بيكو.
هذا الحراك الذي بدأ سلمياً و استمر أكثر من ثمانية أشهر إلى أن تحول إلى مسلح و عنف أعمى نتيجة ظروف موضوعية كثيرة منها ما هو خارجي كعنف النظام و توحشه و تشابك التدخلات الخارجية و منها داخلي كعجز القوى السياسية و المثقفة على الوصول لناصية الحراك و قيادته نحو شكل ثوري يخاطب كل السوريين أولاً خطاباً وطنياً خالصاً يسعى لقيام دولة القانون و العدالة و احترام حقوق الانسان الفرد السوري و حقوق كل المكونات الاجتماعية السورية و ثانياً خطاباً متوازناً و عقلانياً نحو العالم و الاقليم يؤكد فيه العمل نحو قيام دولة مدنية غير معادية لشعوب و دول المنطقة و تسعى نحو سلام عالمي. يتوافق مع هذا العجز تصدر الاسلام السياسي للمشهد و عمله الدؤوب لتحويل الحراك السلمي الوطني إلى الحالة الاسلامية في البداية ثم إلى حالة طائفية و أثنية و مذهبية و هلم جرة.
كل ذلك أصاب المد الجماهيري بحالة عجز و حيرة رغم كل التضحيات الجسام الذي قدمتها الحاضنة الشعبية للحراك خلال ثمان سنوات دامية و قاسية تصل حد الصدمة و الذهول من هول العنف الذي تعرضت له من النظام و من القوى العسكرية غير السورية و الجيوش الاجنبية و أيضاً من التنظيمات المسلحة الاسلاموية بعد انحسار الامل بقيام جيش وطني بديل اساسه العناصر الوطنية المنشقة عن جيش النظام.
إن قراءة الواقع و تحليله كانت و مازالت اللبنة الاولى لتشكيل الفكر و هذه المهمة تقوم عادةً بجهود الانتلجنسيا كشريحة اجتماعية تمتهن العمل الذهني المعقد بطابعه الابداعي و الجمالي و تشتغل في ادارة الانتاج و بتطوير الثقافة و تهتم بنشرها و هنا أضع الانتلجنسيا السورية بشكل عام أمام المرآة لترى عجزها و تواضع أدائها خلال السنوات السابقة و حتى في بعض الاحيان جنوحها نحو الحالة الشعبوية بدل أن تمتهن العقل و التوعية و التحذير من المطبات و الارتهان للاسلام السياسي و الارتزاق من نشر الوهم و المزاودة و الخداع في صفوف السوريين المنتفضين و الثائرين على حساب الحقيقة و المنطق و العقل, و هذا التعميم لا ينتقص من عمل و جهود الكثيرين اللذين اصابهم الاعياء من الاقصاء و تجاهل الجميع و تخوين الكثيرين.
يقول المفكر الياس مرقص: ( أذا أردنا أن ننظر إلى الواقع فلا بد أن نخرج منه كي نعرف ما هو الواقع حقاُ) فإذا تناولنا موضوع العنف فهو بالاصل من الطبائع الانسانية التي هي نتيجة غريزة البقاء و التي ابقته ككائن تحيط به الكائنات المتوحشة و مع تطور الانسان انحسر هذا العنف و تفاوت حدته مع تطور الامم و قيام الدول و التي بالتعريف تتحمل مهمة تأطير العنف الفردي و المجتمعي و قوننة التعامل معه و تحويله إلى طاقات ايجابية في العمل و المنافسة و الانتاج.
إن موضوع العنف لا يخص مجتمعاً أو مكوناً اجتماعياً محدداً و هو موضوع اشكالي يتناوله معظم علماء الاجتماع في دراساتهم في معظم دول العالم كحالة فردية تمارس يومياً في البيت و الحي و المدرسة و العمل وصولاً لحالته الجمعية كممارسة العنف في ملاعب كرة القدم حتى الحروب الاهلية في مجتمعات كانت قبل قليل تتعايش و تمارس حيواتها المدنية بشكل طبيعي.
و المجتمعات العربية عامةً و السورية خاصةً ليست بمنأى عن موضوع العنف كطبائع بشرية فردية و جمعية كونها تحمل بداخلها غريزة البقاء و أيضاً نتيجة تعرضها لعنف تاريخي مارستها نفسها بنفسها ضد مكونات تشاركها المكان و الزمان و عنف تاريخي آخر مارسته السلطة القائمة منذ انتقال الخلافة إلى دمشق و قيام الدولة الاموية كأول شكل لقيام مفهوم الدولة الدينية الراعية و الأبوية مروراً بالاحتلال العثماني و حتى قيام دولة الاستبداد في يومنا هذا التي مارست العنف الفردي و المؤسساتي ضد السوريين كأفراد و كمكونات و حصنت ادوات و وسائل هذا العنف بدساتير و بقوانين طوارىء و بأجهزة قمعية محيونة و بتبعية المؤسسة القضائية و تفريغها من استقلاليتها و نزاهتها و اللعب على تناقضات المكونات الاجتماعية السورية لفرض واقع يرسخ عنف الاستبداد السلطوي كضمانة لتغييب العنف الاجتماعي.
إن ما شهدناه من عنف مجتمعي دفين لم يكن بسبب الحراك الشعبي بل كان بسبب غياب سلطة العنف التي مارسها النظام على السوريين و غياب البديل الوطني بعد انسحاب النظام من مناطق واسعة من سورية. لكن هذا لا يلغي حقيقة أن العنف موجود و ممارس يومياً قبل الحراك و هذا ما يعرفه النظام نتيجة قراءة أكثر واقعية من قراءة بعض المثقفين السوريين.
(بالتأكيد في سورية, كانت هناك محاولات معاصرة لقيام مفهوم متطور للدولة كمؤسسة ناظمة لعلاقات بين مواطنين و ليس كراعية لمزارع و عبيد, ذلك بعد الاستقلال و حتى اول انقلاب عسكري).
إن تجاهل الواقع و رفض موضوع العنف كحقيقة من بعض المثقفين السوريين لهو تجني على الواقع أو بأفضل الاحوال محاولة لتصدير ازمة معرفية حيث يكون المثقف أسير برجه العاجي فلا يستطيع أن يخرج من حلم كونه نخبة للمجتمع الذي ينظر إليه بنظرة فوقية متعالية لكنه في نفس الوقت لا يريد أن يخسره فيسقط بالشعارات الشعبوية.
خلال سنوات ثمان, ألم يكن يمارس الكثير من السوريين و المثقفين بالتحديد العنف على من شاركوا بالحراك و كانوا الاوائل في التحذير من اسلمة الحراك و تسليحه و تجيريه من قبل قوى عنف سياسية لاوطنية لن تكون بأقل استبداداً من النظام نفسه في حال استولت على السلطة؟
ألم يرمى المناضل عبد العزيز الخير ببيض العنف قبل أن يختطفه عنف النظام؟
ألم يخطف العنف رزان زيتونة و رفاقها من دوما و لم يظهروا حتى اليوم؟
ألم يعتقل و يقتل الكثير من الناشطين و الاعلاميين الثوريين؟
ألم يمارس العنف تجاه ادونيس و المرحوم جورج طرابيشي و المرحوم جلال صادق العظم و يوسف عبدلكي و يوسف عبد العظيم و ميشيل كيلو و برهان غليون و معاذ الخطيب و الكثير الكثير و هم من عانوا من عنف النظام لعقود طويلة, عندما أتهموا بالخيانة و التخاذل و العمالة و بالعلمانية؟ و هذا ينطبق على ضباط انشقوا عن جيش النظام ايضاً؟
ألا يمارس هذا العنف اليوم على الفنان طلال ديركي الذي قدم للحراك الثوري رؤئته الفنية للواقع بعدة افلام وثائقية ليخطو بها على السجادة الحمراء في هوليود؟
لا يزال الكثير من السوريين و مثقفيهم يمارسون العنف خلف غربال الثقافة و الثورة و يقبعون في دوامة الحكم على الآخرين و أصدار الاحكام بحقهم و تصنيفهم كخونة أو عملاء أو متخاذلين أو رماديين أو موالين... من خلال رؤيتهم الشخصية للحياة و للثورة و للنظام على حساب تقديم حلول وطنية لما هو قائم في سورية مبني على تحليل علمي و حقيقي للواقع السوري و محاولة تحويل موضوعة العنف إلى حالة تحريرية وطنية معترف بها في كل المحافل الدولية كحق انساني.
أعتقد, أنه مطلوب منا جميعاً اليوم أن نرفع مقولة المناضل عبد العزيز الخير: (لا يجعلكم حقدكم على النظام أكبر من حبكم لسورية) فالوطن المحتل و الجريح يحتاج اليوم لخطاب جديد و عقلية جديدة و ممارسة وطنية جديدة فالسوريون مثقلون بالحزن و الحاجة و غياب الامل و الجميع يعرف من تسبب بهذا الكارثة الوطنية و أن وجوده هو سبب لاستمرارها.



#خالد_قنوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عفوية العمل الثوري و ضياع الأمل من جديد
- الشباب و مستقبل سورية
- نيرون مغنياً
- من يقدر الجمال, ينتصر.
- سوتشي, لماذا؟
- استحقاقات سورية مصيرية
- الشعب الايراني و حتمية القيامة من جديد
- ما بين باريس و سوتشي
- زمن انهيارات القيم الوطنية
- بالنار كللت يا شام
- لماذا علينا و ليسوا معنا؟
- صور من المقالب الآخرى
- سورية بين دولة العدالة و سراب الدولة
- استدعاء الماضي لخسارة المستقبل
- دروس سريعة من ليلة الانقلاب
- زنوبيا السورية
- هدف الحرب هو الحرب
- القبعات الزرق في سورية
- أين الصين من الثورة السورية؟
- جواز سفر سوري, و جثة ارهابي


المزيد.....




- فيديو غريب يظهر جنوح 160 حوتا على شواطىء أستراليا.. شاهد رد ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1000 عسكري أوكراني خلال 24 سا ...
- أطعمة تجعلك أكثر ذكاء!
- مصر.. ذعر كبير وغموض بعد عثور المارّة على جثة
- المصريون يوجهون ضربة قوية للتجار بعد حملة مقاطعة
- زاخاروفا: اتهام روسيا بـ-اختطاف أطفال أوكرانيين- هدفه تشويه ...
- تحذيرات من أمراض -مهددة للحياة- قد تطال نصف سكان العالم بحلو ...
- -نيويورك تايمز-: واشنطن سلمت كييف سرّا أكثر من 100 صاروخ ATA ...
- مواد في متناول اليد تهدد حياتنا بسموم قاتلة!
- الجيش الأمريكي لا يستطيع مواجهة الطائرات دون طيار


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد قنوت - العنف خلف الغربال