أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دعد دريد ثابت - رجال مذعورة من فئرانها














المزيد.....

رجال مذعورة من فئرانها


دعد دريد ثابت

الحوار المتمدن-العدد: 6111 - 2019 / 1 / 11 - 02:32
المحور: الادب والفن
    


حين أنهيت قراءة رواية " فئران ورجال " لجون شتاينبك، التي تدور قصتها في ثلاثينيات القرن العشرين، أبان الأزمة الإقتصادية في العالم عامة والولايات المتحدة خاصة، وحالة الفقر المدقع وإنهيار آمال الكثيرين في حلمهم البسيط في مستقبل زاهر.
كانت الرواية تبدو كلاسيكية بسيطة المغزى لأول وهلة، ولكنها برمزية عالية التقنية في أعقد صورها لبساطتها.
فبطلا الرواية صديقان لايفترقان، جورج الضعيف البنية، السريع ولكنه ذكي، ولني الضخم الجثة، القوي، ولكن بعقل طفل صغير.
فقيران يتنقلان من مزرعة لأخرى ويؤديان مختلف الأعمال الشاقة من حصاد وغيرها، لقاء أجر من بضع دولارات وطعام بسيط ومأوى للنوم.
المشكلة المركزية التي يوجهنا الكاتب لها وتثير إهتمامنا وتشدنا للرواية، هو وضع لني. فهو ذا مستوى عقلي مختل، لايفقه من الحياة غير ولعه بل شغفه بالأشياء الناعمة الملمس، كالأرانب، الفئران، الجراء وحتى الأقمشة المخملية، ومن شدة تعلقه وحبه لتربيتها يعمد الى خنقها بغير قصد ( الطفل الذي نود ان لايكبر بنا أبداً، والذي نغبط ونحسد المجانين لحلمهم الذي لايفيقون منه أبداً ولايودون ذلك، الإبتعاد والهروب من الواقع الى الحلم، أو ربما الحلم هو الواقع؟). وهذا الأمر يوقعه ورفيقه بمشاكل عديدة، ليضطرا بعدها للهرب من كل مزرعة يحاولان العمل بها، لتحقيق حلمهما في إمتلاك رقعة صغيرة من أرض تُزرع بمحصولات بسيطة لكن نتاجها يكون ملكهما، وكوخ يأوي خصوصية الإنسان في أمنية إمتلاكه لشئ يخصه وحده.
وهكذا يخفقان المرة تلو الأخرى، حتى يوقعهما القدر أو الصدفة، الى آخر مزرعة يصلاها سوية.
شخصيات العمال المأجورين للعمل في المزرعة مختلفة، ولكنها من واقع الحياة.
فهناك العجوز الأسود كروكس الوحيد المنعزل إنعزال قسري إختياري. فهو كأسود لايُسمح له بالنوم في عنبر المأجورين الآخرين، (وهنا نميز التباين الطبقي حتى بين الفئات المعدومة وتفككها وعدم إمكانية تلاحمها)، ولكنه بنفس الآن يفضل هذه العزلة (إغتراب الإنسان السرمدي).، ليتخلص من متاعب ومضايقات أو ربما حتى تهديدات الآخرين التي قد تقوده لحتفه.
ولكنه يسمح في لحظة إحتياج لوجود إنسان يحادثه بما يختلج في جوانحه من مشاعر، (تعبير عن حاجة الإنسان المزدوجة، كحيوان إجتماعي)، بدخول الأبله المعتوه لني لحظيرته المنعزلة، والذي بالرغم من انه لايفقه كلمة مما يقوله له مما يشغل باله. فلني لايفتأ يتحدث عن أرانبه وكيف سيسمح له جورج بتربيتها في مزرعة المستقبل، وهكذا يطمئن العجوز من أن لني لن ينقل حرف واحد مما يخبره به للآخرين، ولكنه يستمر بالحديث وإفصاح مكنوناته له بالرغم من ذلك.
هناك شخصيات أخرى، ولكن أكثرها تمييزاً وجود إمرأة في وسط هذا الحشد من رجال يفتقدون لأبسط متطلبات الحياة. فلا مال ولا مأوى ولا حبيبات ولا أمل في حلم أو حتى زيارة ماخور لاتتم الا بعد تضحيتهم بأجرهم مقابل لحظات متعة جسدية زائفة. وهي زوجة فاتنة تزوجت حديثاً من ابن صاحب المزرعة كيرلي المتنمر الفظ والذي يختلق المشاكل، لغيرته الشديدة على زوجته، التي لاتفتأ عن إغواء الرجال من حولها، لعجز زوجها جنسياً وإنسانياً عن إشباعها. الإمرأة التي يرغب بها الجميع ولكنهم يخشون منها حين يكونون سوية، لكي لايشهد أحدهم على الآخر، ولكن حين تختلي بمفردها مع أحدهم ينصاعون خلف شهيتهم لها. ولكنها لاتكتفي، فهي ليست فقط أداة أو سلعة جنسية على الرغم من إستخدامها لمفاتنها، فهي لاتعرف غير الإغراء الذي فرضه عليها المجتمع الذكوري من حولها للوصول أو محاولة ذلك لجذب إنتباه الآخرين لوجودها ورغباتها في الحياة، كـ " أنا " الإنسانة.
وبالرغم من أنوثتها الطاغية، فهي تحمل أماني وأحلام إنسانة تكاد تكون طفولية بعفويتها، وهذا مايشدها الى لني الوحيد الذي يتجاهلها، ويتجاهل جمالها وأنوثتها، لتحذير من جورج ان لايتورط بالمتاعب. ولكنها تتحين الفرص حتى تختلي به، لتقص عليه لأنه طفل مثلها، لايفقه غير ولعه بالفئران والأرانب، أحلامها بالعمل كممثلة وترك زوجها الشرس الغير مقتدر الا بالتظاهر بالفتوة والقسوة عليها وعلى العمال المأجورين.
وتسمح للني بمداعبة شعرها الناعم، الذي حالما يفعل ذلك ولنعومته وإستمتاعه، ينسى نفسه ويضغط عليها بقسوة، وحين تقاومه ومن شدة خوفه أن تصرخ وتفضحه، لأنه يفعل ذلك دائما مع الحيوانات التي يكسر رقبتها بغير قصد ويقتلها ويعلم بتأنيب صديقه جورج لذلك، ينتهي الأمر بأنه يكسر رقبتها أيضاً ويقتلها، ويهرب من الحظيرة. يكتشفون الأمر وكذلك صديقه جورج، الذي يعلم هذه المرة أنه لن يكون بإستطاعته إنقاذ صديقه المعتوه من هذه الجريمة بالهرب، والا فسيحاكم هو الآخر ويُقضى عليه. ويسرق جورج مسدس أحدهم ليذهب الى المكان الذي اتفق مع لني الإختباء فيه في حالة تورطه بالمتاعب في بادئ الأمر. يجده هناك ويسأله لني الصفح، وأن لايعاقبه من حرمانه من المزرعة - الحلم - التي سيعيشان سوية بها ليربي الأرانب ويطعمها ويستمتع بتربيتها ولايقتلها. ويطلب منه جورج أن ينظر للأفق ويتخيل كل هذا الحلم أمامه وهو يروي ذلك، وفي تلك اللحظة التي يرى لني حلمه سيصبح واقعاً ملموساً، يصوب جورج فوهة المسدس الى عنقه من الخلف ليطلق عليه النار رحمة به مما سيحصل به لو قُبض عليه.
يعثر عليهما سليم ويفهم كل شئ، ليعرض على جورج أن يذهبا ليشربا كأساً، نخب إنعتاق الألم، العزلة والفقر.
وفي مقتل لني والشابة الشخصان الوحيدان المميزان والمختلفان عن المجموع، الطفلان المتمردان، كل بطريقته. الشابة بيد لني، ولني بيد صديقه الوحيد أو راعيه، يكون الحلم الوهم بأتم وجه قد أفل، وتعود الحياة الى مجراها القطيعي الرتيب، فماهي الا حصيلة أحلام عبثية ولن يحصل أحد ولا حتى على قطعة أرض أو سماء، عمر يُستنزف شريداً خلف رموز سطحية يصنعها الإنسان ويلهث خلفها، ناسياً في بحثه ودؤبه أهم المقتنيات الا وهي الأنا وحلمها.
وتتكاثر فئران الرجال قبل موسم الحصاد لتختبئ في جحورها ذعراً لحين الموسم القادم.



#دعد_دريد_ثابت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كن كما أنت، أو كما الآخرين يريدوك ان تكون، أو كما تريد أن يك ...
- عبد المجيد غيفارا
- من منا لا يحتاج ل -صك الغفران - ؟
- بحر نسي قلبه الأزرق
- ضياع الأدمغة في المدن الآسنة
- الف كلمة وكلمة لاتُغني عن.......
- تعيش الفراشة يوماً، لكنها تلد مئات الفراشات
- موت وحذاء مهترئ
- من سيبكي الأشجار بعد موتنا ؟!
- إن الفتى من يقول ها أنا ذا ليسَ الفَتَى مَنْ يقولُ كان أبي
- قصة إنسان ونصف !
- مجاهل شعاب ماقبل الأخير
- من هو الشاعر والفنان؟
- موت البراعم
- ياليت اللهُ -كُم- يملك قلباً كقلبي!
- هل اليسار في أزمة سرمدية، أم لايزال هناك أمل؟؟!!
- مطر السطور
- وحي الأوهام
- قصة المساء - كارل وأدولف -
- صدى رنين الزمن


المزيد.....




- أزمة الفن والثقافة على الشاشة وتأثيرها على الوعي المواطني ال ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دعد دريد ثابت - رجال مذعورة من فئرانها