أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - ياسين الحاج صالح - ماذا يفعل السلاح في الشارع؟















المزيد.....

ماذا يفعل السلاح في الشارع؟


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1513 - 2006 / 4 / 7 - 10:34
المحور: القضية الفلسطينية
    


كلما رأيت احتفال البنادق الرشاشة في شوارع المدن الفلسطينية شعرت بالأسى. وينقلب الأسى إلى شعور بالخزي حين يبدأ مسلحون شبان في قصف السماء برشاشاتهم، ذلك الطقس الذي تسعد كاميرات صحفيين غربيين، من الأقل تعاطفا مع الشعب الفلسطيني، في التقاطه وتعميمه (لا ينافسه إلا إدمان تصوير المصلين المسلمين من أقفيتهم، وهم ساجدون).
لماذا ينبغي تبذيل السلاح إلى هذه الدرجة؟ لماذا يجب استعراضه والابتهاج به كل يوم وفي كل مكان؟ لماذا يترك الشارع لشبان مسلحين، قد يكونون شجعانا، لكنهم ليسوا مثالا للنضج والحكمة؟ ولماذا تبذير المال على الرصاص، بينما تبلغ البطالة في صفوف الغزاويين قرابة 60%؟ وفي شارع ينتشر فيه السلاح، هل يمكن ألا تنخفض مرتبة الأطفال والنساء والشيوخ السياسية والوطنية؟ السلاح ضروري في عالم اليوم، لكن ليس له أن يسير في الشارع. عليه، بالأحرى، أن ينفصل عن الحياة اليومية المدنية للناس.
من يقول ذلك، سيقال، يتجاهل شرط الشعب الفلسطيني؛ ينسى أن هذا الشعب معرض لعدوان مديد، يمس وجوده وحياته وحقه في إقامة دولة مستقلة، وفي الدفاع عن نفسه. بلا ريب. لكن هل انتشار السلاح في الشارع هو بالفعل من أجل هذا الغرض؟ يتملك المراقب المتعاطف شعور بأن السلاح المستعرض بهذه الطريقة يخدم اكثر حاجة أفراد ومجموعات وفصائل إلى حيازة سلطة وأسبقية في المجتمع الفلسطيني، وليس إلى مقاومة العدو؛ وأن استعراض السلاح مرتبط بتدهور المقاومة، فاعلية وسياسة وفكرا وقيما، وليس بصعودها وكفاءتها وسموها. وهو أوثق صلة بمنافسة مع سلاح آخر، وفصيل آخر، مما بمقاومة فعالة لإسرائيل. لو كان السلاح الفلسطيني موحدا لكانت دوافع استعراضه أقل، لكن الاستعراض والتشرذم مكملان لبعضهما.
وهل يشعر المرء بغير الخوف والتشاؤم حين يرش شاب في الثلاثين كلمات مهددة أمام كاميرات الأقنية الفضائية (بُعيْد فوز حماس في الانتخابات التشريعية): نحن لا نسمح بـ، كما يرش الرصاص من بندقيته؟ أليس في هذا انحطاطا للسياسة؟ وللمقاومة؟ يصادف دوما أن "لا نسمح.." موجهة عمليا ضد رأي أو طرف فلسطيني آخر.
وجود السلاح في الشارع يغري بانتهاك القانون والاعتداء على الضعفاء. المسلح قوي، وهو قوي حيال من يشاهدونه، ومن هم حوله، وقلّ أن يكون كذلك حيال عدو مسلح بالطائرات والصواريخ والدبابات. وقوة المسلح تثير لدى الآخرين رغبة في حيازة القوة ذاتها، وإلا يفقدون احترامهم لأنفسهم، وينزعون إلى مقت من تسبب في توليد هذا الشعور في أنفسهم.
لماذا يبدو المجتمع الفلسطيني في حالة استعراض عسكري دائم؟ لماذا يبدو الضعيف منغمسا في احتفال لا ينتهي بالقوة؟ قيمة الاستعراض العسكري أن يكون منظما بدقة وانضباط هائلين، أن يجري في مناسبة محددة، وأن تشرف عليه السلطة السيادية العليا في البلد. إنه تعبير عن الوحدة والقوة والانضباط وهيبة الدولة حيال الخارج، واحترامها والاعتزاز بها من قبل مواطنيها. لكن الاستعراض الدائم، الرث فوق ذلك، يغدو استعراضا للضعف لا للقوة، وللفوضى لا للنظام، وللتفرق لا الوحدة. وبدل أن يجتذب المواطنين إلى المجال العام، كما ينتظر من استعراض منظم يجري في مناسبات بعينها، فإنه يطردهم منه.
والحال إن المجال العام لا يكون مجالا عاما إلا إذا كان خاليا من السلاح، ذلك انه لا يمكن أن يكون عموم الشعب مسلحا إلا في بلاغة الطغيان وأناشيده. وفي الأساس، لو كان الشعب كله مسلحا لانعدم دافع استعراض السلاح. ذلك أن المسلح إنما يستعرض سلاحه، بالتعريف، أمام الأعزل.
حضور السلاح في الشارع يمحو الحد بين المدني والعسكري، بين الحياة الخاصة والحياة العامة، بين المقاتل والسياسي. يمحوها لمصلحة العسكري والمقاتل والعام القسري، وضد المدني والخاص والسياسي. وهو كذلك يعمق الفصل بين الرجال والنساء، وبين الكبار والصغار.
لا يملك الشعب الفلسطيني ثكنات ولا جيشا نظاميا، ليمكنه الفصل بدقة بين العسكري والمدني. هذا صحيح. لكن لا يبنى على ذلك أنه يباح للسلاح أن يتجول في الشارع علنا، وفي أي وقت. فالواقع أن تجوال السلاح هذا ليس مسألة ثكنات وموارد مادية... بقدر ما هو مرتبط بثقافة تعلي من شأن العسكري على المدني، والسلطة على المجتمع، والمقاتل على المنتج، والحرب على الحب، و"النضال" على الحياة الخاصة، والعنف على السياسة. وهي ثقافة لا نحوز غير مناعة بالغة الضعف حيالها في فلسطين، وفي غير فلسطين. والملاحظ أنها تزداد انتشارا كلما انغمست مجتمعات المشرق العربي في مستنقع الهزيمة والضعف. وهذا لأنها الأنسب لحجب احتكار السلطة وتعطيل قدرة الناس على النقد والاحتجاج.
لطالما كانت ثقافتنا، في فلسطين، وكذلك في سوريا والعراق..، أعجز من أن تحتج احتجاجا فاعلا على غزو السلاح والمسلحين للمجال العام. إذ لم يكن ينقصها، هي ذاتها، الاحتفاء بالعنف والثورة والدم والتدمير والتطرف. على أن السلاح لم يلبث أن أنتج ثقافته مستغنيا حتى عن تلك الثقافة الثورية المتهافتة التي "تحب الورد، لكنها تحب القمح أكثر"، وتهوى الزنود أكثر من العقول والقلوب، وتفضل السماد على اللآلئ ("السماد لؤلؤ الاشتراكية"، كانت تقول شاخصة على طريق حمص- دمشق). الثقافة الجديدة، التي تنبع، مثل السلطة، من فوهة بندقية، كما لطالما اقتبس بإعجاب بالغ من ماو وزير الدفاع السوري السابق، هي قمح وزنود وسماد.. ومخابرات وسجون وقسوة لا متناهية، وتفاهة لا متناهية أيضا. وكان المثقفون، أفرادا وميدانا نوعيا، أول ضحايا ثقافة موت، أسهموا في إنتاج معانيها وحساسيتها. لقد حطموا شرعيتهم وحصانتهم بأيديهم.
نريد من ذلك أن الشرط الفلسطيني، وهو استثنائي بحق، لا يكفي لتفسير اجتياح السلاح للشارع والساحة والمشهد التلفزيوني. ثمة ثقافة تتواطأ مع فوضى السلاح ومع لعلعة الرصاص، ولطالما غنت للبارودة والكلاشينكوف والرشاش والطيارة... وللسيف والرمح.. وللحرب والدم والموت. وهي كذلك ثقافة ميالة إلى الاستعراض في عواطفها (الجامحة)، وفي إيمانها (البراني)، وفي وطنيتها (الزاعقة)، وفي أذواقها (الكيتشية)، وفي حماسها (الجارف، الذي يستسلم سريعا للخيبة)، وحتى في حزنها (الميلودرامي) وألمها (المتفجع).
كأننا بلا عمق، لا نوجد إن لم نعلن، نحمل عقائدنا في أيدينا وليس في قلوبنا، ونرتدي إيماننا ثوبا خارجيا. لكن من يرتدي إيمانه يجازف بأن يوسخه، ومن يحمل عقيدته في يديه قد تفلت منه وتدوسها الرجل.
نقد الثقافة هذه، وقيمها البرانية الفاقعة، ونماذجها البطولية من شاكلة صدام حسين، وخلوها من الإيمان والعقل معا، وافتقارها للكثافة النفسية، مقدم على بناء الثكنات. يتعين بناء مفهوم الثكنة في الثقافة، وإخراج الأسلحة والدم من الأغاني، من أجل أن تبنى الثكنات بعيدا عن الحياة المدنية ويفصل العسكر عن المدنيين.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التلفزيون والسجن: صندوقا السلطة
- لماذا يخسر الديمقراطيون العرب لعبتهم الديمقراطية، دائما؟
- عيد الكراهية الوطني الثالث والأربعون
- القوميون الجدد وسياسة الهوية
- -إعلانُ دمشق- واكتشاف سوريّا!
- طاقة الرمزي والعقلانية الرثة
- الطغيان والواقعية النفسانية
- حداثتنا الفكرية: قومية ألمانية، علمانية فرنسية، اشتراكية روس ...
- إلى المثقفين اللبنانيين: تعالوا زوروا سوريا!
- الأقليات غير موجودة في سوريا، لكن إحصاء الطوائف ممكن!
- حوار حول السياسة والثقافة في سوريا
- تقويم نقاش أزور: من صراع القيم إلى نقد السياق المؤسسي
- ضد التكريس
- فلسطين وإسرائيل: اختيار شراكة مفروضة!
- صورتان لمفهوم الأمن الوطني السوري: مقاربة نقدية
- سوريا ولبنان: تاريخ هويتين أم هوية تاريخين؟
- تخطيط لمراحل العلاقة العربية الغربية بعد الحرب العالمية الثا ...
- الامبريالية، الشمولية، السلفية؛ وماذا بعد؟
- غياث حبّاب
- عام سوري قصير ومليء!


المزيد.....




- حادثة طعن دامية في حي سكني بأمريكا تسفر عن 4 قتلى و7 جرحى
- صواريخ -حزب الله- تضرب صباحا مستوطنتين إسرائيليتن وتسهتدف مس ...
- عباس يمنح الثقة للتشكيلة الجديدة للحكومة
- من شولا كوهين إلى إم كامل، كيف تجمع إسرائيل معلوماتها من لبن ...
- فيديو:البحرية الكولومبية تصادر 3 أطنان من الكوكايين في البحر ...
- شجار جماعي عنيف في مطار باريس إثر ترحيل ناشط كردي إلى تركيا ...
- شاهد: محققون على متن سفينة دالي التي أسقطت جسر بالتيمور
- لافروف: لن يكون من الضروري الاعتراف بشرعية زيلينسكي كرئيس بع ...
- القاهرة.. مائدة إفطار تضم آلاف المصريين
- زيلينسكي: قواتنا ليست جاهزة للدفاع عن نفسها ضد أي هجوم روسي ...


المزيد.....

- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ
- أهم الأحداث في تاريخ البشرية عموماً والأحداث التي تخص فلسطين ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - ياسين الحاج صالح - ماذا يفعل السلاح في الشارع؟