أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - عام سوري قصير ومليء!















المزيد.....

عام سوري قصير ومليء!


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1433 - 2006 / 1 / 17 - 08:41
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


على غرار ما فعل إريك هوبسباوم في تاريخه لما سماه "القرن العشرين القصير"، حين ابتدأه بالحرب العالمية الأولى عام 1914 وختمه بنهاية الحرب الباردة عام 1989، يمكن أن نقترح للعام السياسي السوري 2005 بداية ونهاية تجعلانه أقصر من نظيره الفلكي: يبدأ يوم 14 شباط باغتيال الرئيس الحريري، وينتهى قبل رأس السنة بيوم واحد بحديث لنائب الرئيس السوري السباق السيد عبد الحليم خدام لقناة "العربية"، حديث انحاز فيه إلى تثبيت تهمة اغتيال صديقه على النظام الذي كان من مؤسسيه.
لماذا ابتدأ عامنا القصير في 14 شباط، وليس في مطلع أيلول 2004، وقت تسابق مجلس الأمن ومجلس النواب اللبناني على إصدار قرارين تاريخيين: التمديد للرئيس لحود والقرار 1559؟ ألم يكن الانسحاب السوري من لبنان مدونا في صدور القرار الدولي المذكور بحد ذاته؟ قد نذكر، جوابا، أنه مرت خمسة شهور ونصف بين القرار واغتيال الحريري دون تغيرات درامية على الأرض، وفقط 3 أسابيع بعد الاغتيال قبل أن يقرر المقررون السوريون الانسحاب، وسبعة أسابيع فحسب لتنفيذه بالكامل. نذكر ذلك لنقول إن الطريق بين 1559 والانسحاب لم يكن مستقيما، وإن دم الرئيس الحريري توسط بين القرار الدولي وبين الانسحاب السوري، وجعله محتوما. كان يمكن للانسحاب أن يتأخر، أو يلتوي الطريق إليه، أو يودع رفوف الأمم المتحدة إلى جانب قرارات شقيقة سبقته. لقد أخذت الأحداث مسارا غير عكوس فقط بعد 14 شباط. والفضل في ذلك لموت سينتزع لنفسه صفة الأعلى كلفة، سياسيا وماديا وبشريا، في منطقة اشتهر الموت بوفرته والحياة برخصها.
شهد العام السوري القصير أحداثاً جساما لا يحدث مثلها في أعوام من زمن الاستقرار، تتوجت بانسحاب القوات السورية من لبنان وبثلاث قرارات لمجلس الأمن الدولي (1595،1636،1644)، تتصل بالتحقيق في مقتل الرئيس الحريري. شهد أيضا حلقة أولى من تحقيق متعدد الحلقات مع مسؤولين أمنيين سوريين كبارا. ورغم أن ربعه الأخير وافق تحسنا في تقييم الأميركيين للتعاون السوري بخصوص ضبط الحدود مع العراق، إلا أنه يهيمن على مجمل اللوحة تراجع سيطرة نظام الحكم السوري على شروط استقراره الخارجية بعد خسارة لبنان.
كان طيب المقام السوري في لبنان قد آل مقياسا لحرارة العلاقات السورية الأميركية، وتاليا مؤشر أمان لاستقرار الحكم في سوريا. فطالما كانت المرجعية السورية مستقرة في بيروت، بقي "الاستقرار والاستمرار" مكفولين في دمشق. ورغم ما كانت عرفته العلاقات بين الولايات المتحدة وسوريا من تذبذبات وتوترات، فإنها لم تصل في أي يوم تلا انتهاء الحرب الباردة إلى حد مراجعة ثبات وهيمنة المرجعية السورية في لبنان. لذلك يحتمل أن تؤذن المراجعة التي عبر عنها القرار 1559، وبالخصوص تنفيذ الشق السوري منه في نيسان 2005، بتدهور تحكم النظام بشروط إعادة إنتاجه، أي سيادته على نفسه.
أما انشقاق خدام فيؤشر على تراجع سيطرة النظام على شروط استقراره الداخلية، بعد أن كان العام المنقضي قد أوهن سيطرته على شروط استقراره الخارجية، بضياع "جوهرة التاج" اللبنانية. ولا ريب في ارتباط الموت العنيف لوزير الداخلية غازي كنعان في تشرين الأول الماضي، وانشقاق خدام واتهاماته لنظام الرئيس بشار الأسد، ارتباطهما بالانسحاب السوري القسري من لبنان وتخلخل نظام الاستقرار الداخلي هذا.
يسير الاستقراران معا، بالنظر إلى طبيعة نظام الاستقرار السوري الكلي الذي أسسه الرئيس حافظ الأسد منذ أواسط السبعينات. فعبر التدخل في لبنان ومحاولات التحكم بمنظمة التحرير الفلسطينية ورعاية شكل محدد من المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، وعلى خلفيتي الحرب الباردة والصراع العربي الإسرائيلي، تكون نظام سياسي في سوريا موسوس بتدعيم استقرار نظامه وبقائه. لا ننس أن أهم تجارب سياسية كونت حافظ الأسد هي الانقلابات العسكرية التي شهدتها سوريا بين أواخر الأربعينات حتى ختمها انقلابه هو عام 1970. بعد انتهاء الحرب الباردة، تجدد نظام الاستقرار ذاته عبر المشاركة في حرب الخليج الثانية إلى جانب الأميركيين، وتجديد التفاهم الأميركي السوري على تحكيم سوريا في لبنان، وفتح الباب لعملية مدريد التي آلت إلى طريق مسدود قبل ثلاثة أشهر فحسب من وفاة الرئيس حافظ الأسد. بالحصيلة، أرسى الأسد المؤسس نظام استقرار محلي، على قاعدة دور إقليمي، مكفول دوليا. هذا النظام أخذت عراه تنحل بتسارع في عام 2005 السوري القصير: الكفالة الدولية سحبت، الدور الإقليمي تداعى، الاستقرار الداخلي معرض للتشقق والانشقاقات.
ويبدو الحال اليوم كالتالي: كي تحافظ سوريا على استقرارها، يتعين عليها أن تغير نظام الاستقرار الذي تكون قبل ثلاثين عاما، فإن حافظت على نظام الاستقرار الموروث فإنها ستخسر الاستقرار، وقد يخسر النظام بقاءه. ببساطة، بات نظام الاستقرار القائم على دور إقليمي وكفالة دولية مصدرا ديناميا لنزع الاستقرار في سوريا ذاتها.
لقد أضحى من الملح إعادة بناء الاستقرار على أسس جديدة، تضع أدوات الاستقرار السوري وتفاهماته وشرعيته بيد السوريين، لا بيد غيرهم. ليس الوجوب هذا وليد ضياع بيروت، ولا سقوط بغداد، بل نهاية الحرب الباردة. لكن حرب الخليج وعملية مدريد أتاحا الزوغان منها طوال عقد كامل. اليوم لا يبدو أنه ثمة فرصة لزوغان جديد. التوسع في القمع الداخلي، فضلا عن أنه مدمر، يجازف بأن يعطي نتائج عكسية في ظل أوضاع متفلتة وتضعضع هياكل وولاءات قديمة، أي مجمل ما سميناه تراجع سيطرة النظام على شروط استقراره وإعادة إنتاجه.
تغيير نظام الاستقرار يعني تغيير مجمل قواعد عمل النظام ومبادئ تلاحمه وهياكل سلطته. هذا وحده يمكن أن يرتفع بسوريا إلى مستوى الرد على الهزيمة اللبنانية والتراجع المطرد والثابت لتحكم النظام بنفسه وبمحيطه السياسي والاستراتيجي والأمني. نتحدث عن هزيمة لبنانية لأن هزيمة كبرى قد وقعت بالفعل، ولأنها ككل هزيمة تطرح الخيار الذي لا مهرب منها: إما تغيير النظام، وإلا تنحدر البلاد على طريق التحلل والانهيار. المخرج الدكتاتوري لم يعد متاحا كما كان بعد هزيمة حزيران. وحده الإقرار بهزيمة سورية في لبنان يمكن أن يكون منطلقا لنظام جديد في للحكم والاستقرار في البلد يضع حدا لمسلسل هزائم لا ينتهي. أما توهم استرجاع الدور الإقليمي لإعادة إرساء الاستقرار الداخلي فقد يتمخض عن كوابيس. ولعل تمخضه بدأ، إذا صح أن لهسام هسام ضلع في اغتيال جورج حاوي.
لقد ساعدت السياسة السورية على الإسراع بتنفيذ القرار 1559، بامتناعها عن أية مبادرة غير تلك التي تضعها على طريق البلدوزر الدولي. وما تابعناه من ردود على انشقاق السيد خدام لا يوحي بغير مساعدة للذات من الصنف الانتحاري نفسه.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ريجيم، نظام، سلطة: تعليق لغوي سياسي
- عودة الولايات المتحدة عن «الثورية الطفولية» إلى سياسة أكثر و ...
- في أزمة الدكتاتوريات ومستقبل العمل الديمقراطي
- مغزى سياسة -شارع ضد شارع-
- الوطنية السورية: طرح المشكلة
- من أجل جبهة ثقافية ضد الموت
- من الداخل غير ممكن، ومن الخارج غير ديمقراطي؛ كيف التغيير إذن ...
- السياسة الأميركية في -الشرق الأوسط-: من الاستقرار إلى الفوضى ...
- في ذكرى خالد العظم: رائد القومية الاقتصادية في سوريا
- الثالث المأوساوي أو فرص التركيب الوطني الديمقراطي
- تمرين في التربية الشمولية
- نزع مدنية المجتمعات يقوي التطرف والطائفية
- بيان في نزع القداسة عن السياسة
- -قيام، جلوس، سكوت-: مسرح الهوية وتجديد القبلية الثقافية
- مأزق الإصلاحية السورية
- النظام العربي الإسرائيلي
- المقاومة أم الاستسلام؟ بل التغيير
- نظرة إلى أصول سياسة الإنكار السورية
- حوار مبتور مع جريدة منحازة
- نقد -إعلان دمشق- ونقد نقده


المزيد.....




- الرد الإسرائيلي على إيران: غانتس وغالانت... من هم أعضاء مجلس ...
- بعد الأمطار الغزيرة في الإمارات.. وسيم يوسف يرد على -أهل الح ...
- لحظة الهجوم الإسرائيلي داخل إيران.. فيديو يظهر ما حدث قرب قا ...
- ما حجم الأضرار في قاعدة جوية بإيران استهدفها هجوم إسرائيلي م ...
- باحث إسرائيلي: تل أبيب حاولت شن هجوم كبير على إيران لكنها فش ...
- ستولتنبيرغ: دول الناتو وافقت على تزويد أوكرانيا بالمزيد من أ ...
- أوربان يحذر الاتحاد الأوروبي من لعب بالنار قد يقود أوروبا إل ...
- فضيحة صحية في بريطانيا: استخدام أطفال كـ-فئران تجارب- عبر تع ...
- ماذا نعرف عن منشأة نطنز النووية التي أكد مسؤولون إيرانيون سل ...
- المخابرات الأمريكية: أوكرانيا قد تخسر الحرب بحلول نهاية عام ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - عام سوري قصير ومليء!