أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - من الداخل غير ممكن، ومن الخارج غير ديمقراطي؛ كيف التغيير إذن؟















المزيد.....

من الداخل غير ممكن، ومن الخارج غير ديمقراطي؛ كيف التغيير إذن؟


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1413 - 2005 / 12 / 28 - 10:50
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


ترافق الإعداد الأميركي لغزو العراق حملة إعلامية وإيديولوجية تصر على أنه لا يمكن تغيير أنظمة دكتاتورية من شاكلة نظام صدام حسين إلا من الخارج. وشعر كثيرون أن حساسياتهم الفكرية والأخلاقية تملي عليهم رفض هذا الطرح، والإصرار على أن التغيير لا يأتي إلا من الداخل. ولم يكن من المفاجئ أن خصوم نظام صدام حسين من العرب والأكراد كانوا ميالين بمعظمهم إلى وجهة النظر الأولى، فيما انحاز أعداء السياسة الأميركية، العراقيين والعرب، إلى الوجهة الثانية.
تمثلت حجة الطرف الأول الأساسية أن الداخل العراقي ضعيف ومشلول، وتاليا غير قادر على تحدي وتغيير نظام شرس مخيف، أسكن الخوف في قلوب العراقيين وحطم معنوياتهم طوال سنوات حكمه الخمسة والثلاثين. وقفزت من ذلك إلى وجوب تأييد الغزو الأميركي والاستعداد للعمل تحت سيطرته لإدارة البلد المحتل، دون أن تشغل بالها بأولويات الأميركيين ودوافعهم وخططهم في العراق و"الشرق الأوسط". فيما كانت حجة الطرف الثاني مستمدة من عدائه للأميركيين، دون أن تقترح مخرجا للتغيير العراقي نحو نظام أكثر حرية وعدالة، الأمر الذي كان يعادل عمليا تسويغ نظام يسحق الداخل العراقي ويعقمه.
الشرط الاستقطابي للنقاش والحياة السياسية والإيديولوجية المشرقية، والناجم هو ذاته عن انسداد سياسي وفكري مديد، سكب النقاش تلقائيا في تقابل مانوي بين داخليين مطلقين وخارجيين مطلقين. يغطي الأولون برفض الهيمنة الأميركية على رفضهم للتغيير أو عجزهم عن تصور مخرج من نظام طغياني عنيف، ويخفي تحمس الأخيرين للتغيير التحاقا ارتجاليا بمخططات الأميركيين. قد يمكن فهم الاستقطاب هذا بالنظر إلى الطابع الحيوي بل المصيري للقضايا مثار النقاش، لكن متى كان النقاش المتوتر، السهل الانزلاق نحو التخوين (قوميين ) أو التكفير (إسلاميين) أو التسفيه (حداثيين) مجديا في مناقشة القضايا؟ لطالما غطت مصيرية القضايا على ركاكة النقاشات ورثاثة "النخب" وبؤس السياسات. بالنتيجة بقيت ظلت قضية التغيير نهب تجاذب إيديولوجي سابق عليها ومستقل عنها، يستأنف سيرة ثنائيات قارة في الثقافة العربية الحديثة (ونميل إلى الاعتقاد بان أصل جميع الثنائيات هو الموقف التأملي للمثقفين، وهذا ذاته موقف متصل بهامشية المثقفين السياسية).
ثمة نقاش مشابه لذلك اليوم بخصوص سوريا. النظام ووكلاء إيديولوجيون له يؤكدون أن التغيير الوحيد المقبول هو الداخل الذي يمسكون به بقبضة عنيفة، فيما يستند بعض خصوم النظام إلى تحكمه التام بالداخل للانحياز لما يفترض انه مشروع أميركي لتغيير النظام والمنطقة.
السؤال الذي قد يفيد طرحه لإنارة المسألة ليس ما إذا كان التغيير يأتي من الداخل أم من الخارج، بل بالأحرى في أية شروط يكون الخارج سندا لتغيير داخلي ذاتي الإصلاح، أي يقود إلى تفوق التفاعلات الداخلية للمجتمع المعني، عددا كثافة وأهمية، على تفاعلات أية قطاعات منه مع الخارج؟ وفي أية شروط يكون التغيير المدعوم من الخارج مفضيا إلى التبعية والتفكك الداخلي، على غرار ما يظهر المثال العراقي؟
تضمر صيغة السؤال هذه أن التغيير الداخلي المحض ليس متاحا، لكنها تفترض أيضا أن تغييرا يتكفل به الخارج سيخدم مصالح الخارج وحده. بعبارة أخرى، التغيير الداخلي غير ممكن والخارجي غير ديمقراطي. والسؤال كذلك لا ينكر أنه في عالم اليوم بات المفهوم الصوري لكل من الداخل والخارج غير مجد لا من أجل فهم السياسات المحلية والدولية، ولا من أجل وضع سياسات فعالة للعمل في بيئة دولية تزداد تفاعلا وقسوة في الوقت نفسه.
نفترض، جوابا على السؤال، أنه كلما توفرت في البلد المعني قوى مستقلة ومعارضة أكثر تنظيما وعقلانية واعتدالا ونشاطا كان دور الخارج أكثر إيجابية، وبالعكس كلما كان المستقلون والمعارضون الداخليون أضعف وأكثر أنانية وأميل للتطرف كان دور الخارج أدفع نحو التبعثر والانقسام وفقدان الاستقلال والسيادة. إن قوى معارضة وازنة أقدر على لعب دور طرف مستقل، وأمنع من تستخدم كأداة من قبل الفاعلين الخارجيين. فيما يسهل استتباع قوى "خفيفة" واستخدامها واجهات للسيطرة الخارجية، الأميركية دوما في هذا السياق.
ثمة مفارقة جلية هنا: إذا كانت القوى المعارضة منظمة ومؤثرة فإنها تتكفل بالتغيير دون حاجة لمساندة خارجية. بالضبط. هذا ما نريد قوله. يكون دور الخارج إيجابيا حين يكون في حده الأدنى. إن إشكالية داخل/ خارج التي فرضت نفسها على النقاشات حول التغيير في المشرق العربي تغطي على المسألة العملية الأهم، أي كيفية بناء القوى المنظمة القادرة على إدارة مرحلة الانتقال من الدكتاتوريات إلى نظم قابلة للإصلاح. لا ريب بالمقابل أن هيمنة هذه الإشكالية تعكس ضعف القوى المنظمة وحيرتها وعجزها.
ليس ثمة غير حل عملي لهذه المسألة العملية: بذل الجهد لتوسيع قوى النظام والعقلانية وتعزيز فاعليتها. وإذا تروينا في الأمر قد نتبين أنه ليس لهذا الجهد علاقة ضرورية بإشكالية داخل/ خارج، وإن كان يستجيب لها بأفضل صورة ممكنة. إنه ضروري دوما، ومفيد دوما. فإذا وقع غزو خارجي، أمكن لمجتمع منظم نسبيا أن يتحمله ويواجهه بنجاح أكبر من مجتمع مفكك. وتجنب مخاطر الفوضى ممكن أكثر عند توفر قوى منظمة مؤثرة. ثم أن وجود القوى هذه يساعد أيضا على تحمل الأنظمة الاستبدادية ما دامت، وربما أيضا على مواجهتها وفرض التنازلات عليها.
لعله لذلك يتعين تغيير مركز ثقل النقاش حول التغيير الديمقراطي في البلاد العربية من عملية التغيير (أو التحول أو الانتقال) بحد ذاتها إلى عملية بناء القوى المنظمة المعتدلة. تكون قضية التحول الديمقراطي محلولة مبدئيا بقدر ما تتسنى لمجتمعاتنا قوى منظمة ومعتدلة وعقلانية. وإذ نلح مرارا على عقلانيتها واعتدالها فلأن هاتين الصفتين مكونان أساسيان لتنظيم القوى الفعال، بينما التطرف مضاد للتنظيم. وكذلك لأن العقلانية والاعتدال أهم في مراحل الانتقال من العواطف الديمقراطية، حتى المخلصة منها.
التغيير، بالعكس، يرتد إلى محض انقلاب في ظل فراغ في التنظيم السياسي والاجتماعي والفكري، استبدال للسياسيين دون تغير في نظام السياسة والسلطة. ولو قام جورج بوش بدور بابا نويل، وأهدى بلادنا ديمقراطية جديدة تماما، في "كرتونتها"، فإن ضعف القوى المنظمة المعتدلة العقلانية والديمقراطية من شانه أن يتسبب بتعطلها وانقلابها على نفسها. بالمقابل، لو "أهدانا" بوش غزوا، فإن من شأن وجود قوى منظمة أن يخفف من آثاره وربما ينجح في كسب المعركة السياسية والأخلاقية ضده.
بالجملة، يساعد "العامل الخارجي" من يساعدون أنفسهم. لكن من يساعدون أنفسهم يساعدهم كل شيء.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السياسة الأميركية في -الشرق الأوسط-: من الاستقرار إلى الفوضى ...
- في ذكرى خالد العظم: رائد القومية الاقتصادية في سوريا
- الثالث المأوساوي أو فرص التركيب الوطني الديمقراطي
- تمرين في التربية الشمولية
- نزع مدنية المجتمعات يقوي التطرف والطائفية
- بيان في نزع القداسة عن السياسة
- -قيام، جلوس، سكوت-: مسرح الهوية وتجديد القبلية الثقافية
- مأزق الإصلاحية السورية
- النظام العربي الإسرائيلي
- المقاومة أم الاستسلام؟ بل التغيير
- نظرة إلى أصول سياسة الإنكار السورية
- حوار مبتور مع جريدة منحازة
- نقد -إعلان دمشق- ونقد نقده
- معارضة، إسرائيل، أميركا، مخابرات، شيبس، إلخ
- هل من سبيل لإبطال المخاتلة الطائفية؟
- الكتابة السياسية وسياسة الكتابة
- بين فراغ النماذج وضعف الطالبين، أي تغيير في سوريا؟
- -إعلان دمشق-: أوفاقٌ في زمن الانشقاق!؟
- عن نقد السياسة الأميركية ونقد نقدها
- المسألة المدنية: ضد العنف والتعصب والريعية


المزيد.....




- فرنسا تدعو روسيا وليس بوتين للمشاركة في احتفالات ذكرى إنزال ...
- الكرملين: كييف تسعى لوقف إطلاق النار خلال الألعاب الأولمبية ...
- الإيرانية والإسرائيلية أيضا.. وزير الخارجية الأردني يؤكد -سن ...
- المتنافسون على السلطة في ليبيا -يعارضون- خطة أممية لحل الأزم ...
- وزيرا الدفاع الأمريكي والصيني يعقدان أول محادثات منذ 18 شهرا ...
- باريس -تدعو- روسيا من دون بوتين للاحتفال بذكرى إنزال الحلفاء ...
- زيلينسكي يوقع قانون التعبئة الجديد لحشد 500 ألف جندي إضافي ب ...
- أوكرانيا أرادت تصفية الصحفي شاري واتهام روسيا باغتياله
- الوزير في مجلس الحرب بيني غانتس: إسرائيل سترد على إيران في ا ...
- لافروف: الولايات المتحدة وحلفاؤها يشعرون بقلق متزايد بشأن عم ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - من الداخل غير ممكن، ومن الخارج غير ديمقراطي؛ كيف التغيير إذن؟