ياسين الحاج صالح
الحوار المتمدن-العدد: 1399 - 2005 / 12 / 14 - 11:13
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
مبادرة رياض الترك بيان أو تمرين عملي في انتهاك المقدس السياسي وتوسيع دائرة المفكر فيه سياسيا. قبل أن تكون مبادرة من أجل الحرية فإنها مبادرة مصنوعة من الحرية، من مبدأ يصر على أنه حين يكون الكيان الوطني مهددا فإن تفكيرا يستبطن المحرمات السياسية لا يمكن أن يرتفع إلى مستوى اقتراح حلول ناجعة وأصيلة. إن تفكيرا طليقا مفتوح الآفاق فقط يمكن أن يسهم في إنقاذ سوريا، فيما لا يمكن لتفكير مستكين إلا أن ينجب "حلولا التفافية وترقيعية وجزئية"، حسب لغة "إعلان دمشق". في سوريا كثير من الكلام عن الحرية، قليل منه حر.
لا مجال للمبالغة في أهمية المبادرة على مستوى التربية السياسية السوية للشباب والنشطاء والعاملين في المجال العام، التربية على الحرية. إنها توسع دائرة الممكنات وتضيق دائرة المسكوت عنه وتعيد الاعتبار للفكر السياسي والقيم الجمهورية. لا مجال كذلك لاستعادة عموم الناس إلى السياسة والشأن العام، كما يدعو الديمقراطيون السوريون على الدوام، دون نزع القداسة عن السياسة. فالقداسة هذه هي التي تحرس احتكار السياسة وتشرف على إقصاء الناس عن شأنهم المشترك. لقد بلغ من استبطان محرمات المقدس السياسي أن دفع معارضين ومثقفين ناشطين إلى النأي بأنفسهم عن مبادرة الترك، إلى درجة التكتم عليها والامتناع عن التفكير فيها كمخرج محتمل من حال قد يغدو عضالا عصيا على العلاج في أي وقت. المبادرة الثورية هذه تدين الحياة السياسية والعقلية السورية برمتها وليس النظام وحده.
استحق رياض الترك نعته بأنه "خرفان" من قبل متكلم بعثي في البرنامج التلفزيوني الذي اقترح فيه مبادرته يوم 28/10. فعبر إخراجه من العقل نحو الجنون أو الخرف كان المتكلم البعثي يعيد ترميم سياج المقدس وحماية عقله هو. ولن يكون غريبا انه شعر بالرعب وهو يستمع كلام "الخرفان"، رعب المؤمنين حيال تجديف لا يطاق.
هل المبادرة قابلة للتطبيق؟ الوضع السوري متحرك جدا. من يدري؟ قد يكون جنون اليوم هو عين عقل الغد!
وعلى كل حال، القابلية للتطبيق ليست معيارا إلا في اللحظات العادية، أي مراحل الاستقرار و"التفكير المتوازي"، حيث الواقع هو الذي يشرع للأفكار. في اللحظات بالغة التوتر والمفتوحة النهايات مثل اللحظة السورية الراهنة، يتعين أن يساءل العقل الحر الواقع عن شرعيته. العقل غير المتوازي أو غير المتناظر أو غير الواقعي، العقل "الخرفان"، هو الذي يصنع الواقع الجديد.
ستذكر المبادرة يوما ما في حوليات الكفاح الديمقراطي السوري بأنها أكبر خطوة نحو تحرير العقل السياسي في سوريا واستعادة الشعب السوري للسياسة.
كانت الشجاعة دوما فضيلة أخلاقية سامية. في الشرط السوري الراهن هي ضرورة حيوية لا يتقدمها شيء.
#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟