أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - ياسين الحاج صالح - نزع مدنية المجتمعات يقوي التطرف والطائفية














المزيد.....

نزع مدنية المجتمعات يقوي التطرف والطائفية


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1401 - 2005 / 12 / 16 - 10:35
المحور: المجتمع المدني
    


يتناسب احتمال انفراد الإسلاميين بالسلطة في بلاد عربية تحكمها الآن دكتاتوريات "علمانية" أو نظم أبوية تسلطية طردا مع درجة تحطيم المجتمع المدني في هذه البلدان. ففي مجتمعات مدنية مضروبة، تعرضت لتصحير سياسي وثقافي عميق ومديد، وأحرقت أرضها الاجتماعية كيلا تنبت عليها أحزاب سياسية، وأحبط مسعى أية تنظيمات حديثة أن تمد جذورها فيها، في مجتمعات كهذه من غير المفاجئ أن يكون وزن الإسلاميين مهما. إن مدنية المجتمعات هي طبقة حديثة وهشة من تكوينها ووعيها (مثلما هي "ذات" الإنسان عند نيتشه). فإذا تعرضت للانهيار استقر المجتمع على طبقة من التكوين والوعي تحتها، الطبقة الإسلامية.
صحيح أن الاستمرارية بين الإسلاميين المعاصرين والطبقة الإسلامية من الوعي في البلاد الإسلامية ليست معطى بديهيا، لكننا نلاحظ أن الطبقة هذه تسهل عمل الإسلاميين، وأنها توفر لهم لغة تخاطب وحساسية وأطر التقاء وتعارف لا تقارن بما يمكن أن يتوفر لغيرهم. ثمة "رأي" واحد يستحيل منعه هو القرآن، و"اجتماع" واحد يستحيل فضه هو الصلاة في المسجد.
الأصح على كل حال أن نتكلم على الطبقة الدينية من الوعي، لأن مجتمعات المشرق العربي جميعا متعددة الأديان. فحضور الإسلاميين في مجتمعات مدنية محطمة ينطبق على طوائفهم جميعا، سنة وشيعة وجماعات اصغر. ولو أن صغر حجم الجماعات الأخيرة يدفع النخب المتحدرة منها أكثر نحو استصلاح مذاهب حديثة كمبادئ تتقوى بها للدفاع عن مصالحها وتحسين وزنها في المجتمع الكلي. مثل ذلك يمكن قوله عن مسيحيي المشرق الذين يجدون عوائق اقل في وجه اعتناق الحداثة الغربية على أرضية رابطتهم الدينية، أو هذا ما يظنونه (والظن هنا هو الأهم).
في تركيا والمغرب ثمة أحزاب عريقة ومنظمات قوية نسبيا أتيح لها أن تمد جذورا في المجتمعات المحلية، والإسلاميون فيهما ميالون إلى الاعتدال. إنهم يواجهون منافسة جدية من أحزاب ومنظمات علمانية ثابتة الشرعية يصعب اقتلاعها دون المجازفة بتدمير المجتمع، ما يلزمهم بالاعتدال. في الأردن ما يقارب ذلك، وكان دالا أن عراقيين هم الذين قاموا بعمليات الفنادق الإرهابية. في الحالات الثلاثة، وعلى تفاوت، تبدو المجتمعات ممانعة لنظام حزب واحد ديني أو حتى مقاومة له. هل اعتدالهم اضطراري إذن اكثر مما هو ذاتي؟ ليس لنا أن نبالغ في الفرق بين النوعين. قد يبدأ الاعتدال اضطراريا وسياسيا وينتهي ذاتيا وثقافيا. وبالمقابل قد يؤول اعتدال ذاتي إلى تطرف في غياب قوى أخرى تمنع التطرف و"الفرعنة"، أو نتيجة استبداد التطرف بجميع القوى السياسية والتيارات الإيديولوجية. كان الإسلاميون السوريون معتدلين في خمسينات القرن العشرين، لكنهم اتجهوا نحو التطرف منذ الستينات، حين اتجه الجميع، البعثيين والشيوعيين وحتى الناصريين، نحو التطرف السياسي والثقافي وهجروا الاعتدال وحاربوه. ولعل نصيب الاضطرار في اعتدالهم اليوم ليس قليلا، لكن ليس ثمة ما يحول دون تحول الاعتدال السياسي هذا إلى اعتدال ثقافي، بالخصوص إذا تسنى للميول الانفتاحية والاعتدالية في أوساط المعارضة السورية الحالية أن تستمر وتترسخ.
إلى ذلك فإن الإسلاميين بالذات يختلفون بين مجتمع مدني حيوي وآخر محطم ومنهك. تركيا هنا شاهد مهم أيضا. الإسلاميون الأتراك حزب علماني إسلامي، مهما بدا ذلك متناقضا على السطح، في مجتمع ترتقي باستمرار سيطرته على مصيره. الشاهد المعاكس قد يكون فلسطين حيث تعرض المجتمع الفلسطيني لمزيج من اقتلاع عنيف وترضيض متكرر ومديد، جعل من إسلاميين ميالين إلى التشدد السياسي والسلوكي إغراء قويا. يزيد هذا الإغراء قوة أن سلطة "فتح" أضافت إلى تهاونها السياسي تراخيا سلوكيا، حط من اعتبارها في أوساط فلسطينية واسعة.
يتيح مجتمع مدني متماسك ذاتيا للسياسة أن تستقل عن عالم الاعتقاد والعاطفة، أن تتعلمن، فيما قد يكون الاعتقاد الديني و/ أو الروابط الأهلية مبدأ التماسك الوحيد، أو الأقوى، لمجتمع دون أحزاب ومنظمات وجمعيات وحصانات وسلطات اجتماعية مستقلة.
نقيض نموذج تركيا والمغرب والأردن، نجده في بلاد تعرضت فيه حركات وتنظيمات يسارية وعلمانية وديمقراطية ووطنية لسحق متكرر، كما في سوريا والعراق والجزائر وليبيا، وربما بدرجة أقل مصر، وتستولي فيها السلطات على مفاصل الحراك الاجتماعي، وتقمع أو تصادر العمل الحقوقي والنقابي والثقافي المستقل. هنا يمكن أن نتحدث عن مجتمعات ممسوكة أو منزوعة المدنية، أفقدها الاستبداد المنهك مناعتها ضد الارتماء في حضن استبداد جديد. قد تجد فيه حلا، أو ببساطة لا تستطيع مقاومته. مقاومة هيمنة إسلاموية محتملة تأتي هنا من جماعات دينية أو مذهبية أخرى، وهي مقاومة قد تصون التوازن الاجتماعي لكن على مستوى أهلي، هذا بالطبع إن لم يتفجر التوازن المستحيل في حرب أهلية مفتوحة.
بالجملة، يبدو أن أفق الدكتاتوريات التي تحكم أنظمة متعددة الأديان في المشرق العربي ينفتح على واحد من احتمالين لبنانيين: لبنان ميثاق 1943، ولبنان حرب 1975-1989، أي ديمقراطية توافقية طوائفية، أو حرب أهلية. العراق يتحرك اليوم بينهما. أما التحول نحو نظام المواطنة الذي تدعو له القوى الديمقراطية في سوريا ولبنان والعراق... فيقتضي أن تكون القوى هذه أقوى بكثير، وان يكون تأثير القوى الخارجية أضعف بكثير. نقول ذلك لأن الارتباط ثابت بين قوة التأثير الخارجي وغلبة نزعات الانفراط الداخلي، حتى لو لم يكن صحيحا أن هذه تنشأ عن ذاك. إن اقتراب الجرم الأميركي الكبير من المشرق يتسبب بزلازل سياسية في دوله وتمزقات جيولوجية في مجتمعاته، وتوافق هذه تماما خطوط الانقسام الأهلية.
في سوريا بالذات، كل يوم يمر يضعف الدولة، ويجعل احتمال ديمقراطية مواطنين تقف على رجليها أصعب، واحتمال توافقية داخلية مضعضعة وهيمنة خارجية أكبر. يفتح ضعف الدولة الباب أمام قوى البعثرة الداخلية وقوى الهيمنة الخارجية، المزيج الذي نعرفه جيدا من لبنان والعراق. أما دوام الحال، فقد أضحى بالفعل من المحال.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بيان في نزع القداسة عن السياسة
- -قيام، جلوس، سكوت-: مسرح الهوية وتجديد القبلية الثقافية
- مأزق الإصلاحية السورية
- النظام العربي الإسرائيلي
- المقاومة أم الاستسلام؟ بل التغيير
- نظرة إلى أصول سياسة الإنكار السورية
- حوار مبتور مع جريدة منحازة
- نقد -إعلان دمشق- ونقد نقده
- معارضة، إسرائيل، أميركا، مخابرات، شيبس، إلخ
- هل من سبيل لإبطال المخاتلة الطائفية؟
- الكتابة السياسية وسياسة الكتابة
- بين فراغ النماذج وضعف الطالبين، أي تغيير في سوريا؟
- -إعلان دمشق-: أوفاقٌ في زمن الانشقاق!؟
- عن نقد السياسة الأميركية ونقد نقدها
- المسألة المدنية: ضد العنف والتعصب والريعية
- المأزق العربي الأميركي المتبادل
- نحو جامعة متقدمة وديمقراطية: المسألة الجامعية وقضية الطلاب ف ...
- أربع تنويعات على فكرة التسييس
- فحص الضمير الوطني السوري
- العقيدة والهوية ونزع العلمانية


المزيد.....




- اليونيسف تعلن استشهاد أكثر من 14 ألف طفل فلسطيني في العدوان ...
- اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط ...
- الأمم المتحدة تستنكر -تعمد- تحطيم الأجهزة الطبية المعقدة بمس ...
- يديعوت أحرونوت: حكومة إسرائيل رفضت صفقة لتبادل الأسرى مرتين ...
- اعتقال رجل في القنصلية الإيرانية في باريس بعد بلاغ عن وجود ق ...
- ميقاتي يدعو ماكرون لتبني إعلان مناطق آمنة في سوريا لتسهيل إع ...
- شركات الشحن العالمية تحث الأمم المتحدة على حماية السفن
- اعتقال رجل هدد بتفجير نفسه في القنصلية الإيرانية بباريس
- طهران تدين الفيتو الأمريکي ضد عضوية فلسطين بالأمم المتحدة
- عشية اتفاق جديد مع إيطاليا.. السلطات التونسية تفكك مخيما للم ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - ياسين الحاج صالح - نزع مدنية المجتمعات يقوي التطرف والطائفية