أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - الوطنية السورية: طرح المشكلة














المزيد.....

الوطنية السورية: طرح المشكلة


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1420 - 2006 / 1 / 4 - 12:02
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


بالتفاعل مع الضغوط والقرارات الدولية المتصلة باغتيال الرئيس الحريري، والانسحاب من لبنان في نيسان الماضي، وتقريري لجنة التحقيق الدولية الذين عبرا عن الاشتباه بدور سوري في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني، وصدور القرار 1636 و1644، ودور وسائل الإعلام اللبنانية والعربية والسورية، بالتفاعل مع الوقائع والتحولات هذه كلها أخذت الحرارة الوطنية بالارتفاع في سوريا إلى درجة تقارب الحمى. بعض الارتفاع هذا ثمرة أفعال تعبئة متعددة الأشكال تتخذ من الشارع ووسائل الإعلام مسرحا، لكن بعضا آخر منها ثمرة تفاعل قطاعات من السوريين تشعر بالفعل أن البلد مهدد، ولا تثق بنيات الأميركيين، وتخشى من مخاطر انزلاق سوريا في مسار عراقي.
من أكثر المدركات تداولا في هذا المناخ المحموم مدرك الوحدة الوطنية، الذي يعني عادة انخفاض الأصوات السورية جميعا دون صوت المعركة، أي عمليا النظام. الأصوات المعارضة والمستقلة الناقدة تجازف بأن تتهم بالخيانة أو التواطؤ مع "الخارج"، حسبما ألمح الرئيس بشار الأسد نفسه في خطاب ألقاه في 10/11 في جامعة دمشق. ومعلوم أن كثيرا من المعارضين أنفسهم دأبوا على تسويغ مطالبهم الخاصة بالحريات وحقوق الإنسان بمردودها المفترض على "الوحدة الوطنية" و"الجبهة الداخلية"، والرد على "المخاطر الخارجية"، دون نقد لهذه المدركات وللثقافة السياسية التي تتأسس عليها. المضمر في هذا الكلام أن حرياتنا وحقوقنا تحتاج إلى تسويغ من شيء آخر يعلو عليها بدل أن تكون هي أساس كل تسويغ وشرعية. وقبل بعض الوقت اصدر ناشطون بعثيون وأصدقاء لهم وثيقة تحت عنوان "الوطن في خطر"، رمت "إعلان دمشق" المعارض والقوى الموقعة عليه بما يقارب الخيانة الوطنية.
وبينما يتوقع المرء أن استسهال إصدار الأحكام يقتضي مفاهيم ومعايير بالغة الوضوح، فإن الواقع يشير إلى أن الاستسهال المذكور يواكب اختلاطا في المعايير واضطرابا في المفاهيم. فليس ثمة نقاش من أي نوع حول مفاهيم المصلحة الوطنية السورية أو الأمن الوطني السوري أو الوحدة الوطنية، أو الوطنية السورية ذاتها. وليس هناك مراجع ذات قيمة حول هذه المفاهيم، أو كتابات يمكن للنقاش أن ينبني عليها أو على نقدها. هناك في الواقع تصورات عاطفية وشعورية لهذه المفاهيم، لكن ليس أبدا تصورات عقلانية منظمة. ومن جهة أخرى، قد يمكن استخلاص هذا المفاهيم من خطب الرسميين، من أجهزة الإعلام، ومن السياسات الممارسة، لكن ليس لنا أن نتوقع تحليها بالاتساق والوضوح. ويسهل للنظام استخدام هذه الصيغ الشعورية والمختلطة من أجل توزيع الوطنية والخيانة على السوريين، دون أن يكون ثمة معايير واضحة لهذه الأحكام، ودون أن تكون بيد المواطنين السوريين والمهتمين بالشأن العام أدوات عقلية تمكنهم من الدفاع عن أنفسهم ضد التشوش والغموض، أو ضد السياسات التي تستفيد من التشوش والغموض لتفرض نسخها هي من المفاهيم المذكورة. وهي نسخ منحازة ومرتبطة بنظام للسلطة لا يكاد يؤثر عامة السوريين على هياكله وخياراته ومستقبله، ومستقبلهم في ظله.
إن احتلال النظام موقع توزيع ألقاب الوطنية وتهم الخيانة هو مصدر قوة أساسية له. فهو بذلك يضع نفسه فوق المساءلة، بينما يغدو السوريون جميعا تحتها، مطالبون كل لحظة بتبرير مواقفهم وتبرئة أنفسهم من خيانات محتملة. وسيكون المواطن وطنيا بدرجة تتناسب مع قربه من النظام، الأمر الذي لا يقوض شرعية المعارضة السياسية، بل الشرعية السياسية والعقلية لمفهوم المعارضة ذاته.
هناك مشكلة بلا ريب في مفهوم الوطنية حين يستخدم كثيرا للتخوين وقليلا لحماية المواطنين والدفاع عن حقوقهم. لذلك فإن تحرير الوطنية من يد النظام هو شرط شرعية المعارضة والنقد السياسي وشرعية النظام بالذات.
من حيث المبدأ لا تطابق المصلحة الوطنية لأي بلد مصلحة الفريق الحاكم، لكن هذا يمكن أن يخدم المصلحة الوطنية بقدر ما يكون منتخبا انتخابا حرا نزيها. فالانتخابات الدورية آلية تحقق من خدمة الفريق الحاكم للمصلحة الوطنية. والحكم فيها هو الاختيار الشعبي الحر. في غيابه، تنفصل الوطنية عن الخيارات الشعبية، ويبقى تقدير مصلحة الوطن متروكا لأخلاقيات الحكام ونياتهم الحسنة. وهذا شيء لا يمكن التعويل عليه، لأن "السلطة تفسد والسلطة لمطلقة تفسد إفساد مطلقا"، حسب عبارة اللورد آكتون المأثورة. في هذه الحالة، أعني دون اختيار شعبي حر، يميل الفريق الحاكم إلى مطابقة المصلحة الوطنية مع مصلحته وبقائه حاكما. ويجنح كذلك إلى مطابقة الأمن الوطني مع أمنه لا مع أمن مواطنيه، وإلى نشر مفهوم للوحدة الوطنية يجعل النظام قيما عليها، ويضعها في تعارض مع استقلال المواطنين السياسي ومبادراتهم الحرة.
المعادلة الأساسية في هذه الشروط، والتي تنطبق على سوريا، هي المماهاة بين الوطن والنظام، الأمر الذي يمحو المسافة بين نقد النظام و"خيانة" الوطن.
المفارقة التي تستوقفنا أن كثرة الكلام على الوطن والوطنية تقترن بأدنى إنتاج فكري أو بحثي عقلاني حول قضايا الوطنية والوحدة الوطنية والمصلحة الوطنية والأمن الوطني. عند التدقيق قد تتبدد المفارقة. وقد يبدو أن الوطنية الحارة، إن جاز التعبير، وهي ذاتها الوطنية العاطفية أو الحدسية، أنسب للتحكم بالسكان والحد من فرص الاعتراض الداخلي، من الوطنية الباردة أو العقلانية التي يخضع لضوابطها الحاكمون والمحكومون، الحاكمون قبل المحكومين.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من أجل جبهة ثقافية ضد الموت
- من الداخل غير ممكن، ومن الخارج غير ديمقراطي؛ كيف التغيير إذن ...
- السياسة الأميركية في -الشرق الأوسط-: من الاستقرار إلى الفوضى ...
- في ذكرى خالد العظم: رائد القومية الاقتصادية في سوريا
- الثالث المأوساوي أو فرص التركيب الوطني الديمقراطي
- تمرين في التربية الشمولية
- نزع مدنية المجتمعات يقوي التطرف والطائفية
- بيان في نزع القداسة عن السياسة
- -قيام، جلوس، سكوت-: مسرح الهوية وتجديد القبلية الثقافية
- مأزق الإصلاحية السورية
- النظام العربي الإسرائيلي
- المقاومة أم الاستسلام؟ بل التغيير
- نظرة إلى أصول سياسة الإنكار السورية
- حوار مبتور مع جريدة منحازة
- نقد -إعلان دمشق- ونقد نقده
- معارضة، إسرائيل، أميركا، مخابرات، شيبس، إلخ
- هل من سبيل لإبطال المخاتلة الطائفية؟
- الكتابة السياسية وسياسة الكتابة
- بين فراغ النماذج وضعف الطالبين، أي تغيير في سوريا؟
- -إعلان دمشق-: أوفاقٌ في زمن الانشقاق!؟


المزيد.....




- بالخيام والأعلام الفلسطينية.. مظاهرة مؤيدة لغزة في حرم جامعة ...
- أوكرانيا تحوّل طائراتها المدنية إلى مسيرات انتحارية إرهابية ...
- الأمن الروسي يعتقل متهما جديدا في هجوم -كروكوس- الإرهابي
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1005 عسكريين أوكرانيين خلال 2 ...
- صحيفة إسرائيلية تكشف سبب قرار -عملية رفح- واحتمال حصول تغيير ...
- الشرطة الفلبينية تقضي على أحد مقاتلي جماعة أبو سياف المتورط ...
- تركيا.. الحكم بالمؤبد سبع مرات على منفذة تفجير إسطنبول عام 2 ...
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لقتلى وجرحى القصف الإسرائيلي
- -بلومبيرغ-: إسرائيل تجهز قواتها لحرب شاملة مع -حزب الله-
- بلينكن يهدد الصين: مستعدون لفرض عقوبات جديدة بسبب أوكرانيا


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - الوطنية السورية: طرح المشكلة