أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - الأقليات غير موجودة في سوريا، لكن إحصاء الطوائف ممكن!















المزيد.....

الأقليات غير موجودة في سوريا، لكن إحصاء الطوائف ممكن!


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1469 - 2006 / 2 / 22 - 10:13
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


لم تخطئ نشرة "كلنا شركاء" الإلكترونية السورية حين وصفت إحصاء للطوائف في سوريا، أوردته يوم 8/2/2006، بأنه "هام جدا". فهو حقا "هام جدا"، لأنه يحصي عدد ونسبة السوريين من كل طائفة، في بلد محكوم بثقافة سياسية مفرطة في دمجيتها وتكتمها على الوقائع الإثنية والطائفية؛ وهو "هام جدا" لأنه يورد أرقاما ونسبا مفاجئة وغير مسبوقة، تناقض ما هو مقرر في جميع ما نعرفه من مراجع عن سوريا الحديثة والمعاصرة، دون أن تهتم بالتناقض هذا أو تقترح له تفسيرا. وهو "هام جدا" بعدُ لأنه مستوعب ضمن سياق سياسي وإيديولوجي، يضفي عليه دلالات عينية تهيمن على بعده التقني المجرد المفترض وتتخفى وراءه.
ورد خبر الإحصاء الطائفي من مصدر غير معروف الصفة والاختصاص حتى للنشرة ذاتها، د. محمد الموصللي، في سياق الاعتراض على عبارة عابرة في مقالة نشرت في الموقع ذاته يوم 6/2، يقول كاتبها القومي العربي المقيم في الولايات المتحدة إن السنيين العرب يشكلون ثلثي المجتمع السوري. رغبة منه في "تصويب تلك المسألة"، يقول المصدر غير المحدد الهوية: "في إحصاء دقيق ولم يتم نشره، أجرته الجهات المختصة في سورية، طيلة النصف الثاني من عام 2005 تبين في محصلته أن تعداد سكان سوريا القاطنين يبلغ 18 مليون نسمة، موزعين على الشكل التالي: 45% سنة، 20% علويون، 15% أكراد، 12% مسيحيون، 3% دروز، 3% مرشديون (طائفة تنسب إلى سلمان المرشد، تكونت أيام الانتداب الفرنسي؛ والمرشديون جميعا علويون في الأصل)، إسماعيليون 1,5%، وشيعة 0,5%".
لا يوضح المصدر من هي "الجهات المختصة" التي أجرت الإحصاء، ولا كيفية إجرائه، أو الغاية منه، أو الجهة التي اتخذت القرار بشأنه. كما يقدم أرقاما مدورة لا تعتمدها الإحصاءات عادة، "الدقيقة" منها بالخصوص. فعدد السنيين 8,1 مليون، والعلويين 3,6 مليون والأكراد 2,7 مليون وهكذا.
النسب الثلاث الأولى هي، في نفس الوقت، الأشد تعارضا مع النسب المتداولة، والأغني بطاقة تنازعية كامنة. فالنسب المتداولة في المراجع الأجنبية للمسلمين السنة العرب تترواح بين 60 و66% بالمئة، وللعلويين، بمن فيهم المرشديون، بين 10 و12%. كذلك فإن نسبة الأكراد وفقا للمراجع المتاحة بين 8 و10%. ونقول المراجع الأجنبية، من كتب مؤلفة عن سوريا ومن موسوعات عالمية كبرى، لأنها تبدي على الدوام اهتماما بالتكوين الديني والإثني للمجتمعات الشرقية والعربية، لأسباب ليست السياسة بعيدة عنها، وليست المعرفة مهمشة فيها. على أن المغزى السياسي هو الأهم، وقد حرص المصدر على التلميح إليه: "هذا يبين أن سورية مجموعة من الأقليات، كما هو الحال في لبنان". ولعل المغزى هذا يكتسب حضورا خاصا من التاريخ الذي قال خبر الإحصاء إنه جرى فيه: النصف الثاني من عام 2005، أي بعد مؤتمر حزب البعث الأخير، وفي غمرة الضغوط الدولية على النظام في سوريا والمضاربات حول مصيره.
يحرص الخبر الذي نشر بطريقة عارضة تشبه التسريب على وضع نسبه وأرقامه الجديدة في سياق إنكار كون السنيين العرب أكثرية السوريين عدديا، ويبدي عناية خاصة بإبراز أن الأكراد "لا يصنفون أنفسهم على هذا الأساس [المذهبي] بل على الأساس العرقي"، قبل أن يمضي إلى القول إن معظمهم يعتبر نفسه "أقرب على الأقليات الأخرى، مصلحيا منه إلى الأقلية السنية الكبرى". يحرص أيضا على القول إن نسبة 45% تغطي السنيين جميعا، بمن فيهم التركمان والشركس والشيشان والأقليات الأخرى.
بالجملة يبدو مصدر الخبر منشغل البال بإثبات أن السنيين السوريين العرب، فوق كونهم متعددون، ليسوا أكثرية مطلقة، وأن بينهم (الأكراد) من لا يعرفون أنفسهم كسنيين.
هل المعلومات التي يوردها "الإحصاء" صحيحة؟ لا نملك لها إثباتا أو نفيا، لكننا نميل بقوة إلى التشكيك فيها، لتعارضها مع ما هو معروف في مجالها، ولنوعية العلاقة بين المعرفة والسلطة في سوريا، علاقة تقوم على إخضاع الثانية منهما للأولى. ورغم مظهره التقني ونبرته الخافتة، يتخذ "الإحصاء" هذا دلالته فقط ضمن الحقل السياسي والإيديولوجي السوري، المتسم بحدة استقطاباته وبانفتاحه الراهن على احتمالات غير مسيطر عليها، وقد تكون غير مسبوقة منذ بداية العهد البعثي. ومعلوم أن المكون الطائفي الذي اقتضى "إحصاء" يحتل ضمن الحقل حيزا محسوسا جدا وشبحيا في الوقت نفسه.
إن اندراج "إحصاء" الطوائف في سياق سياسي بعينه، لم يشتهر بانفتاحه على الحقيقة الموضوعية، أو بتقبله لاستقلالها عن السلطة والإيديولوجية، يشحنه بدلالات سياسية بعيدة عن التجرد المفترض في معلومات أساسية. وهو بذلك مرشح لأن يلعب دور أداة، من جملة أدوات أخرى، متناقضة فيما بينها، في تنازع سياسي وإيديولوجي مرشح للاحتداد. من الأدوات الأخرى، مثلا، التهويل بـ"الخطر الأصولي" (إما نحن أو "المتطرفين الإسلاميين")، ومنها كذلك تحريم ذكر كلمة أقليات، على غرار ما فعلت المسودة البعثية لقانون الأحزاب المفترض صدروه في الأسابيع القادمة، والتي نشرت مؤخرا: "لا يمكن للأحزاب السياسية أن تدعي وجود أقليات على أرض الجمهورية العربية السورية معتمدة في ذلك على تباين ديني أو عرقي أو مذهبي أو قبلي أو عشائري أو أثني"! ولعل تنوع الأدوات وتناقضها يعكس تناقض توجهات وتفضيلات المقررين ضمن "نخبة" السلطة من جهة، ورغبة مشتركة في اختبار تنويع الأدوات وتكثيرها من أجل التحول من واحدة لأخرى حسب الحاجة من جهة أخرى.
بين نص يؤكد أن سوريا ليست إلا أقليات "كما هو عليه الحال في لبنان"، وآخر يحرم "ادعاء وجود أقليات"، ينبجس قلق من انقلاب سياسي كبير، يتوسل أحيانا استنكار رد الديمقراطية إلى "الأكثرية العددية"؛ وكما هو منتظر، تأخذ العبارة الأخيرة معنى بالغ التحديد في سياقاتها السورية الراهنة. يشتغل القلق ذاك بطريقة فرويدية جدا، فيتقافز من إنكار وجود أقليات في سوريا، إلى البرهنة عبر "إحصاء دقيق" أن السوريين أقليات فحسب، إلى تقرير أن "الأكثرية العددية" ليست كثيرة و"الأقلية" ليست قليلة! إنها قصة القِدْر المثقوب، التي تكثر وجوه انطباقها على السلوك السياسي والإيديولوجي السوري، بقدر ما يشتد نزيز اللاشعور السياسي إلى سطح الوعي بفعل الأزمات: أولا، كان القدر مثقوبا حين استعرته منك؛ ثانيا، حين أعدته لك كان القدر سليما؛ ثالثا، أنا لم أستعر منك قدرا أصلا.
يشتغل نظام السلطة في سوريا عبر صنع دلالات الكلمات بدرجة نميل عادة إلى إهمالها. وأحد وجوه سياسة المعنى هذه تصريف تحكمي لدلالات، ونفي غيرها إلى دائرة المحرم التفكير فيه، ما يؤمل منه التلاعب بالواقع بل إلغاء مفهومه بالذات. ويؤسس التحريم الدلالي للقمع السياسي، تماما كما يؤسس تحرير سياسة المعنى لقيام الواقع وامتناعه على الحذف وحصانة الأفراد. هذا يجعل من تسمية الأشياء بأسمائها، والدفاع عن استقلال المعرفة، فعلا مؤسسا لأية سياسة متحررة من التحريم والقمع.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار حول السياسة والثقافة في سوريا
- تقويم نقاش أزور: من صراع القيم إلى نقد السياق المؤسسي
- ضد التكريس
- فلسطين وإسرائيل: اختيار شراكة مفروضة!
- صورتان لمفهوم الأمن الوطني السوري: مقاربة نقدية
- سوريا ولبنان: تاريخ هويتين أم هوية تاريخين؟
- تخطيط لمراحل العلاقة العربية الغربية بعد الحرب العالمية الثا ...
- الامبريالية، الشمولية، السلفية؛ وماذا بعد؟
- غياث حبّاب
- عام سوري قصير ومليء!
- ريجيم، نظام، سلطة: تعليق لغوي سياسي
- عودة الولايات المتحدة عن «الثورية الطفولية» إلى سياسة أكثر و ...
- في أزمة الدكتاتوريات ومستقبل العمل الديمقراطي
- مغزى سياسة -شارع ضد شارع-
- الوطنية السورية: طرح المشكلة
- من أجل جبهة ثقافية ضد الموت
- من الداخل غير ممكن، ومن الخارج غير ديمقراطي؛ كيف التغيير إذن ...
- السياسة الأميركية في -الشرق الأوسط-: من الاستقرار إلى الفوضى ...
- في ذكرى خالد العظم: رائد القومية الاقتصادية في سوريا
- الثالث المأوساوي أو فرص التركيب الوطني الديمقراطي


المزيد.....




- عاصفة رملية شديدة تحول سماء مدينة ليبية إلى اللون الأصفر
- واشنطن: سعي إسرائيل لشرعنة مستوطنات في الضفة الغربية -خطير و ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من استهدافه دبابة إسرائيلية في موقع ال ...
- هل أفشلت صواريخ ومسيرات الحوثيين التحالف البحري الأمريكي؟
- اليمن.. انفجار عبوة ناسفة جرفتها السيول يوقع إصابات (فيديو) ...
- أعراض غير اعتيادية للحساسية
- دراجات نارية رباعية الدفع في خدمة المظليين الروس (فيديو)
- مصر.. التحقيقات تكشف تفاصيل اتهام الـ-بلوغر- نادين طارق بنشر ...
- ابتكار -ذكاء اصطناعي سام- لوقف خطر روبوتات الدردشة
- الغارات الجوية الإسرائيلية المكثفة على جنوب لبنان


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - الأقليات غير موجودة في سوريا، لكن إحصاء الطوائف ممكن!