أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - سوريا ولبنان: تاريخ هويتين أم هوية تاريخين؟















المزيد.....

سوريا ولبنان: تاريخ هويتين أم هوية تاريخين؟


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1446 - 2006 / 1 / 30 - 09:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تتحدد هوية لبنان بدلالة سوريا، تمايزا أو تقاربا، أكثر بكثير مما تتحد هوية سوريا بدلالة لبنان. وما يبدو اليوم من احتلال الموقف من لبنان وتطوراته حيزا مهما في وعي "الوطنية السورية" لذاتها هو، على ما نرجح، طور عابر مرتبط بأزمة تعاني منها الوطنية هذه في علاقتها مع ذاتها وفي علاقتها مع الغير، وبالخصوص بعد الانسحاب من لبنان.
بحكم تكونه التاريخي وتكوينه الاجتماعي وموقعه الجغرافي بقي لبنان بلدا ثنائي القطب، إن صح التعبير. فهو منجذب من جهة إلى الغرب الحديث، فرنسا بالخصوص، ومن جهة إلى المشرق العربي وشؤونه وقضاياه، وبالخصوص سوريا، الجار العربي الوحيد للبنان منذ قرابة 60 عاما. ويميل أحد قطبي لبنان إلى تعريف الكيان اللبناني الحديث، وعمره أقل من 9 عقود، بتمايزه عن سوريا واستقلاله عنها واختلافه عنها ومعها. وهو ما اغتذى على الدوام من إدراك القطب هذا حقيقة أن النخب السياسية والثقافية السورية الفاعلة لم تكن سعيدة في أي يوم من الأيام بوجود كيان لبناني مستقل؛ كيان كان، فوق ذلك، مختلفا في نظامه الاقتصادي وتصوره لذاته وشرعيته. لقد آل الأمر بالنخب السورية إلى أن تتصالح مع الاستقلال اللبناني وتتقبله، بل وتدافع عنه، وان تضع ذلك في سياق مناهضة الاستبداد المحلي وتطلعاته شبه الامبراطورية (الدور الإقليمي، التحول من "ملعب إلى لاعب"..). لكن العملية هذه حديثة، ولا يزال مدارها هو السياسة وليس الثقافة. ما يعني من حيث المبدأ أنها لما تبلغ بعد نقطة اللاانعكاس.
ويميل القطب اللبناني الآخر إلى تعريف لبنان بقربه من سوريا وعلاقته الخاصة معها. وهو ما غدا صحيحا بالخصوص بعد انتهاء الحرب اللبنانية منذ نهاية العقد التاسع من القرن العشرين. ولا ريب أن الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان قد قوى موقع الأطراف اللبنانية التي لا تفكر في لبنان إلا معرفا بدلالة علاقة خاصة مع سوريا. ومعلوم أن سنوات ما بعد الطائف 1989 وما بعد إلحاق الهزيمة بالجنرال عون في خريف 1990 هي سنوات مطبوعة بشعارات من نوع "شعب واحد في بلدين" و"وحدة المسارين" والعلاقة الخاصة بين البلدين.
وطوال عقود ما قبل الحرب اللبنانية كانت القاعدة الاجتماعية للقطب الذي يعرف لبنان بالتمايز عن سوريا هي الطائفة المارونية، بينما كانت قاعدة القطب الثاني هي الطائفة السنية. اليوم نشهد تحولا في القاعدة الأخيرة نحو الطائفة الشيعية التي تنامي وزنها الديمغرافي وقوتها العسكرية والسياسية بفضل "حزب الله" ومساهمته الأكبر في طرد الإسرائيليين من الجنوب، وعلاقاته المميزة مع كل من سوريا البعثية وإيران الخمينية. لكن من المبكر القول إن هذا التحول نهائي، وأن الأوساط السنية والدرزية، فضلا عن المارونية، أو المسيحية بصورة أعم، أمست قاعدة الاستقلالية اللبنانية عن سوريا. والوقع أن موقع سوريا اختلف بين ما قبل الحرب اللبنانية وما بعدها. فقبل الحرب كانت سوريا تعتبر نافذة لبنان على العالم العربي، ولم تكن تحتل، من الناحية السياسية، موقعا امتيازيا في لبنان يفوق الموقع الذي احتلته مصر بين أواخر الخمسينات ووفاة ناصر، أو موقع العربية السعودية. أما بعد الحرب فقد أضحى الموقع السوري امتيازيا لا يقارن بغيره. لم تعد سوريا النافذة الأقرب بل باب الدار وبوابها. وتوازى الصعود الشيعي مع تحول السند الفكري للعلاقة السورية اللبنانية نحو أرضية تعبر عن نفسها بلغة التلاحم والعقيدة، لا بلغة المصلحة والبراغماتية من جهة، وإلى تكون مثلث سياسي واستراتيجي يشمل طرفا غير عربي هو إيران من جهة أخرى.

خلافا للبنان لم تتحدد الهوية السورية يوما بدلالة لبنان وبالموقف السلبي أو الإيجابي منه. هنا أيضا تمتد جذور ذلك في تكون سوريا التاريخي وتكوينها الاجتماعي وموقعها الجغرافي. سوريا وريثة المملكة العربية المفترضة التي فاوض الشريف حسين الهاشمي البريطانيين عليها خلال الحرب العالمية الأولى، والتي كان يفترض أن تمتد من المحيط الهندي إلى بحر العرب ومن جبال طوروس شمالا إلى العريش جنوبا. وخسرت سوريا بعض أرضها المقدرة مرارا في الحرب العالمية الأولى، وبعيد الانتداب الفرنسي، وعام 1939، وعام 1967. إن التجربة المكونة لسوريا الحديثة هي تجربة تقسيم وتقليص، بقدر ما هي تجربة توسيع واستيعاب في لبنان. وستترك هذه التجربة أثرا لا يمحي في التكوين السياسي والفكري لنخبها حتى العصر البعثي. وما لا يمحي من أثر يغدو جزء من الكائن، من هويته. وبقدر ما أن القوى الغربية المتنفذة هي التي تولت تقسيم سوريا أو التبرع ببعض أراضيها لأطراف أخرى، فإن السوريين، النخب السياسية والثقافية السورية، ستدرك ذاتها وبلدها بالتمايز، أولا، عن الغرب. وكان الحاضن الإيجابي لرعاية هذا التمايز هو العروبة التي كانت قد برزت شيئا فشيئا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر كقاسم مشترك أعظم بين أكثرية عثمانيي المشرق، متعددي الأديان والإثنيات.
كانت تركيا قد نجحت في الحفاظ على كيانها، واستردت أراض انتزعت منها، وحققت انتصارات عسكرية ضد اليونان وفرنسا ذاتها، ما ساعدها على التحول نحو العلمانية وتحسين علاقاتها مع الغرب. سوريا الخاضعة، المخدوعة، المجزأة، كان من المستحيل أن تسير على الدرب نفسه. كانت تحتاج إلى تراكم أولي كبير، معنوي سياسي، كي تدشن نمطا سياسيا وثقافيا جديدا. أو، باستعارة أخرى، كانت محتاجة إلى انطلاقة أقوى بكثير كي تتجاوز "السرعة الكونية الأولى"، وتنفلت من جاذبية الماضي، وتختط لنفسها مدارا مختلفا ومستقلا عنه.
العروبة السورية امتصت تجربة تكوينية أليمة، أمدت الكيان الناشئ بهوية مسكونة بهاجسي الوحدة والاستقلال. هوية تنظر إلى "التجزئة" كعار ينبغي أن يغسل عاجلا أو آجلا، وإلى الوحدة كذوبان وتماثل ومحو تام للفوارق، وإلى التبعية كذل لا يطاق، وإلى الاستقلال كاحتلال لموقع السيادة العالمية وكرسالة خالدة، وإلى التاريخ كعرض زائل. وبقدر ما إنه يستحيل بلورة سياسة متماسكة حول هذه التصورات فقد قامت بدور ارضية مشرعة لنظام بالغ الطغيان، جعل من الوحدة إنكارا للاختلاف والتعدد في أوساط رعاياه، ومن الاستقلال سيادة مطلقة له على مصيرهم، ومن التاريخ معرضا لخلوده.
ثمة مظاهر، اليوم، لتعريف الوطنية السورية بدلالة لبنان. نجد مثلا محاولات فجة لنقل التأزم السياسي الحاد في العلاقة السورية اللبنانية إلى مجال الثقافة: مسرح، أغان، أناشيد..، أي إلى مجال غير العابر والعارض. هذا مؤشر أزمة في الوطنية وفي وعي الهوية السورية ذاتها وفي الثقافة في سوريا. وهو يشير إلى درجة انعدام شخصية هذه الثقافة، وارتضائها أن تقوم بدور أداتي لسياسة خارجية عنها. وثمة، بالمقابل، مظاهر لإعادة تعريف استقطابية للبنان وانقسام حاد للمجتمع اللبناني حول سوريا. في لبنان، تتحول النزاعات السياسية بسهولة إلى أزمة كيانية وصراعات أهلية بسبب ضعف الدولة واستقطاب الهوية، أي تنتقل الصراعات بسهولة من مجال السياسة إلى مجال الثقافة، ومن مجال الظرفي والجزئي إلى مجال ما يفترض أنه مبدأ تسام فوق الظرفي والجزئي: مجال الهوية. وهو ما يشير إلى أزمة في الوطنية اللبنانية التي تمثل الوجه السياسي والدولي للهوية، ويدعو إلى إعادة تشكيلها. في الحالين، في سوريا كما في لبنان، ثمة تسييس للهوية، ما يعطل وظيفتها الأساسية، أي حضانة الإجماع والقيم العمومية. الفارق المهم أن الهوية اللبنانية تتناهشها الطوائف، فيما تستولي السلطة القسرية عليها في سوريا. الوطنية معرضة للتفتت في أحدهما، وللانتحال في الآخر.
إعادة تشكيل الهوية توجب تقوية الدولة في لبنان على حساب الطوائف، وتقوية الدولة في سوريا على حساب السلطة. توجب أيضا إعادة صوغ العلاقة بينهما على أسس بريئة من تماه يخفي الهيمنة، ومن عداء يتقنع بقناع الاستقلال. لا سند لهذا الوجوب المزدوج في الماضي. إنه التزام مستقبلي "على غير مثال سبق".
لبنان ضد سورية هو لبنان منقسم على نفسه، وسوريا ضد لبنان هي سوريا غير ديمقراطية. لبنان موحد، وسوريا حرة: هذا ما يتعين اجتراحه للمستقبل!



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تخطيط لمراحل العلاقة العربية الغربية بعد الحرب العالمية الثا ...
- الامبريالية، الشمولية، السلفية؛ وماذا بعد؟
- غياث حبّاب
- عام سوري قصير ومليء!
- ريجيم، نظام، سلطة: تعليق لغوي سياسي
- عودة الولايات المتحدة عن «الثورية الطفولية» إلى سياسة أكثر و ...
- في أزمة الدكتاتوريات ومستقبل العمل الديمقراطي
- مغزى سياسة -شارع ضد شارع-
- الوطنية السورية: طرح المشكلة
- من أجل جبهة ثقافية ضد الموت
- من الداخل غير ممكن، ومن الخارج غير ديمقراطي؛ كيف التغيير إذن ...
- السياسة الأميركية في -الشرق الأوسط-: من الاستقرار إلى الفوضى ...
- في ذكرى خالد العظم: رائد القومية الاقتصادية في سوريا
- الثالث المأوساوي أو فرص التركيب الوطني الديمقراطي
- تمرين في التربية الشمولية
- نزع مدنية المجتمعات يقوي التطرف والطائفية
- بيان في نزع القداسة عن السياسة
- -قيام، جلوس، سكوت-: مسرح الهوية وتجديد القبلية الثقافية
- مأزق الإصلاحية السورية
- النظام العربي الإسرائيلي


المزيد.....




- عاصفة رملية شديدة تحول سماء مدينة ليبية إلى اللون الأصفر
- واشنطن: سعي إسرائيل لشرعنة مستوطنات في الضفة الغربية -خطير و ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من استهدافه دبابة إسرائيلية في موقع ال ...
- هل أفشلت صواريخ ومسيرات الحوثيين التحالف البحري الأمريكي؟
- اليمن.. انفجار عبوة ناسفة جرفتها السيول يوقع إصابات (فيديو) ...
- أعراض غير اعتيادية للحساسية
- دراجات نارية رباعية الدفع في خدمة المظليين الروس (فيديو)
- مصر.. التحقيقات تكشف تفاصيل اتهام الـ-بلوغر- نادين طارق بنشر ...
- ابتكار -ذكاء اصطناعي سام- لوقف خطر روبوتات الدردشة
- الغارات الجوية الإسرائيلية المكثفة على جنوب لبنان


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - سوريا ولبنان: تاريخ هويتين أم هوية تاريخين؟